آخر تحديث: السبت 02 تشرين الثاني 2024      
تابعنا على :  

بحوث و مقولات

   
خطبة الجمعة - الأغراض، المقومات، التحديات

خطبة الجمعة - الأغراض، المقومات، التحديات

تاريخ الإضافة: 2000/01/01 | عدد المشاهدات: 6034

أولاً: التمهيد: تعريف وفلسفة التشريع:

1-التعريف: الخطبة: هي الكلام المنثور يخاطب به متكلم جمعاً من الناس لإقناعهم. وهي في الاصطلاح: الكلام المؤلف الذي يتضمن بلاغة وإبلاغاً على صفة مخصوصة من حيث الأداء واللهجة والصوت والحركة، (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمّرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم) أخرجه مسلم.

2-الفلسفة: وها نحن أولاء نستمد فلسفة التشريع وحكمته من قول الله عز وجل النص في خطبة الجمعة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾. وكأني بربي عز وجل - وهو أعلم بخلقه وبعباده المؤمنين - وقد مرّ عليهم ستة أيام من العمل في الدنيا، فما عليهم في اليوم السابع إلا التوجه إلى المسجد الجامع لذكر الله الذي يعني تذكر حقوق الله عليهم وهي أحكامه من أوامرٍ ونواهٍ فيما يتعلق بأعمالهم وأقوالهم الصادرة عنهم كبيرها وصغيرها، وحقوق الله تشمل أيضاً حقوق المجتمع وحقوق الآخر، وعلى الخطيب أن يكون أميناً في تبيان ذلك للمصلين. ولعل فترة الأيام السبعة وأن الإنسان بعدها بحاجة إلى التذكرة، تدعمها حاجة الإنسان المادية، بل حاجة جسمه إلى النظافة بعد مضي مثل هذه المدة، ومن هنا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده) متفق عليه.

وما سميت خطبة الجمعة وسواها من الخطب خطبة إلا لأن أموراً ذات خطب وأهمية ستُحكى فيها وتلقى على أسماء الحاضرين، ولهذا يقول ابن القيم في زاد المعاد: "كانت خطبة النبي وخطبه إنما هي تقرير لأصول الدين وما أعد الله لأهل طاعته في الدنيا والآخرة، وما أعد لأهل عصيانه، فيملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً ومعرفة بالله وأيامه".

ثانياً: أغراض خطبة الجمعة:

1-تطبيق أمر الله المتعلق بهذا الشأن.

2-الاستيعاب المعرفي تعليماً وتعلماً (كل المجتمع).

3- الاستجابة السلوكية المتمثلة بالتطبيق والإتباع.

4-الإثارة الإيجابية ببث روح الحوار والمداولة دون الجدال والسجال.

ثالثاً: عوامل نجاح الخطبة والخطيب:

1- أن تكون الخطبة مستوفية الشروط والأركان الشرعية والعلمية والفنية.

2- أن يكون الخطيب عارفاً بالخطاب الذي يبلغه الناس. وهذا يستلزم:

أ- التوثيق النقلي والتحقيق العقلي.

ب- التصور الكلي للإسلام فلا علم إلا بالكليات، وقد روى أبو نعيم في الحلية حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: (لا يقوم بهذا الدين إلا مَنْ حاطه بكل جوانبه). ومن ثم التصور الكامل لخطة الخطب عامة والخطبة الراهنة خاصة.

ج- التمكن شكلاً ومضموناً، لغة وفكراً ومعرفة.

د- القدرة على تجديد أمر الدين، أعني تجديد الدين الممارَس ليكون وفق الدين المنزَّل، ويقتضي ذلك السعي إلى إزالة البدع وما علق بالدين مما ليس منه وتمييز العبادات من العادات فمن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ.

هـ- البلاغة في القول، والإبلاغ في المعاني والدلالات.

3- أن يكون الخطيب عارفاً بالمخاطب ويتطلب ذلك.

أ- معرفة بعلم الاجتماع وعلم النفس، ومعرفة أحول المخاطبين وحاجاتهم ومشاكلهم، حتى يقدم لهم ما يناسبهم وما هم بحاجة إلى سماعه ومعرفه لتتحسن به أوضاعهم.

ب- التعامل مع الآخر على أساس من تكريم واحترام واعتراف وإرادة تعارف وتعاون.

4- أن يكون الخطيب جريئاً: فلا يمالئ الناس ليكسب ودهم على حساب فكره ودينه وعلمه، ولا ينافق لذوي السلطة فيخسر الدنيا والآخرة، كما عليه أن يكون جريئاً على نفسه فيعترف بالخطأ إن أخطأ، ويطلب من الناس النصح والتقويم فقد قال الصّديق رضي الله عنه في خطبة الخلافة: "وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني".

5- تبنِّي غاية الإصلاح، بالتحقق بالعدل والرحمة، وهما أسّا الإصلاح والعدل: إعطاء كل ذي حق حقه، والرحمة: عطاء نافع برفق. قال الله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب﴾.

رابعاً: تحديات خطبة الجمعة:

1- هموم المجتمع وهموم الخطيب ذاته.

2- الإسلام السياسي أو تسييس الإسلام وطبيعة العلاقة مع السلطة السياسية.

3- فوضى المصطلحات القديمة والحديثة.

4- الوطنية الغائبة الحاضرة.

5- تعدد الخطب من دون حاجة أو ضرورة.

6- الإطالة والاختزال.

7- التقليد، ومجانبة الإبداع.

8- تكرار الخطب وإعادتها على مدار السنوات.

9- الموضوعات الهامة ومعايير الأهمية...

والله من وراء القصد.

خامساً: وثيقة تعاون بنّاء على دعوة إلى الله واعية:

أيها الدعاة من خطباء وأئمة ومدرسين، أيتها الداعيات من مدرسات وواعظات هيا معاً إلى تعاون بنّاء فيما بيننا من أجل دعوة إلى الله واعية جادة نافعة ذلك بالتواصي على أمور هي:

1- تعزيز الإخلاص لله عز وجل منطلقاً في دعوتنا وذلك بتقوية الصلة به جل وعلا عبر العبادات المختلفة المتنوعة وأهمها: الصلاة وقراءة القرآن ولاسيما في أوقات السحر وبعد الفجر.

2- الالتزام بالمنهج العلمي في الدعوة إلى الله من حيث المضمون المنضبط بالانتماء المؤكد للقرآن الكريم والسنة الشريفة، ومن حيث العرض الموثق سنداً صحيحاً، ولغة فصيحة، ومن حيث المناسبة للظرف زماناً ومكاناً فقد أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم وأن نحدّثهم بما يعرفون.

3- النأي بالمنبر ومقاعد التدريس عن أن نكون أبواقاً للتشهير بإنسان معين أو كاتب محدَّد أو مجموعة مسماة، فالمهمة تفنيد الأفكار وتمحيصها ودراستها دون الأشخاص وتنقيصهم أو شتمهم.

4- التركيز في أغلب الأحيان - خلا المناسبات - على الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية لأن الأزمة أزمة أخلاق، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.

5- لنحرص على أن نجعل من أنفسنا قدوة جيدة لمن ندعوهم وندرسهم، بالجد في تطبيق تعاليم ديننا الحنيف، والتحقق بأخلاق القرآن العظيم وما كان عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

6- ليكن الإلقاء بصوت مناسب للموضوع، خطبة أو درساً، وبلهجة تراعي طبيعة الجملة المقولة من تعجب أو استفهام أو ما شابه، مع كامل الاحترام والتقدير للمستمع والمشاهد، والدعاء للجميع وللوطن بالحفظ والحماية والرعاية.

د. محمود عكام

التعليقات

شاركنا بتعليق