آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
كلمة بمناسبة المولد النبوي في جامع العثمانية بحلب

كلمة بمناسبة المولد النبوي في جامع العثمانية بحلب

تاريخ الإضافة: 2009/03/26 | عدد المشاهدات: 5775

ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمةً بمناسبة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في جامع العثمانية بحلب، يوم الخميس 26/3/2009، فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة المؤمنون:

يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

اللهم صلِّ على محمد بن عبد الله، القائم بأمر الله، ما ضاقت إلا وفرجها الله.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله، اللهم يا رب اجعل نوره محيطاً بذاتي حارساً لي من جميع جهاتي.

أيها الشيخ المفضال، يا فضيلة الشيخ المربي الكبير الشيخ إسماعيل حفظه الله ورعاه: أهنئك وأهنئ من معك، وأهنئ العلماء الحاضرين بميلاد سيدنا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمحبين لكم لأنكم فرعٌ طاهرٌ مطهر، فاللهم ألحقنا بنسبه وحققنا بحسبه.

أيها الإخوة الأكارم:

بكل بساطة، في يوم المولد يجدر أن نتعرف وباختصار على ما يجب علينا تجاه صاحب المولد صلى الله عليه وآله وسلم، هل سألت نفسك أنت ما واجب صاحب الذكرى عليك ؟ هل سألت نفسك أيها المحب لهذا النبي الكريم والسيد السند العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ما الذي يجب عليك تجاهه ؟

الواجب عليك تجاه هذا الأمين بكل وضوح واختصار ثلاثة أمور، أريد منا جميعاً أن تكون تلك الواجبات مرسومة في خلدنا قائمة في ذهننا واضحة في صدرنا منتقشةً في صدرنا ماثلة أمام أعيننا حتى نكون من أولئك الذين يحتفلون الاحتفال الحق والصحيح، واجباتنا نحو هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أمور:

الأمر الأول: التعرف على الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تعرّف على هذا النبي ولطالما دعوت حيثما تكلمت في مثل هذه المناسبات إلى ضرورة أن يتخذ كلٌ منا كتاباً يتعرف من خلاله على صاحب الذكرى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فعليك أن تقرأ القرآن الكريم وأن تخصَّ الآيات التي تتحدث عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتتعرف على هذا النبي عبر القرآن الكريم، وعليك أن تقرأ الأحاديث الشريفة التي تعرفك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعليك أن تقرأ كتب السيرة التي تقدّم لك معرفة بهذا النبي، عند ذلك يمكن أن تكون قد قمت بأحد الواجبات الملقاة على عاتقك تجاه هذا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فنحن مقصرون، ﴿أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون﴾ تعرف على النبي واقرأ عنه في كل يومٍ سطراً وأعد هذا السطر في كل سنة في نفس اليوم من السنة القادمة فإنك بعد ذلك ستكون متعرفاً على النبي وقائماً بهذا الواجب الملقى عليك.

الواجب الثاني: الحب، انظر قلبك هل تحب هذا النبي الكريم ؟ انظر هذا الذي ينطوي عليه صدرك هل في هذا الصدر هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحبه وتثني عليه، تنادي في داخلك معاهداً يا رسول الله أحبك وأعاهدك أن أواليك وأن أكون من أجلك مضحياً، ملأت قلبي حباً لك، فهل قلبك يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أنك تتحدث عن المحبة من اللسان من حنجرتك فإذا ما نزلنا إلى محلِّ الحب رأينا القلب فارغاً، أرجو الله ألا نكون كذلك: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾.

يروي الإمام النسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين) فهل أنت تحب رسول الله أكثر من والدك وولدك ومن الناس أجمعين، الصحابة الكرام كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من أولادهم ومن آبائهم ومن أمهاتهم هذا ما قاله واحدٌ منهم سيدنا الإمام علي عندما قال: "والله يا رسول الله لأنت أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".

هل تحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحب الذي يعني ثناءً وولاءً ؟ نحن نثني على النبي ولكن هل غُرس الولاء في داخلنا لهذا النبي ؟ هل نقول بأننا نوالي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال كتبنا، من خلال ثقافتنا، من خلال حركاتنا، من خلال سكناتنا ؟ هذا ما أرجوه.

الواجب الثالث: إتباع، الحب يؤدي إلى الإتباع، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عنه: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ لعلك تسألني: ما الفرق بين الأسوة والقدوة ؟

القدوة هو من يقنعك بقيادته من خلال حركته وسكنته وعفوه وسلوكه بقيادته وبصحة قيادته، لكن الأسوة هو من يقنعك ويقنع عقلك بقيادته ويقنع قلبك بحبه، فالأسوة محبوب فوق المتبوع إذا أحببت هذا الذي يقودك وأنت مقتنع بأنه قائدٌ لك، فهذا القائد يتحول من قدوة إلى أسوة، والله تعالى قال لنا: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ أي قدوة، وهذه القدوة محبوبة، يجب أن تحبوها حتى تكون أسوة، وحتى يتحول رسول الله بالنسبة لنا من قدوة إلى أسوة علينا أن نقتنع به على أنه قدوة وأن تحبه قلوبنا ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾ هذه الواجبات الثلاثة هي ما يجب علينا تجاه هذا النبي، ولعلكم تسألون عن واجبات النبي نحونا ؟

واجب النبي نحونا أيضاً ثلاثة أمور: تبليغ الرسالة، أداء الأمانة، الشفاعة.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وسيشفع لنا، بلّغ الرسالة بشهادة الصحابة، وقف أمامهم النبي في حجة الوداع وقد بلغ عددهم مئة ألف ورسول الله يقول لهم (ألا هل بلغت) فيقول هذا الجمع بكله بلى، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول (اللهم فاشهد). الرسالة أداء قولي، وأداء الأمانة أداء عملي، فالرسول لم يكن في رسالته قوَّالاً ولكنه كان صاحب رسالة قولية وعملية بلغ الرسالة بالقول الصادق وأدى الأمانة بوفاء، قال لمن معه على سبيل المثال: (صلوا كما رأيتموني أصلى)، (خذوا عني مناسككم)، والله عز وجل قال عنه ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ فيما يخص كلامه وفيما يخص عمله فيما يخص حركته وسكنته لذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

وأما الواجب الثالث نحونا فإنه سيشفع لنا وقد وعدنا، ووعدُ رسول الله حق لأنه ما وعدنا إلا بوعد الله له، ووعد الله حق، ووعد الله رسوله وعدٌ حق، ووعد رسول الله إيانا وعدٌ حق، فرسول الله سيشفع لنا، وحسبي أن أذكر حديثين فقط عن وعد رسول الله بشفاعته لنا:

أما الأول: فحديثٌ يرويه الإمام مسلم، يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة دعاها لقومه في حياته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً).

وأما الحديث الآخر يرويه الدارمي وهو حديثٌ مطمِّع ، وما أجمل الطمع برسول الله، ولا أريد من أحد أن يقول لا تُطمِّع الناس. نحن نطمعهم بإنسان مثلنا أحياناً برئيسٍ، بوزيرٍ... ألا يجدر بنا أن نطمع أنفسنا بالنبي ؟ نعم سنطمع بهذا النبي وبحلمه وكرمه وشفاعته وعطاءه لأن الله هكذا أراده بالنسبة لنا (اشفع تشفع)، (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فرسول الله رحمةٌ كله، لذلك نحن سنطمع بهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (خُيّرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، أترونها للطائعين ؟ لا، إنها للخطائين المذنبين).

يا سيدي يا رسول الله ما أعظمك وما أروعك وما أجملك وما أحلمك أنت شفيعنا وأنت حبيبنا. نثني عليك ونواليك، نتبعك ونعاهد أنفسنا ونعاهد ربنا أن نمضي في هذه الحياة وأنت أنتَ القدوة والأسوة، وأنت أنتَ المثل الذي يُنظر إليك على أنه النور ﴿لقد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام﴾ والنور هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم نوّر برسول الله حياتنا، اللهم برسول الله واقعنا، أبصارنا، أجسادنا، أجسامنا، عقولنا، تفكيرنا يا رب العالمين، الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله في يوم مولدك، وفي يوم انتقالك، وفي يوم نذكرك، وفي كل يومٍ نرى فيك المثل الأعلى، وهذا ما نعاهد الله عليه، فاللهم اجعله روحاً لذاتنا من جميع الوجوه يا عظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

شاركنا بتعليق