آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
منطلقات ووصايا للطلاب

منطلقات ووصايا للطلاب

تاريخ الإضافة: 2009/10/09 | عدد المشاهدات: 3120

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

اسمحوا لي أن أخصص الخطاب لإخوتنا وأبنائنا الطلاب وقد بدأ العام الدراسي، وغدا طلابنا إلى مدارسهم وجامعاتهم وثانوياتهم وإعدادياتهم، وأعتقد أن الأمر غدا جِداً.

فيا أيها الطلاب ويا أيها الدارسون ويا أبناء هذا البلد وهذا الوطن: هنالك وأنتم تعملون في مدارسكم وجامعاتكم مُحْكَماتٌ ومنطلقات يجب أن تكون ماثلةً أمام أعينكم، وقد لخصت هذه المنطلقات بمنطلقين اثنين، أريد لهذين المنطلقين أن يكونا دائماً مذكورين من قبلكم وبعد المنطلقين سنتحدث عن وصايا.

أما المنطلق الأول: فإني أخذته ولحظته وفهمته من قول الله عز وجل: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى﴾.

أيها الطالب اعتمد سعيك واعتمد على الله عز وجل، وإياك أن تعتمد سعي والدك، وإياك أن تعتمد جاه والدك أو جاه أخيك أو جاه أمك، إياك أن تعتمد على منصب قريبك، إياك أن تعتمد على مالك أو تعتمد مالك، إياك أن تعتمد غناك فيما يتعلق بالدراسة، اعتمد سعيك وجدك وعملك، اعتمد مثابرتك ومتابعتك، اعتمد ما اعتمده السابقون الناجحون وكن على اطلاع دائم على سير أولئك الذين تركوا بصمة إيجابية في هذه الحياة، درسوا فأحسنوا في دراستهم وتعلموا فتفوقوا في تعلمهم وتعرفوا فكانوا فعلاً أعلاماً في معرفتهم، ثم بعد ذلك سخَّروا هذا العلم وهذه المعرفة وهذه الدراسة لخدمة الخير لخدمة الأرض لخدمة الإنسان لخدمة القيم لخدمة الفضيلة، منطلقٌ يجب ألا تنساه وألا يغيب عن بالك: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يُرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى﴾.

وأما المنطلق الثاني: فضع في ذهنك إذا ما قصرت ألا تلوم إلا نفسك، لا تضع اللوم على أحد، ولا تضع اللوم على الكهرباء، وإن كنا نحن نريد أن نحسن بلدنا، ولكن أتوجه إليك أيها الطالب ولا تضع اللوم على جيرانك ولا تضع اللوم على الشيطان ولا تضع اللوم على أي ظرفٍ قاسٍ حفَّ بك واكتنفك، وتذكر أباك آدم يوم وسوس له الشيطان فأكل من الشجرة فأنزله الله إلى الأرض لم يقل لربه لقد وسوس إلينا الشيطان، ولم يقل لربه إنه الشيطان، وإنما قال هو وحواء: ﴿ظلمنا أنفسنا﴾.

وأنت أيها الطالب لا تلومنَّ في تقصيرك إلا نفسك، لا تلومنَّ أحداً، أنت قصَّرت وأنت الذي تتحمل التبعة ولا تضع اللوم على أحد بل ضع اللوم على نفسك، وتذكَّر أيضاً حديثاً قدسياً عظيماً رائعاً يقول فيه رب العزة جلت قدرته وقد جاء هذا الحديث في صحيح مسلم: (يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

رسبت فلا تلم غيرك، قصرت فلا تلم غيرك، وقعت وقعة غير صحيحة فلا تلومن إلا نفسك، هذان المنطلقان أريد أن يكونا ماثلين بشكل دائم في أذهان طلابنا، وعلى أساس هذين المنطلقين أتوجه إلى طلابنا بالوصايا التالية:

الوصية الأولى: اغتنم وقتك، وإياك وإضاعة الوقت، الوقت هو رأس مالك، ولهذا قال سيدي رسول الله في أكثر من حديث عن ضرورة أن يغتنم الإنسان وقته، فقال كما جاء في سنن الترمذي: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، حياتك قبل موتك، صحتك قبل سقمك، فراغك قبل شغلك، غناك قبل فقرك). وجاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ).

سائل نفسك عن وقتك، عمَّا أودعته في هذا الوقت الذي جعله الله لك مساحة وهو عمرك، هو العمُر فأين قضيت وقتك وبأي شيء وما الشيء الذي أودعته في الوقت ؟ وكلنا يذكر الحديث الصحيح المعروف المشهور: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمُره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعمَّا عمل فيما علم).

اغتنم وقتك، الوقت هو هو، الوقت الذي كان للعباقرة هو هو، الوقت الذي كان للصحابة الكرام الذين قدموا لنا أروع الأمثلة في العطاء هو هو، الوقت هو هو ولكنك حينما تضيعه لن تجد له قيمة ولن تجد له معنى وستحسبه يمر مر السحاب، لكنك عندما تودعه عملاً جاداً ستراه طويلاً وستراه مباركاً وستراه واسعاً وجرِّب فاستيقظ فجراً وصلِّ الفجر ثم توجه لدراستك ساعة سترى أن هذه الساعة تعدل سنة بأكملها إذا ما قضيت هذه السنة في الفراغ ستنتج في الساعة التي تودعها جِداً والتي تودعها عملاً ستنتج، الساعة ليست زمناً قليلاً على الإطلاق ولكننا زاهدون في الوقت الذي هو نحن ونحن الوقت، وما أنت إلا وقت، وما أنت إلا عمر، أنت إذا أردنا تجزئتك فدقائق وساعات وأيام وأسابيع وأشهر وسنوات، هذا أنت، لذلك اغتنم نفسك، والزمن هو الزمن لا أكثر ولا أقل ويرحم الله من قال:

نعيب زماننا والعيب فينا                      وما لزماننا عيبٌ سوانا

 أرى حللاً تصان على أناسٍ                   وأخلاقاً تُداس ولا تصان

  يقولون الزمان به فسادٌ                      هم فسدوا وما فسد الزمان

نحن الذين فسدنا وأفسدنا أما الزمن فهو هو، هي الأيام ذاتها التي مرت على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وتمر علينا وستمر على الأجيال القادمة من بعيد وبعيد.

الوصية الثانية: إياك والكسل، ولعلك تسألني عن الكسل أقول لك الكسل ثلاثة أمور: تسويف، وتأجيل، وإخلاد إلى الراحة الموهومة، ونحن تعلمنا منذ أن كنا صغاراً لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وتعلمنا ونحن صغاراً أن من سوَّف أضاع عمره، الكسل تسويف وتأجيل، وإخلاد إلى الراحة: ﴿كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون﴾، ﴿قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زِد عليه ورتل القرآن ترتيلاً. إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً. إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً. إن لك في النهار سبحاً طويلاً﴾. اقرؤوا هذه السورة، إياك والكسل، أتدرون مم كان يتعوذ سيد الأنام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ كان يتعوذ من الكسل، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو ربه فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال). كان يستعيذ من الكسل، فهل نستعيذ من الكسل بحالنا ولساننا وقالنا، أم أننا استحلينا الكسل فغدونا كسالى وفي أحسن أحوالنا ننشط فنتكلم، وفي أحسن أحوالنا نقوم بإلقاء الخطب في مجامعنا المختلفة، إن الله يحبنا إذ نفعل أكثر منا إذ نقول: ﴿كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون﴾ فهيا إلى نبذ الكسل وارتداء الجد والعمل، هذا هو ديننا.

الوصية الثالثة: أريدك أيها الطالب أن تقوِّم أيامك يوماً بيوم، عندما يأتي المساء عليك أن تنظر إلى ما فعلته في يومك، هل كنت جادَّاً مجداً نشيطاً ؟ هل استغللت وقتك ؟ حاسب نفسك، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ومن قوَّم استدرك، ومن عاير يومه ومن فحص يومه ومن محَّص يومه استدرك، أما الذي لا يُقوِّم فسيبقى سادراً في كسله وغيه وضلاله وتيهه وضياعه، قوِّم يومك وتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرويه الحاكم وسواه: (إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم) فهل هذا اليوم الذي مرَّ عليك ازددت فيه علماً، ازددت فيه معرفة، ازددت فيه اطّلاعاً، توسَّعت فيه مداركك، وهكذا دواليك.

الوصية الأخيرة: ولا أريد أن أعدد عليك الوصايا حتى لا تختلط عليك الأمور وحتى لا تضيع في سراديب كثرة الوصايا، الوصية الأخيرة بكل بساطة حدثني عن غايتك، ما الذي تريد تحقيقه وأنت تدرس ؟ ما الذي تريد أن تحققه من وراء دراستك ؟ اسمح لي أن أضع أمام ناظريك ثلاثة أمور:

أولاً: أن ترضي ربك: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾، ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم﴾.

ثانياً: أن تساهم في بناء الإنسان، أن تكون صديقاً للإنسان في بنائه، في بناء عقله، في بناء جسمه، في بناء قلبه، في بناء روحه، مبتدئاً بمن تعول، وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول، ولقد تحدثنا عن بناء الإنسان في خطب متعددة كثيرة منذ أكثر من سنة، فيا أيها الإنسان ضع غاياتك وأنت تدرس في جامعتك أو مدرستك أو ثانويتك أو إعداديتك، أن ترضي ربك وأن تسهم في بناء الإنسان وفق شريعة الديان فليس ثمة منهاج أفضل من هذا الذي جاء من عند الله: ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾.

ثالثاً: أن تبني الأوطان، أن تسهم في خدمة الأوطان، وطنك هذا أمانة في عنقك، إياك أن تعيش عالةً على الوطن، إياك أن تكون طفيلياً تتطفل على الوطن ولا تقدم لهذا الوطن ما يريده منك، وفي النهاية عندما تقدِّم للوطن فأنت تقدم لنفسك لأن الوطن أنت، ولأنك الوطن، وهناك تماهٍ بين المواطن والوطن، وما الوطن إلا المواطن، وما المواطن إلا الوطن، وطننا بحاجة إلى خدماتنا لكننا عَقَقَةٌ حيال الوطن، الغرب يبني أوطانه بكل ما أوتي من قوة، ونحن نمنح أوطاننا كلاماً في أحسن أحوالنا، ونحن نمنح أوطاننا جريمة، ونحن نعطي أوطاننا عداواتٍ لبعضنا، ونحن نقدم لأوطاننا تضييعاً، فهذا خامل، وذاك مهمل، وثالثٌ لا يتطلَّع إلى المكان الذي هو فيه من أجل أن يجعله رفيع المستوى، لكنه يتطلع إلى منفعته الخاصة، وكم سيأخذ وكم سيحصِّل من هذه المنفعة في هذا المكان، يترأس من يترأس في مكانٍ ما في الوطن، وهمّه أن يجني منه منافع خاصة، فكم سيكسب من هذا المنصب وكم سيجني من ذاك المكان وكم سيحصل من هذا الذي أُهِّل له لا على أساسٍ من كفاءة بل لأنه دفع أكثر ربما، ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

خدمة الأوطان أمانة في أعناقنا فهل أنت تبني وطنك وهل تسهم في تحسين صناعته وزراعته وقدراته وثرواته وهل أنت ممعنٌ بجد ونشاط في أن يكون لبلدك مكانة عالية رفيعة تحت الشمس أم أنك تعيش في الوطن لتتفيأ ظلاله وبالتالي إن قدَّمت له خيراً طفيفاً أو لا هو ما اعتدت عليه في حياتك.

ثلاثة أمور أذكركم بها: أن ترضي ربك وأن تسهم في بناء الإنسان وأن تكون خادماً لوطنك الذي تعيش فيه وتأكل من خيراته والذي تعيش على أفضاله شئت أم أبيت وما الذي قدمته لهذا الوطن ؟ قدم لك الوطن أرضه وقدَّم لك سماءه وقدم لك هواءه وقدم لك انتسابه فما الذي قدمته أنت لوطنك ؟

أسأل الله لكم أيها الطلاب عاماً وأعواماً خيّرة معطاءة، وأسأل الله للقائمين على توجيهكم وتدريسكم الإخلاص في العمل والجد في العمل والسعي الحثيث، وأن تكون لهم غايات شريفة ونبيلة، أسأل الله أن يبعد عن أوطاننا كل من أراد إيذاءه وأن يبعد عن أوطاننا كل من أراد تأخيره وأن يبعد عن أوطاننا كل من أراد لهذا الوطن أدنى مكروه، وأن يُقرِّب من هذا الوطن كل من يريد له الخير والفضيلة والبحبوحة والمجد والرفعة والتقدم والتحسُّن، إن ربي على كل شيء قدير، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 9/10/2009

التعليقات

عبدالغني

تاريخ :2009/10/15

نحتاج أن نعرف إلى أين نتجه ونسير ونحتاج إلى أن نعرف أن ما تزرعه يدانا اليوم تحصده غدا . شكرا للدكتور على تنبيهنا إلى ما يجب أن يضعه الطالب نصب عينيه ليكون على الطريق الصائب.

علي خليل شاوي

تاريخ :2009/10/20

وفقنا الله للعمل بوصاياك الجامعة لكل خير وهذه الوصايا خطاب للجميع من خلال الطلاب نشكر همك الكبير وحسك العالي بالجميع وبالوطن الذي يجمع الجميع على الحب والعطاء

شاركنا بتعليق