آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
كلمة بمناسة المولد النبوي في مدينة الباب

كلمة بمناسة المولد النبوي في مدينة الباب

تاريخ الإضافة: 2008/03/19 | عدد المشاهدات: 3226

بمناسبة مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أقيم في جامع عمر بن الخطاب بمدينة (الباب) حفل ديني، مساء يوم الأربعاء: 19/3/2008 حضره الدكتور الشيخ محمود عكام، ومدير منطقة الباب، وقائد شرطتها، ومفتيها، ومدير شعبة أوقافها، وبعض طلاب العلم، وحشد غفير من الإخوة المؤمنين.

وقد ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمة الاحتفال، فيما يلي نصها:

 

صفات تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم

 

بسم الله الرحمن الرحيم، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم صلِّ وسلم وبارك وعظّم وشرِّف هذا النبي، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله، اللهم يا ربّ اجعل نوره محيطاً بذاتي، حارساً لي من جميع جهاتي، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد بن عبد الله، القائم بأمر الله، ما ضاقت إلا وفرجها الله.

يا أبناء هذه المدينة الطيب أهلها، طلابَ علمٍ، ومسؤولين، وشعباً يحب اللهَ ورسوله، ويحب وطنه، ويسعى من أجل خدمة وطنه، ويحرص كل الحرص على أن يكون وطنه مرفوعَ الجبين عالي الهمة متطوراً في كل الميادين، في الصناعة، في التجارة، في الزراعة، في الاقتصاد، في كل شيء، يا هؤلاء جميعاً: كل عام وأنتم بخير.

اليوم عيد المولد، والغد عيد المعلم، وكأنني أنظر إلى عيد المعلم نفس النظرة التي أنظرها إلى عيد المولد، لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم معلم المعلمين، ولأنه أستاذ الأساتيذ، عرفنا من خلال القرآن الكريم صفة معلمنا صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفنا من خلال السنة النبوية الشريفة صفة معلمنا أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كنا ننتسب باعتزاز إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو معلمنا، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن على مستوى التلمذة لهذا المعلم العظيم، أم أن ثمة بوناً شاسعاً بين معلم كمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين طلابٍ نحن الذين نجسدهم ؟!

خطر ببالي وأنا آتٍ إلى هذه البلدة الطيبة، أن أنادي نفسي وأن أناديكم من أجل اتصاف بصفات التلميذ الذي يكون لاحقاً بالانتساب إلى المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكما قلت لكم صفة المعلم معروفة، فهل تريدون أن تكونوا تلاميذ صادقين تنتسبون بأمانة ووفاء لهذا النبي الكريم المعلم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ الجواب: لا شك نعم. إذا كنتم تريدون الانتساب للمعلم على أنكم تلاميذ أوفياء فاسمعوا مني صفات التلاميذ الجديرين بالانتساب إلى المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سأعرض عليكم صفات التلاميذ الجديرين بالانتساب، ثم أريد من نفسي ومنكم أن تعرضوا أنفسكم على هذه الصفات فإن وجدتموها فيكم فنعم التلاميذ آنذاك، وإن لم تجدوها فيكم فكلي رجاء أن نسعى من أجل التحلي بهذه الصفات، حتى نكون على مستوى التلمذة لمعلمٍ شهد الشرق والغرب بأستاذيته. ذكرت كثيراً من الأقوال التي تصبّ في هذا المَصبّ قيلت هنا وهناك، وحسبي أن أنقل قولاً واحداً من أجل أن أذكر بعد ذلك الصفات التي أريد ذكرها أمامكم، من أجل التحقق بها، أو من أجل زيادة التحقق بها، اقرؤوا في كتاب "قصة الحضارة" كاتبه يقول العبارة التي قرأناها منذ أكثر من ثلاثين عاماً: "إذا كانت العظمة تُقاسُ بما للعظيم من آثارٍ إيجابية، فإن محمداً بحقّ أعظم عظماء الدنيا على الإطلاق". هذه شهادة من قِبل إنسانٍ ليس بمسلم بحسب الظاهر، شهد بمعلمكم ولمعلمكم صلى الله عليه وآله وسلم، فهيا من أجل التحقق بصفات التلمذة التي نحرص كل الحرص على أن تكون اللَّبوس الظاهر والباطن لنا في حياتنا. ها أنذا أعدد عليكم الصفات فاسمعوها مني:

الصفة الأولى لتلاميذ محمد، إيمان بالله لا يعرف الرَّيبَ ولا يعرف التناقص: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾ إيمانٌ بالله لا يعرف الرَّيب ولا يعرف التناقص: ﴿وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون﴾.

الصفة الثانية، إخلاصٌ لله لا يعرف المصانعة ولا المراءاة: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ يروي ابن جرير الطبري في تاريخه أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما جاءته غنائم القادسية، عندما جاءته حُلي كسرى أمسكها بيديه ونظر فيها ثم قال: "إن قوماً أدَّوا هذا لذوو أمانة"، راح ينظر في الغنائم وكيف أن هؤلاء الفاتحين قاموا بتأدية الغنائم كما هي دون أي نقصان. فالتفت إليه سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه وقال: "يا أمير المؤمنين عففتَ فعفت رعيتك". يا شبابنا نحن نريد أن نستثمر حفلات المولد، نريد أن تكون حفلات المولد دروساً نتلقاها ونتحقق بها إذ نسمع كلاماً فيها إذ نسمع إنشاداً فيها، لا أريد لحفلات المولد أن تكون لقاءاتٍ عابرة ننصرف بعدها وكأننا لم نلتقِ ثم يصبح الكلام الذي سمعناه والأناشيد التي تليت على آذاننا حجة علينا، لا نريد هذا، لذلك أعرض عليكم هذه الصفات من باب التبليغ لا أكثر ولا أقلّ، والذي أولى بالتبليغ هو نفس المتكلم، أنا أتوجه إلى نفسي أولاً وإليكم ثانياً.

الصفة الثالثة، شجاعة وتضحية من أجل استرداد حق: شجاعة في سبيل الله من أجل إعلاءِ كلمته، من أجل تحرير الأرض، من أجل استعادة المغتصب من أراضينا، في فلسطين، في الجولان: ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله﴾، الشجاعة والتضحية من أجل استرداد الحق. لقد فتح قتيبة بن مسلم بلاد الصين فقال له أحدهم: يا قتيبة لقد توغّلتَ في بلادٍ، والحوادث بين أجنحة الدهر تُقبل وتدبر. قال قتيبة: "بثقتي بنصر الله توغلت، وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة". فقال هذا السائل لقتيبة: اسلك سبيلك فذاك عزم لا يفله إلا الله.

الصفة الرابعة، عمل دؤوبٌ لا يعرف الهوان ولا التهاون: ولا يعرف الانقطاع بل كله مثابرة، ﴿فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب﴾ نريد أن نكون على عمل دؤوب لا نريد أن تكون هنالك فواصل أكثر من الذي يمكن أن تعطينا شيئاً من الراحة لنتابع العمل بعد العمل. وقف عقبة بن نافع على حافة بحر الظلمات – المحيط الأطلسي – وقال: "اللهم لولا هذا البحر لفتحت الدنيا" ثم قال: "اللهم لو أني أعلم أن خلف هذا البحر بلاداً لخضت هذا البحر".

وأريد أن أقف هنيهة عند كلمة "لفتحت الدنيا"، هنالك كلمتان وردتا في سورة النصر: (الفتح والنصر) فما الفرق بينهما ؟ يقول ربي عز وجل: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً﴾ فما الفرق بين الفتح والنصر ؟ النصر غَلَبة، والفتح إقناع بمنهاج نحمله، لذلك قال عقبة بن نافع: "اللهم لو أني أعلم أن خلف هذا البحر بلاداً لخضت هذا البحر، لفتحت الدنيا" أي لجئت هذه الدنيا بهذا المنهاج الذي أكرمني ربي عز وجل به ألا وهو القرآن الكريم: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ نحن أمة إذا انتصرت تتابع نصرها بالفتح، والفتح هو أننا نقدم للناس بعد النصر المنهاج الذي يصلح لهم من أجل نجاحهم في الدنيا، ومن أجل فلاحهم في الآخرة.

