آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
صلاح السيرة وصفاء السريرة

صلاح السيرة وصفاء السريرة

تاريخ الإضافة: 2007/06/08 | عدد المشاهدات: 4688

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون:

بدايةً أتوجه إلى العلي القدير الرحمن الرحيم، أن يوفق طلابنا في امتحاناتهم الأساسية والثانوية والجامعية، طالباً منه جلَّ وعلا أن يجعل هؤلاء الطلاب مواطنين صالحين مؤمنين نافعين، يسعون إلى إرضاء ربهم وخدمة دينه وبناء أوطانهم بناءً متيناً قائماً على الخُلق والفضيلة والإحسان وعملٍ صالح مفيد نافع. كما أتوجه إلى ربي أيضاً وقد مرَّت علينا ذكرى النكبة، نكبة حزيران منذ يومين، أسأل ربي أيضاً أن يُجنِّب أمتنا النكبات والنكسات، وأن يجعلنا مجتمعين عليه موحَّدين تحت راية كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله.

فاللهم وفق أمتنا من أجل أن تكون موحَّدة، وفق أمتنا من أجل أن تتجنب ما يؤذيها في دينها ودنياها، ووفق أمتنا واحمها من كل سوء ومكروه يا رب العالمين.

أيها الإخوة، بإمكاننا أن نقضي على احتمال حدوث نكبة وذلك بالوحدة والاجتماع والاتفاق وتكوين روح جماعية تؤدي بنا إلى أن نلتقي.

سألني منذ يومين سائل قال لي: هل تريد وحدة بين المسلمين هكذا على عِلَّاتهم، أم تريدهم أن يكونوا متينين في ذواتهم ؟ قلت له: إنني أريد لهؤلاء الذين سيتحدون على كلمة الله أن يكونوا أقوياء، لأن السفينة إذا ما صُنعت من دفوف فاسدة في ذاتها فلن تستطيع المشي بها في عباب البحر وبين الأمواج، أطلب من المسلمين أن يتحدوا وأطلب منهم أن يكونوا أقوياء متينين في ذواتهم. تابع السؤال فقال لي: ما الذي تطلبه من المسلم في ذاته ؟ خطر ببالي - وايم الحق - هذا الذي سأقوله لكم، أو بالأحرى ورد على ذهني فقلت للذي يسألني: أريد من نفسي وأريد من المسلمين من أجل أن يكونوا أقوياء في ذواتهم أمرين اثنين:

الأمر الأول: صلاح السيرة، والأمر الثاني: صفاء السريرة.

أريد من نفسي ومن المسلمين من أجل بناء الذات القوية هذين الأمرين: صلاح السيرة، وصفاء السريرة. وما أجملهما من صفتين اثنتين تلخصان كل المطلوب منك، على مستوى الدِّين وعلى مستوى العروبة وعلى مستوى الوطن ومستوى الأسرة، فهيا إلى صلاح السيرة وإلى تصفية السريرة.

تذكرت وأنا أقول لهذا الأخ الكريم، دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تأكدت من صحته فرجعت إلى الجامع الصغير، قال عنه صاحب الجامع الصغير بأنه صحيح، تذكرت قول النبي ودعاءه حينما قال: (اللهم طهِّر قلبي من النفاق) وهذا صفاء سريرة (وعملي من الرياء) وهذا صلاح سيرة (ولساني من الكذب، وعينيَّ من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). قولوها بينكم وبين أنفسكم، فهذا دعاء نبيكم عليه وآله الصلاة والسلام. قولوها ورددوها قولوا: اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. رددوها يا طلابنا في جامعاتنا، في مدارسنا، رددوها يا حكامنا، يا مثقفينا، رددوها يا جيوشنا، يا جنودنا، يا ضباطنا، رددوها يا تجارنا، رددوها يا أطبائنا، رددوها يا معلمينا، يا شيوخنا، قولوا ومن قلوبكم وتوجهوا إلى ربكم وأكرر: (اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعينيَّ من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). تذكرت قول النبي ودعاءه ورجعت إليه فوجدت هذا الحديث حسناً يرويه أبو داود عندما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)، اللهم إني أعوذ بك من الشقاق لأنه يؤدي إلى فساد السيرة، وأعوذ بك من النفاق لأنه يؤدي إلى فساد السريرة، وسوء الأخلاق لأنه يؤدي إلى يؤدي إلى فساد السيرة والسريرة معاً. اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، انظروا مجتمعاتنا بشكل عام، هل ترون فيها إلا النفاق ؟ وهل ترون فيها إلا الشقاق ؟ وهل ترون فيها إلا سوء الأخلاق ؟ هل ترون في مجتمعاتنا إلا النفاق، إن دخلت إلى المكان الفلاني فالنفاق مستنبت وموضوع ومربى ومعمول على أن يكبر ويكبر، إن دخلتم مجتمعاتنا في العراق، في لبنان، في السودان، في كل مكان، في الجزائر، في السعودية، فسترى الشِّقاق على قدم وساق، هنا مختلف مع أخيه المسلم على تأويل، وهناك مختلف مع أخيه المسلم على تفسير، وهنا مختلف مع أخيه المسلم على شيخ ومتبوع ومربٍّ، وهناك وهناك اختلافات لم تقف عند حدِّ الخلاف المقبول بل تجاوز الأمر فأصبح الخلاف شقاقاً، فالشقاق قَوِيَ بيننا والنفاق لا يكاد يغادرنا وسوء الأخلاق والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه أصبح هو القابع في أذهاننا وساكن على أضلاعنا وجوانحنا وأجسادنا وأفواهنا وأعيننا، فلا تكاد تجد من تُحمد أخلاقه إلا القليل، فهل نحن في النهاية مسلمون ؟ آمل أن نعيد النظر في صلاح السيرة وفي صفاء السريرة.

قرأت الآيات التي خطرت على بالي ويمكن أن تكون شواهد على هذا الذي قلت. لقد نهانا ربي عز وجل عن أن نفسد السيرة والسريرة فقال: ﴿ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ما ظهر منها يعني فساد السيرة، وما بطن يعني سوء السريرة، ربي عز وجل قال: ﴿وذروا ظاهر الإثم وباطنه فلنجتنب ظاهر الإثم حتى نكون صالحي السيرة ولنجتنب باطن الإثم حتى نكون صالحي السريرة. قرأت قوله تعالى في سورة الفرقان الآيات التي تسمعونها كثيراً فوجدت هذه الآيات بين دعوة إلى صلاح السيرة وصفاء السريرة، فاسمعوا مني، أولستم على صلة بهذه الآيات وتسمعونها كثيراً، وأظن أن جميعكم سيكون جوابه نعم ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً صلاح سيرة ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً صلاح سيرة ﴿والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً صفاء السريرة ﴿والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً صفاء السريرة بينك وبين ربك تقول بينك وبين ربك ساجداً قائماً رب اصرف عني عذاب جهنم ﴿إن عذابها كان غراماً. إنها ساءت مستقراً ومقاماً. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ونحن بين مسرف ومقتِّر ولا تكاد تجد المعتدل، إما أن يسرف في الإنفاق على شهواته الحرام وإما أن يُقتِّر على الحلال على من يعول ومن يقوت، فهل يجوز هذا ؟ ﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً. والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر صفاء السريرة لا يدعون مع الله إلهاً آخر سريرتهم مستخلصة لله لا يتوجهون إلا إليه يقولون يا ربنا لا تُحوجنا إلا إليك، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، لا يعتمدون إلا على الله، يعتقدون جازمين بأنه وحده جل وعلا يضر وينفع ويعطي ويمنع ويفرق ويجمع، هذه الآية تصب في مصب صفاء السريرة ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق هذه من صلاح السيرة ما بالنا نرى القتل قد استفحل في مجتمعاتنا، هنا قتل بحجة السياسة، وهنالك قتل بحجة الانتقام، وهنالك قتل بحجة الارتداد، وهناك وهنا وهناك... فالأرض زرعت قتلاً، والأرض سحت منا دماءً علينا، أو تنظرون التلفاز والقنوات ؟ فما من يوم إلا وقتلى لا أقول قتيل، هنا وهناك، وإذا ما رأينا في يوم من الأيام نبأ عن قتيل أو قتيلين لم يتحرك فينا شعور بالحزن أو بالأسف لأن الأمر مجرد قتيل واحد أو قتيلين، فلقد تعودنا عن أنباء تتحدث عن مئة قتيل أو مئتي قتيل أو ألف... وإذا ما قُتل واحد فزوال الدنيا أهون عند الله من قتله، أصبح هذا لا يشعرنا بأسف ولا بحزن ولا ألم، تعودت أعيننا أن ترى الدماء هنا وهناك ﴿ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون وأنا أتحدث الآن عن فاحشة خطيرة أصبحت مجتمعاتنا في مضامرها وللأسف الشديد مدعاة وبوابة مُكرِهة لهذه الفعلة الشنيعة، فالسفور التبرجي، والتبرج العاهر أصبح سِمَةً لبناتنا وللأسف الشديد، ولا نستطيع أن نقول عنهم إلا أنهن بناتنا، انظروا الجامعات والمدارس، وانظروا الأماكن هنا وهناك، وانظروا البرامج التلفازية، وانظروا... ﴿ولا يزنون وهذا من صلاح السيرة. الأمة التي تخلو من الزنا ودواعيه وأسبابه ودوافعه ومحرضاته أمة مشت في طريق صلاح السيرة لكننا لسنا كذلك، وتتابع الآيات ﴿والذين لا يشهدون الزور وهذا من صلاح السيرة لا يشهدون الزور، انظروا محاكمنا كم من شهادة زور تقام صباح مساء ؟ كم من شهادات زور تقولها أنت من حيث لا تدري ؟ تشهد على سوء فلان وأنت لا تعرفه، وتشهد أن فلاناً يتحلى بصفة خُلقية فاسدة وأنت لا تعرفه، تشهد الزور صباح مساء غير أن الإحساس بالمعصية أضحى متبلداً، فنحن نعصي ولا نشعر بأننا نعصي ولو أننا عصينا وشعرنا وأحسسنا بالمعصية لكان الأمر أهون، لكننا نسترسل في العصيان من غير إحساس منبثق في دواخلنا على أننا نعصي ﴿والذين لا يشهدون الزور من صلاح السيرة ﴿وإذا مروا باللغو مروا كراماً من صلاح السيرة لكننا لا نمر باللغو كراماً وإنما نعيش اللغو نفسه، نحن قوم أصبحنا نلغو ونلهو، أصبح اللغو جزءاً كبيراً ومُهماً من حياتنا وأصبح اللهو ديدننا الذي لا ينفك عنا ولا ننفك عنه، أبهذا أُمرتم ؟ أم لهذا خُلقتم ؟

﴿والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً هذا من صلاح السيرة، يُذكَّر بآيات الله وإذ به يذكر نهي الله، يذكر عظمة الله، يذكر مراد الله منه، يذكر ما يريده من الله، لكن أصبحنا من الذين يمرون ويذكرون الآيات من غير وعي ولا فهم ولا اتعاظ ولا رؤية جادة من قلوبنا، وإنما الصم والعمى أضحيا عنواناً على سماعنا لآيات الله عز وجل، ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً وهذا دعوة لصلاح السيرة وصفاء السريرة، أريد أن أقول لكم ولنفسي: من منكم يدعو ربه وخصوصاً من كان عنده أولاد، عنده بنات من منكم يقول: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ؟ من يقول الذي هذا بصفاء قلب صباح مساء ؟ من الذي يريد أن يُحوِّل هذا إلى سيرة لتكون صالحة ؟

﴿أولئك يجزون الغرفة بما صبروا مَن تصلح سيرته وتصفو سريرته فسيجزى غرفة، ستحجز له غرفة فيها كل مقومات النعيم ﴿أولئك يجزون الغرفة بما صبروا لأن صلاح السيرة وصفاء السريرة يحتاج إلى صبر، والصبر فضيلة عظيمة ﴿أتصبرون وكان ربك قديراً أتصبرون من أجل أن تتحققوا بصلاح السيرة وصفاء السريرة ؟ أم لا نريد أن نصبر ﴿أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً. خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً يا رب وفقنا من أجل أن نتحلى بصلاح السيرة وصفاء السريرة، وفق جميعنا حكاماً ومحكومين طلاباً ومعلمين مرضى وأطباء ومعالجين ومهندسين ومثقفين، يا رب وفق جميعنا من أجل أن نعنون أنفسنا وذواتنا بصلاح السيرة وصفاء السريرة، ما أجملك يا هذا إذ تكون صالح السيرة وصافي السريرة، ما أروعك وأنت تتحلى بصلاح السيرة وصفاء السريرة، باطن نظيف وظاهر رشيد، باطن طاهر وظاهر عاقل، ما أجمل أن نتحلى بهذا، ضعوا هاتين الكلمتين في أذهانكم وعقولكم وتفكيركم، وأسأل الله أن يوفقنا في هذين الأمرين حق التوفيق، إن ربي على كل شيء قدير، اللهم أنت ربي فنعم الرب ربي، ونعم الحسب حسبي، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 8/6/2007

التعليقات

ِAbbass

تاريخ :2007/06/13

Deep down inside ,I love you for the rest of my life .You have taught me how to be a good role model.I wish you the best. You are still the light that enlightens my heart, soul and mind. I am too thankful to your practiacal guidance and the depth of your thoughts. good bye for the gentlest human being I have ever met and loved in my life.

شاركنا بتعليق