آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
الإنسان والأخلاق/ جريدة الثورة

الإنسان والأخلاق/ جريدة الثورة

تاريخ الإضافة: 2008/08/15 | عدد المشاهدات: 2651

نشرت جريدة "الثورة" الصادرة في دمشق، بتاريخ: الجمعة: 15/8/2008 وفي صفحتها: (دين ودنيا) مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام، بعنوان: الإسلام والأخلاق، وفيما يلي نص المقال:

الإنسان والأخلاق

الإنسان بين خَلْق وخُلُق, له تجليان:

الأول: التجلي المادي: وهو هذا الشكل الذي أنت فيه, (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وهو الشكل الذي تتميز به عن سائر المخلوقات,‏ ويكمن هذا التميز:‏

1- في طبيعة الإنشاء الأول: فأنت الوحيد من المخلوقات لما خُلقت قال ربي عز وجل: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) أنت الوحيد بين المخلوقات المنفوخ فيك من روح الله عز وجل.

2- مكرَّم في الاستمرار والمتابعة: متميز عن المخلوقات الأخرى في طريقة التكاثر. وأنا لا أريد أن أتحدث عن الدافع الجنسي الذي يقبع فيك وأنت بالتالي تقوم بإروائه بطريقة مختلفة عن الحيوان, إذ إن هنالك كلمة وعقد, وعهد, "واستحللتم فروجهن بكلمة الله", يوجد إشهاد لله على العقد فالقضية متميزة, أما باقي المخلوقات فلا كلمة لها في التناسل.

3- ويستمر التميز الخلقي أيضاً ليظهر في الشكل الأرقى والأقوم: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).‏

والثاني: هو التجلي المعنوي: والذي يشكل الوجه الآخر للخَلق, وليس لهذا التجلي وجود أصلاً لدى المخلوقات الأخرى, وهو محل التكليف بالنسبة للإنسان, ولعله الأمانة التي حُمِّلها الإنسان, وأبى حملها غيره من المخلوقات, (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً).‏

فهناك قواعد تحمي الخَلق وهي قواعد صحية جسمية مادية, وكذلك يجب أن تكون هناك قواعد تحكم الخُلق, القسيم الثاني للتجلي العام للإنسان, ومن هنا وجب البحث عن نظام للخُلق يعادل نظام الخَلق من حيث تميزه ورقيه وحسنه, وبدون هذا النظام الخُلقي تنسلخ عن الإنسان إنسانيته, لأنه ما حازها إلا لأنه جمع بين المظهرين: الخِلقي المقوم المسوى, المكرم به فضلاً دون تكليف. والخُلقي العظيم, المكلف به حماية, ورعاية، وارتقاء, فليس الإنسان محض خَلق مادي, كما إنه ليس محض خُلق معنوي مثالي, بل هو هما معاً, ولذلك قلنا: الخُلق أنسنة الخَلق, وبالخُلق يتأنسن الخَلق, وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في مسند الإمام أحمد عندما يريد أن ينظر شخصيته: "اللهم كما حسنت خَلقي, فحسن خُلقي".

مؤيد الأخلاق هو شعورك بأنك مراقب من قبل الله, كلنا يعتقد بأن الله مطلع عليه ومراقب له ويعلم ما نخفي وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.‏

الأخلاق هو: الأسلوب الأمثل للتعبير عن الأقوال المرغوبة والأفعال المطلوبة.

الأخلاق عامة وشاملة لكل شيء, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء, فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليُحِدَّ أحدكم شفرته, وليرح ذبيحته".‏

إن الله كتب الإحسان على كل شيء, على كل صغيرة وكبيرة من قول أو فعل, ولها مستويان: مضموني وأسلوبي, والله عز وجل جعل هذين المستويين في كل شيء يصدر عنك من قول أو فعل مهما صغر أو كبر.

ما الأسلوب الأروع? هو السَّعة والاستيعاب, الإنسان شخصيتان إما مستوعِب وإما مستوعَب، المستوعِب يدفع بالتي هي أحسن, (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) أما المستوعَب فهو الصغير, لو سألنا من المستوعِب الرسول أم المشركون ? فيكون الجواب: الرسول بالطبع. جاء في البخاري كما يقول ابن مسعود: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكي نبياً من أنبياء بني إسرائيل ضربه قومه حتى أدموه فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لايعلمون".

لما ذهب النبي إلى الطائف أرسلوا إليه أطفالهم وغلمانهم فنزل إليه جبريل ومعه ملك الجبال: يا محمد أنطبق عليهم الأخشبين? لا, لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.‏

رقابة الله هي مؤيد الأخلاق, الضمير في الغرب مؤيد الأخلاق, قلت للغربيين: ما تعريف الضمير ? لم يُعرِّفوه. قلت: الضمير فعيل في اللغة العربية, مراد فيه الظرف المَحلّ, ثم قلت لهم: الضمير هو صوت الله في الإنسان, حتى ولو لم يكن مؤمناً بالله فهناك صوت لله لأن الله حقيقة. فلان صحا ضميره أي سمع لصوت الله فيه.‏

مؤيد الأخلاق إذاً رقابة الله. لأن رقابة الدولة مهما قويت, ورقابة الناس مهما اشتدت, ورقابة الإنسان هو على ذاته مهما ارتقت, لن تصل جميعها إلى مستوى رقابة الله, الذي يعني لدى المؤمن به, المطلع على السر والجهر, والصغير والكبير والخلجات والحركات.‏

ورقابة الله لها مستويان: مستوى سيادة الواجب كما نقول في الفلسفة: اعمل هذا لأنه واجب وفرض، والمستوى الثاني: سيادة الحب. أنا مراقب من قِبل من أحب وهذه أرقى وهنا أتفانى في العمل, هذا المؤيد.‏

إما أن تكون سيادة الواجب, أي صاحب الواجب عليّ, وإما أن يكون محبوباً.‏

أخيراً: الأخلاق والعادة: الغلط الذي نرتكبه هو أننا نخلط بين الأخلاق والعادة, وحمَّلنا الإسلام عاداتنا وسلخنا منه أخلاقه ورمينا بها, وحولنا عاداتنا إلى أخلاق الإسلام, ودعونا الناس إليها فلم يقبلوها, فقلنا إن الناس لم يقبلوا الإسلام!‏

ومشكلة إنساننا اليوم أنه أنزل العادة منزلة الأخلاق فتمسك بعادته الخاضعة لبيئته تمسكه بالأخلاق، وراح يسعى إلى تصديرها على أنها عامة شاملة, وهي ليست كذلك. ولما صادمت عادته عادات أخرى, لم يتنازل عن عادته, ودافع عنها دفاعه عن أخلاقه, فحدثت الفوضى الكبيرة، والاختلاط العجيب بين الأخلاق وبين العادة. قد نرى أن الإسلام يُرفض أحيانا, وذلك لأنه حمل عاداتنا على أنها جزء هام منه, وعلى أنها جزء من أخلاقه, ولطالما طبع بعضنا عاداته - التي تكونت نتيجة بيئته - بطابع الإسلام, وراح يدعو إليها على أنها أخلاق الإسلام, أو على أنها أخلاق قابلة للتصدير عبر القارات, وعبر الأزمنة لكل الإنسان. ولذا فنحن نطالب بفصل العادة عن الخُلُق. حين نقدم الإسلام مصدراً للأخلاق, وحين نقدم قواعد أخلاق الإسلام.

د. محمود عكام/ مفتي حلب

لقراءة المقال من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق