أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
منذ يومين مرَّ علينا ما يسمى بيوم الأم، وأنا أقول وأسميه يوم الأم ولا أريد أن يسمى عيد الأم، لأن كلمة عيد ربما كانت مصطلحاً دينياً محدداً من حيث الدلالة ومحدداً من حيث الوقت، لذلك لا أرى مانعاً من أن نسمي هذا اليوم بيوم الأم على مستوى العرب أو على مستوى العالم فهو يوم الأم العربي أو العالمي سمِّه ما تريد.
الأم – لاشك – بأنها تستنفد منَّا العواطف والوجدان والحب والرحمة والتقدير والإكبار، ومن منا لا تحلو له هذه الكلمة كلمة (أم)، ومن منا لا يريد أن ينتهي من هذه الدنيا وهو رافع راية بر الأم، من منا لا يحرص على أن يكون باراً بأمه سواء أكانت أمه على قيد الحياة أم غادرت هذه الحياة، لكنني فيما أرى وأظن وأشاهد أحسب أن الناس أصبحوا يتوجهون لشكلٍ دون مضمون ويتوجهون لمراسم دون حقيقة ويتوجهون لصيغ تراها العين أو تسمع بها الأذن لكن القلب لا يشعر بها، أنت أيها الشاب هل عرفت تشريع ربك تجاه أمك ؟ أنت أيها المسلم هل ترعى الأم على الشكل الذي أُمرت به من قبل ربك وأنت تقول بأنك مسلم ؟ أنت أيها الإنسان مهما كانت السن التي أنت عليها ومهما كانت العمر التي أنت فيه، بالله عليك هل تفكر بالإحسان إلى أمك قلباً وشعوراً ووجداناً أم أنك تحاول أن تحول هذا الواجب القلبي والحركي والسلوكي إلى شكلية باهتة تختزل في كلمة حلوة تخرج من الفم لا أكثر ولا أقل أو في عبارة مصطنعة أو في هدية لا تحملك عبئاً مادياً كبيراً ؟ بالله عليك هل أنت ترعى هذا المدخل الواسع لجنة الخلد التي تريد أن تدخلها أم أنك تجامل والمجاملة هنا قريبة من المنافقة ؟ أريدك أن تكون حيال هذه القيمة العظيمة التي هي الأم مطبقاً شرع ربك في البر، في الإحسان، فالأم – وليس هذا الكلام ظاهرياً وجدانياً فحسب بل هو مستوحىً من شرع ربنا، من تعاليم ديننا، من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم – يحلو الكلام عنها وبها:
الأم: ألِفُها أمان، وميماها حنان، هي قبضة من نور الرحمن، ولمعة من بريق الوجدان، وطيفٌ لطيف من عالم الإحسان. إن ذكرناها فاحت الجنبات عطراً وإن نظرنا إليها تجلى علينا وعليها الرحمن رضاً وذكراً، لا أريد أن أملأ الخطبة وجداناً وإنشاءً فقد أُلِّفت كتب كثيرة في هذا الميدان، لكنني أتوجه إلى نفسي وإليكم لأحدثكم عن ملامح الشرع الإسلامي الحنيف حيال الأم، هي قواعد خمس أريدها أن تستقر في ذهنك حيال أمك.
أما القاعدة الأولى أو الأمر الأول: فالأم هي الأحق بالصحبة، وهذا أمر واجب شرعاً وعقلاً وعرفاً، ودليلنا على ذلك هو ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمك) قال: ثم من ؟ قال: (أمك) قال: ثم من ؟ قال: (أبوك).
هي الأحق بحسن الصحبه فيا أزواح هل تعتبرون أن أمكم هي الأحق بحسن الصحبه أم أن القضية توجهت إلى الزوجة، بَلْهَ إلى أقلّ من الزوجة. أعيدوا الحساب في عبادتكم ربكم من خلال الأم.
ثانياً: الجهاد فيها أعظم من الجهاد والقتال في سبيل الله، وأعني بالجهاد فيها: الجهاد في برها، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه. فقال عليه وآله الصلاة والسلام: (هل بقي من والديك أحد ؟) قال: أمي. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد). والحديث صحيح رواه أبو يعلى والطبراني.
القاعدة الثالثة: أكرم وبرّ أمك حتى ولو لم تكن مسلمة. نعم الأم أمٌ سواء أكانت مسلمة أو غير مسلمة، سواء أكانت تقية أو غير تقية، لا عليك في هذه القضايا أن تحاسبها ولكن عليك أن تبرها، فقد روى البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت أمي عليَّ وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستفتيتُ رسول الله قلت: قدمت عليَّ أمي وهي راغبة وفي رواية وهي راغمة –أما هي راغبة فهي راغبة في زيارتي، وأما راغمة فهي راغمة وممعنة في الشرك ولا أمل في إسلامها– أفَأَصِل أمي ؟ أجابها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نعم صلي أمك). قاعدة لم أجد لها في تاريخ البشرية نظيراً، حتى لو لم تكن مسلمة حتى ولو كانت غير تقية هي أمك وعليك أن تكون باراً بأمك.
رابعاً: برُّها بمثابة التوبة النصوح لذنوبٍ اقترفتها ولآثام ارتكبتها، ومن منا لا يرتكب آثاماً أو لا يقترف ذنوبا ؟ لكنك إن بررت أمك كان ذلك توبة من هذه الذنوب والآثام. روى الإمام أحمد بسند صحيح أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة. قال: (هل لك من أم ؟) قال: لا. قال: (هل لك من خالة ؟) قال: نعم. قال: (فبرها). إن بررت أمك كان ذلك توبة.
الأمر ليس إنشائياً بل الأمر ديني وواقعي وستدون الأثر في حياتكم وغداً يوم تلقون ربكم، لأن البر أفضل الطاعات ولأن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ومن هنا نقول القاعدة الخامسة: عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال كما روى البخاري الكبائر: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس). هذه هي الكبائر التي اتفق علماء الحديث على أنها هي كبائر فعلاً ولا خلاف في توصيفها في ذلك واختلفوا في توصيف الكبائر الأخرى فمنهم من قال عنها كبائر ومنهم من لم يسمها كبائر.
والآن هل في مجتمعاتنا كبائر ترتكب ؟ أنتم تحكمون. العقوق استشرى ولا يمكن أن نعد هذه الشكليات التي تمر براً، لكن البر مستلهم من قول الله عز وجل: ﴿وبالوالدين إحسانا، إما يبلغنَّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما﴾ قل لي بربك كم مرة تقول لأمك أف، عندما تقول لها أف فأنت ترتكب كبيرة وأنت آثم ومذنب ﴿وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً﴾.
هل تدعُ لوالدك ولوالدتك سواء أكانا على قيد الحياة أم غادرا إلى الدار الآخرة ؟ إني لأرى تقصيراً في هذا الميدان، بعد ذلك نلوم من نلوم ونقول: لم يحتفل الآخرون بعيد الأم ؟ فليحتفلوا إذا كان هذا الاحتفال سيذكرنا بواجباتنا الشرعية تجاه أمهاتنا فليحتفلوا، أليست هذه المناسبة هي التي دفعتني اليوم من أجل أن أذكر نفسي وإياكم بمواقف مشروعة وواجبة يجب اتخاذها حيال الأم ؟ أو تريدون أن نتابع طريق النسيان على واجباتنا تجاه أمهاتنا وتجاه ربنا وتجاه آبائنا وتجاه إخواننا وتجاه أوطاننا لأننا وقعنا في بؤرة الكسل ؟ نحن لا نريد هذا اليوم لا لشيء ولكن من أجل ألا يذكرنا بضرورة العمل، فها نحن في الكسل سائرون وبالتالي سنتهم كل من يذكِّرنا بواجباتنا لنقول: هذا تقليد غربي فلا تحدثونا عنه، هذا تقليد غربي صحيح لكن من الذي قال: إن الأمر الحسن الذي يذكرك بدينك لا يمكن أن يكون مقبولاً ؟ من قال هذا !. لكنك ترفضه لأنك لا تريد أن تتنشط في هذا الميدان، لأنك لا تريد أن تعيد الصواب إلى ساحة ذهنك من حيث موقفك تجاه أمك.
