آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سبل الممانعة أمام الفاحشة

سبل الممانعة أمام الفاحشة

تاريخ الإضافة: 2008/06/06 | عدد المشاهدات: 3030

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

منذ أيام جرى حديث بيني وبين أحد مسؤلي التربية في بلدنا، قال لي: ما موضوع خطبتك الأسبوع القادم ؟ قلت له: سأتحدث مع شباب بلدنا، مع الذكور ومن خلالهم مع الإناث. سأحذرهم وأحذِّر نفسي من فتن الجنس، سأحذرهم من الرذيلة حتى لا يقعوا في شباكها، سأحذرهم من الفساد حتى لا يلتقطهم فخُّه، سأحذرهم حتى لا يكونوا فريسة لإشكاليات ومشكلات وقضايا تُخرِّب في الإنسان صفاءه وطهره وعفته وكينونته المقدسة.

قال لي كيف ستبتدئ الحديث معهم وأنت تريد تحذيرهم ؟

قلت: سأقول للناس، ليس فقط لأولئك الذين يصلون في الجامع ولكن من خلالهم لكل أبناء مجتمعي الذي نعيش فيه، سأقول لهم التالي:

أيها المواطنون: إن كان لك بنت، أو كان لك ابن، أو كان لك أخت أو كان لك أخ أو كان لك عم أو كانت لك عمه، أتريد لابنتك أن تكون عفيفة طاهرة، مَنْ كنت سواء أكنت متديناً أو غير متدين، سواء أكنت مسلماً أو غير مسلم، السؤال إنساني بحت، إن كان لك بنت هل تريدها طاهرة عفيفة تحفُّها الفضيلة وتنتشر في ذراتها الأمانة والوداعة واللطف وحسن الخُلُق، أو لا سمح الله تريد أو لا تسأل فيما إذا كانت هذه البنت تملؤها الرذيلة ويعبث في ذرات جسمها الفساد والفاحشة والخيانة والسوء، قال لي محدّثي: لا شك في أن الذي سيُسأل هذا السؤال سيختار البنت الأولى.

كذلك سأقول لهذا الإنسان: إن كان لك ابن: أتريده أميناً عفيفاً طاهراً يُتكلم عن طهره وعفته ونظافة عينه ونظافة يده ونظافة سلوكه، أم تريد لابنك أو بالأحرى تسكت عن ابن لك يده ملوثة بآثام الرذيلة، وعينه تتنقل في مساحات العهر والفساد والتسكع والتضييع ؟! الجواب لا شك في أنه سيختار الابن الأول مَن كان سواء أكان الذي أسأله هذا السؤال مسلماً أو غير مسلم، متديناً أو غير متدين. سارع هذا المسؤول عن التربية قال لي: وكيف ستدخل إلى هذا الحديث بعد ذلك ؟ قلت له سأقول لهذا الذي أخاطبه إن كنت تختار البنت الأولى والابن الأول الذي تحدثنا عنه، فإن هذا المجتمع في النهاية هو ابنك وابني وابنتك وابنتي وأختك وأختي وعمتك وعمتي وعمك وعمي وخالتك وخالتي، فإذا كان الواحد منا حريصاً على ابنته من أجل أن تكون ذات عفاف، وإذا كان حريصاً على ابنه من أجل أن يكون ذا صلاح، وابني وابنك وابنتي وابنتك وخالتي وخالتك وعمي وعمك يُشكلون المجتمع، إذاً فلنخاطب المجتمع كله لنقول له:

يا أيها المجتمع، يا أيتها البنات، يا أيها الأبناء، يا أيتها الخالات، ويا أيتها العمات، وما أعتقد أن واحداً منكم أو منكن تخرج عن أن تكون أختاً أو ابنة أو عمة أو خالة، أو أن الواحد منا يخرج من أن يكون ابناً أو أباً أو عماً أو خالاً، إذا كان الواحد منا يحرص هذا الحرص على الأفراد، فالأفراد يشكلون المجتمع فلنحرص على المجتمع ولا سيما وأن أيام الصيف أتت وأن أولئك الذين يقفون على أبواب جهنم من دعاة الرذيلة يكثرون، فأمكنة اللهو فتحت أبوابها وأمكنة الفساد شرَّعت منافذها من أجل أن تستقبل أولئك الشباب من ذكور وإناث، لتحولهم إلى لاهثين وراء غرائزهم يريدون إرواءها من حلال أو حرام لا فرق في ذلك، أيام الصيف أتت وأتت معها الأبواق التي تنادي الناس إلى فيلمٍ لا يمتُّ إلى الإنسانية بصلة من حيث خلُقها، وأتت الأبواق تنادي الإنسان في وطننا إلى مسبحٍ فاضح أو إلى نادٍ يعمم الفاحشة وينشرها، أو إلى ساحة ينظر الناس بعضهم بعضاً فالرجل لا يرفع نظره عن الأنثى التي رفعت عنها حجابها ورفعت عنها ثيابها وتبدت وكأنها علامة فتنة وتبدت وكأنها داعية إلى ضلال ودمار في المجتمع لا أكثر ولا أقل، والأبواق تنادي أيضاً من خلال قناة تدعو الناس إلى أن يُشوّهوا أسماعهم بأغانٍ ماجنة وأنظارهم بمناظر تؤذي قلوبهم وأنظارهم وعقولهم، القناة والنادي والمسبح والمقصف والشارع والساحة والمجلة والجريدة كلها أبواق تدعو شبابنا وبناتنا ونساءنا ورجالنا إلى ما يؤذيهم في كينونتهم المقدسة، في عقولهم، في فكرهم، فهل تستجيبون يا شباب أم أنكم توصفون بصفات الممانعة أمام الرذيلة التي تريد أن تقتلكم، وأمام الفساد الذي يريد أن يقتلكم ؟ هل تتمتعون بصفات الممانعة وصفات الصمود هذا ما أريده منكم لأن دعاةً على أبواب جهنم يقفون صباح مساء ينادونكم من أجل أن يقتلوا منكم وفيكم إنسانيتكم ودينكم وأخلاقكم وبالتالي تُضيِّعون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.

فيا شبابنا: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة﴾ اذكروا قول الله عز وجل: ﴿ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ يا شبابنا اذكروا قول الله عز وجل: ﴿ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾ يا شبابنا امتثلوا أمر ربكم إذ يقول لكم عبر آيات كثيرة: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ استمعوا إلى قول الله عز وجل: ﴿فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين﴾ تنبهوا لكل تلك الأسلحة التي تريد أن تفتك عقولكم وأجسادكم وأرواحكم وأخلاقكم وبلادكم، لأن هذه البلاد ما قامت إلا على الطهر والعفاف وما سلمها لنا أجدادنا من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا وأيديهم طاهرة وعيونهم نظيفة وأنوفهم لا تشمّ إلا روائح الإيمان وروائح العفاف، سلمها لنا أجدادنا وأيديهم الطاهرة وأفواههم النيرة المعطاءة ذات الأقوال المفيدة النافعة، سلمها لنا أجدادنا وهم يقولون: اللهَ اللهَ في هذه البلاد، اللهَ الله في بلاد الشام المباركة، إياكم وتدنيسها إياكم وإفسادها، إياكم وإشاعة الفاحشة فيها، أيتها البنت من كنتِ سواء أكنتِ مسلمة أم غير مسلمة أنتِ ابنتنا، أيتها البنت سواء أكنتِ متدينة أم غير متدينة أنتِ ابنتنا، أيتها الطالبة أنتِ ابنتنا، أيها الطالب من كنت أنت ابننا، ولهذا ومن منطلق وطنيتنا ومن منطلق إيماننا ومن منطلق إسلامنا ومن منطلق عروبتنا ومن منطلق تراثنا ومن منطلق تاريخنا نناشدكم الله أيها المسؤولون عن الصحيفة والجريدة والقناة والدعاية والنادي والمسبح أن تراقبوا ربكم عز وجل وأن تستشعروا مسؤوليتكم عن طهر أبنائكم، عن عفة نسائكم، عن نظافة وطنكم، عن حنيفية دينكم، نريدكم من خلال تلك المنافذ وتلك المكامن أن تستشعروا المسؤولية الملقاة على عاتقكم، فلا إفساد ولا تضييع ولا تسكع بل دعوة إلى النظافة والطهر والعفة.

يا طلاب الجامعة، يا أيها الصانعون، يا أيها الفالحون أعني الذين تفلحون الأرض وتزرعونها: أناشدكم الله أن تأخذوا جرعات من الإيمان في ليلكم حتى تواجهوا المشكلات التي تقضي عليكم في نهاركم: ﴿قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً﴾ حدثتكم في الأسبوع الماضي عن ضرورة أخذ جرعة إيمانية من خلال قراءتك كتاب ربك اقرأه صباح مساء، من خلال صلاة ركعات في جوف الليل تدعو من خلالها ربك أن يحفظك وأن يحفظ أولادك وأن يحفظ نسائك وأن يحفظ الرجال وأن يحفظ الوطن وأن يحفظ كل ما نريد حفظه، لأن عدونا شرس ولأن عدونا يريد أن يغتال أخلاقنا وأن يغتال أجسادنا حتى إذا ما اغتال أجسادنا قال إن ما قتلت أناساً لا أخلاق لهم ولا فائدة لهم، ولذلك هو يتحامل على أخلاقنا قبل أن يتحامل على أجسادكم حتى إذا ما صبَّ حذاءه مع أخلاقكم قال لا ضرورة لبقاء أناس لا أخلاق لهم، يريد أن يمحو الحسن من أخلاقكم قبل أن يمحو أجسادكم وإن كان هو يستهدفكم بأجسادكم وأخلاقكم، لكنه كما يقال يخطط ويفكر حتى يقول للناس: أترون انظروا إلى الأمة التي ضيعت أبناءها، فأبناؤها يشربون المخدرات، وأبناؤها يشبعون أعينهم وقلوبهم وأفئدتهم بالرذيلة، وهذا الوطن أبناؤه يضيعون أوقاتهم في التُرَّهات والأباطيل، أفهؤلاء يستحقون العيش ؟! وبالتالي سيكون الجواب لا يستحقون العيش فعليكم أن تقضوا عليهم وعلى وجودهم، وهذا ما يفعلون.

أتراكم يا أبناء الوطن تتحسسون هذا الذي يُكاد لكم، أتراكم يا أبناء الوطن تتحسسون هذا الذي يراد لكم أم أنكم تنظرون إلى الرذيلة على أنها أمر عابر، لا يا إخوتي إنها مفردة في مخطط لاغتيالكم، لاغتيال أخلاقكم، واغتيال وجودكم المادي، ومن ثم لتبرير هذا الاغتيال أمام الإنسانية على أنكم لا تستحقون الحياة.

أناشدكم الله يا أيها الطلاب الذين ستنتهي امتحاناتكم فيما بعد، يا طلاب الجامعة هيا إلى خدمة الوطن من خلال مهنة نظيفة، هيا إلى خدمة العقل من خلال قراءة نافعة، هيا إلى خدمة الروح من خلال عبادة وفيَّة، هيا إلى خدمة أنفسكم ومكوناتكم من عقل وجسم وروح وواقع واجتماع وكل ذلك قد بينته في الأسبوع الماضي.

بقي أن أقول: اسمعوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام المتعلق بقوم رضوا أن تكون الفاحشة غيمةً تدرُّ عليهم الفساد وتمطرهم بالتيه والضياع، يقول سيدي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من قوم يُعمل بينهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لا يغيرونه إلا عمهم الله عز وجل بعقاب) أي إذا كان الذين لا يعملون بالمعاصي أكثر من الذين يعملون بالمعاصي، ثم سكت هؤلاء الأكثرية فلم ينكروا ولم يقوّموا هؤلاء الذين عملوا بالمعاصي لأن الأكثرية التي لا تعمل بالمعاصي أعز، وهذا واقعنا، لكن المشكلة أن الأكثرية اليوم تسكت لذلك يقول لها النبي عليه الصلاة والسلام : (ما من قوم يعمل بينهم بالمعاصي هم أعزّ وأكثر ممن يعمله، ثم لا يغيرونه إلا عمهم الله عز وجل بعقاب) كما في الطبراني، ويقول عليه الصلاة والسلام كما روى ابن ماجه: (لم تظهر الفاحشة) أترون أن الفاحشة ظاهرة أم لا ؟ أنا أراها إن لم تكن ظاهرة فهي في بداية الظهور والانتشار (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها) والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه، أضحت الفاحشة معلنة، فالدعاية إلى خلاعة على الجدر تُنصَب، والدعاية إلى فساد أصبحت عبر الإعلانات تُقال في بلادنا العربية والإسلامية، والدعاية إلى أمر يكاد يكون الفاحشة نفسها أصبحت على صفحات المجلات والجرائد: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم). إذا أردتم الشفاء لمجتمعنا وأفرادنا، إذا أردتم العافية لبلدنا إذا أردتم السلامة لوطننا فهيا إلى صمود أمام الرذيلة هيا إلى تجلبب بجلباب الفضيلة، هيا إلى ممانعة في مواجهة الفساد، هيا إلى ارتداء ثوب الصلاح، هيا إلى إعلان الرفض لكل ما يؤذي طهرنا وعفتنا وطهر بناتنا، هيا إلى إعلان الممانعة في مواجهة ما يؤذي بناتنا وأبناءنا وإخواتنا وعماتنا وخالاتنا وكل خلايا مجتمعنا، إذا ما أردتم لوطنكم ان يكون سليماً مُعافىً فما علينا إلا أن نقوي الإيمان في دواخلنا، وأن نقوي الإيمان في دواخل أبنائنا، وأن نربي أنفسنا على أن نكون العباد الأوفياء والناس الأوفياء لهذا الوطن الذي هو في الأصل وطن مبارك، ووطننا بعض من شامٍ مباركة، وقد وردت أحاديث كثيرة في مباركة بلاد الشام.

هيا وبكل وضوح وإصرار وبكل قوة وتأكيد هيا إلى الممانعة، إلى جهاد النفس من أجل أن نصمد أمام كل فساد يريد أن يقضي علينا وعلى رقابنا وعلى أجسامنا وعلى أرضنا وعلى زرعنا، عمَّ الغلاء وعمَّ ما يمكن أن يكون قسوة في حياتنا وأظن أنا نمتلك بعض الحل، وأنا لا أعفي الدولة من حل يجب أن تقوم به في هذا الميدان لكنني أعتقد أنه بإمكاننا أن نمتلك بعض الحل وهذا البعض عندي أن تؤوبوا إلى ربكم وأن تدعوا ربكم وأن تمكنوا الإيمان من قلوبكم وأن تمكنوا النظافة والطهر من أجسامكم وألسنتكم وأولادكم وبنيكم وطلابكم وتلاميذكم. فاللهم يا ربنا يا رجانا نسألك أن تردنا وأن ترد شبابنا إلى دينك رداً جميلاً، نسألك أن تحفظ أوطاننا، أن تحفظ الشباب من مكروه من كل سوء من كل فاحشة من كل ضر من كل كيدٍ للكائدين من كل فساد للمفسدين من كل ما يؤذيهم في كل أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم، نعم من يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 6/6/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق