آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
صفات الداعي إلى الإسلام

صفات الداعي إلى الإسلام

تاريخ الإضافة: 2009/02/27 | عدد المشاهدات: 3445

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ما أظن أن واحداً منكم لا يحب دينه ولا يحب إسلامه، وما أظن أن واحداً منا يحب إسلامه حباً خفيفاً ضعيفاً، وإني لأعتقد أن جميعنا وجميعكم يحبون إسلامهم ودينهم حباً جماً، ولقد قال من قال بأن الدليل على حبك الشيء الدعوة إليه، كما أنني وأنا أستشعر صحة هذه المقولة وأكررها: الدليل على حبك دينك دعوتك الناس إليه، لأنك حينما تدعوهم تدعوهم إلى ما تحب وبالتالي فهذا محض إرادة خيرٍ لهم، ولكن يا أخي بعد أن علمنا بأنك تحب دينك وعلمنا بأنك تبرر على محبتك لدينك من خلال الدعوة إلى هذا الدين، بعد أن تأكدنا من هذا أتريد أن تتابع الأمر بانسجام ؟ بمعنى أتريد حينما تمارس الدعوة أن تكون دعوتك مقبولة عند من تدعوه أم تريد - وما أعتقد أنك تريد، ولكن أذكر ذلك من باب الافتراض - أن يكون المدعو نافراً منك بعيداً عنك شارداً عن كلامك لا يحب ما تجسّد على لسانك من دعوة له ليكون معك، وما ينطبق على الدعوة إلى الدين بمجمله ينطبق على الدعوة إلى مفردات هذا الدين الحنيف، لذلك من أجل أن يكون هذا الذي تدعوه مُقبلاً غير مدبر، ومن أجل أن يكون هذا الذي تدعوه محباً لهذا الذي تدعوه إليه ومن أجل ألا يكون هذا الذي تدعوه منفراً ومن أجل ألا يكون هذا الذي تدعوه غير مستجيب بل من أجل أن يكون مستجيباً، ما عليكَ إلا أن تتحلى بالصفات التي سنذكرها الآن وأنت تدعو غيرك إلى دينك أو إلى مفردة من مفردات دينك، فإن لم تتحلَّ بهذه الصفات التي سنذكرها فلن يؤتي الأمر أكله المطلوب، ولن تجني الثمرة المطلوبة أنت أيها الداعي. فما الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من يدعو إلى دينه بمجمله أو إلى مفردة من مفردات دينه ؟

الصفة الأولى: أن تكون على علمٍ بهذا الذي تدعو إليه، سواءٌ أكان هذا الذي تدعو إليه الدين كله أو كان حكماً من الأحكام أو كان مفردة من المفردات الفقهية أو كان رأياً من الآراء التي تُنسب إلى الإسلام، ينبغي أن تكون على علمٍ بهذا الذي تدعو إليه: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة﴾ ومشكلتنا في هذه القضية أن كثيراً ممن يدعو إلى دينه أو إلى مفردةٍ من مفردات دينه يدعو على غير بصيرة، يدعو على أساسٍ غير علمي، لا يتعلم ولا يتقن من حيث المعرفة والإدراك والعلم هذا الذي يريد أن يدعو إليه، هو يدعو إلى حكمٍ يعتقد أنه إسلامي أو فقهي صحيح لكنه لم يدرس هذا الحكم دراسةً كافية تؤكد في داخله نسبة هذا الحكم إلى الإسلام، حينما تقدم هذا الحكم على أساسٍ غير معرفي على أنه من الإسلام وهو في حقيقته ليس من الإسلام فإن هذا الذي تدعوه سيبتعد عن الحكم، وحينها فما ابتعد هذا عن الإسلام وإنما ابتعد عن هذا الذي دعوته إليه، وهذا الذي دعوته إليه ليس بإسلام، فلا تلومنَّه ولمُ نفسك أنت، إذن: العلمَ العلم يا أيها المسلمون ويا أيها الدعاة بشكلٍ خاص، العلمَ العلم بكل ما تطلبه منك هذه المفردة فيما يتعلق بنسبتها نسبة صحيحة للإسلام.

الصفة الثانية: الحلم واللطف والرفق، وكنتم قد سمعتم منذ فترة زمنية غير طويلة، سمعتم مني كلاماً عن هذه الصفة التي يجب أن نتحلى بها جميعاً والتي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله بشكلٍ أخص: (من يحرم الرفق) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير) لا خير في كلامك ولا في دعوتك إن لم تكن رفيقاً رقيقاً حليماً، الحلم أساسٌ في الدعوة إلى دينك، ولقد قال مرة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجلٍ يدعى أشج عبد قيس قال له: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة) فيا أيها الدعاة سواء أكنتم دعاةً بالمعنى المعروف الآن أو سواء أكنتم دعاة في أسركم، في بيوتاتكم، في مدارسكم، في مساجدكم، في معاهدكم، عليكم أن تتحلوا بالحلم صفةً ثانية بعد العلم، وإلا فلن تلقوا القبول لهذا الذي تدعون إليه.