اسمح لي أن أقول لك حديثاً شريفاً نبوياً فيه نتائج لأفعال سيئة ترتكب وانظر فيما إذا كنا نرتكب هذه الأفعال بعد ذلك فالنتائج إذاً ستكون متوقعة بل واقعة، يقول سيدي رسول الله كما روى الترمذي: (إذا اتُّخذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الله، وأطاع الرجل امرأته، وعقَّ أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وسادَ في القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتخذت القينات، وشربت الخمور، وارتفعت الأصوات في المساجد، فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقصفاً وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع).
وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه، كلنا واقعون تقريباً في هذه الفعلة، الأم أصبحت مسنة كبرت فهل عليَّ أن أسمع كلامها أم أسمع كلام زوجتي الفتية الفاهمة التي تحمل شهادة ؟ المقارنة محسومة بسرعة لصالح الزوجة، أتريدني أن أسمع كلام أمي حيال زوجتي وأمي أضحت في سن الخرف، أتريدني أن أترك هذه الزوجة التي والحمد لله أبوها وأخوها يعطياني ويمنحاني. هذه كلمات نسمعها منا، من أنفسنا، أسمعها منك أنت الذي ترتاد المسجد خمس مرات، نسمعها من المثقف، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه، الأب لا يُعطَى ما يعطى الصديق من لطف وألفة وحنان وود وبر، الأب يعطى وجهاً جامداً ويعطى بسمة صعبة ويعطى كلاماً يتجاوز الحب بعشرات المرات و.. أما الصديق الذي لا يسمى صديقاً في الحقيقة لكنه ساحب إلى الفساد والضياع فيعطى الود والصداقة والأخوة والعطف والسرور والسعادة، ودعك من أب يتكلم كثيراً وقد صار ثرثاراً، ودعك من أم شابهت الأب وأصبحت في سن أرذل العمر، أفيجوز هذا يا مسلمون وأنتم تعيبون على الغرب عيدهم بالأم ؟ لمَ لا تحتلفون يوماً بالأم وأقول لمَ لا نسمي هذا بيوم الأم ؟ عسى أن يذكركم هذا اليوم بواجباتكم وبالقواعد التي ذكرناها التي جاء بها الإسلام حيال الأم ؟ قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد. يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة. قال: (هل لك من أم ؟) قال: لا. قال: (هل لك من خالة ؟) قال: نعم. قال: (فبرها). بروا أمهاتكم يا مسلمون، والبر ليس كلمة جوفاء وليس كلمة منمقة فحسب لكن البر سلوك وطاعة وتكريم وعطاء نافع لكن البر حرص على ألا تغادرك إلا وهي راضية عنك لا لأنها أم ولكن لأنك ابن بار لها.
أسأل الله العلي القدير الرحمن الرحيم أن يجعلنا بارين بآبائنا وأمهاتنا بارين لديننا بارين لأوطاننا بارين بمبادئنا التي ارتضاها لنا ربنا جلت قدرته مبادئ خير ومبادئ سمو ترفع مقامنا إلى حيث نكون خير الأمم على الإطلاق ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ اللهم ردنا إلى ساحة البر لآبائنا وأمهاتنا رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ: 23/3/2007
التعليقات
WwW.KFN1.CoM
تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}
حياكم الله
WwW.KFN1.CoM
سندس الزعتري
تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}
لا يوجد تعليق ان الام هي صدر الحنان والامان يارب خليلنا امي يارب الله يخلي لكل واحد امو
التعليقات