نشرت مجلة الضاد الصادرة في حلب في العدد السابع من عام 2004 للسنة الرابعة والسبعون المقال التالي :
إنه خطاب ليس له مسافة ، ولا يتضمن
لام البعد أو " ذا " صاحبة الإشارة ، وربما حوى " هاء "
التنبيه ، وامتدّ فشمل كل أدوات الاستفهام والتعجب ، وسائر أفعال الترجي
والتمني والمقاربة والشروع ،
والمحلّ في كلها واحد ، والموضوع في جميعها غير متعدد .
دعيني أيتها الذات أباشر الخطاب ، وأظن أنني أنمذج من ذاتي لكلٍّ مع ذاته ،
ولذا فبقدر ما هو خاص ، هو أيضاً صالح للتعميم .
مم تخافين ؟ والخوف أقسى ما تعانين !
وممّ تهربين ؟ والهروب أبشع ما به تتصفين !
وممّ تتألمين ؟ والألم اعتصار تجارب تغنيك إلى آماد السنين !
هاتِ هذا الذي منه تخافين ، واذكري مفرداته وأشكاله ، وأظن أنك قادرة على جمعها
في عبارة مفادها : " وُجِدت وأريد أن أستمر ، فكل الذي يخيفني نهاية ، ومن بدأ
أحب البقاء في الخالدين " .
وجوابي : أمني تخلدي ، واعترفي بمن خلقك تستمري ، وثقي بالذي سوّاك تكوني مع
الموت كأنك مع أوسع أبواب حياة لها سمة الاستمرار ، فالنهاية التي ترين باب
لحجم أكبر مما أنت فيه ، فاطمئني ، وأبعدي الخوف عنك ، فما عرف البناة الخوف ،
وما أصاب الرواد أثره ، ولذا بنوا وأسسوا وارتادوا
غير هيّابين !
ثم حدثيني عن الذي منه تهربين : أليس هو ما إليه سترجعين في النهاية ؟!
هربت من الحياة فواجهتك إذ لم تكن بيدك ، وها أنت تهربين من الموت وهو ماثل
أمامك ، أو لعلك
تبغين الهروب من التبعات والمسؤولية ، وما ينتج عن ذلك من همّ وغمّ لا تضارعه
مشقة . وإياك والفرار مما تهابين ، واسمعي ما قاله الإمام الفرد علي كرم الله
وجهه : " إذا هبت أمرا فقع فيه ، فإن شدة توقيه أصعب من الوقوع فيه " .
وأخيراً : خبّريني عن آلامك ! ولعلي أسرع إلى مبادرتك بالقول : الألم سرّ
الإحساس بالوجود ، واللاألم نهاية جد تعيسة ، وحكم بالخروج عن دائرة الاختصاص
الإنساني ، والتكريم البشري ، فمن تألم تكلم ، ومن تكلم ساد ، والسيادة من أجل
دعم الاصطفاء التكويني .
وإن كان قصدك بحثاً عن سبيل تخيف دون إبادة أو إعدام ، فدونك النظر في آلام
السوى ومن عداك ، فإن عشتها خف ألمك وإن سعيت إلى تخفيفها تحوّل ألمك إلى بريق
سعادة شعّ في عينيك ، وخفقة قلب متسع ، وسعة القلب حياته ، وسره في اتساعه ،
وهيا معي إلى الحياة دون خوف أو هروب ، ولنقرأ آلام الناس بنبرة الأخوة ،
وعندها فيا أيتها الذات أنت ذاتي ، وألا فقد غدوت ضائع الذات ، مبعثر الصفات ،
مقترب الخطوات من عالم الأرقام دون الأنفس والأرواح ، فهل أنتم منتهون ؟!
د. محمود عكام
التعليقات