آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
قواعد قراءة النص الإسلامي / صحيفة تشرين

قواعد قراءة النص الإسلامي / صحيفة تشرين

تاريخ الإضافة: 2004/09/05 | عدد المشاهدات: 4130

نشرت صحيفة تشرين الصادرة في دمشق بتاريخ : الأحد 5/9/2004 بحثاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان : قواعد قراءة النص الإسلامي وذلك في صفحة مدارات تشرين . وهذا هو نص البحث :

قواعد قراءة النص الإسلامي

يشهد العالم اليوم صحوة إسلامية ملحوظة التزايد والشمول، تتمثل في تشخيص ضرورة اعتماد الإنسان على نص يغطي سلوكياته ويغني تصوراته، وهذا لايوجد إلا في النص الإسلامي، ذلك أنه يمتلك البعد الإلهي في مصدريته، والمد الشمولي العمومي في صلته بالإنسان، محور الكون المشهود ومحل التكليف المعهود، وقد ثبت هذا عبر طريقي التوثيق والتحقيق، ولم يعد المجال قابلاً للحديث عن بعض ارتياب في نسبته للخالق؛ فقد وثق، أو أدنى شك في إمكانية استيعابه للإنسان في كل أحواله وظروفه؛ فقد حقق والسؤال الذي شكل الباعث لدي لكتابة هذا البحث هو أنه: إلى أي مدى يحسن المسلمون اليوم التعامل مع هذا النص؟ ‏وإلى أي مدى يأخذون بالاعتبار إدراك الواقع المتغير والمعقّد بآلات فهم علمية، ليكونوا قادرين على بسط الإسلام على حياة الناس وتقويم سلوكهم بشرع الله؟ ‏
تلك هي المعادلة المطلوبة والمفقودة لدى مسلمي اليوم، وبدونها لاتتحقق القيادة للناس والشهادة عليهم، التي هي من وظائف هذه الأمة وخصائصها: ‏( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً‎ )
البقرة 143 ولعلنا إذ نساهم في تبيان قواعد قراءة هذا النص الإسلامي الزاخر بالمفهوم والأحكام، نكون قد أدينا بعض واجب علينا حيال هذه الصحوة التي ينتظر منها التفصيل بعد الإجمال، وتحويل الدين ـ الذي هو تعاليم ونصوص إلهية ونبوية ـ إلى تدين فاعل واع، أعني إلى موقف إنساني، يحقق للإنسان هدفه وبعده ووجوده. ‏
هذا رجاؤنا، وما أجمل الرجاء في حضرة من لا يخيبه، فهو ولينا ونعم الوكيل، وها نحن أولاء نشرع في الحديث عن الأبعاد الاصطلاحية لـ « قواعد قراءة النص الإسلامي » إضافة ولقباً
(1) وفق السياق الإسلامي، بحسب المخطط الذي مر في صدر هذه المحاضرة. ‏

تمهيد: الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية ‏
إن مفردات النص الإسلامي اكتسبت بعداً معنوياً جديداً بسبب وجودها فيه، وقد أطلقنا على هذا البعد «الحقيقة الشرعية»، في مواجهة «الحقيقة اللغوية»، التي كانت للمفردة نفسها قبل تبني النص الإسلامي لها، ولم تعد المفردة هذه تستخدم حال إطلاقه ـ ضمن السياق الإسلامي ـ إلا في الحقيقة الشرعية التي أُعطيت لها من قبل الشارع.. «فالحج» مفردة من النص الإسلامي لم تعد تطلق للدلالة على مجرد «القصد إلى معظّم»، وإنما غدت مصطلحاً يدل، ومن دون توقف، على «القصد إلى الكعبة المشرفة»، وكذلك الصّلاة، والصيّام، والرّسول، والنبيُّ، والأمّة،... إلخ. ‏
والعلاقة بين الحقيقة الشرعية واللغوية علاقة تضمّنية متبادلة، فقد تكون الشرعية أعمّ من اللغوية، كما هو الحال في الصّلاة
(2)، وقد تكون اللغوية أعمّ، كما هو الحال في الصّيام (3)، وقد يختلف بعد كل منهما (4). ‏

1ـ قواعد القراءة: ‏
أ- القواعد في بعدها الشرعي: ‏فالقواعد تعني الأصول والآليات، التي ارتضاها الشارع مفاتيح لاستنباط الأحكام من نصوصه الواردة عنه، الموثقة النسبة إليه، وليس المراد بها أية قواعد، أو أية أصول، وهنا يكمن الخلاف بين فئة تقتحم النص بأدوات لاتأخذ إذن الشرع عليها، وفئة تقتحم النص بالأدوات الملائمة بإقرار الشرع، وتصديق العقل الذي يقر بوجوب الاشتراك في الصفة بين المقتحم والأداة، وهي أن يكونا شرعيين، وإلا كان هناك تناقض بينهما.. وهذا مرفوض. ‏
وإذا أردنا تحديد القواعد الشرعية لاقتحام النص الإسلامي ذكرنا: ‏
ـ اللغة العربية، أو «الضابط اللغوي»: واللغة ذات الحقائق القرآنية أو الإسلامية، وقواعدها، لأن النص ورد بها، واختارها وعاءً تظهر معانيه من خلالها، فكان لابد منها والإلمام بها، والتعرف على أساليبها ونحوها وصرفها وبلاغتها
(5): ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسانٌ عربيٌ مبينٌ )‎ النحل/103/. ‏
( فإنما يسرناه بلسانك لعلّهم يتذكرون‎ )
الدخان/58. ‏
‏ ب ـ المنطق وقواعده، أو «الضابط العقلي»: ونعني بالمنطق: الخلفية الذهنية للتراكيب اللغوية، إذ تصدر عنها بعد أن يرتب العقل معانيها الترتيب الذي لايتنافى وبدهياته ومصادراته وأحكامه، ضمن حدود الزمان والمكان، لتبقى الأعراف والعادات مظللة بالمعقولية المعايرة، وعلى ضوء المعلومة الخبرية الصادقة، التي وثق العقل بها وروداً عن الخالق، من خلال أدوات التوثيق التي أهّل بها: ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً‎ )
النساء /82.
ج ـ روح الشريعة ومقاصدها، أو «الضابط التكاملي أو الغائي»: أي تمثل روح الشريعة بشكل عام، وفهم مقاصدها، والنظر في مآلات التطبيق لها. ‏
لأن النص الإسلامي ليس لغة فحسب، يفهم على أساس من قواعد اللغة وأساليب البيان، بل هو ـ قبل كل شيء ـ يمثل إرادة المشرع من التشريع، ومن هنا يقول الشاطبي: «إن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصد الله في التشريع»
(6). ‏
واعتماد «منهج الغائية» في استنباط الأحكام من النص، أو المنهج القائم على اعتبار المصلحة المعتبرة شرعاً، أي تلك التي تتضافر عليها روح الشريعة ومقاصدها، واعتبار مآلات الأفعال في تطبيقها، ولهذا يقول الشاطبي رحمه الله: «من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، ومن ناقض الشريعة فعمله في المناقضة باطلٌ، فما يؤدي إليها باطل»
(7). ‏
وإذا أردنا تحديد الناظم لروح الشريعة وفهم مقاصدها والنظر في مآلات تطبيقها قلنا إنه: «العدل الإلهي»، المتمثل في المصلحة المعتبرة شرعاً، من خلال فهم العقل العارف بالشريعة إجمالاً، وعلى هذا نفهم المقولة: «حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله» أي المصلحة المحققة للعدل الإلهي
(8). ‏
‏ د ـ ظروف النص الأولى، أو «الضابط الظرفي»: أي معرفة الظروف التي حفت بالنصوص، فالوقائع والأحداث التي كانت أسباباً للنزول القرآني، وورود الحديث النبوي، تحمل من القرائن ومن مقتضيات الأحوال، مايكون ضرورياً في فهم المراد الإلهي من النصوص التي ورت في شأنها، والتغافل عنها قد يكون مدعاة إلى صرف المعنى عن حقيقة المراد إلى مايخالفه أو يناقضه، من أجل هذا كان ابن مسعود يعلن اختصاصه بمعرفة الظروف التي ألمت بنزول النصوص، فكان يقول: «والذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت»
(9). ‏
ويتبع ذلك معرفة أحوال العرب وعاداتهم حال نزول النص، فإن النصوص نزلت على مقتضى هذه العادات والأحوال، فيتوقف فهم مرادها على فهمها
(10). ‏
وقد يشكل على بعضهم فهم علاقة المعنى، الذي يتضمنه النص، بالسبب الذي نزل فيه، فيقع الميل إلى تخصيص الحكم بذلك السبب أحداثاً وأشخاصاً، وفهمه على أنه مقصور عليه، وهذه نزعة نلحظ لها رواجاً اليوم لدى من يرومون المروق من مبدأ الاستمرارية في الهدي الديني، حيث جنحوا إلى تخصيص الكثير من أحكام الوحي بأسبابها الظرفية؛ لكن الحكمة الإلهية لم تجعل الأسباب مضمنة في النص القرآني «على وجه الخصوص»، بل ظل النص هذا مصوغاً في قالب كلي عام، حتى يبقى ذلك العموم في البيان مفيداً للعموم في الأحكام، مطلقاً من قيود التشخيص في الزمان والمكان، ولذلك قال الأصوليون: «العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب»، فما بالك بمن يقصر الأحكام كلها على عصرها، ولايعديها إلى سواه؟ معتبراً أنها تنزيلة نسبية إنسانية للمحتوى المطلق، مؤقتة بوقتها، وعلى أهل كل عصر أن يرموا جانباً ما أخذ من النص من أحكام، ليقدموا بديلاً عنها يعبر عن عصرهم
(11). ‏

2ـ العلاقة بين القراءة والفقه: ‏
والقراءة تعني الفقه
(12) في السياق الإسلامي العام، ولاتعني التلاوة فقط، وإن كانت من معانيها اللغوية، لكننا وبعد الرجوع إلى استخداماتها في النصوص الإسلامية وجدناها «فقهاً»، ويستمر العمق الشرعي ليدل الفقه بدوره على استنباط الأحكام ومعرفتها من خلال النص الإسلامي. هذه الأحكام هي التي تغطي كل الاحتمالات السلوكية التي تصدر عن الإنسان، منفرداً أو مجتمعاً. ‏
وإذا كانت القراءة منطلقاً لعملية «الفقه» فإن إرادة الفقه من خلالها إنما أخذت من القاعدة اللغوية القائلة: «يطلق اللفظ على معناه الآن، وعلى مايمكن أن يؤول إليه، أو ماينبغي أن يؤول إليه فيما بعد»، وما كانت القراءة،والدعوة إليها في النص الإسلامي، إلا من أجل أن تتحول إلى فقه وفهم عميق: ‏( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )‎
محمد /24. ‏( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين‎ ) التوبة /122. ولن يتفقهوا إلا بعد المرور بمرحلة القراءة، التي هي الفقه باعتبار ماستكون، وفي هذه الكلمة «المصطلح» تتحد الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، لتشكّل مفهوماً واحداً ينعكس عن منطوق القراءة على سبيل الترادف بين القراءة في الشرع والقراءة في اللغة، فهما كالكلمتين المختلفتين باللفظ باعتبار اختلاف الوضع، إذ اللغة لها مصطلحاتها الصرف، وكذلك الشرع. ‏

2ـ النص الإسلامي تحديداً وموقعاً ‏
1ـ تعريف النص الإسلامي وتحديده: وهو بكل بساطة ووضوح «القرآن الكريم» و«الحديث الشريف» قولاً أو فعلاً أو تقريراً، إذا صحت النسبة، وحُكم على أحد هذه الأنواع الثلاثة بالقبول، من خلال علم قائم بذاته خصص لهذا، يسمى «مصطلح الحديث» أو «أصول الحديث»
(13). ‏ولهذا يقول الشيخ محمد أبو زهرة: «نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية هي التي يقوم عليها كل استنباط في الشريعة الإسلامية» (14). ‏
وإن المستند النصي لنصية القرآن الكريم والسنة النبوية والحديث الشريف الآية الكريمة: ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم‎ )
الأنفال /24. والحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله " (15). ‏
2ـ موضع النص في التصور العام للإسلام: ويقر المسلم ـ اعتقاد ـ أنه مخلوق، وأن هناك خالقاً.. انبثقت عن الخالقية هذه حاكمية مطلقة على المخلوق بشكل عام، والمخلوق المكلف الذي هو الإنسان بشكل خاص.. وهاهو ذا القرآن الكريم يعلن ذلك في أكثر من موطن وموضع، نذكر بعضها تمثيلاً لاحصراً: ‏
( إن الحكمُ إلا للّه يقصُّ الحقَّ وهوَ خير الفاصلين )‎
الأنعام /57. ‏
( إن الحكمُ إلا للّه أمر ألا تعبدوا إلا إياه‎ )
يوسف /40. ‏
( واللهُ يحكمُ لامعقب لحكمه وهوَ سريعُ الحساب )‎
الرعد/41. ‏
فعلى هذا يكون الحاكم هو الله، والمحكوم عليه هو الإنسان، من خلال أفعاله وأقواله وإشاراته التي هي بدورها المحكوم فيه. ‏
والحديث الشريف، الصادر عن رسول الحاكم يلحق بالنص الصادر عن الحاكم ويشكل معه النص، لأن الله أوكل إليه تبليغ نصه وشرحه وتبيانه، فكان منه: ‏
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم‎ )
الأنفال /24. ‏
ومافي النص من خطاب هو الحكم
(16).
 

خلاصة: ‏
المعنى اللقبي لـ «قواعد قراءة النص»، وقد غدت علماً، تحت عنوان يطلق عليه علماؤنا «أصول الفقه الإسلامي»: ‏
وفي النهاية، وبعد أن عرّفنا «قواعد قراءة النص الإسلامي» تعريفاً إضافياً، يحسن أن نذكر مجملين «التعريف اللقبي»، ليغدو هذا العنوان «قواعد قراءة النص» علماً على ماذكرنا مجموعاً، وكأنه كلمة مفردة لايدل جزؤها على جزء معناها، فنقول: ‏
«قواعد قراءة النص الإسلامي» هي: العلم بالأصول والأدوات ـ أو هي الأصول ذاته ـ الشرعية المعتبرة، من لغة ومنطق، وفهم لروح الشريعة وتمثل لمقاصدها ونظر في مآلات تطبيقها ومعرفة للظروف التي حفّت بالنص، واستخدام كل ذلك في اقتحام « فقه ـ فهم » النص الصادر عن الحاكم «الخالق»، الذي هو الله، والنص الملحق به، الصادر عن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الثاني يلحق بالأول، بتقرير وإقرار الأول، لاستنباط الحكم من أمر ونهي أو وضع ليتعلق بفعل المكلف ويؤطره ويلتزم به المكلف، فلا يخرج عنه، حتى يحقق من خلاله عبوديته لله وإسلامه له، إذ الفعل هذا محكوم فيه، ومن قام به محكوم عليه، يشترط له شروط لاعتباره أهلاً للتكليف وقابلاً للخطاب. ‏
ويبقى النص ثراً، يمد المكلف بأحكام تغطي كل احتمال لفعل أو قول يصدر عنه»
(17). ‏
                                                                                ‏ د. محمود عكام
الهوامش :

(1) أي من حيث كونه تركيباً إضافياً يدل جزؤه على جزء معناه، ومن حيث كونه لقباً إذ أضحى في دلالته على معناه شاملاً كاملاً لايتجزأ، وكأنه لفظ مفرد لا يدل جزؤه على جزء معناه، فها هو ذا علم قائم بذاته، مهمته سبر النص واستخراج الحكم منه، على تفاوت في الاضطلاع به حيال النصوص المختلفة وضوحاً وخفاءً، منطوقاً ومفهوماً. ‏
(2) الصلاة في اللغة «الدعاء»، في حين أنها في الشرع «أفعال وأقوال» مخصوصة وتشمل فيما تشمل الدعاء. ‏
(3) الصيام في اللغة «مطلق الإمساك» لكنه في الشرع إمساك مخصوص في وقت مخصوص. ‏
(4) اختلاف البعدين: ماورد في سنن أبي داود والترمذي والطبري، من أن المسلمين يوم حاصروا الروم في القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة فاعتبر هؤلاء أن أخاهم الذي غامر واخترق صف العدو قد ألقى بيده إلى التهلكة، مخالفاً قول الله تعالى: ûولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة‎ فقام الصحابي أبو أيوب الأنصاري وقال أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ماضاع منها، فأنزل الله على نبيه يرد علينا ماقلنا: ûوأنفقوا في سبيل الله ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة‎ البقرة /195، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو، قال راوي الخبر: فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن في أرض الروم. ‏
(5) وقد نشأت في تاريخ الفكر الإسلامي من عدم التقيد بأدب اللغة العربية أفهام غريبة عن حقيقته، بل مهدرة لتلك الحقيقة أحياناً ويكفي في ذلك مثالاً مآل إليه غلاة الباطنية «المتأولة» من تفسيرات لنصوص القرآن والحديث،تكاد تؤلف ديناً آخر غير دين الإسلام، ويقابل هؤلاء قوم من الظاهرية، الذين قصروا دلالات اللغة على ظواهر اللفظ، وتحللوا من قانون اللسان العربي في المجاز، الذي هو ركن عظيم في الدلالة على المعاني: انظر: «في فقه التدين» د. عبد المجيد نجار. ‏
(6) انظر: الموافقات 2/331. ‏
(7) انظر: الموافقات 2/333. ‏
(8) ضمن هذا الأصل نفهم فقه عمر رضي الله عنه في منع قطع يد السارق عام المجاعة، وإيقاف سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، ويمكن أن نطبق فروعاً وفروعاً غيرها. ‏
(9) انظر: الموافقات 4/228. ‏
(10) انظر: الموافقات للشاطبي3/225 والمستصفى للغزالي 2/61. وكان عمر بن الخطاب يقول: «عليكم بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم»، نقلاً عن: «مصادر التشريع ومناهج الاستنباط» د. محمد أديب الصالح ص 60. ‏
(11) انظر: «الكتاب والقرآن قراءة معاصرة» للدكتور محمد شحرور ص32. ‏
(12) لعله استئناس أن نذكر بأن مادة «قرأ» وردت في القرآن الكريم باشتقاقات مختلفة عشرين مرةـ دون كلمة «القرآن» أو «قرآن» التي عددناها علماً على كتاب الله ولم نعدها من اشتقاقات «قرأ»ـ في الوقت الذي ذكرت فيه مادة «فقه» مع اشتقاقاتها عشرين مرة أيضاً، وهذا يؤكد انطباق الحقيقتين الشرعيتين على سبيل البدل وإن كانت كلمة «الفقه» أشهر في الدلالة على ماذكرنا من كلمة «القراءة» في السياق الإسلامي والفكر الإسلامي والفهم الإسلامي المنبثق عن النص الإسلامي. ‏
(13) وقد يطلق على «الحديث» بهذا المعنى مصطلح «السنة» وبعضهم خصص «السنة» بالحديث الفعلي والتقريري «والحديث» بالقولي وبعضهم عمم إطلاق «السنة» على الكل، وخصص الحديث «بالقول» فقط انظر: منهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر. ‏
(14) في كتابه «أصول الفقه» ص185. ‏
(15) أخرجه مالك في الموطأ. ‏
(16) ومن هذه الحيثية تتحدد مواضيع أصول الفقه وهي: ‏
1ـ الحاكم: «الله ورسوله» ومايصدر عنه من نصوص، ومايمكن أن تفرزه هذه النصوص من أدلة أخرى معتمدة من قبله، حال غياب النص الجلي من إجماع وقياس واستحسان واستصلاح واستصحاب وشرع من قبلنا وعرف وسد للذرائع ومذهب الصحابي، على خلاف بين الأئمة في تسمياتها واعتباراتها، ويتصل بذلك دراسة النصوص وروداً ودلالة ووضوحاً وخفاء وعموماً وخصوصاً ونسخاً واستمراراً وأمراً ونهياً. ‏
2ـ والحكم: وهو الخطاب من النص وتعلقه بأفعال العباد وضعاً أو طلباً أو تجهيزاً. ‏
3ـ والمحكوم فيه: وهو فعل المكلف من حيث كونه متعلق الخطاب. ‏
4ـ والمحكوم عليه: وهو الإنسان من حيث كونه محل الخطاب. ‏
(17) أطلنا في التعريف من أجل التوضيح وابن خلدون يقول معرفاً هذا العلم بشكل مختصر أكثر: أصول الفقه: وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتكليف وأصول الأدلة هي الكتاب ثم السنة النبوية المبينة له، بما يصل إلينا منها قولاً أو فعلاً أو تقريراً بالنقل الصحيح انظر: «المقدمة» ص452. ‏
ويقول عن هذا العلم أيضاً في الصفحة نفسها من المقدمة: «أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدراً وأكثرها فائدة». ‏
ـ ومن المناسب أن نذكر في نهاية هذا المطلب لمحة موجزة عن مدارس التفسير «للنصوص» في القانون الوضعي، لنرى الفرق بين ما اعتمد من منهج في تفسير النص الإسلامي، وما اعتمد من منهج في تفسير القانون الوضعي وأهم هذه المدارس هي: ‏
1ـ مدرسة الشرح على المتون أو «التزام النص»: نشأت في أوائل القرن الماضي على إثر الثورة الفرنسية، وهي تقوم على تقديس النصوص والاعتداد بإرادة المشرع عند التفسير وتقديسها، «وهي بذلك تتصور إرادة مفترضة». ‏
2ـ المدرسة التاريخية: نشأت في ألمانيا وتقول: إن دور المشرع لايعدو أن يكون تسجيلاً للقانون المتولد عن البيئة وكأنهم حكموا عليه بالانهيار، فيما يخص الصفة الأساسية للقانون وهي الثبات. ‏
3ـ المدرسة العلمية: جمعت بين محاسن المدرستين فهي التي تقول: إن لم يكن هناك نص يوجه الواقعة المعروضة فلا بد من اللجوء إلى المصادر الرسمية الأخرى ومن أهمها العرف (5). ‏
والموسوعة الفرنسية تتحدث عن خلو القانون المدني من أية ضوابط أو قواعد في مضمار التفسير، ما جعل القاضي يفسر القانون عند الاقتضاء تبعاً لمواهبه المسلكية وحسب ذمته، وإن كان ذلك تحت رقابة محكمة التمييز، ولهذا كان الفقهاء الرومان يقولون: إن أحسن القوانين هو القانون الذي يترك أقل مايمكن من الحرية لهؤلاء القضاة . ‏
(¤) انظر: «المدخل للعلوم القانونية» للدكتور سليمان مرقص، و«الموجز في المدخل إلى القانون» للدكتور حسن كيرة، و«أصول القانون» للدكتور مختار القاضي، و«المدخل إلى علم أصول الفقه» للدكتور معروف الدواليبي، وكتابات العلامة السنهوري كلها.

لقراءة النص من المصدر لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق