16/7/2001
الدكتور محمود عكام ،
المتخصص في الفكر الإسلامي ، والأستاذ في جامعة حلب ، أحد أبرز شيوخ حلب
المعاصرين ، عُرف خطيبـًا لجامع التوحيد الكبير في حلب ، ترك بصمات واضحة
على جيل من أبناء حلب خاصة . كما أخرج للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب
.
الشبكة الإسلامية : عبر مسيرتكم العلمية الممتدة ، من هم أبرز
الشخصيات ؟ وما هي أهم الأحداث التي ساهمت في تكوين الشخصية العلمية
للدكتور محمود عكام ؟
د. عكام : مسيرتي العلمية متتابعة بفضل الله، وإني سعيد جداً بهذه
النعمة التي أتقلب فيها ، ذلك أن التعلم والتعليم من كبريات فرائض الدين
الحنيف ، بل هو الأساس لكل ما بعده من عبادات ومعاملات وتشريعات ، والرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم - قال: " لأن أتعلم باباً من العلم أحب إليّ من
صلاة كذا وكذا " وقال : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " .
وقضية التأثر التي تسأل عنها لها خط مستمر وسيستمر، يرتبط هذا الخط بالمؤسس
الأول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولاً وأخيراً ، ثم بعد ذلك هناك خطوط
لها علاقة بالخط المستمر وارتباط ، غير أنها لا تملك مقومات الديمومة
والاستمرار لكنها تتناوب وتتبادل بحسب المرحلة التي أكون فيها، والوضع الذي
أمر به . ولا أستطيع أن أسجل أسماءها ولا أحصيها ، بيد أني أشير بالإجمال
إلى آل البيت والصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ وإلى كل من ساهم في تكويني
والديّ وأساتذتي في كل المراحل الدراسية ، ولكل منهم قدر معلوم في الفضل
والتأثير فجزى الله كلاً عن قدره كل خير وأحسن إليهم جميعاً ، من مات منهم
بالرحمة العميمة ، وحيَّاهم بالعطاء الجزيل الرضواني .
وأما الأحداث : فالزمن كله بكل ما فيه من حوادث وأحداث ، دراستي في
الثانوية الشرعية ( الخسروية ) ودراستي في جامعة دمشق ، وسفري إلى الغرب
لمتابعة الدراسة ووفاة والدتي رحمها الله وكل ما مر ويمر بي يومياً له أثره
في تكويني ، على أني إذا أردت التخصيص : ذكرت تخلف المسلمين وتقهقرهم
وتفرقهم إذ كان ذلك الحدث الأبرز في دفعي إلى إعادة النظر في العلم وطبيعته
وضرورته وأهمية بعثه في الأفئدة وتحديثه في أبناء أمتي ، بل في الإنسان
عامة.
يا أخي : لسنا في مقام مسابقات مع الآخرين في هذا الميدان ولكننا نسعى إلى
بناء الإنسان ، وكل حدث أثر سلباً على بني الإنسان كان دافعاً لي من أجل
البحث عن كيفية تجنب نظيره مستقبلاً عبر العلم والاطلاع على السنن الكونية
والتاريخية ، لا نريد أن نتقدم لنجاري الآخرين ، ولكننا نريد التقدم لنلتحم
مع الآخرين ، لنشكل مع الآخرين وحدة متماسكة كما الإنسان وحدة متماسكة : (
يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً )
وما يؤثر فيّ ينبغي أن يؤثر فيك لأننا مشتركان في الأسس والمقومات ، وما
يؤثر فينا ينبغي أن يؤثر في كل إنسان على سطح البسيطة ، لا نرضى الجوع لأحد
ولا نريد الفقر لإنسان ولا نرغب لواحد من الناس شراً، ولا نبغي الفساد في
الأرض ، سعينا إنساني ومستندنا رباني ودافعنا إيماني وهمنا عام وروحنا فينا
تنادينا لا نفرق بين أحد من رسله .
الشبكة الإسلامية : يرى بعض الباحثين أن إنشاء مجتمع إسلامي يكون
بالتوجه إلى العمل السياسي وعن طريق إيجاد حكومة إسلامية ، بينما يرى آخرون
أن ذلك يتم بإيجاد أرضية الالتزام وذلك عن طريق التربية الأخلاقية والعلمية
، ما دور كل من العمل السياسي والتربوي والتعليمي في تكوين المجتمع
الإسلامي ؟
د. عكام : أرى أن يجتمع هذان الفريقان ويتفقا ليُحَلَّ الأمر ، وإلا
فسعي كل واحد منهما لنفسه وبمعزل عن الآخر لن يؤدي إلى الغرض المقصود، وإذا
كان الغرض والغاية إنشاء مجتمع إسلامي فالمجتمع يتكون من سياسة وتربية
وأخلاق و… فلا بد إذاً من مسيرة جادة واعية في كل القنوات بتعاون جاد صادق
بين كل السائرين .
مشكلتنا أننا نفصل بيننا في العمل ونطلب وصالاً في النتائج والغاية والقصد
، ونفرق بين جهودنا في السعي والحركة ، ونبتغي تماسكاً في المصب والنهاية،
وهل ينضح ـ في الأخير ـ إلا بما حواه الإناء ؟! وهل ينتج إلا ما قدمته
اليدان ؟!!
الشبكة الإسلامية : نتعرض اليوم لغزو إعلامي وثقافي عبر القنوات
الفضائية والإنترنت ، والمجتمع الإسلامي مطالب في الوقت نفسه بالانفتاح على
الآخر والمشاركة في كل مستجدات العالم ما الشروط التي تجعل من مشاركتنا
وانفتاحنا أمراً إيجابياً لنا وليس سلبياً ؟
د . عكام : الانفتاح قدرة لها مقوماتها، وعطاء له مضمونه ، والإسلام
بحد ?ذاته قدرة منفتحة وعطاء له مضمون ، ولولا ذلك لما قال تعالى : ( وما
أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ) ولما قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : " إنما أنا رحمة مهداة " فالانفتاح في الآية القدرة على
التبشير والإنذار ، وهما فقط اللذان يشكلان الأسلوب المنفتح ، والرحمة الحق
في الحديث الشريف هي مضمون العطاء .? ( ورحمتي وسعت كل شيء) ، وقال الله عز
وجل أيضاً : ( إنا أرسلناك إلا بالحق بشيراً ونذيراً ) ?وهنا ألخص الإسلام
بكلمتين : دعوة إنسانية واعية إلى رحمة ربانية واسعة حقة .
وأما معادلة الانفتاح فهي أيضاً : إنسان عارف بالإنسان يسعى لخيره في
مستويي الدنيا والآخرة . لا خوف من قنوات الاتصال شريطة الاستعداد والتمكن،
وإلا فكل الخوف مرتسم على ملامحنا، لأننا سنحار فيما نضعه فيها، وعندها
يبادَر علينا وتأتي إلينا بضاعة لا تناسب الإنسان منا، ويا ويلنا يومها ...
(ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة ) ? والحياة الدنيا هنا تعني الدنيئة والمتدنّية ؛ العمل
هو الفيصل في المبادرة وصلاح العمل هو الفيصل في القبول واستلام الزمام .
الشبكة الإسلامية : بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسيادة القطب
الواحد، راح العرب والمسلمون يقلبون وجوههم في السماء بانتظار ظهور قطب
يضارع القطب الأمريكي ويحد من سطوته، ورأينا كثيرين يستبشرون خيراً بظهور
الاتحاد الأوربي أو بصعود الصين .. ولكن هل يمكن لظهور قطب ثانٍ أن يكون
لصالح العرب أو المسلمين ؟ ثم إلى متى نظل بانتظار غيرنا ونقف مكتوفين ؟!
د . عكام : قديماً قالوا : أملٌ بلا عمل، سراب بلا ماء . وأعتقد أن
نبينا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ما كان عبر سيرته ينتظر انتصار الفرس
على الروم أو الروم على الفرس ، دون سعي جاد فاعل منه، وحاشاه . ونسائل
المتفائلين والمتشائمين : أيكفي ذلك من أجل حجز مكان على الأرض ، أم إن
طموحنا ما عاد يتجاوز الانتقال من تبعية مظلومة جداً إلى تبعية أقل مظلومية
؟! يا أمتي : ما هكذا تورد يا سعد الإبل ؟!
إن الحياة أقسمت ـ وهي بارة بقسمها ـ ألا تسلم قيادها إلا لمن يعمل ويبادر،
وأما الكسول الغائب المتراجع فلا عليه أن يشغل نفسه بالتفكير الذليل ،
وليبق ينتظر المصير الذي لا أثر فيه لأمنية ذاك الكسول، وهو - أعني المصير-
مجهول أي يرى النتيجة ويعلمها ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) ، أما من
لا يعمل فماذا يرى ما دام لم يُرِ نفسه شيئاً ؟!. الأمة التي لا تفكر جدياً
بمصيرها ما يضيرها أو بالأحرى ما ينفعها إذا اختلف الأكلة لها ؟ فالقطع
ماشٍ عليها.
والسؤال الذي أريد طرحه : هل نفقد في أصلنا مقومات القطب المضارع ؟! حتى
نفكر بالتبعية ونكتفي بالأمنية.
فهل عددنا قليل ؟! أم مواردنا ضعيفة ؟! أم مبادؤنا هشة ؟! أم ماذا ؟!
الشبكة الإسلامية : ما تقييمكم لتجارب الحركات الإسلامية التي وصلت
بالفعل إلى الحكم سواء في إيران أو السودان، أو فيما يتعلق بالتجربة
القصيرة لحزب الرفاه في تركيا ؟
د. عكام : لا أريد أن أقيّم أو أقوّم، ولكني أترك كل أمر لنتيجته
فالنتائج حاكمة، والنتائج لها شقان - حسبما أرى - شق يُدعى بالنصر وآخر
يسمى الفتح، وهذا مستنبط من قول الله تعالى شأنه : ( إذا جاء نصر الله
والفتح . ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . فسبح بحمد ربك ... ) .
النصر غلبة واستعلاء بمقومات ، والفتح منهج يرسم طريق النصر ورعاية تحفظ
النصر وتبقيه وتثبته، وتقنع الناس به نظاماً حاكماً لها، ولن يدخل الناس في
دين الله أفواجاً وفي مبدئك ما لم تُتْبع النصر بالفتح لتريهم منهجاً
إنسانياً مناسباً للإنسان ، ومبدأ واقعياً جاداً ولبوساً معنوياً يغطي
تطلعات الإنسان كلها من أشواق وأحلام وآمال وأحزان وأفراح . على هذا الأساس
فليكن التقويم، فهل يدخل الناس في دين الله أفواجاً لأنهم رأوا النصر
والفتح المبين في هذه الحركة أو تلك أم لا ؟! هذا ما يجب أن تطرحه الدول
والأحزاب الإسلامية على نفسها.. وبعدها فالنتيجة والتقويم عندها . وأنا
أخاف من أن نظن المجاملة دخولاً، أو المديح الظاهري تصويباً لصالحنا، وخوفي
آتٍ من عالمي الذي غدا يضخّم الصغير أمانيّ معززة بأوهام، ويدور في فلك
الفعلة الحسنة الصغيرة التي صدرت عنه على أنها الوحيدة في الدنيا وليس لها
نظيرٌ أو مثيل .
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم؟؟!
الشبكة الإسلامية : ظهر مؤخراً وبشكل واسع مصطلح التجديد في الإسلام
، وصار التجديد عند الباحثين بين تيارات متعددة ، وصار القرآن أو الإسلام
يطرح بمفاهيم متباينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، كيف نفهم موضوع
التجديد ؟ وما ضوابطه ؟
د. عكام : التجديد مصطلح لطيف وجميل في عالم الماديات، وكذلك فليكن
في عالم المعاني والأفكار ، ومن الذي لا يرغب في التجديد ؟!.. ويتجلى
التجديد الإسلامي ـ في رأيي ـ بإعادة المباشرة مع النص وفق الحركة العقلية
الإنسانية لتثبيت الثابت، واستنباط المتغير المناسب بحسب ظروف المجدد
الزمانية والمكانية،
ولا نريد أن نقيل عقلنا ـ اليوم ـ بحجة أن عقل من سبقنا قد اشتغل لنا وأنتج
ما يكفينا، بل علينا أن نفعّل عقولنا لتقوم بنفس دور السابقين ، وعلى هذا
الأساس نقبل الثابت ثابتاً بعقل وجد، وتنتج المتغيرات بحسب المعطيات
الراهنة والحالّة.
