نشرت صحيفة الجماهير الحلبية والوطن العمانية على صفحتيهما الورقيتين والإلكترونيتين المقال التالي :
ولم لا يكون كذلك ؟ وفي رمضان كانت
بدر ، وكانت غزوة الفتح ، وهما أهم معركتين في تاريخ الإسلام ، فالأولى دعيت (
فرقاناً ) ، كما ورد في القرآن الكريم ، والثانية أخذت عبر التاريخ عنوان (
الفتح ) .
وكونهما في رمضان له من الدلالات ما لا تتسع له الصفحات والأسفار ، ولكننا نذكر
من تلك الدلالات بعضها :
ـ فالجهاد فريضة كالصيام : لا نفرق بين واحدة وأخرى من شعائر ديننا ، فكما (
كتب عليكم الصيام ) ، فقد ( كتب عليكم القتال ) ، ولعل الدارس يلحظ الوزن
الصرفي الواحد للكلمتين ( الصيام ) و ( القتال ) ليكونا على ( فِعال ) .
والصيام والجهاد كلاهما جهاد ، وكلاهما صيام ، ويمكن للمصطلحين أن يتبادلا ،
ويبقى مع التبادل والانسجام .
أما أنهما معا جهاد ، فلأن المرء في صيامه يجاهد شهواته ونزواته ، ويدفعهما
إرضاء لله ، وطمعاً في نيل فضله وثوابه ، وهو في الجهاد يقاتل أرباب الشهوات
والنزوات والساعين لإعلائها على العقل والمنطق والفطرة : ( أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه ) ، ( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ) .
وإذا تحدثنا عنهما على أن كليهما صيام ، والصيام امتناع عن المفطرات وإمساك ،
قلنا : إن المجاهد يمسك عن الدنيا ، ويمتنع عن كل زخارفها ، ويهبُّ للمعركة
ناوياً حياة أرقى من التي هو فيها ، إن في الدنيا بعد النصر ، أو في الآخرة عند
ربه يرزقه ويستبشر بالذين لم يلحقوا به فلا خوف عليه ولاهو يحزن , وهكذا الصائم
، يمتنع عن المفطرات حسيها ومعنويها ، ويمسك عن ذلك .
وللاثنين اذا أخلصنا جنة الفردوس فـ : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له
ماتقدم من ذنبه " كما جاء في الحديث الصحيح ، وبنفس العطاء وقوته يقول المصطفى
صلى الله عليه وآله وسلم عن المجاهد : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو
في سبيل الله " . وكلا الفريضتين فيهما مشقة ، ليست في غيرهما من الفرائض ،
فأقسى ما تمارسه النفس من أعمال هو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة وباقي
المفطرات المعنوية ، ولعلها تتحمل وتطيق كل شيء ما عدا الجوع ، الذي وصف بـ (
بئس الضجيع ) على لسان ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ويساوي الجوع قساوة ولوج معركة يرتسم فيها الموت أمام كل الداخلين ، ولاتظنن
شيئاً أصعب على الإنسان من دخول ساحة ما ، اذا كانت فيها لوحة الموت معروضةً
قريبة المنال ، ولكن وكما قال الشاعر :
لاتحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق
الصبرا
فيا أهل رمضان صوموا واجعلوا من صيامكم جهاداً أو استعداداً للجهاد ، فـ : " من
لم يغزُ ، ولم يجهز غازياً ، أو يخلف غازيا في أهله بخير ، أصابه الله بقارعة
قبل يوم القيامة " .
ويا أهل الصيام لا تنسوا ما كان في رمضان الأسوة من جهادٍ ضد الشر والكفر
والبغي , وأنتم مدعوون كلَّ رمضان لما دعي إليه أهل بدر الكرام عليهم رضوان
الله .
ويا أهل القيام في رمضان جددوا الفتح المبين فيكم ، وحدثوا مَنْ تلقون من
أهليكم وذويكم عن مكة المكرمة منطلق الإسراء ومبدئه ، وكيف فتحها المصطفى صلى
الله عليه وآله وسلم واجمعوهما توأمة مع القدس الشريفة حتى يفكر الصائمون
القادمون بفتح كالذي كان لقسيمتها . وعلى الجميع ان يعلم أن القدس لا تفتح إلا
:
بقرآن متدبر ، وقد نزل في رمضان .
وبصبر على الجهاد ، والصبر تجلى أكثر ما تجلى في رمضان وهو شهره .
وبنية خالصة لله ، وهذه أهم مايحققه رمضان ، لأن الصوم لله ، كما قال الله في
الحديث القدسي .
وأخيراً بتعاونٍ ومواساة وتباذل وتراحم بين الصائمين لرمضان ، ورمضان شهر
التعاون والرحمة والمواساة ، كما دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فاللهم رب رمضان أكرمنا بحب الجهاد في سبيلك ، وأنلنا نصراً على كل عدو للإنسان
، بسرِّ من تقبلت صيامه ، وجعل من أجلك صلاته وقيامه .
الدكتور
الشيخ محمود عكام
التعليقات