الصفة الثالثة: الإخلاص، أتريد أن تدعو من أجل أن يذكر اسمك في لائحة الدعاة ؟ أتريد أن تدعو إلى دينك، إلى حكمٍ فقهي، من أجل أن يقال بأن فلاناً يعلم أو يفهم ؟ إذن القضية أضحت في حيِّز الشك من حيث القبول، لن تقبل والله أعلم، لن تقبل دعوتك إذا أُسِّست على غير إخلاص، والإخلاص أن تتوجه إلى ربك بالقصد والنية والمنطلق والغاية، إلهي أدعو إليك من أجلك، من أجل رضاك، لا أبتغي إلا وجهك، لا أتوجه إلا إليك، نيتي كما علمني رسولك حينما قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وكما ورد في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه) أتريد أن تُترك من قبل ربك ؟ أريد أن تُهجر من قبل ربك ؟ ما أظن أن أحداً يريد أن يهجر من قبل ربه، إذن فما عليك إلا أن تكون مخلصاً ونحن نتحدث عن الدعوة إلى الله وعن الدعوة إلى حكمٍ شرعي فيجب أن تكون فيه مخلصاً، والإخلاص لب الأمر حقيقة الأمر مركز الأمر إلى مستقر الأجر والقبول، الإخلاص روح العمل الذي تعمله وروح القول الذي تقوله وإلا لا روح لعملك ولا روح لقولك ولا روح لكل ما يمكن أن يصدر عنك.

الصفة الرابعة: الالتزام بما تدعو إليه: ﴿وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه﴾، ﴿لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ كلنا يدعو إلى النظافة باعتبارها مفردة من مفردات ديننا، ولكننا حينما ندعو إلى النظافة لا نلتزم بها، أتريدون أن يُقبل الناس على الإسلام على أنه دين النظافة والمسلمون الذين يدعون إلى النظافة والإسلام غير نظيفين ؟ أفنيتهم غير نظيفة، شوارعهم غير نظيفة، مساجدهم غير نظيفة، مدارسهم غير نظيفة ؟ قل لي بربك كيف يمكن أن تدعو إنساناً ما إلى إسلامك والإسلام مليء من حيث النصوص بما يدعو الإنسان إلى النظافة والتنظف وإلى اعتبار الإسلام النظافة أمراً كبيراً وأمراً عظيماً لكن الواقع لا يُسعِفك، لذلك نقول من شروط الداعية حينما يريد أن يدعو إلى الإسلام بأنه دين يدعو إلى النظافة ويحضُّ على النظافة فيجب أن تتحلى بالنظافة في جسمك في لباسك في مكانك في شارعك في مدينتك، ورد في الإسلام فيما يخص النظافة أكثر مما ورد في أي مبدأ آخر ولكن لن ترى بلداً أقل نظافة من البلاد الإسلامية بشكل عام وكلكم يرى ويسمع وكلكم يشاهد ويعي، أتريد أن تدعو إلى أمرٍ نظري عارٍ عن الوجود أو التشخيص أو التطبيق أو التنفيذ ؟ إذن إنا لواهمون إن دعونا إلى هذا.

الصفة الخامسة: أن يتخير الداعي الأسلوب المناسب وأن يتخير الوقت المناسب، ولذلك ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه كما في البخاري: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله" "خاطبوهم على قدر عقولهم" كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عليكَ أن تتخير الأسلوب المناسب، عليك أن تراعي المخاطب وهو يستمع إليك وإياك أن تختار أسلوباً لا يناسب هذا الذي أمامك، إن كنت قادراً على مخاطبة هذا الإنسان من حيث امتلاك الأسلوب الذي يناسبه إذن كلمّه وإن لم تكن قادراً على امتلاك الأسلوب الذي يناسبه إذن فاصمت ولا تكلمه، لأن الكلام يجب أن يكون في أسلوبه مناسباً للمتكلَّم معه، وإلا سيعود هذا الكلام على المتكلِّم وعلى المتكلَّم معه بعكس ما أردنا أن يثمر أو ينتج، لماذا لا نحاول أن نتخير الأسلوب الأمثل وهذه دراسة وهذا اطلاع، الأب ينصح ولده ويدعوه إلى مفردة من مفردات دينه بأسلوب لا يتناسب والولد، والولد يدعو أباه إلى مفردة من مفردات دينه وإلى حكمٍ فقهي من أحكام دينه بأسلوب لا يتناسب والوالد، وهكذا الأم، وهكذا الكبير وهكذا الوزير وهكذا المدير وهكذا الشيخ والشيوخ، ولا أتكلم عن كلهم وحاشا وإنما أتكلم عن بعضٍ منا يتكلم من غير مراعاةٍ لأسلوب، يتكلم أمام الناس على أنهم مُحبُّون له فهو يصفعهم بكلامٍ قاسٍ معتقداً، وأعتقد أنه متوهماً أن هؤلاء يحبونه، وبالتالي ستشفع محبتهم له من أجل أن يقبلوا كلامه القاسي، فتخيّر الأسلوب يا هذا، وتخير الوقت، أفأنت أفضل من هذا النبي العظيم، وهذا السيد السند الكريم الذي كان يتحين أصحابه بالموعظة خشية السآمة.

الصفة السادسة: الغيرة على هذا الذي يدعو إليه، وتحولت معطيات الغيرة اليوم فصار الداعي يغار على شخصه ولا يغار على دينه، فإذا ما شتم هذا الذي يتكلم معه موضوع الدعوة إلى الله عز وجل لم يتغير فيه شيء لكنه إن تكلم مع الداعي كلمة فيها شميم من قسوة انتفض هذا الداعي ليعلن الحرب على هذا الذي يستمع إليه قائلاً وهو يعلم أن هذا القول زورٌ وبهتان: قائلاً بأن هذا المتكلم معه اعتدى على دينه.

يا هؤلاء الغيرة على الدين وليست الغيرة على شخصك، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أظنني بحاجة أن أذكر الأمثلة التي كانت في عهد رسول الله وهو يتحمل فيما وُجِّه إلى شخصه رُمي بالحجارة، اعتدي عليه فوُضع على رأسه أشياء وأشياء غير لائقة، لُفَّ الثوب على رقبته، قيل له كلام لشخصه هو من القسوة بمكان، بل هو أحياناً عين القسوة، وهو في كل تلك الأحوال كان يقف متسامحاً، لكنه كان يغار على دينه، كان يغار على هذه العقيدة التي يدعو إليها ولذلك من صفات الداعي أن يغار على دينه لا أن يغار على شخصه، لا أن يراعي شخصه، عليه أن يراعي دينه وأن يراعي ربه، وأن يراعي الحقيقة التي يبحث عنها، فليس كل ما تقوله أنت أيها الداعي حقيقة حتى ولو كنتَ عالماً، لقد علَّمك القرآن كيف تتوجه إلى الآخرين حتى إلى الكفار: ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين﴾ فما بالك وانت تتوجه إلى مسلمٍ مؤمن مثلك ؟ يجب عليكَ أن تغار على الحقيقة، إذ الحقيقة قد لا تكون معك، إذ الحقيقة قد لا تكون في إهابك، إذا الحقيقة قد لا تكون على لسانك، فلا تكن ممعناً في تصويب وتصحيح هذا الذي يصدر عنك بشكل متعسف، ربما كنت غير صائب فعليكَ أن تقبل، ربما كنت في كلامك على غير علم فعليك أن تقبل وعليك أن تؤوب إلى رشدك وان تقول لربك: أخطأت. والاعتراف بالخطأ فضيلة والاعتراف ينفي الاقتراف كما يقال، ومن أخطأ فاعترف نال أجراً، أما من أخطأ فأمعن في الخطأ ودعا الناس إلى الخطأ وهو يعلم أنه خطأ أو هو لم يعطِ هذا الأمر حقه من الدراسة فقد أذنب ذنباً عظيماً.

فيا إخوتي بالله عليكم أناشدكم وأناشد نفسي أن نتحلى بالعلم والحلم حينما ندعو إلى هذا الدين الحنيف، أن نتحلى بالإخلاص، أن نتحلى بالالتزام إلى ما ندعو إليه، أن نتحلى بالغيرة على الدين الحنيف، وأن نتحلى بالأسلوب الحسن الحكيم المناسب، وأن نتحين الوقت الذي لا يعرف المتكلم معه الملل ولا السآمة، ضعوا هذا في آذانكم ولنكن عمليين ولنكن على دراية لمضمون خطبةٍ ما نستمع إليها بعد الخطبة أثناء الأسبوع نحاول جاهدين أن نطبق هذا الذي سمعناه أو أن نطبق بعضه وأن نساءل الآخرين عن أشياء نسيناها، وأن نسأل أنفسنا بين الفينة والأخرى عن مدى انطباق هذا الذي نعمل مع هذا الذي نقول وندعي.

فاللهم اجعلنا من العالمين العاملين، اللهم هيئ لنا من أنفسنا أناساً راشدين، ربنا هيئ لنا من أزواجنا ومن أولادنا ومن ذرياتنا، هيئ لنا من أمرنا ومن أمرهم رشداً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 27/2/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق