آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
إنا أنزلناه في ليلة القدر

إنا أنزلناه في ليلة القدر

تاريخ الإضافة: 2011/08/26 | عدد المشاهدات: 3346

أما بعد، فيا أيها الإخوة الصائمون القائمون:

اللهم ارحم شهداءنا وأمننا في أوطاننا.

أيها الإخوة:

نحن اليوم على موعدٍ مع ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، أوليس الله عز وجل قال: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر﴾ ليلة القدر هي ليلة التشريف، ليلة التقدير، قدّرك الله وشرفك إذ أنزل عليك الكتاب هادياً لك إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، تصوَّر لو أنك ليس لك كتابٌ من الله يهديك، تصور لو أنك لم يكن لك من الله موثق يدلك على ما فيه خيرك في الدنيا والآخرة، أنت بلا كتاب من الله ضائع، وأنت بلا كتاب من الله غير مشرَّف، وأنت بلا كتاب من الله غير مقدَّر، وما كانت هذه الليلة - ليلة القدر - خيراً من ألف شهر إلا لأنه أنزل فيها الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم ولذلك جاء في الحديث - وأرجو أن نفهم الحديث هذا فهماً سليماً - الذي يرويه ابن حبان في صحيحه: (من حُرم خيرها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم) خير هذه الليلة هو القرآن الكريم، إنا أنزلناه في ليلة القدر، وإذا حُرمت خير القرآن فأنت محروم، وقد حرمت الخير كله, ومن هنا أقول: حدثني عن علاقتك بالقرآن، لأنني أرى مجتمعنا وأرى شبابنا محرومين من خير القرآن، محرومين من القرآن، محرومين من الخير الذي أُنزل في ليلة القدر، وبالتالي فهم محرومون من الخير كله، نحن محرومون من القرآن وإلا فقل لي بربك عن علاقتك بالقرآن الكريم ماذا يمثل لك القرآن الكريم أنت الذي تقرأ القرآن الكريم في رمضان وفي بعضٍ من أيام السنة ما الذي يمثله لك القرآن الكريم، أتريد أن تعرف ما الذي يمثله لنا القرآن الكريم حتى لا نحرم خيره وبالتالي حتى لا نحرم الخير كله. يا أيها الشباب بشكل خاص، يا أيها السَّاعون لغدٍ أفضل الزموا كتاب ربكم.

أولاً: القرآن الكريم مصدرٌ هامٌ لمعرفتنا، لأن القرآن الكريم كما قال عنه سيدي رسول الله الذي أنزل عليه القرآن حسبما جاء في الترمذي: (فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم) فالقرآن مصدرٌ هام لمعرفتنا نقرأ فيه تاريخنا ونتعرف فيه ومن خلاله على مستقبلنا وهو الذي يفصل بيننا، إذا ما اختلفنا  فأي الرأيين فينا حين يكون أقرب إلى القرآن فهو الرأي الأصوب وإلا فلا، تعالوا من أجل أن نرجع للقرآن، لا تسألني عن رأيي، لأن كثيراً من الشباب يأتونني ويأتون غيري، هذا يقول لي ما رأيك في هذا الذي يحدث، ما رأيك بالأمر الفلاني، المفروض أن تقول لي حدّثني بربك عما استوحيته من كتاب الله فيما يتعلق بهذه القضية أو تلك، لكننا عدلنا عن القرآن وأصبح الواحد منا يريد من هذا الذي يسأله رأيه البحت المعزول عن القرآن لأنه يخاف من أن يكون الرأي المستوحى من القرآن يخالف رغبته وشهوته ولذلك هو في معزل وهو يجافي القرآن الكريم. يا أمتي، يا أيها الذين يريدون أن يعيشوا ليلة القدر حتى يُغفر لهم ما تقدم من ذنبهم، القرآن الكريم مصدرٌ هامٌ لمعرفتنا.

ثانياً: القرآن الكريم موحدٌ لسلوكنا، علينا أن نوحد سلوكنا من خلال الرجوع للقرآن الكريم، إن رجعنا إلى القرآن الكريم فسيوحِّد سلوكنا، سلوكنا غير موحد لأننا لا نصدر عن القرآن الكريم، فالقرآن الكريم يوحد سلوكنا ما دام القرآن للتطبيق أوليس الله قد قال: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها﴾ يروي ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال وهو يخاطب أصحابه: "تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم حتى تعملوا بما تعلمون".

إن بقينا على قراءة الكريم من غير أن نسعى من أجل أن يكون القرآن موحداً لسلوكنا فهذه قراءة منافق شئتم أم أبيتم. جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) يقرأ القرآن من غير أن يقرأه من أجل السلوك والتطبيق.