واللاتجديد يعني الفصل بيننا وبين نصنا بأفهام سابقة تحل محل النص الأصلي ،
فالنص الأصلي نبّاع وثري وغني ، أما الفهم المستقى منه فلا يعدو أن يكون
إشعاعاً من شمس تحتوي الملايين ، ويبقى متوارياً غائباً، وهل هذا إلا إهمال
وضياع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
وأحب أن أؤكد على أن هناك فرقاً بين مجدد تائه ومجدد واع ، فالأول لا نص
له، والثاني متوفر على نصه النبّاع الذي لا ينضب " لا يخلق على كثرة الرد "
كما ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في وصف القرآن.
والمجدّد الواعي هذا لا يتجاوز عقله إلى هواه ونزواته ، وإنما يلتزم
القواعد الاستنباطية القائمة على اللغة ومنطقها، والسياق وإطاره الفهمي
العام، والمناسبة الجادة للإنسان المسلم الذي يعني الإنسان بشكل عام، وما
صفة الإسلام إلا كشف عما تحتويه فطرة الإنسان أينما كان : ( ? فطرة الله
التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم?)
الشبكة الإسلامية : فيما يتعلق بالعلم والموقف منه، نرى تبايناً
حياله لدى المسلمين، كيف يمكن لنا أن نتفاعل مع العلم وأن نكون سبّاقين فيه
وإليه، لا منفعلين متراجعين ؟
أول أمر ينبغي علينا في هذا المجال : أن نثبت في أذهان الناس بعد أذهاننا :
أن العلم فرض، وفرض أساس في هذا الإسلام العظيم، بل هو الفريضة الجذر التي
لا غنى لكل الفرائض الأخرى عنه، ومن دونه لا يمكن أن يتحقق المسلم بإسلامه.
والعلم المفروض علينا، ليس هو فقط العلم المعرَّف بالعبادات الصرفة، فهذا
جزء من العلم، والعلم المطلوب هو ذاك الذي يلامس كل الحياة وسائر ميادينها
المختلفة كوناً وأرضاً شمساً وخَلْقاً وخُلُقاً.
وبعد تثبيت هذا في أذهان الناس ، يأتي دور النَّمْذّجة والتحقيق والتبني،
أما النمذجة والتحقق : فأن نسعى من أجل إيجاد النموذج وتكوينه وفق ما ثبتنا
من أساس سعينا لإرضاء ربنا وخدمة مجتمعنا وبناء وطننا بفاعلية صادقة ،
فنبني المدارس والمعاهد والمراكز، ونوجه الاهتمام إلى رعايتها ومتابعتها،
ونعدل عن السياسة النفعية الشعارية اللامنتجة إلى سياسة الأخلاق والتعليم
والتعلم.
وأما التبني : فأن نظهر رجال التاريخ منا الذين أسهموا في كافة الميادين
العلمية، ولا نقتصر في المديح والثناء على الخلفاء والفقهاء، فابن البيطار
والخوارزمي والجبرتي والرازي و... يجب علينا تبنيهم وترداد أسمائهم في
المساجد والمعابد وجلسات الذكر والمدارس ...
يا ناس : العلم نور، فعلام إطفاؤه؟! والعلم حياة، فعلام البعد عنه ؟!
والعلم وجود فلم التنائي عن ساحاته.. العلم .. العلم.. يا أمتي، والعلم هو
الفيصل بين السيد والمسود فهل تذّكّرون ؟!..
التعليقات