آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
توصيات وملامح للمربين والمعلمين

توصيات وملامح للمربين والمعلمين

تاريخ الإضافة: 2007/02/23 | عدد المشاهدات: 4282

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

جاءني منذ يومين رجل كريم افتتح مدرسة خاصة قال لي: أريد توجيهاتٍ تكون بمثابة منهاج تربوي أضعه أمام المعلمين والمدرسين، هذا المنهاج عبارة عن توصيات، عبارة عن ملامح عامة، فما الأمور التي يجب أن يتوجه بها المعلمون إلى الطلاب بشكل عام حتى تكون المسؤولية قد حُققت بشكل صحيح ؟

وبعد أن طلب مني هذا الطلب عكفت بيني وبين نفسي على استقراء تلك المعالم وسجلتها على ورقة وقلت له في اليوم التالي إليكها.

وها أنا ذا أقول لكم هذه الأمور وهذه التوصيات وأردت من المعلمين ومن الآباء بل ومن المدرسين بل ومن كل إنسان يسأل عن طلاب، عن أولاد، عن أشخاص، يشعر بضرورة القيام بتوجيههم.

قلت لصاحب هذه المدرسة: ليكن المعلمون موجهين للطلاب وفق الأمور التالية:

أولاً: حببوا إلى طلابكم الإيمان بالله عز وجل، وأنا إذ أخاطب المعلمين والمدرسين أؤكد على مخاطبتي الآباء، حببوا إلى طلابكم وأبنائكم الإيمان وقولوا أمامهم: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. حبب الإيمان لأن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى مسلم في صحيحه فقال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم).

ثانياً: وجّه التلاميذ والطلاب إلى الالتزام بالإسلام من منابعه الصافية من دون زيادة ولا نقصان، من دون أحاديث ضعيفة، من دون أقوال لا تمت إلى مصدر الإسلام بصلة. وجه التلاميذ والطلاب إلى الالتزام بالإسلام من منابعه الصافية من القرآن الكريم: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ من سيرة النبي عليه الصلاة وآله والسلام الموثقة، من أحاديث محمد بن عبد الله عليه وآله الصلاة والسلام الموثقة، لأن نبينا عليه وآله الصلاة والسلام قال كما روى مسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) سواء أكان هذا الإحداث عن حسن نية أو سوء نية. وجه التلاميذ والطلاب إلى الالتزام بالإسلام من منابعه الصافية فإذا ما التزموا إسلامهم فهم مستقيمون وإذا استقاموا فليعلموا ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾ فإذا ما استقاموا فالله يقول لهم: ﴿وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً﴾.

ثالثاً:درّبهم على الصبر، على طلب العلم. لأن طلابنا اليوم بشكل عام - إلا من رحم الله - نفد صبرهم على طلب العلم، بل ربما كانوا من الأصل غير صابرين، وأسمعهم بين الفينة والأخرى قول الله عز وجل ﴿وقل رب زدني علماً﴾ وأسمعهم بين الفينة والأخرى قول الله عز وجل ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ أسمعهم كل ما ورد من آيات تحثّ على طلب العلم وكل ما ورد من أحاديث تحضّ على طلب العلم، وأسمعهم أيضاً كل ما ورد في تراثنا من حكم منثورة وغير منثورة من حكم نثرية وشعرية لأن هذا يؤثر في وعيهم الداخلي.

أولسنا قد ربينا من جملة ما ربينا عليه بيت يقول:

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها               والجهل يهدم بيوت العز والكرم

فلماذا يا شبابنا تعرضون عن طلب العلم وتعرضون عن الصبر على طلب العلم ؟

درّبهم على الصبر على طلب العلم وأعلمهم أن التفوق عبادة، يروي أبو يعلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه) والإتقان تفوق، نريدكم يا طلابنا متفوقين، ولطالما كررنا ذلك لأننا بدأنا نرى انحساراً من المسلمين في ميادين التفوق، وتركت تلك الميادين لغير المسلمين فهل يجوز هذا ؟

رابعاً: نمِّ فيهم حب الوطن والتفاني من أجل خدمته. أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما روى الترمذي وقال: حسن صحيح (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد) وما الوطن إلا مال وعرض وأهل، نمِّ فيهم حب الوطن لأن حب الوطن كادت تغيب شمسه من قلوبنا ومن قلوب أبنائنا، وها نحن نرى ملامح استهتار بالوطن، بمَرَافقه، بخيراته، بثرواته، وبدأنا نرى ملامح استهتارٍ يضاف إلى الاستهتار احتقار ربما، ويضاف إلى الاحتقار سرقة و... أين حب الوطن ؟ أين عبادة الله في حب الوطن ؟ لذلك أيها المعلم نمِّ في الطلاب حب الوطن والتفاني في خدمته. أوليس رسولنا قال أيضاً كما روى الحاكم في مستدركه بسند حسن: (من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) والمسلمون هم المواطنون الذين يعيشون معك وهم يأتون بالدرجة الأولى. فما بالنا نرى أن الانعتاق من المسؤولية الوطنية أضحى السِّمة الغالبة فهل يجوز هذا ؟

خامساً: ادعهم إلى التعاون والتآخي والتماسك والتعاضد والتناصح والتباذل. وضع أمامهم هذا الحديث العظيم الذي يرويه البخاري، اسمعوا هذا الحديث وأريدكم أن تفقهوه، فأنا أعلم أنكم تعلموه، أريد أن تنظروا إليه بإمعان: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) علموا أولادكم وطلابكم وادعوهم إلى التعاون والتعاضد والتسامح فيما بينهم والتناصح، لأن ذلك يبني جيلاً يرضى عنه ديننا ولا شك بأنه يرضى عنه ربنا ويرضي رسول ربنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.

سادساً: اصِّل ودعم في تلاميذك وطلابك الأخلاق.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت               فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

الحضارة أخلاق، التصوف أخلاق، الدين أخلاق، الأخلاق مدعوّون إليها من قبل ديننا، إسلامنا، قرآننا، نبينا، عروبتنا، وطننا، عقلنا، قلبنا. نحن مدعوون إلى الأخلاق من كل الجهات فهل نحن على مستوى أخلاق ديننا ؟ إني لأشك في ذلك. لذلك أتمنى وأرجو وأطلب من المعلمين وأقول لهم: أصِّل ودعّم في طلابنا الأخلاق الحسنة من حياء، طلابنا بحاجة إلى حياء، طالباتنا بحاجة إلى حياء، علمهم الطهر والعفة واذكر لهم دائماً: ﴿إنه ربي أحس مثواي﴾ نحن بحاجة فيما يخص طلابنا ومعلمينا وتجارنا إلى أخلاق ومنها الحياء، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير، علمهم الوفاء، علمهم الأمانة، علمهم الصدق، علمهم الطهر، علمهم العفة، علمهم أن يكونوا على مستوى عالٍ من الإخلاق، لأن الإنسان كما قال سيدي رسول الله: (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ولقد قرأت حديثاً أحببت أن أنقله لطلابنا عبر هذه التوصيات وإليكم أيضاً. يقول صلى الله عليه وآله وسلم، واسمعوا ذلك بآذان واعية وبإرادة جادة من أجل التطبيق : (أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) أتريدون بيتاً في أعلى الجنة ؟ إذاً فلنحسن أخلاقنا. اصِّل ودعم في طلابنا، في عقولهم، في مرتكزات وعيهم الأخلاق، فإن نبينا محمداً عليه وآله الصلاة والسلام وصفه ربه فقال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وآمل أن نكون جميعاً تحت هذا العنوان ليصفنا من يصفنا، من يرانا، من يعيش معنا، من يعاملنا بهذا الوصف على قدرنا فنكون خير أتباع لهذا النبي الكريم لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.

كما بدأت الحديث أعيده أيها المعلمون أنتم مسؤولون أمام الله وأمام الأجيال القادمة وأمام التاريخ وأمام ذاك الذي ندبكم للتدريس والتعليم وأمام الوطن، لكنني أريد وأنا أكلمكم عن مسؤولياتكم أن تستشعروا هذه المسؤولية ولا سيما مسؤوليتكم أمام ربكم لأن ربكم سيسألكم، ولأن ربكم ستقفون أمامه ليس بينكم وبينه ترجمان فـ: (ما من أحد إلا وسيخلو به ربه فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

يا رب أسألك أن تردّ معلمينا وطلابنا ومديرينا وكل المسؤولين عن ساحات التربية والثقافة إلى دينك رداً جميلاً، لأن دينك ينفعه في الدنيا فيقدم لهم النجاح وينفعهم في الآخرة فيقدم لهم الفلاح، فاللهم اجعلنا من أهل النجاح والفلاح، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 23/2/200

التعليقات

شاركنا بتعليق