آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
القيم الأخلاقية في السيرة النبوية/ قناة نور الشام الفضائية

القيم الأخلاقية في السيرة النبوية/ قناة نور الشام الفضائية

تاريخ الإضافة: 2013/07/25 | عدد المشاهدات: 3411

تقوم قناة (نور الشام) الفضائية ببثِّ برنامجٍ يومي خلال شهر رمضان المبارك بعنوان: "القيم الأخلاقية في السيرة النبوية" وهو من إعداد وتقديم الدكتور الشيخ محمود عكام، وها نحن ننشر هذه الحلقات تباعاً تعميماً للفائدة ونشراً للخير. يذكر أن هذا البرنامج يُبثُّ الساعة الثانية والربع بتوقيت دمشق ظهيرة كل يوم.

القيم الأخلاقية في السيرة النبوية/ خلق التواضع

الحمد لله، والصلاة على سيدي رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت        فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

الأزمة أزمة أخلاق، ونحن بحاجة إلى أن ننهض من الأخلاق غير الحميدة إلى الأخلاق الحميدة، فإذا نهضنا إلى الأخلاق الحميدة أصبحنا أمةً بدأت الوقوف على أول طريق الحضارة، لأن الإنسان لا يمكن أن يكون متحضراً إلا إذا كان على خلُقٍ حميد، فإسلامنا يحوي عقيدةً سديدة، وشريعةً رشيدة، وأخلاقاً حميدة، ولا يمكن للعقيدة السديدة والشريعة الرشيدة أن تُقبَل عند الناس إلا إذا كان هذا الذي يقدِّمهما على خلقٍ حميد طيب. لذلك من أجل أن ننهض علينا أن نتوجَّه إلى الأسوة العظمى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للتعرف على أخلاقه عبر أقواله وأفعاله، ضمن سلسلةٍ أسميتها: (القيم الأخلاقية عبر السيرة النبوية).

من جملة الأخلاق التي يجب أن نتعرف عليها ونتحلَّى بها خلق (التواضع).

في علم الأخلاق هناك ثمة نوعان من الأخلاق، واحدة مقصودة لذاتها، وأخرى مقصودة لغيرها، وهي تسمَّى بأخلاق الأبواب، أي إذا لم تكن متحلِّياً بأخلاق الأبواب فلا يمكن أن تُقبَل عند الناس، من هذه الأخلاق الميسرة للقبول عند الناس (التواضع). المتكبر مرفوض حتى ولو كان عالماً أو تقياً أو كان على عقيدة سديدة، وشريعة رشيدة، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

تعريف التواضع: لتعريف التواضع شقان، الأول منهما: خفض الجناح ولين الجانب مع الخلق كلِّهم، والشق الثاني للتواضع قبول الحق ممن كان. فلو كنت لين الجانب مع الناس فأنت متواضع، وإن كنت مع هذا الخفض تقبل الحق من الناس فأنت متواضع.

والرسول عليه الصلاة والسلام كان سيد المتواضعين وسيد الأخلاق الحميدة، أما خفض الجناح فقد شهد الله له بذلك فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). وأما قبول الحق ممن كان فالرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر لما نزل بعيداً عن الماء قام الحباب بن المنذر فقال يا رسول الله: أهذا منزل أنزلكه الله أم الرأي والمكيدة والحرب ؟! فقال رسول الله: بل هو الرأي والمكيدة والحرب. فقال يا رسول الله: ليس هذا بمنزل. فاستجاب له رسول الله وقبل له نصحه. وهكذا يجب أن نكون.

الرسول عليه الصلاة والسلام قال لنا عبر أقواله ووجَّهنا كما يروي الإمام مسلم وأبو داود: "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد". وعدم التواضع يعني أن يبغي بعضنا على بعض وأن يفخر بعضنا على بعض وبالتالي أن تكون القلوب متنافرة.

الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما روى الإمام أحمد "من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يجعله في عليين". إذا أردت أن تكون في عليين يوم القيامة وفي الدنيا أيضاً فلتكن متواضعاً، وإذا أردت أن تكون في الأسفلين فلتكن متكبراً.

يقول عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" وفي رواية: "حبة خردل من كبر". استشكل بعض الصحابة فقال رجل: يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة" فهل هذا من الكبر، عندما يسعى الإنسان ليتجمل ويظهر بالمظهر الحسن فهل هذا مؤشر على كبره ؟ أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمط الناس". رفض الحق، واحتقار الناس. رفض الحق واحتقار الناس بغض النظر عن كونهم أدنى منك مستوى في حياتهم الاجتماعية أو الوظيفية.

أما حياته وسيرته من حيث التواضع فحدِّث عن ذلك ولا حرج.

لما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها كما روى الإمام أحمد عن النبي وفعله في بيته قالت: "كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويكون في خدمة أهله".

"مر أنس على صبيان فسلَّم عليهم. فسأله بعضهم: أتسلم على الصبيان فقال: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يسلم على الصبيان، وروى الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه أن النبي أتى على غلمانٍ يلعبون فسلم عليهم". تصوروا رجلاً عظيماً يمر على أولاد يلعبون ويسرحون، فيسلم عليهم. ألن يدخل هذا الرجل المُسَلِّم قلوبهم من غير استئذان ؟! مشكلتنا أننا نعرف هذا ولكننا نتعالى عن أن ننفذه ونطبقه، لذلك أخشى أن يكون الكبر قد تسلل إلى قلوبنا وأفعالنا وسلوكنا. هيا أيها الناس، أيها الأزواج، أيها الأساتذة، أيها الحكام، أيها الوزراء: تواضعوا، فورب الكعبة لو أنكم تواضعتم لوصلتم إلى قلوب الناس، ولو وصلتم إلى قلوب الناس لأحبكم الناس، ولو أحبكم الناس لعشنا جميعاً متعاونين متضامنين، لأن الإنسان لا يتعاون إلا مع من يحب.

ليتواضع الأزواج والأولاد والمدرسون والوزراء والحكام، والتواضع خفض الجناح للخلق، ولين الجانب لهم، وقبول الحق ممن كان. إذا سمعت أيها المدير فكرة صائبة من موظف عندك فقل له: نعم هذا هو الحق وعلي أن أقبله وشكراً لك. أما إذا تكبر المدير على موظفيه والأستاذ على طلابه، والأبناء على آبائهم، والآباء على أبنائهم والجار على الجار، والمواطن على المواطن، إذن كبِّر على هؤلاء القوم أربعاً، واعلم أنهم في عداد الأموات. لا حياة مع الكبر، ولا رقي مع الكبر، ولا حضارة مع الكبر.

قدم وفْدُ النجاشي كما روى البيهقي على النبي عليه الصلاة والسلام، فقام يخدمهم بنفسه. قال أصحابه: نحن نكفيك ذلك يا رسول الله. قال: لا، إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وأنا أحب أن أكافئهم بنفسي، وفي رواية إني أريد أن أخدمهم بنفسي. من منا اليوم يكرم يوخدم ضيفه بنفسه، ويقوم بخدمة أهله بنفسه، فهيا إلى التواضع، هذا الخلق الحميد، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا لنكون على تواضع جمٍّ حتى ندخل قلوب الآخرين بسلاسة ويسر، نعم من يسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

شاركنا بتعليق