آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حقوق الإنسان في القرآن

حقوق الإنسان في القرآن

تاريخ الإضافة: 2011/08/12 | عدد المشاهدات: 3169

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا وحفظ الله وطننا من كل مكروه.

أيها الإخوة المؤمنون:

الله عز وجل قال: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾. لعل نزول القرآن في رمضان له ما يبرره إن أردنا التبرير، فالإنسان في رمضان إذ يصوم ويمتنع عن إعطاء الجسم حاجاته المادية هو هذا الإنسان الذي يُحجم في رمضان عن الطعام والشراب يفكر في نفس الوقت في حاجاته المعنوية، أما وأنه الآن في مهلة عن أن يفكر في حاجاته المادية فعليه إذاً أن يفكر في حاجاته المعنوية، ولهذا قلت عن رمضان بأنه شهر وعي الذات، في رمضان يعي الإنسان ذاته، وإذا ما وعى الإنسان ذاته أدرك أنه في حاجة إلى دستور، إلى نظام، إلى منهاج، عندما تعي ذاتك تدرك أن أول حاجة تحتاجها أنت من حيث وجودك المعنوي هو النظام والدستور لذلك: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن﴾ أنزل فيه الدستور لأنك بحاجة إلى دستور أيها الإنسان وأنت ستفكر بهذا أكثر عندما تصفو نفسك وتبتعد عن الحاجات المادية التي قد تؤثر على تفكيرك عندما تحاول أن تقوم بإروائها.

شهر الدستور، هذا الدستور الرباني جاء بالحق: ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾، أرأيت إلى العلاقة بين الصوم والقرآن، بين رمضان والقرآن، إذاً أيها الإنسان الصائم هل وعيت بأنك بحاجة إلى دستور ؟ الجواب: نعم. ما دستورك ؟ دستوري هو القرآن الكريم الذي قال عنه ربي عز وجل: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾ وقال عنه ربي أيضاً: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ والدستور نظام شامل مجمل لا تفصيل كبير فيه، وعندما نريد أن نفحص دستوراً ما من جملة ما نتوجه به من أسئلة إلى هذا الدستور هو: هل يكفل هذا الدستور حقوق الإنسان ؟ إذا ما كفل الدستور حقوق الإنسان الأساسية فهذا الدستور سيأخذ علامة رفيعة، وإذا أهمل الدستور حقوق الإنسان الأساسية فلن يأخذ العلامة الناجحة، وإذ نتطلع إلى القرآن الكريم على أنه الدستور الخالد إلى يوم القيامة، وإذ نمحِّص ونفحص هذا الدستور فإنا واجدون فيه كفالة لحقوق الإنسان الأساسية وأنتم حينما تقرؤون القرآن الكريم في رمضان، أريد من كل واحد منكم أن يمعن النظر وأن ينعم النظر في هذا الذي يقرؤه، في القرآن الكريم، هل كفل القرآن الكريم حقوق الإنسان الأساسية ؟ سيجد القارئ المتمعن بأن القرآن الكريم كفل الحقوق الأساسية وبالتالي كيف تعدل عن القرآن وقد كفل لك حقوقاً أساسية على دستور سواه ؟

آمل أن يتفقد كلٌ منكم كتاب ربه وأن يتفقد فيه حقوقه، وها أنذا أعرض عليكم وبإيجاز هذه الحقوق الأساسية التي كفلها القرآن الكريم للإنسان مبتدءاً بالحق الأول.

الحق الأول: حق الحياة، لقد كفل القرآن للإنسان حق الحياة واعتبر الإنسان مصون الذات محمياً لا يجوز قتله مُكرَّماً: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ هكذا قال الدستور القرآني وقال: ﴿ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً﴾، حق الحياة مَصون في القرآن الكريم، وهو حقٌ أول، والحقوق الأساسية هي سبعة حقوق، فانتبهوا إليها وانظروا الدساتير الأخرى من أجل أن تتأكدوا من أنها تكفل لكم هذه الحقوق، فإن كفلتها فهي دساتير جيدة، وإن لم تكفلها فهي بحاجة إلى إعادة النظر فيها.

الحق الثاني: حق المال، المال مَصون، لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً﴾ القرآن كفل حق المال فلا عدوان على مال غيرك ولا اعتداء على مال غيرك، والمال مَصون، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا رسول الله أرأيت إن جاء أحدٌ يريد أخذ مالي ؟ فقال له النبي فلا تعطه. قال يا رسول الله أرأيت إن قاتلني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاتله. قال يا رسول الله أرأيت إن قتلني ؟ قال فأنت شهيد. قال يا رسول الله أرأيت إن قتلته قال هو في النار). رواه مسلم.

الحق الثالث: حق العرض، فلا انتهاك للعرض، لا غيبة ولا نميمة، ولا سبّ ولا شتم ولا فسوق ولا كلام سيء: ﴿ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه﴾ لا تسبّ: (سباب المسلم فسوق) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسلم (وقتاله كفر).

الحق الرابع: حق الحرية، كفل القرآن الكريم حرية العقيدة: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾، ﴿لا إكراه في الدين﴾ حق الحرية التي تتناول العقيدة، فحرية العقيدة حق من حقوقك، وحرية التفكير، فكِّر فأنت حرٌ في تفكيرك ولا حظر على تفكيرك، ومن يريد أن يحظر على تفكيرك فإنما يتناول بالتخريب جزءاً هاماً من كيانك أنت أيها الإنسان: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض﴾، حق الحرية في العقيدة في التفكير وفي التعبير، عبِّر، والمهم أن لا تؤذِ أحداً، والقرآن الكريم عرض حوارات ونقل كلاماً يرفضه الإسلام، وعلى الرغم من ذلك نقل كلامه، نقل حواراً بين إبراهيم عليه السلام وبين النمروذ، قال النمروذ: ﴿أنا أحيي وأميت﴾، قال كلاماً لا نقبله نحن في عقيدتنا وفكرنا، ولا يقبله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وعلى الرغم من هذا نقل القرآن الكريم هذا الحوار ليقول للناس بأن الإنسان له حق التعبير، عبِّر، المهم ألا تؤذِ أحداً وأنت تعبِّر: ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾ جاءت امرأة تجادل النبي في زوجها، والله سمَّى سورة بحركتها وفعلها: ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما﴾.

الحق الخامس: حق العمل، للإنسان أن يعمل، وعلى الدولة أن تؤمِّن العمل لكل هؤلاء الذين ينتمون للدستور القرآني إن كانت الدولة تعتمد الدستور القرآني، فواجبٌ عليها أن تؤمن العمل للجميع: ﴿فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه﴾ ولا يجوز لأحدٍ أبداً أن يمنع إنساناً ما عن عمل ما إن كان هذا العمل مشروعاً ويصبُّ في مصبِّ الكسب الحلال والنفع للبلد، بل على الدولة أن تؤمِّن العمل لكل الناس، هذا ما جاء في القرآن الكريم وعبَّر عنه هذا الكتاب العظيم.

الحق السادس: حق المواطنة، هذا وطني ولا يجوز لأحدٍ أن يُخرجني من وطني: ﴿أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾، حقّ المواطنة، يا أيها الفلسطينيون حقكم في فلسطين فإياكم أن تتنازلوا عن هذا الحق لأن دستوركم، لأن القرآن الذي تؤمنون به، كفل لكم هذا الحق، حق المواطنة، فإياكم أن تتهاونوا فيه، لا يجوز لأحدٍ ما أن يقتلع إنساناً ما من وطنه بغير حق وبغير عذر من خلال التعسّف ومن خلال الظلم والبغضاء والشحناء، لي الحق في وطني ولك الحق في وطنك، لا يجوز لأحدٍ منا أن يقصي الآخر عن هذا الوطن الذي ولدنا فيه والذي عشنا فيه، هكذا كفل القرآن الكريم هذا الحق لكل إنسان على وجه هذه البسيطة، أنت مواطن وأنا مواطن، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات ويجير علينا أدنانا: (ذمة المسلمين واحدة) كما قال عليه الصلاة والسلام كما جاء في السنن (يجير عليهم أدناهم)، (لقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) أنت مواطن تجير من تجير، وأنا مواطن أجير من تجير، وليس هنالك مواطن لا حق له في الإجارة أو في الإجازة وإنما المواطنون في الحقوق والواجبات كلهم سواء.

الحق السابع والأخير: حق التعليم، أنت مواطن، في الدستور، في القرآن الكريم كفل هذا الدستور حق التعلم والتعليم، تعلم أيها الإنسان وإلا فأنت مقصرٌ في إنسانيتك، الدستور القرآني يدعوك إلى أن تتعلم: ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾، وهذا النبي الأعظم يُدعى ليقول أمام الملأ ومن قبل ربه: ﴿وقل رب زدني علماً﴾، وهل أنت أيها المسلم الذي تقرأ القرآن الكريم بالله عليك هل أنت تزداد علماً يوماً بعد يوم أم أنك تتقهقر في ميدان العلم، ربما كنت بالأمس أعلم منك اليوم وهذا ما نراه، لذلك عندما نرى بعض المشكلات فإن وراءها الجهل.

نحن أمة اليوم شقت طريقها في الجهل، ولم تعد تلتفت إلى العلم الذي هو حقها والذي عليها أن تمارسه بقوة لأن الحضارة علم، شئنا أم أبينا، أو لأن التجلي الأعظم للحضارة هو العلم فأين تعلمكم يا شباب وأين ممارستكم لهذا الحق: ﴿وقل رب زدني علماً﴾، ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾، علِّم أولادك أيها الأب، علِّمي أولادكِ أيتها الأم، أيها المعلم، أيها المختار في قرية ما تفقد أبناء قريتك وتفقد أبناء حيك من أجل أن تشجعهم وأن تدعوهم على العلم، لأنك تدعوهم إلى حق يجب أن يمارسوه وتدعوهم إلى فريضة قبل أن يكون حقاً هو فريضة دينية وهو حق دستوري إن لم تمارسه فأنت مقصر حيال الدستور، الدستور لم يكن مقصراً معك، كفل لك هذا الحق ودعا المجتمع من أجل أن يعلمك، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضُربت في عهده أمثلة كثيرة تبين أن هذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يجتهد اجتهاداً لا حدود له من أجل أن يعلم أتباعه ومن أجل أن يغدو كلٌ من أتباعه متعلماً.

فيا أمتي عودة إلى الدستور الذي أنزله الله في رمضان، أرأيتم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ؟ انظر إلى القرآن على أنه دستور ستجد أن القرآن كفل لك هذه الحقوق التي تجعلك إنساناً سوياً فلتكن إنساناً على مستوى الدستور، على مستوى القرآن، وإلا فلا يكفي يا أخي أن تقول بأنك تصوم ولا يكفي بأن تقول بأنك تقرأ القرآن الكريم صباح مساء، عليك أن تقرأ القرآن الكريم كهذا الذي حدثنا عنه التابعي الجليل أبو عبد الرحمن السّلمي، واسمعوا تلك الكلمة كيف كان يقرأ سلفكم القرآن الكريم الدستور العظيم، يقول أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن أنهم ما كانوا يقرؤون آية من كتاب الله إلا ويتعلمون ما فيها من العلم والعمل، قال فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً".

أما اليوم فالصائمون يقرؤون القرآن ولا يتعلمون القرآن والعلم والعمل جميعاً ولا يتبينون الحقوق من أجل أن يقدموا القرآن للعالم كله على أنه دستورٌ صالح.

اللهم إني أسألك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 12/8/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق