آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
الإسلام وتنظيم الأسرة/ جريدة الجماهير

الإسلام وتنظيم الأسرة/ جريدة الجماهير

تاريخ الإضافة: 2008/11/06 | عدد المشاهدات: 3231

تابعت جريدة "الجماهير" الصادرة بحلب بتاريخ الخميس 6/11/2008، وفي صفحتها (مجتمع) محاضرة الدكتور الشيخ محمود عكام حول الإسلام وتنظيم الأسرة التي ألقيت ضمن فعاليات حملة "قضايا السكان والصحة الإنجابية" بحلب ، وفيما يلي نص المتابعة:

الإسلام وتنظيم الأسرة

كان الإسلام أكثر حرصاً على رعاية الأسرة وحمايتها بتشريعات وقوانين أكدت على التكوين السليم والتأسيس القويم والحماية من الافعال التي تؤثر على مسار الأسرة، فقد أرسى دعائم المحبة والتفاهم والطاعة والتعامل مابين الأزواج والأبناء بأسلوب سليم يعتمد الخلق والطباع الحميدة.

فمجموعة المفاهيم التي ركَّز عليها الإسلام وحضّ بها الأسر كان لها الأثر البالغ في تنشئة المجتمعات السلمية والقوية، فالأسرة القوية والسليمة تخلق قاعدة البناء القويم، وهذا مايتمّ التركيز عليه حالياً بأهداف وأسس وطرق علاجية لخلق مفهوم التنظيم للأسر الذي يعتبر من الدعائم الأساسية للتكوين ولا تعارض ما بين ما ركزت عليه الشريعة الإسلامية في مجال تنظيم النسل وما بين الحاجة إلى خلق مفهوم الصحة الإنجابية وتنظيم المجتمعات السكانية للوصول إلى حالة ربط ما بين هذه المجتمعات المنظمة وما يتطلبه الواقع الصحي والاجتماعي والتنموي، وهذا ما تم التركيز عليه من خلال الندوة التي شارك فيها سماحة الدكتور محمود عكام مفتي حلب بمحاضرة حملت عنوان: (الإسلام وتنظيم الأسرة).‏

علينا أن نُسلّم بأن الدعوة إلى تنظيم الأسرة لا يجوز أن تكون دعوة إلى محاربة الزواج أو محاربة الذرية بحد ذاتها.‏

وعلينا التسليم أيضاً بأن حب الذرية أمر فطري لن تقهره عقبات مصطنعة موضوعة في طريقه، فوجود الذرية بين البشر أمر لا بد منه, لكن القرآن الكريم يوجهنا إلى أن الذرية ينبغي لها أن تكون طيبة صالحة نافعة منتفعة.‏

فهذا زكريا عليه السلام تقدم به السن وامرأته عاقر فيدعو الله أن يمنّ عليه بذرية طيبة صالحة: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هَبْ لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) آل عمران: 38.‏ وهؤلاء هم عباد الرحمن وهم يدعون ربهم:‏ (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان: 74.‏ وقرة الأعين معناها هدوؤها واطمئنانها وهو كناية عن سرورها وسعادتها وإنما تكون الذرية سبباً للسعادة والمسرَّة إذا كانت سليمة قوية سعيدة نافعة.‏

هناك مفهوم خاطئ رسخ في أذهان الكثيرين واعتقدوا به وهو ظنهم أن كثرة الذرية وحدها علامة على الرضى الإلهي والخير والبركة.‏

وليس على ذلك دليل عقلي أو نقلي لأن الكثرة العددية تقع للصالحين والطالحين وللمؤمنين والكافرين، بل إن المؤمنين قلة بالنسبة إلى الكافرين ولو تتبعنا مادة (الكثرة) ومادة (القلة) في القرآن الكريم لوجدناه لا يمدح الكثرة لمجرد أنها كثرة، ولايذم القلة لمجرد أنها قلة, على العكس يُندِّد بالكثرة الطالحة، وينوِّه بالقلة الصالحة فهو يقول: (كم من فئةٍ قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) البقرة: 279.‏ ويقول: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبتك كثرة الخبيث) المائدة: 100.‏

وترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يندد بالكثرة الضعيفة: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, قالوا: أمن قلةٍ نحن يومئذ يارسول الله ؟ قال: بل أنتم حينئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن". قالوا: وما الوهن يارسول الله ؟‏ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت" أخرجه أبو داوود.

إذا كان الزواج هو مفتاح الذرية فإن الإسلام يشترط في الزواج أن يكون الرجل أهلاً له قادراً على تبعاته، وإلا فقد طالبه الإسلام بالانتظار حتى يتوفر له المال والاقتدار.‏

يقول الله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) النور: 33.‏ وعبارة شيخ المفسرين (ابن جرير الطبري) هي بنصها:‏ "ويقول تعالى ذكره: وليستعفف الذين لا يجدون ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرّم الله عليهم من الفواحش حتى يغنيهم الله من سعة فضله ويوسع عليهم من رزقه".‏

وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد معنى الآية الكريمة فيقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة" أي القدرة على الزواج وتبعاته "فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء" أي علاج ووقاية، أخرجه مسلم. ويقول عمر رضي الله عنه: "لا يمنع من الزواج إلا عجز أو فجور".

وقد يمكننا أن نتساءل: ألا نستطيع أن نقيس هنا فنقول: إذا كان قد حسن شرعاً التوجيه إلى ترك الزواج حتى تحقق القدرة على تبعاته فلم لا يحسن التوجيه في أمر الذرية قلة أو كثرة حتى تكون في نطاق القدرة والقوة.

تعريف تنظيم الأسرة:‏

إنه إيجاد فتراتٍ متباعدة بين مرات الحمل بطريقة مشروعة غير ضارة لداعٍ يدعو إلى ذلك.

والحديث عن هذا الموضوع قديم غير حديث عرفه صدر الإسلام بصورة العزل وتحدث عنه طائفة من الفقهاء كالغزالي وابن القيم، وقد ذكروا طائفةً من الأسباب التي تدفع الناس لممارسة هذا الموضوع ومنها:

1- أن يكون هناك مرض من الأمراض المعدية عند الزوجين أو عند أحدهما.

2- أن يكون عند المرأة مع ضعفها استعداد قوي ظاهر للحمل عقب انتهائها من آثار حملها السابق.

3- الخوف على صحة الزوجة وسلامتها بسبب الحمل المتتابع.

4- الضعف الاقتصادي عند الزوج.

والإمام الغزالي يعبر عن هذا السبب في الإحياء: "الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب، ودخول مداخل السوء، وهذا أيضاً غير منهي عنه, فإن قلة الحرج معينة على الدين" كذلك تكلم عن طريقة منع الحمل المعروفة في وقتهم وهي العزل، والعزل هو: منع التقاء المادة التناسلية من الزوج بالمادة التناسلية من زوجته بأن يقذفها خارج الرحم.‏

فالمقصود الأساسي من هذا العزل هو البعد عن التقليح، وقد قدر الفقهاء بأن إفساد المادة التناسلية قبل التقليح لا يكون اعتداء على جنين بحال من الأحوال.

الأحاديث المبينة لحكم جواز العزل وإباحته:

وقد وردت أحاديث وأخبار صريحة بأن العزل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه جائز منها ما يلي:‏

1- في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل" أي: لو كان حراماً لنزلت في القرآن آية تحرمه. فلما لم يحدث دلَّ على جوازه.

2- وجاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُعزل عن الحرة إلا بإذنها" وهذا معناه أن العزل عن الزوجة الحرة جائز إذا وافقت عليه.

3- وروي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن جماعة من الصحابة جلسوا إلى عمر بن الخطاب، فيهم علي والزبير وسعد بن أبي وقاص، وتذاكروا موضوع العزل؛ فقال الإمام علي كرم الله وجهه: لا بأس به، فقال له رجل: إنهم يزعمون أنها المؤودة الصغرى ؟! فردّ عليه الإمام علي قائلاً: "لا تكون مؤودة حتى تمرّ على التارات السبع: تكون سُلالةً من طين، ثم تكون نطفة، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاماً، ثم تكون خلقاً آخر". فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال للإمام علي: "صدقت، أطال الله بقاءك".

4- وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن عزله عن جارية لا يريد لها أن تحمل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قُدّر لها".

5- ويروي الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا, ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن.‏

أقوال الفقهاء في الموضوع:‏

ذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار: أنه لا خلاف بين العلماء في جواز العزل بشرط أن توافق الزوجة الحرة على ذلك، لأنها شريكة في المعاشرة الزوجية.

وأورد الإمام ابن القيم في زاد المعاد أحاديث إباحة العزل، ثم قال: فهذه الأحاديث صريحة في جواز العزل، ثم ذكر أن القول بجوازه منسوب إلى عشرة من الصحابة هم: علي وسعد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخبّاب وأبو سعيد وابن مسعود.

وقال الشافعي رحمه الله: ونحن نروي عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأساً.

ويؤكد الإمام الغزالي أن العزل مباح وأنه لا نص يصرح بتحريمه ولا نص ولا أصل يقاس عليه تحريمه، بل هنا أصل يقاس عليه إباحة العزل وهو ترك الزواج أصلاً.

وقد صرح الغزالي بأن الدوافع المبيحة للعزل هي: (الخوف من كثرة الأولاد، الاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب، دخول مداخل السوء) وهذا أيضاً غير منهي عنه فإن قلة الحرج معينة على الدين.‏

وفند الغزالي حجج القائلين بتحريم العزل.‏

ولقد عرف الناس مع تطور الأيام طرقا أخرى غير العزل لمنع التقاء المادتين التناسليتين، وما دام الهدف من وراء هذه الطرق واحداً, فلا مانع إطلاقا من قياس هذه الطرق على طريقة العزل التي كانت معروفة عند القدماء.‏

ذكر ابن عابدين والكمال بن الهمام أنه يجوز للمرأة سدُّ فم رحمها كما تفعل النساء مخالفاً لما بحثه في (البحر) من أنه ينبغي أن يكون حراماً إن كان بغير إذن الزوج قياساً على عزله بغير إذنها.

وقال الفقيه الشافعي (الزركشي): هذا كله في استعمال الدواء بعد الإنزال أما قبله فلا منع منه.

ويقول البجيرمي من الشافعية: وأما ما يُبطّئ الحَبَل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم كما هو الظاهر، بل إن كان لعذرٍ كتربية ولد لم يكره أيضاً.

وجاء في مطالب أولى النهي: ويجوز شرب دواء مباح لقطع حيض مع أمن الضرر نصاً, كالعزل ولو بلا إذن الزوج على الصحيح من المذهب.

معاصرون يفتون:

ونجد علماء الخلف قد تحدثوا عن موضوع تنظيم الأسرة بالعزل أو بأية وسلية أخرى شريطة عدم الضرر فمثلاً:‏

1- في سنة1953 أصدرت لجنة الفتوى بالازهر الشريف فتوى جاء فيها:‏ "استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتاً لايحرم على رأي الشافعية، وبه تفتي اللجنة لما فيه من التيسير على الناس ودفع الحرج ولا سيما إذا خيف من كثرة الحمل أو ضعف المرأة من الحمل المتتابع بدون أن يكون بين الحمل والحمل فترة تستريح فيها المرأة وتسترد صحتها والله تعالى يقول: ( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر) البقرة: 185، وقال: (وماجعل عليكم في الدين من حرج ) الحج: 78، وأما استعمال دواء لمنع الحمل أبداً فهو محرم.

2- في سنة 1959 كتب المرحوم العلامة العظيم محمود شلتوت يقول: "أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة للسيدات اللواتي يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسؤوليات الكثيرة ولا يجدون من حكوماتهم أو من الموسرين من أمتهم مايقويهم على احتمال هذه المسؤوليات.

إن تنظيم النسل بشيء من هذا وهو تنظيم فردي لا يتعدى مجاله شأن علاجي تدفع به أضرار محققة ويكون به النسل القوي الصالح.. والتنظيم بهذا المعنى لا يجافي الطبيعة ولا يأباه الوعي القومي ولا تمنعه الشريعة إن لم تكن تطلبه وتحث عليه".

3- وإلى الجواز ذهب كثير من العلماء المعاصرين الآخرين كالشرباصي والبوطي والزحيلي بشروط متفق عليها بين جميع المجوزين وقد لخصها الدكتور عبد الله الطريقي في كتابه تنظيم النسل وموقف الشريعة منه بقوله: "ولهذا فإن وسائل تنظيم النسل السابقة عدا التعقيم الكامل فإنني أرجح جواز استخدامها مقيدة بالشروط التالية:‏ ( رضا الزوجين، وعدم استتباع ذلك بضرر لهما أو لأحدهما، ومراعاة حق المجتمع في المولود).

متابعة:عمر مهملات

لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق