نشر موقع "تحت المجهر" بتاريخ 22/8/2011 حواراً خاصاً مع الدكتور الشيخ محمود عكام ضمن صفحة (لقاءات دينية وروحية)، تناول العديد ما يجري في بلدنا من أحداث وتطورات، وفيما يلي نص الحوار:
الشيخ محمود عكام لــ تحت المجهر ما يجري في سوريا هو فرصة لاغتنام الثورات وتهييج الشعب دينياً وطائفياً لينقلب على النظام تحت شعار "الحرية"
موقع تحت المجهر: صاحب الفكر الإصلاحي الدكتور محمود عكام المنادي بتصحيح المفاهيم المستهلكة، فقد أوضح الفرق بين الإرهاب وبين الجهاد بين الثورة والاستغلال للمقدسات الدينية.
لقد اقترنت المظاهرات بالمساجد، هل يدل هذا على حراك إسلامي (التركيز على يوم الجمعة وإطلاق عليه التسميات المختلفة).
د. عكام: لا شك في أن الحِراك ليس إسلامياً فحسب، بل هو متنوع تنوع الشعب وأطيافه، غير أن الإسلام فيه مُستَغلّ لما للإسلام من تأثير قوي على النفوس، وأعني بالإسلام الدين، فلا زالت مجتمعاتنا مجتمعات دينية، تنطلق من الدين وتقدسه حتى ولو لم تكن تطبقه، والمهم أنها تريد متكأً تقابل به ما يتكئ عليه الغرب من لا دينية أو علمانية...
موقع تحت المجهر: الأحداث في سورية !! هل تشبه ما حدث في تونس ومصر ؟ وماذا يمكن أن نوصف الأحداث في سوريا ؟
د. عكام: ما أظن أن الأحداث في سورية تشبه تلك التي حدثت في تونس أو في مصر، ذلك لأن تونس معروفة منذ زمن غير قليل وغير قصير بموقفها تجاه القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ما تمارسه السلطات التونسية في عهد زين العابدين وفي العهد الذي سبقه من ضغوطات على المتديّنين ومظاهر التدين، أما مصر: فموقفها مع إسرائيل هو أودى بنظامها وذهب به، وما عدا ذلك فليس ثمة أي مبرر لثورة في مصر باستثناء الفقر والبطالة التي نتساوى فيهما مع سائر الدول العربية بشكل عام، أما سورية فالأمر مختلف، فسورية دولة مقاومة وممانعة من حيث العلاقة مع إسرائيل، وأما من حيث "الدين" فهناك بعض الضغوطات على "المتدينين" هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فثمة شعور بالظلم ينتاب كثيراً من الشباب جرّاء ما أحدثته المادة الثامنة من إعطاء البعثيين الأولوية المطلقة في إدارة المناصب الهامة والعالية، ويضاف إلى ذلك بعض الآثار السلبية التي تنتجها الطائفية الجغرافية في سوريا لدى المتعصبين والمتزمتين.
وقد استغلت هذه الأمور البسيطة من قبل الغرب لتجعل من سورية رقماً تالياً في الثورات التي حدثت في البلاد العربية، فالغرب غير راضٍ عن موقف سورية الصامد، وغير راضٍ أيضاً عن دولة تتعاون وتتضامن مع حزب الله وجمهورية إيران الإسلامية، فهيا إذاً لاغتنام فرص الثورات وتهييج الشعب دينياً وطائفياً لينقلب على النظام تحت شعار "الحرية" وما شابه.
موقع تحت المجهر: انتقد البعض الفتوى الصادرة عن الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بتحريم الخروج بمظاهرات، فما رأيكم ؟
د. عكام: الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رجل علم بامتياز، وهو إذ يفتي في مثل هذا الأمر فإنما يمارس حقه الطبيعي في الاجتهاد، وعلينا أن نحترم اجتهاده وفتواه حتى وإن كان بعضنا يخالفه: لأن القضية "التظاهر" في أحسن أحوالها قضية خلافية، فما ثمة ضير أن يراها الدكتور الشيخ البوطي حراماً ويراها سواه جائزة وحلالاً ما دام هذا وذاك يتمتعان بصفة العالم المؤهل للفتوى، وأنا أشهد للدكتور البوطي كفاءته في ذلك.
موقع تحت المجهر: ما دور علماء الدين في هذه المرحلة وخاصة أن المظاهرات تخرج من المساجد ؟
د. عكام: نحن نسعى من أجل تبيان دورنا ومهمتنا، وقد قلت وها أنذا أؤكد على أننا رجال العلم الديني، تلك الأمة التي قال عنها ربنا: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) إذاً نحن ندعو إلى الخير ونأمر كل الناس بالمعروف وننهاهم عن المنكر، نأمر الدولة بالمعروف، وأهم معروف بالنسبة لها هو العدل والرفق والرحمة، وننهاها عن المنكر وأفظع منكر بالنسبة لها هو الظلم والقسوة والغلظة والشدة. وكذلك نأمر الشعب بالمعروف وأهم معروف نأمره هو الأمانة والوفاء، وأهم منكر ننهاه عنه هو الغدر والخيانة.
موقع تحت المجهر: لنوضح مفهوم الجهاد وضد من يمارس، وهل يجوز أن تُقتل نفس من أجل موقف سياسي ؟
د. عكام: الجهاد يا أخي باختصار هو قتال دولة مؤمنة دولة كافرة معتدية، وما عدا ذلك فلا يسمى جهاداً، وبناء عليه لا جهاد في وطن واحد بين مواطنين ينتمون لنفس الوطن، ولا جهاد بين دولة وشعب، وإيانا وإراقة الدماء، فيا أيها الذين يريقون الدماء - إِنْ من هؤلاء أو من أولئك - اتقوا الله، فقتل نفسٍ بغير حق أعظم عند الله من زوال الدنيا كلها، ومن أعان على دم امرئ بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
موقع تحت المجهر: لقد دعت أمريكا علناً الدول الإسلامية أن تأخذ موقفاً معادي لسوريا، هل لديكم نيه للتوجه لهذه الدول أو الدول الإسلامية بشكل عام لتوضيح الصورة الحقيقية لما يجري بسوريا ؟
د. عكام: ما أظن أن هؤلاء الذين دعتهم أمريكا لاتخاذ موقف معادٍ لسوريا لا يعرفون سوريا ولا يعرفون أمريكا، ولكن طبيعة العلاقة بين هذه الدول وبين أمريكا تستوجب منها - أي من هذه الدول - أن تقول سمعاً وطاعة، ولعلنا هنا نتحدث عما تريده أمريكا من سورية إذ تريد منها ما أرادته من تلك الدول، وهذا يعني أن تقول سورية لأمريكا سمعاً وطاعة دون تفكير، بَيْد أن سورية لم تكن كذلك ولن تكون كذلك، وأنا على يقين لو أن سورية قطعت علاقتها بالمقاومة في فلسطين وبالمقاومة في لبنان، وبإيران، لدافعت أمريكا عنها ضد شعبها ولشجَّعت الحكومة السورية على قمع المتظاهرين تحت ستار قمع "القاعدة" أو ما سواها. فاتقوا الله يا ناس.
موقع تحت المجهر: كيف من الممكن أن تستفيد من طاقات الشباب المتظاهر وتحويلها إلى قوة تخدم الوطن واستقراره ؟
د. عكام: وهل ثمة سوى هذه الطاقات ليستفاد منها ؟! نعم نستفيد منها عندما نُعنى بها تربية ورعاية واستيعاباً، نستفيد منها عندما نمنحها حقها بل حقوقها في العمل والتعبير والرأي والحكم، نستفيد منها عندما نؤكد لها على أنها شريكة في الإدارة وليست أجيرة، نعم لدينا طاقات عظيمة ولكننا بحاجة إلى العناية بها واحترامها وتقديرها...
موقع تحت المجهر: المعروف عنكم إنكم من أصحاب الفكر الذي يدعو للإصلاح والتجديد، فما رأيكم بحزمة الإصلاحات التي صدرت عن الحكومة وهل هي كافية لتلبية احتياجات من ينادي بالإصلاح والحرية ؟
د. عكام: خلاصة الإصلاح هو تحويل القيم والفضائل إلى مؤسسات، الإصلاح - يا سائلي - أن تغدو الدولة دولة مؤسسات، لكبيرها ما لصغيرها من حقوق، وعلى صغيرها ما على كبيرها من واجبات ، وأهم ملامح الإصلاح مظالم تزال وترفع، وكفاءات تعتبر وتقدر وحرية تمارس، ومساواة أمام العدالة، ومقصرون يحاسبون، ومجرمون يعاقبون و...
موقع تحت المجهر: من الناحية الدينية ماذا يعني مفهوم الحرية ؟
د. عكام: الحرية - يا أخي - منظومة متكاملة قِوامها أربعة أمور: الوضوح، والحوار، والمعرفة، والمسؤولية، فمن رعى هذه وصانها وحفظها فهو حر، ومن انتهكها وتركها فليس بحر، حتى ولو ادّعى الحرية، الحرية سلوك نظيف وقول سديد وشعور بالمسؤولية وعلاقة واعية مع الجميع، الحرية ضمان دم ومال وعرض، الحرية أمانه ووفاء.
أجرى اللقاء: طارق خللو
التعليقات