ثالثاً: القرآن الكريم أسُّ حضارتنا، الحضارة عندنا تنبع من القرآن الكريم، الحضارة نَصّ، من لم يكن له نص فلا حضارة له، ونصنا كتابٌ أنزل في ليلة القدر، كتابٌ بالحق أنزلناه وبالحق نزل: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)، هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم، هل نحن مرفوعون أم أننا في وضعٍ وضيع، أم أننا في وضع لا نحسد عليه من قبل الأعداء ؟ الجواب في هذا الحديث: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين) ولا أريد من أحد أن يقول لي نحن نقرأ القرآن الكريم، ونملأ بالقرآن مساجدنا، ونصلي التراويح في كل يوم جزءاً، قلت لك الجواب: (مثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) القرآن الكريم أسُّ حضارتنا، ولذلك كان النبي يدعو ويقول كما في الحديث الصحيح، وهل أنت تدعو أيها الشاب هذا الدعاء أم تنتظر سماعه من الشيخ على المنبر يوم الجمعة، أو من الشيخ على الدرس في غير يوم الجمعة، أرأيت كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة للقرآن، لأن القرآن أس حضارتنا، أنت تسمع هذا الدعاء لكن هل تدعو بهذا الدعاء بينك وبين نفسك، بينك وبين أولادك، بينك وبين أهلك، بينك وبين طلابك، بينك وبين جيشك، بينك وبين ضباطك، بينك وبين مهندسيك، بينك وبين مرضاك، هذا الدعاء: (اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا)، وهل أجمل من القلب أن يكون في مرحلة الربيع باستمرار، الذي يجعل قلبك في ربيع دائم هو القرآن الكريم، (اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا).

رابعاً: القرآن الكريم موئلنا ومحور ملاذنا، القرآن الكريم متمسكنا، أوليس الله قد قال: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ ؟ ولئن سألت الواحد منكم عن حبل الله في هذه الآية ليقولن وبسرعة إنه القرآن الكريم. القرآن الكريم محور لقائنا، نلتقي على القرآن ما التقينا، نلتقي على تدارس هذا القرآن، على تدبر هذا القرآن، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال كما في صحيح مسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) بروايات كثيرة جاءت في الصحاح ونحن أحوج ما نكون إلى السكينة والرحمة، أصبح الواحد منا لا يرحم جاره ولا يرحم بيته ولا يرحم شارعه، وانظروا أسواقنا كما قلنا في الأسبوع الفائت، مظاهر الرحمة معدومة، هذا يريد أن يعدو على هذا، وهذا يسبُّ هذا أو ذاك، وذاك يعتدي على ذاك، وهكذا دواليك... ذاك لأننا لم نجتمع على كتاب الله نتلوه ونتدارسه ولو أننا اجتمعنا على كتاب الله لكنا في غير هذا الذي نحن فيه.

خامساً: القرآن الكريم شفيعنا يوم القيامة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في صحيح الإمام مسلم: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) اقرؤوا القرآن، تدبروه، طبقوه، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قلنا في الأسبوع الفائت حسبما روى الحاكم بسند حسن قال: (الصيام والقرآن يشفعان، يقول القرآن: أي ربِّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه... قال فيشفعان).

أيها الإخوة، أيها الشباب: ولعل الشباب هم المعنيون بالدرجة الأولى في خطاب من يقدم حديثاً، لأننا ننظر إلى الشباب ننظر إلى المستقبل، يا شبابنا: هذه الليلة ليلة القدر، وقد آن الأوان في هذه الليلة أن تنظر إلى علاقتك مع القرآن الكريم، لأن هذه الليلة كانت خيراً من ألف شهر بسبب نزول القرآن فيها: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر﴾ وكأني بالمعنى يقول: ليلة بكتاب من الله تعيش معه وتعايشه خير من ألف شهر بغير كتابٍ من الله عز وجل، احفظ أيها الشاب، القرآن مصدر هام لمعرفتنا، القرآن موحّد لسلوكنا، القرآن أسّ حضارتنا، القرآن محور لقائنا، القرآن شفيعنا يوم القيامة. هذا هو القرآن، وهذا ما يمثله القرآن فهل نعي وهل نفكّر في هذا في ليلة القرآن، في ليلة القدر، في ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، ولقد قال جلّ العلماء: بأن الذي يُستأنس منه وبه من أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فيا أيها الإخوة لا أريد منكم كثرة قيام ولا كثرة صلاة، ولا أريد منك أيها الشاب كثرة بكاء، ولا أريد منك أن تقف في المسجد وأن تطفئ الأضواء، وإنما أريد منك أن تفتح عينيك وقلبك على القرآن الكريم، أن تفتح عقلك، أن تمسك بهذا الكتاب بكل قوتك، وأن تقول يا رب اجعل القرآن ربيع قلبي، اجعل القرآن ربيع قلب المسلمين، اجعل القرآن مصدراً هاماً لمعرفتنا، اجعل القرآن موحداً لسلوكنا، اجعل القرآن الكريم أسّ حضارتنا، اجعل القرآن الكريم محور لقائنا، اجعل القرآن الكريم شفيعنا يوم القيامة. هذا ما أريده منك أيها الشاب، هيا إلى القرآن، امسك بالقرآن الكريم بكل قوتك، واقرأ آية أو آيتين أو ثلاث آيات، وانظر نفسك وعلاقتك مع هذا الكتاب الكريم: هل هداك، هل طمأنك، هل وجدت فيه بغيتك، هل قويت الصلة بينك وبين هذا المسلم الذي بجانبك ؟ إذن أعد النظر في العلاقة مرة ومرتين وثلاث مرات... وإني لأرجو الله عز وجل، ولطالما كررنا هذه الأبيات لشيخ جليل، يخطب في هذا المسجد المبارك، كان يخاطب الآباء والمعلمين هنا في هذا المسجد منذ أكثر من أربعين أو خمسين سنة، يقول:

حفِّظوا قرآنكم أبناءكم               يحفظ القرآن دين الحافظين

أيها المشتاق  نجوى ربه                 ناجي الله به في كل حين

واعبد الرحمن في قرآنه                تغدو بالقرآن زين العابدين

اللهم إني أسألك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 26/8/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق