آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حماية الإسلام للجماعة

حماية الإسلام للجماعة

تاريخ الإضافة: 2007/03/09 | عدد المشاهدات: 2814

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

سئل أحد المستشرقين عن مزية الإسلام في تعامله مع الإنسان ؟

فقال: للإنصاف، مزية الإسلام أنه يعتبر بجدارة دين الجماعة، أي دين يجمع الناس، ودين يوحد الناس، ودين يؤلف بين الناس، ودين يظهر أتباعه متماسكين. هذا ما قاله أحد المستشرقين وهو يقول من أجل الإنصاف.

لكنني وأنا أقرأ هذه الكلمة لهذا المستشرق انتابني شعور بالقلق فقلت في نفسي: نحن نوصف بأننا متماسكون وبأن ديننا دين الجماعة، لكن الواقع لا يسعفنا من أجل أن نستشهد به ويكون برهاناً عملياً على ما نقول، وهذا ما كنت حدّثت به إخواني هنا في جامع التوحيد وفي أماكن أخرى، قلت أكثر من مرة: يا أيها المسلمون إن الجماعة فينا وإن المزية التي أكرمنا الله بها وهي أن الإسلام دين الجماعة هذه المزية أصبحت مريضة إن لم تكن ماتت، فلماذا لا نعيد النظر في قضية المحافظة على الجماعة وفي قضية التماسك وفي قضية الوحدة وفي قضية التعاون، وفي قضية أن نكون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص ؟ لماذا لا نعيد النظر في هذه القضية على أنها فرض وأمل ينتظره الناس منا وأمر يجب ألا نخالفه ؟ لذلك قررت في هذه الجمعة أن أحدث نفسي وأحدثكم عن ضرورة إبراز هذه النقطة التي نتصف بها وإعادة النظر في كيفية إبرازها، مبتدئين بالتأصيل لهذه القضية، قلت في نفسي: لأكلمن إخوتي في جامع التوحيد عن حماية الإسلام للجماعة، وعن رعاية الإسلام للجماعة.

لقد حمى الإسلام الجماعة أو التجلي الجماعي لأفراده وأراد أن يكون واضحاً جلياً منضبطاً متماسكاً متضامناً وذلك من خلال أمور:

أولاً: حماه من أن يصاب بخدش مادي أو معنوي: والخدش المادي هو أن يتقاتل أتباع هذا الدين، لذلك قال عليه وآله الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (من حمل السلاح علينا فليس منا) يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمي التجلي الجماعي لأتباع هذا الدين فلا خدش مادي لهذا التجلي الجماعي، وحماه أيضاً من الخدش المعنوي (الخُلق) فقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في سنن أبي داود: (ليس منا من غش) والغش ليس في البيع والشراء فحسب، وإنما الغش في العلاقات على اختلاف أنواعها وأشكالها ومستوياتها، وفي رواية البخاري ومسلم: (من غشنا فليس منا) ويقول كما في رواية ابن حبان: (من غشنا فليس منا، المكر والخديعة في النار) المكر والخديعة يؤثران سلباً على جماعة المسلمين، عليكم أن تحموا التجلي الجماعي لديننا، عليكم أن تحموا الجماعة المسلمة التي أكرمنا الله بأن نكون أعضاءً فيها وذلك من خلال ألا يصيبها الخدش المادي أو المعنوي. الجماعة أمانة في أعناقكم فهيا إلى حماية الجماعة على سبيل الوجوب وليس على سبيل النفل، حماية الجماعة وأن تكونوا صفاً واحداً وأن تكونوا كلمة واحدة. هذا أمر واجب شرعي لا يتحمله فقط الشيخ والحاكم والمثقف بل هو واجب شرعي في رقبتك أنت سواء أكنت شيخاً أو حاكماً أو عادياً، فالقضية واجبة فحافظوا على الجماعة من خلال أمرين من خلال الحماية من الأمر المادي الذي هو القتال، ومن خلال الحماية من الأمر السيء المعنوي الذي يمثله الخديعة والمكر والغش.

ومن خلال الرعاية: والرعاية تتجلى في أمور:

أولاً: التأكيد على اهتمام المسلمين والمواطنين والوطن بأمر المسلمين ونصحهم، وها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما يروي الحاكم: (من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) أين اهتمامكم بأمر المسلمين، بجماعة المسلمين، بواقع المسلمين، هيا إلى هذا الاهتمام وإلا عزلت نفسك عن أن تكون في جماعة المسلمين، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم يمسي ويصبح ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم) جاء ذلك في الطبراني بسند حسن، فهل تفكر في نصيحة المسلمين صباح مساء ؟ أم أنك تفكر في اتهام المسلمين ؟ أم أنك تفكر في شتم المسلمين واغتيابهم والنميمة فيما بينهم ؟ أم أنك تفكر في نقد المسلمين نقداً لاذعاً سلبياً ؟ حافظ على جماعة المسلمين بالحماية والرعاية من خلال التأكيد على نفسك وعلى الآخرين على ضرورة الاهتمام بأمر المسلمين ونصحهم.

ثانياً: من خلال التعاون البنّاء الصادق المفضي إلى الود: ولقد قرأت حديثاً في صحيح ابن حبان ما أجمله ولينظر كل منا في هذين الصنفين الذين عرض لهما سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المؤمنون بعضهم لبعض نصحة وادّون وإن بعدت منازلهم وأبدانهم) ولعلكم تذكرون أني قلت لكم على هذا المنبر: إن الأخوة الإسلامية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ تقوم على جناحين: النصح والحب وها هو سيدي رسول الله يقول هذا وقد وقعت على الحديث منذ ثلاثة أيام فرأيتي مسروراً لأنني يوم فسرت الأخوة بالنصح والمحبة وجدتني أمام دعم عظيم من سيدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – (المؤمنون بعضهم لبعض نصحة وادّون وإن بعدت منازلهم وأبدانهم، الفجرة بعضهم لبعض غششة متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم) قل لي بربك: هل أنت مع المسلمين الذين تشكل معهم الجماعة الإسلام هل أنت ناصح واد ؟ أم أنك لا سمح الله غاش وخائن ؟ القضية محسومة وليس نافلة فإما أن تكونوا مؤمنين فعليكم أن تكونوا لبعض نصحة وادون، وإما لا سمح الله والحال يكاد يقول لي: بأننا من الصنف الثاني: والفجرة بعضهم لبعض غششة متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم، فالأخ أضحى لا يأمن من أخيه والصديق لا يأمن من صديقة متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم، والشيخ أضحى لا يأمن من الشيخ الآخر والأستاذ أضحى لا يأمن من تلميذه والتلميذ لا يأمن من أستاذه، وإذا تكلمت كلمة أمام زوجك أو... أمام صاحبك الذي تظهر الإيمان المشترك بينك وبينه أصبحت تخاف لأنك لا تأمن منه ولم يعد يأمن منك، أفيجوز هذا ؟! هل نحن نندرج تحت الصنف الأول ؟ ما أظن ذلك.

والرعاية إذاً تأتي بعد الاهتمام بأمر المسلمين ونصحهم، وتأتي من خلال التعاون البنّاء المفضي إلى الود. وتأتي ثالثاً: من خلال حسن الخلق فيما بيننا: حسّنوا أخلاقكم فيما بينكم لأن حسن الخلق هو الحضارة افعلوا واعبدوا ربكم فيما بينكم ما شئتم فإن لم تكن أخلاقكم فيما بينكم حسنة فلن تكونوا حضاريين، ولا يمكن أن تكونوا دعاة، ولا يمكن أن يقبل الناس دينكم الذي تدعون إليه، ولا يمكن أن تكونوا على مستوى الاصطفاء الذي أكرمنا الله به يوم قال: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ القضية الفيصلية حسن الخلق، ولهذا قال عليه وآله الصلاة والسلام كما في الترمذي: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً) ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروى أحمد وسواه: (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقاً) وروى الترمذي الحديث المشهور المعروف يوم قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) ليس أن تخالق المسلمين فقط وإنما الناس.

هل نريد في النهاية أن نكون على مستوى ديننا حين رعى الجماعة والتجلي الجماعي أم أننا في غفلة عن هذا وأصبحنا متفرقين أيدي سبأ، وأصبحنا لقمة مستساغة يأكلها الآخر متى أراد وفي الكيفية التي يريد، لأننا متفرقون أصبحنا ضعافاً، ولأننا أغفلنا مزية ديننا في دعوته إلى الجماعة أصبحنا نؤكل الواحد بعد الآخر، بالأمس كان العراق مستهدفاً وقد استُهدف، وبالأمس قبل العراق كانت فلسطين مستهدفة وقد استُهدفت وتحققت مآرب الاستعمار، ويستهدف لبنان وتستهدف سورية ويستهدف كل بلد مسلم والنقطة التي تجعل هذه البلدان مستهدفة أو قابلة للاستهداف هو ما نعيشه من تفرق ونسيان لفرضية الجماعة، لفرضية التعاون والاعتصام بحبل الله جميعاً وقد رعى الإسلام ذلك ؟ هل تريدون تأكيداً وهل تريدون إخباراً وترغيباً وترهيباً أكثر من هذا الذي سقنا وهذا الذي قاله رسول الله: (وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقاً) ؟ هل تريدون ترهيباً أكثر من هذا الذي قلناه: (الفجرة بعضهم لبعض غششة متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم)، فما الذي تنتظرونه ؟ إن كان الواحد منا ينتظر مبادرة الآخر، لكنني أحث نفسي وإياكم على أن يبادر كل منا لحماية الجماعة التي أتى بها الإسلام، هيا من أجل حمايتها بالابتعاد عن كل ما يشوبها من مادة ومعنى، وهيا إلى رعايتها من خلال الاهتمام والنصح والتعاون البناء وحسن الخلق.

فاللهم وفقنا من أجل أن نصون جماعة الإسلام والمسلمين وهيئ منا أفراداً صادقين من أجل الحماية والرعاية، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريح: 9/3/2007

التعليقات

احمد

تاريخ :2007/03/10

جزيت خيراً يا شيخنا الجليل على هذا الموضوع المفيد

احمد

تاريخ :2007/03/10

وفي التوحيد للأمم اتحاد ولن تبلغوا العلا متفرقينا

نورس

تاريخ :2007/07/02

بارك اللة فيك وسددخطاك وخطى باقى الاخوة من اجل اعلاء كلمة الحق ونصرة الاسلام من التهم والمكائد التى تحاك ضدة وفقكم اللة

شاركنا بتعليق