آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الفكرة الإسلامية : مستند وواقع ومُعزز

الفكرة الإسلامية : مستند وواقع ومُعزز

تاريخ الإضافة: 2007/05/11 | عدد المشاهدات: 2444
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون: لا شك في أن كل إنسان ذو فكر ويحمل أفكاراً، فأنت لديك أفكار، وأنا لدي أفكار، وذاك الذي يعيش في أقصى الدنيا أيضاً لديه أفكار، فالإنسان أنى كان يُحكم عليه بأنه ذو فكر، ولديه أفكار، ذو فكر من حيث عمل العقل، وذو أفكار من حيث النتيجة لهذا العمل وما تجمَّع لدى الإنسان في عقله، في قلبه، في مستودعه الداخلي. إذا كان الإنسان ذا فكر وذا أفكار، فلا بد أن تكون هذه الأفكار منتمية وملونة، فإن خاطبتك وسألتك عن لون فكرك وأفكارك، ربما أجاب بعضنا بأن أفكاره تنتمي للإسلام، وربما أجاب بعضٌ آخر بأنها تنتمي لغير الإسلام، لأنه يحصِّل من مصادر غير الإسلام أفكاره، ولأنه يبتغي الحصول على أفكار مستوحاة من غير الإسلام، تسألني فأقول لك: أسعى من أجل أن تكون أفكاري منتمية إلى الإسلام، لأنني آمنت بالإسلام ديناً يقدم لي ما أحتاجه في ميادين الحياة، وما أبغيه فيما بعد الحياة، ربما تسأل واحداً آخر، إلامَ تنتمي أفكارك ؟ ربما قال إلى الاشتراكية إلى الرأسمالية، إلى الوجودية، إلى العلمانية، إلى الحرية، إلى الراديكالية، إلى الشيوعية... وهناك مذاهب ومصادر شتى متنوعة تفرز إلى الإنسان أفكاراً، إذا ما جاءها الإنسان يطلب منها الأفكار. أريد أن أقول لأبناء وطني: نحن نسعى من أجل أن نعلن انتماء أفكارنا إلى ديننا، ما دام الواحد منا يقول عن نفسه بأنه مسلم، فالإسلام يقتضي منك أن تجعل أفكارك تنتمي إلى الإسلام، فإذا ما رأيت محاسن في اشتراكية أو شيوعية أو رأسمالية أو وجودية أو غير ذلك، فاعلم أن تلك المحاسن لم ينفك عنها الإسلام ولن تنفك عن الإسلام، لكن ما عليك إلا أن تبحث عنها عن هذه الأفكار التي وجدتها حسنة في غير الإسلام، فإنك ستراها أقوى في الإسلام مما هي عليه في غير الإسلام. أناشدكم الله يا أبناء وطني، من أجل أن نحقق انتماءنا لإسلامنا في أفكارنا في حياتنا في سلوكنا، فورب الكعبة إن غير الإسلام لا أقول بأنه غير صالح، لكنه في محاسنه لن تَرى لهذه المحاسن غياباً في الإسلام. ميزة الفكرة الإسلامية أن لها مستنداً نظرياً، وأن لها واقعاً عملياً تجريبياً، وأن لها معززاً، وهذا ما قلته منذ يومين لصحافة أجنبية، سألت عن أفكاري وانتمائي ؟ فأجبت بأن أفكاري تنتمي للإسلام، وأن الفكرة في الإسلام لها مستند نظري، ولها واقع عملي تجريبي، ولها مُعزز. أما المستند النظري للفكرة في الإسلام فالقرآن الكريم، أنا أستند في فكرتي إلى ما قاله الله، قال الله كذا... في القرآن الكريم، وغيري يستند نظرياً في فكرته إلى ما قاله غير الله، وشتان بين ما قاله الله وما قاله غير الله. المستند النظري لفكرتي إذ هي مستوحاة من الإسلام، القرآن الكريم، قال الله، ونحن نضيف على ذلك، فعندما نقول قال الله، فنحن واثقون من أن هذا القول منسوب إلى الله صدقاً وحقاً، وهو أقوى في النسبة إلى الله مِنْ نسبة أي قولٍ على الإطلاق لقائله من غير الله أو من الله في الأديان الأخرى، وآمل أن يكون هذا مستقراً في أذهاننا، حينما أقول قال الله جلَّ شأنه: ﴿ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ فهو أقوى في نسبته إلى الله من نسبة قول أنسبه لأفلاطون أو أرسطو أو ماركس أو لينين أو أي إنسان آخر يمكن أن يُمثِّل مرجعاً لمبدأ أو مذهب آخر، القول القرآني أقوى وأوثق في نسبته من القول الآخر في نسبته إلى قائله، لأن هذا القرآن وصل إلينا بطريق التواتر الذي يفضي إلى القناعة العقلية المطلقة بأن هذا القرآن كلام الله، فالمستند النظري لفكرتي قال الله، والمستند النظري لغيري قال غير الله، وأنا لا أذمُّ هذا الذي يستند إلى غير الله لكنني أقول له، انظر فطرتك ووجودك وعقلك وفكِّر، هل هناك مقارنة بين الله وبين غير الله من أجل منهاج يغطيك أنت في حياتك بله وفي مماتك ؟!. فيا إخوتي، والله ما قلت هذا الكلام إلا حرصاً على الإنسانية أولاً، ثم حرصاً بشكل أدق وأخص على العرب ثانياً، ثم حرصاً على أمتي هنا في سورية ثالثاً، فيا مَنْ تنتمون بأفكاركم على سبيل المثال إلى الاشتراكية: أرأيتم فيها شيئاً جميلاً ؟ إن الشيء الجميل الذي فيها لهو في الإسلام أقوى وأنصح وأفضل وأرقى وأجمل وأحسن، وما أقول هذا إلا من أجل أن تعيدوا النظر كرَّة أخرى في هذا الذي تفكرون وفي هذه الأفكار التي تمتلكون فعسانا نصل إلى ساحة نتفق فيها على مسارٍ، أعتقد أنه المسار المنسوب إلى الله جلَّت قدرته، الفكرة في الإسلام لها مستند نظري هو القرآن الكريم، ولقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القرآن كما جاء في صحيح الإمام مسلم: "إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين" أتريدون أن تكونوا مرفوعين ؟ فبهذا القرآن الكريم ورب الكعبة. أما الأمر الثاني للفكرة: فكل فكرة يجب أن يكون لها واقع عملي تطبيقي، وإن أفكار الإسلام لها واقع عملي تطبيقي تجلى في فترات ثلاث: أما الفترة الأولى: فهي الفترة الرائدة، وهي فترة عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ كانت الفكرة على أوجها في ميدان التطبيق والالتزام والحركة النافعة في المجتمع، ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ هنالك واقع عملي بعد المستند النظري لفكرتنا وأفكارنا التي تنتمي للإسلام. أما الواقع العملي الذي يستشهد به غير المسلم والذي يملك أفكاراً لا تنتمي للإسلام، فما أعتقد أنه يمتلك الواقع العملي الواضح البين كمثل ذلك الواقع العملي الواضح البين الذي نمتلكه، أقول الواقع العملي ثلاث فترات، الفترة الأولى فترة عهد الرسالة، فترة عهد محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان آنئذٍ كان إنساناً رائعاً بكل المقاييس، وأنا لا أريد أن أفصِّل فلعلَّ الخطب السابقة كانت تفصيلاً لهذا الذي أقول. أما الفترة الثانية: فهي فترة الخلافة الراشدة، وكان فيها التطبيق أيضاً وأسميها بالفترة التابعة للفترة الرائدة، والفترة المقتدية بالفترة الرائدة بفترة عهد رسول الله، وفيها كان التطبيق ملازماً للنظر، أو تابعاً بنسبة عالية كبيرة جداً للنظر. وأما الفترة الثالثة: فهي الفترة التي جاءت بعد الفترة الراشدة، وفيها كانت الدولة الأموية والعباسية والدول الأخرى المتتابعة والدولة العثمانية، وهذه فترة جيدة أيضاً، وفيها كان الإسلام معنوناً الحياة حتى ولو كانت هنالك تطبيقات غير صحيحة أو غير جيدة، لكن العنوان العام لتلك الفترات ولتلك الأحقاب كان الإسلام. ثم جاءت بعد ذلك فترة أخرى أو فترات لم يكن العنوان العام للدولة الإسلام، لكن أسمي الفترة التالية بفترة المجتمعات الإسلامية وهي ممتدة إلى أيامنا هذه، فنحن قد لا نعيش فترات الدولة المسلمة المعنونة وجودها بالإسلام، لكننا لا يمكن أن نُغفِل اسم الإسلام من الواقع الذي نعيش فيه، فالفترة التي نعيشها فترة المجتمعات الإسلامية، وهي فترة حيوية أيضاً لأنها الناس، ولو قمنا باستقراء وسؤال، وأعني الناس في مناطقنا العربية بشكل عام، أعتقد أننا لو قمنا بسؤال واستفتاء لكان الجواب من أغلب أو مما يزيد على النصف من هؤلاء، أنهم يريدون أن يكونوا مسلمين في حياتهم، حتى ولو كانوا وهم يجيبونك مقصرين في تطبيق الإسلام لكنهم يتمتعون بعلاقة طيبة وبصلة رائعة مع هذا الدين الحنيف، لأنه دين الفطرة، لأنه دين قدَّم لهم عقيدة رشيدة، وقدَّم لهم شريعة سديدة، وقدَّم لهم أخلاقاً حميدة، وقدَّم لهم دعوة إلى جماعة متماسكة الأفراد، متضامنة، متباذلة، متحابة. فيا إخوتي على كل المستويات وعلى مختلف الصعد، أعتقد أننا بحاجة إلى أن نعيد النظر في أفكارنا، فإن منتسبة إلى غير الإسلام فلنفكِّر في هذه الأفكار، وعلينا أن نعود بأفكارنا لتكون منتمية للإسلام، ومنتسبة للإسلام، لأن الإسلام في أفكاره يجعل لها مستنداً نظرياً هو القرآن، ويستشهد بواقع عملي في فترات طويلة دامت أكثر، على الأقل، من ستة قرون، وتتابعت فترات المجتمعات الإسلامية إلى أيامنا هذه على مدار خمسة عشر قرناً، هل عندكم شكٌ في صلاحية الإسلام للإنسان ؟ وهل عندكم شك في تفوق أفكار غير الإسلام على الإسلام ؟ إذا كان الجواب ليس عندنا شك، فلماذا تتحدثون بغير الإسلام ؟ هل تخافون من لوم لائم لا يرقب فيكم إلاًّ ولا ذمة ؟ هل تخافون من ملامة إسرائيل، الدولة الباغية المعتدية الآثمة البغيضة ؟ هل تخافون من ملامة دولة عظمى أضحت اليوم مكان شك في عظمتها من حيث السياسة على الأقل، ومن حيث علاقاتها مع المستضعفين، ومن حيث علاقاتها مع الحق، ومن حيث علاقاتها مع الباطل ؟ وأعني بها الإدارة الأمريكية، التي تشرف اليوم على العالم، وإشرافها لا يمتُّ إلى العدل بصلة على الأقل من ناحية السياسة الخارجية !. وها نحن نعاني ونرى هذا الإشراف السيئ هنا لدى جيراننا في العراق، وهناك لدى جيرانهم في أمريكا الجنوبية، وهناك في أوربا أيضاً، فأمريكا اليوم في علاقاتها الخارجية تتصرف على أساس غطرسة، وهذا ما يدركه كل منَّا، واسمحوا لي أن أؤكد وأنا أتكلم عن سياسة وعلاقات خارجية، ولا أتكلم عن وضع داخلي، فربما كان هذا الوضع الداخلي هناك في أمريكا أعني من حيث المدنيّة كان على مستوى جيد جداً، لكنني أتكلم عن علاقة دولة بدولة، وأمة بأمة، ومجتمع بمجتمع، وهذا ما أريد أن أصدِّره إلى أسماعكم. الأمر الثالث: الفكرة في الإسلام لها مُعزز، والمعزز جاء عبر سنن إلهية، ولم يأتِ عبر معجزات، الله عز وجل قال لهؤلاء الذين يحملون أفكاراً تنتمي للإسلام، قال لهم وهو الصادق جلَّ وعلا، وهو الذي يفي بوعده، وهو الذي تفضلَّ علينا فأوجدنا، قال: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ هنالك شرط وهنالك مشروط، هنالك قاعدة، هنالك احتراز ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ يا مَنْ تحملون الأفكار هذه إذا كنتم منتسبين معها ومحاولين تطبيقها فأنتم الأعلون، وكما قلت في خطبة سابقة، هذا العلو ليس علو استكبار، لكنه علو قيادة رحيمة حكيمة، تريد للناس الرحمة والخير والسعة والطمأنينة والاستقرار، ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ هذا معزز في الدنيا: ﴿ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة﴾ هذا معزز في الدنيا، وهذه النتيجة الموعودة  في الدنيا، فيا مَنْ تحملون أفكار الإسلام أو أفكاراً مستوحاة من الإسلام، لكم معزز في الدنيا النصر والفتح، وفي الآخرة: ﴿إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً﴾ في الآخرة: ﴿إنَّ للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أتراباً﴾ في الدنيا السعادة والنجاح: ﴿قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ وأنت تسمع كل يوم خمس مرات من يناديك إلى الفلاح، حي على الصلاة، حي على الفلاح، المعزز لأفكارنا التي تنتمي للإسلام في الدنيا نصرٌ وفتحٌ وسعادةٌ وفلاحٌ واستقرارٌ وطمأنينةٌ ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ ومعززٌ في الأُخرى حيث لا معزز عند الآخرين، لأن جُلَّهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا يؤمنون بالعاجلة، ولا يؤمنون بالآجلة، ولا يؤمنون بالحاقة، ولا بالآخرة، ولا بالقيامة، أما أفكارنا فلها بُعْدٌ أخروي، جاء المعزز ليغطي هذا البعد الأخروي عبر أقوال الله عز وجل في القرآن الكريم وكثيرة تلك الأقوال ﴿إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً﴾ ﴿إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا – هذا معزز في الدنيا – وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون – وهذا معزز الآخرة﴾. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نجعل من جديد، وأن نحاول من جديد نِسبةَ أفكارنا إلى الإسلام، لأن أفكارنا تستحق، ولأن الإنسان يجدر به أن يجعل تلك الأفكار التي يمتلكها تنتسب للإسلام، لأن مقومات الفكرة قائمة في ديننا من حيث مستندها النظري، وواقعها العملي، ومعززها على مستوى الدنيا والآخرة، فيا أمتي إلى الإسلام الرحيم الخيِّر الواسع المعطاء، إلى الإسلام الذي ينادي الجماعة بالتآلف والتناصح والتباذل، إلى الإسلام الذي ينادي الفرد بالصدق والأمانة والرعاية، إلى الإسلام الذي ينادي الحكام بالعدل، إلى الإسلام الذي ينادي الشعب بالطاعة لحاكم عادل يبغي كل خير لوطنه لأمته لدين أمته لدين وطنه، إلى الإسلام الذي ينادي الجميع ينادي الإنسانية باحترام بعضها، والذي يدعو الإنسانية إلى احترامها، ولذلك قلت وأكرر القول: أيها الباحثون عن حضارة الإنسان تبغونها واقعاً، هيا إلى الإسلام، هيا إلى الإنسان، كرِّموه، قدِّروه، احترموه وصونوا دمه وحريته وصونوا ماله وعرضه. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، يا رب العالمين، أقول هذا القول وأستغفر الله. ألقيت بتاريخ 11/5/2007م.               

التعليقات

شاركنا بتعليق