آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
المسجد: مركز إيمان ومنبع أمان 1/2

المسجد: مركز إيمان ومنبع أمان 1/2

تاريخ الإضافة: 2012/02/21 | عدد المشاهدات: 3205

نشرت جريدة "بلدنا" الصادرة في دمشق بتاريخ الثلاثاء 21 شباط 2012 وضمن صفحة (رأي) مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان: "المسجد: مركز إيمان ومنبع أمان 1/2"، وفيما يلي نص المقال:

المسجد: مركز إيمان ومنبع أمان 1/2

أولاً- تمهيد:

أ- الأمان ضرورة إنسانية:

إذا كان حق الإنسان الأول هو "الحياة" فإن الأمان هو اللازم الكامل الذي لا ينفك عن هذا الحق... فإن غاب الأمان أو أفل أو أصابه نقص أو شلل فإن الحياة آنئذٍ "لا حياة"، وحدِّث حينها أيضاً عن مفاجآت هي في قسوتها وشدتها تفوق الذي يخافه المرء ويخشاه والمسمى عنده  "الممات".

وهيهات - في غياب الأمان - أن يعيَ الإنسان إنسانيته أو أن يقوم بالواجبات، ولهذا أمر الله قريشاً بعبادة ربّ البيت وكلفهم بذلك بعد أن ضمن لهم أماناً في أمنين: أمن اجتماعي وأمن اقتصادي، قال تعالى: ﴿لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ قريش: ١ – ٤.

ب- الأمان أسُّ الحضارة:

فلا حضارة من غير أمان، وإذا كانت الحضارة في إطارها العام إنتاجاً نافعاً في مختلف الميادين المادية والمعنوية فإن هذا الإنتاج لن يُستنبت البتة في أرضٍ مُلئت خوفاً وقلقاً واضطراباً.

فلا تقدّم إلا في الاستقرار، ولا حضارة إلا للمجتمع الذي حقق على أرضه وفي فضائه وبين جنباته الأمان لكل مَنْ فيه وما فيه من إنسانٍ وغير إنسان.

ج- لا إيمان من غير أمان:

مَنْ آمن بالمطلق استقر داخله واطمأنّ، واستقام لسانه وقوي، وإذا لم تظهر هاتيك الآثار على مَنْ ادَّعى الإيمان فإيمانه لم يزل في رحاب دعوى تنقصها البينة والبرهان.

فإذا استقر الداخل واطمأن، وقوي الجنان واستقام اللسان فحدّث - آنئذٍ - عن  سريان أمان من ذا المؤمن إلى مَنْ عداه ومَنْ سواه ومَنْ جاوره وحتى مَنْ جافاه.

وإذا لم يكن الإيمان صانعاً للأمان والطمأنينة والاستقرار لدى من آمن ولدى أولئك الذين يحفون به ويعيشون معه ويحتمون به، فأحرِ به أي - بهذا الإيمان - أن يكون زيفاً وصورة هزيلة أضاعت حقيقتها المتينة، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: (والمؤمن مَنْ أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) سنن النسائي 6/530.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والله لا يُؤْمِنُ، والله لا يُؤْمِنُ، والله لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال: الذي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه) صحيح البخاري 5/2240.

ثانياً- الموضوع:

1- المسجد مركز الإيمان:

المسجد دار عبادة، والعبادة وصال مع الخالق الرحمن الرحيم العظيم، وهذا الوصال هو الذي ينتج الطمأنينة والاستقرار والقوة والاستقامة.

ولئن قال مَنْ قال: بأن الإيمان لا يختص بمكان مادي بل حيث حلَّ المؤمن كان ذيّاك المحل مركزاً للإيمان ومحضناً له.

فإنا مجيبون: هذا صحيح، بيدَ أنَّ المسجد بيتُ الله، وقد اختصّه الله ليكون ذا وظيفة أساسية وهي: إعلان وتجديد عهد الإيمان مع الله جلَّ جلاله من خلال الصلاة التي هي الصلة والوصال، وسائر العبادات المؤداة.

وكأني بالمسجد مع الإيمان المنشود كزجاجة المصباح تحيط به تكثّفه ثم تنشره في سائر الأرجاء.

2- المسجد - إذاً - مصدر أمان المجتمع وإلا فهو مسجد "الضرار":

أ- المسجد: أسُّ المجتمع ونواته:

فقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بناء المسجد أولاً إذ دخل المدينة المنورة مهاجراً إليها من مكة المكرّمة، فأسَّسه وجهّزه وسنَّ بذلك ضرورة محورة المجتمع حول مسجد جامع، يُصلى فيه لله، ويتوجه من خلاله للمّ شمل أفراد المجتمع على العمل الصالح الذي يعني بناء الإنسان وفق معايير العدل والأمن والحرية والعلم والفضيلة؛ ويسعى عبر التعاليم التي تُلقى فيه إلى عمارة الأوطان على أساس من علم ومعرفة وفق خطّي: المادة بتجلياتها الصناعية والزراعية. والقيم بمحدِّداتها الاجتماعية والتربوية والأخلاقية.

وما لم يقم المسجد بهذا الدور الأساس فهو مسجد "الضرار" والضرر، أي إذا كان المسجد سيغدو محضناً لشكليات العبادة فقط دون حقيقتها، وإذا كان المسجد سيجافي مهمة الجمع بين مَنْ هم حول المسجد على البر والتقوى والألفة والمودة، وربما أسهم في التفريق والتشتيت بين هؤلاء فأطلِقْ عليه - آننئذٍ - وبلا تردد: مسجد أُسس على الضلال والضياع، فأحرِ به أن يخرّب ويُهدَّم. قال تعالى: ﴿لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾ التوبة: ١٠٨. يتطهر هؤلاء من الغلِّ والبغضاء، وسائر أمراض القلب والعقل والروح، والله يحب المطّهرين السليمة قلوبهم الزكية عقولهم، الحريصين على أن يكونوا آلفين مألوفين ولا خيرَ فيمن لا يألف ولا يؤلف.

ب- المسجد: مستودع أمان ومصدر اطمئنان:

قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ الرعد: ٢٨.

والمسجد هو المكان الذي يُذكر فيه الله أكثر من أي مكان سواه، وبناءً على ذلك: فهو الذي يضمّ مطمئنين يشعّون أماناً ويختزنون من الاطمئنان ما ينشرونه للناس وعلى الناس حين إليهم يُصدرون.

قال تعالى: ﴿أولم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ القصص: ٥٧.

وقال تعالى: ﴿أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا ويخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمون وبنعمة الله هم يكفرون﴾ العنكبوت: ٦٧. 

وقال تعالى: ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً﴾ آل عمران: ٩٦ – ٩٧.

وقال تعالى: ﴿وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام﴾ إبراهيم: ٣٥. أي اجعل أمن المسجد ينتشر في البلد ليغدو البلد آمناً كما المسجد.

ولعلَّ صفة وسمة الأمن والأمان هي أهم صفات المسجد الحرام الذي هو القدوة لسائر مساجد الأرض، فلتكن - إذاً - آمنة مؤمّنة وليكن روّادها آمنين مؤمِّنين.

وإلا فالمسجد وروَّاده عادلون عن الصراط المستقيم إلى طريق تودي إلى ضياع وخراب ما دام هذا الذي يرتاد ويعتاد المسجد سيكون عامل إرعاب وإرهاب لهؤلاء الذين يقفون معه في نفس المسجد ولأولئك الذين يلقاهم خارج المسجد، وفي مداراته المتنوعة المتعددة: من سوق ومدرسة وجامعة ودائرة و....، يظنونه خيّراً لأنه خرج لتوه من مصنع الأمان والإيمان، ويفاجئهم بطويّة شر ذات لبوس من رعب وخوف واضطراب، فما باله وقد سمع ما سمع من دعوة الله عباده إلى الأمان ودعوة رسوله إلى الألفة والتآلف فعدل إلى الضّد، فكان لعّاناً وطعّاناً ومخوّفاً ومُرعباً وربما مكفِّراً ومهدِّداً بالقتل والإبادة، فهل هذا من رسالة المسجد في شيء يا أيها العقلاء ؟! وهل هذا من رسالة الإسلام الرحموية في شيء يا أيها المسلمون المؤمنون ؟!

بقلم

الدكتور محمود عكام

مفتي حلب- مفكر إسلامي

التعليقات

شاركنا بتعليق