الصفة الخامسة لتلاميذٍ يريدون الانتساب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم العلم والمعرفة: حققوا أنفسكم بالعلم يا طلاب العلم، ولا أقصد بطلاب العلم طلاب الشريعة فحسب، وإنما أتوجه إلى كل طلابنا في كل المدارس، في كل الكليات، في كل المعاهد أقول لهم: إن نبيكم ومعلمكم صلى الله عليه وآله وسلم يطلب منكم وبإلحاح أن تكونوا دارسين، أن تكونوا متعلمين، أن تكونوا متفوّقين، أن تحسنوا التعلم إذ تتعلمون، أن تحسنوا التوجه من أجل أن تملؤوا عقولكم معارف ومن أجل أن تملؤوا ذواكركم علوماً ومن أجل أن تملؤوا ساحاتِ الوعي لديكم، كل ما ينفع الناس في هذه الدنيا، لقد سمعنا منه صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يجب أن يكون مستقراً في أذهاننا كل يوم كما حسّن الطبراني هذا الحديث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله، فلا بورك لي في شمس هذا اليوم) هيا إلى التحقق والاتِّسام بصفة العلم لأن قرآننا يقول لنا: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ ولأن معلمنا صلى الله عليه وآله وسلم أُمر أن يقول: ﴿وقل رب زدني علماً﴾.

الصفة السادسة، الانضواء تحت راية الولاء لله والولاء للرسول والولاء للقرآن الكريم: إن الانضواء تحت هذه الرايات يجعلنا أمة متحدة، قولوا لي بربكم ما الذي يفرقنا إذا كنا ندَّعي جميعاً أننا نوالي الله ونوالي رسوله ونوالي القرآن ؟ سلوا أنفسكم أنت توالي ربك ؟ الجواب: نعم، وأنت توالي ربك ؟ الجواب: نعم، وأنت توالي رسولك ومعلمك ؟ الجواب: نعم، وأنت توالي القرآن ؟ الجواب: نعم. إذا كنا جميعاً نقول نعم لهذا السؤال الذي يُطرح علينا فلماذا الاختلاف ؟ لماذا التناحر ؟ لماذا تنافر القلوب ؟ إني لأرى الجموع التي تمثلها الأجسام متحدة، لكنني لا أرى الجموع التي تمثلها الأرواح متحدة، والأرواح أولى بالاتحاد من الأجسام، نحن أمة تسعى إلى أن تتلاقى الأرواح قبل الأجسام، فما بالنا تتلاقى أجسامنا ولا تتلاقى أرواحنا في بيتٍ من بيوت الله، في مكان يدعى مركزاً للثقافة، في أي مكانٍ آخر، في جامعة، في مدرسة... هنالك تنافر شئنا أم أبينا، وما كان التنافر في يوم من الأيام ليكون صفة لتلاميذ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أرأيتم إلى وضع المسلمين اليوم كيف تحكَّم بينهم التنافر كيف تحكمت بينهم العداوات كيف تحكم بينهم التنابز بالألقاب كيف تحكمت فيهم الغيبة والنميمة. هذا يرفض ذاك وهذا لا يقبل هذا وهذا يَسِمُ هذا بشيء من الأوصاف التي لا يقبلها الآخرون زوراً وبهتاناً، عداوة وبغضاء وشحناء لا أكثر ولا أقل، نحن أمة نتنادى جميعاً من أجل أن ننضوي تحت راية الولاء لله ولرسوله وللقرآن، ونحن نُشهد الله وأعتقد أن الجميع يُشهدون الله بأنهم ينضوون تحت هذه الرايات الثلاث التي ذكرناها، إذن اجتمعوا ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾، ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾، ﴿إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص﴾ هل نحن بنيان مرصوص أم نحن جسماً متناثراً (معصوصاً) ؟ نحن نشكل جسماً تتقاتل أعضاؤه تتقاتل اليد مع اليد، والرأس مع القلب من غير ما سبب، أبهذا أمرتم ؟! وأنتم الذين خوطبتم في كتاب الله ولا سيما أنتم يا طلاب العلم: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ أين تجلي هذا التعاون في بلادنا في مدارسنا في مساجدنا في كل الأمكنة التي نلتقي فيها ؟ إني لأراه غائباً ولو كنا ندعيه فالادعاء لا يعني وجوده وإنما الادعاء حجة علينا في الدنيا قبل الآخرة.

في النهاية: يا أيها الإخوة الحريصون على التلمذة الصادقة لمحمد:

إيمان بالله لا يعرف الريب ولا التناقص، إخلاص لله لا يعرف المصانعة ولا المراءاة، شجاعة وتضحية من أجل استرداد حق مسلوب، عمل دؤوب لا يعرف الهوان ولا التهاون، علم موثق محقق، الانضواء تحت راية الولاء لله والولاء للرسول والولاء للقرآن الكريم.

هذه صفات تلاميذ محمد إن كانت فيكم فأنتم بجدارة تلاميذ محمد، وإن لم تكن فيكم فلن أقول بأنا لسنا تلاميذ محمد ولكنني أقول إن لم تكن فينا فلنسعَ من أجل أن نتحقق بها، لأننا نعيش في بلدٍ أسأل الله له الحماية والرعاية، فسورية بشكل خاص والكلام على ظاهره وباطنه، سورية مُستَهدفة لأنها على الأقل من حيث الشكل والمظهر متحدة متماسكة، يريدها أعداؤنا مُفرقة أو تريدون أن تكونوا أعواناً لأعدائنا من أجل أن تتفرق صفوفنا ونحن الذين عاهدنا ربنا يوم قلنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله أن نكون الأوفياء لله، للرسول، للقرآن، للأرض التي نعيش عليها ؟

أكرر سؤالي ربي عز وجل أن يحفظ سورية قيادة وشعباً، وأن يجعلها من البلدان المتقدمة في المسائل العلمية التجريبية والمسائل الأخلاقية النوعية الإنسانية.

لتجعلوا لسورية ورداً خاصاً في أدعيتكم وفي أورادكم صباحاً أو مساءً، اسألوا ربكم أن يحفظ هذه البلاد وأن يرزق هذه البلاد الرفعة والعزة والكرامة والتعاون والتناصر والتباذل.

سيدي رسول الله: لا يسعني إلا أن أقول كما قال لك الصحابة الكرام رضي الله عنهم: أنت أبر الناس، أنت أكرم الناس، أنت أصدق الناس لهجة، أنت ألين الناس عريكة، أنت أوسع الناس صدراً، أنت أكرم الناس عشرة، وإني لمطأطئ رأسي استحياءً منك يا سيد الناس، يا سيد الخلق.

يا من يثير حماستي بجماله       عذراً إذا شاهدت ضعف لساني

الله يعلم كم حرّكت في خلدي        من ذكرياتٍ وكم هَيَّجت أشجاني

كم في دروبك من دربٍ أصخت له           كأنه بحديث الأمس ناجاني

لبيك ملء فمي لبيك ملء دمي                 لبيك لبيك من قلبي ووجداني

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

عمر محمود العثمان

تاريخ :2008/03/26

أشكرك باسم مدينتنا الغالية مدينة الباب على هذه الكلمة التي رشدت معلمينا كما رشدت تلاميذ محمد إلى السلوك الأقوم تجاه النبي المعظم.

أبو الطيب

تاريخ :2008/04/02

تحية طيبة لك الشكر أستاذنا حفظنا الله وإياك من السوء وأهله

شاركنا بتعليق