أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المسلمون:
حما الله الأوطان ورحم الشهداء.
أيها الإخوة:
في الأسبوع الفائت تحدثنا عن معاني ومغازي شعائر فريضة الحج، وأعتقد أن جلَّ الحجاج في هذه الأيام ذهبوا إلى المدينة المنورة لزيارة السيد السند الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكما طالبنا أنفسنا في أن نعايش ما يعايش الحجاج، فلنعايش الزيارة التي يقوم بها الحجاج في المدينة المنورة لهذا المكان الطاهر لحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هي طيبةٌ حوت النبي الطيب فسمَت وكانت قبلُ تسمى يثرب
شرفت به تلك الوهاد مع الربى وكذاك من صَحِبَ الأكارم يُكرم
بحياته صلوا عليه وسلموا
يا رب إني في جوارك لائذ وبحصن عفوك من عذابك عائذ
ولديك جاه المصطفى هو نافذ فله التجأت فلن أُرى محروماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
أيها الزائر هذا النبي العظيم: أريدك وأنت تزور أن تستشعر أنك أمام أعظم الناس، أمام أكثر الناس خُلقاً أمام الذي جاء للناس هداية وهادياً، أمام من كان الرحمة ذاتها، استشعر أنك أمام الإنسان الأول في عالم الإنسان، أمام الإنسان الأعظم في عالم الناس، استشعر أنك أمام من قال عن نفسه كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم، أمامَ من قال عن نفسه: (أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي يوم القيامة، وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر، وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي) استشعر أنك أمام من قال الله عنه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، استشعر أنك أمام من قال عن نفسه كما في الترمذي: (أنا أول من يحرّك حلق الجنة بيده) أنت أمام عظيم، أنت أمام كريم، أنت أمام إنسان، كما قال شاعرنا:
محمدٌ بشرٌ وليس كالبشر بل هو ياقوتة والناس كالحجر
استشعر بعدها أنك في مكان عظيم طاهر مطهَّر، أوليس هذا النبي الكريم يقول عن المكان كما جاء في البخاري ومسلم: (صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام).
ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم عن هذه البقعة التي ستكون فيها أنت أيها الزائر بجسمك وقلبك وستكون فيها أيها الإنسان الذي تمكث هنا بروحك وقلبك: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ؟ إن كنت في الروضة هناك فأنت في الجنة فعلاً، وهل يقول النبي غير الحق ؟ (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) قلت في يوم من الأيام وأنا في الروضة الشريفة: "حاشاك ربي أن تدخلني بعض جنتك في الدنيا وأن تحرمني بعدها جنة الآخرة". فطوبى لك إن دخلت الروضة دخلت الجنة وحاشا لربنا أن يخرجك منها، وطوبى لمن دخل الروضة أيضاً بقلبه إن لم يستطع الدخول بجسده، بإمكانك أن تدخل الروضة وأنت هنا لأن الإنسان إنما يكون حيث يكون قلبه، أنت حيث قلبك، ولذلك نشتكي اليوم أن قلوبنا ليست في مساجدنا ونحن في المساجد، نشتكي اليوم بأن قلوبنا ليست في الصلاة وأجسامنا في الصلاة، فليكن قلبك حيث يريد ربك أن يكون، وربك لا يريد لقلبك إلا أن يكون حيث ينفعك وحيث يرضي ربك وما شيء يرضي الله إلا وينفعك.
يا أيها المسلم استشعر عظمة من وقفت أمامه واستشعر طهارة المكان الذي أنت فيه، وتابع وتذكر أمرين اثنين لطالما قلتهما لك، تذكر واجبك نحو هذا المَزور. ما واجبك نحو هذا الذي تزور، نحو محمد بن عبد الله بعد الاستشعار عليك أن تتذكر، تذكر واجبك نحوه، والواجب نحوه عليك ثلاثة أمور ذكرتها كثيراً، لكنني أقررها اليوم وأؤكد على تقريرها فأقول: واجبك نحوه أن تتعرف عليه، اقرأ سيرته، اقرأ حياته، التعرف عليه واجبٌ عليك: ﴿أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون﴾ وهل تقضي وقتاً في التعرف عليه أم أنك في غيبوبة عن هذا ؟ من منكم يعطي للتعرف على النبي معشار ما يعطي للتعرف على ما يجري من أحداث في عالمنا ما يهمه وما لا يهمه وأنت تأخذ من منابع كاذبة. سألت أكثر من إنسان عن الوقت الذي يقضيه أمام التلفاز فكانت المدة الأقل أكثر من ساعة في اليوم، وسألت هذا الشخص نفسه كم تقضي من الوقت للتعرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قارئاً هذه السيرة ربما كان الوقت الذي يقضيه للتعرف على النبي ساعة في السنة في أحسن أحواله وبعد ذلك تقول بملء فيك في صلاتك: السلام عليك أيها النبي، تسلم على من لا تعرف، أولست تقول في تحياتك: السلام عليك أيها النبي فهل تعرف هذا الذي تسلم عليه وهو أمامك ؟ تسلم عليه بصيغة الخطاب المباشر أيها النبي وكأنه أمامك، لا تقول في صلاتك السلام على النبي وإنما تقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فهل تتعرف وتعرف هذا الذي تسلم عليه بكاف الخطاب. تذكر واجبك نحوه وأول الواجبات أن تتعرف.
وثاني الواجبات أن تُحب، هل تحب رسول الله ؟ ما لي أراك تدَّعي حب النبي ثم إن قلت لك إن النبي لا يريد منك هذا فتُصِرُّ على أن تفعل ما لا يريد النبي، هل الحب أن تقول إني أحب ؟ الحب حال تظهر على الجوارح، الحب وجدان يجتاحك يجتاح قلبك، كان بعض الصحابة ولا تسألوني كيف فخبراء النفس يعرفون هذا، كان بعض الصحابة إذا نظر في المرآة لم ير نفسه وإنما يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فإن تكلمت لم أنطق بغيركم وإن سكتُّ فشغلي عنكمُ بكمُ
أنتم حديثي وشغلي، المحب هو الذي لا يفكر بقلبه إلا بمحبوبه، ليس الحب ادعاء، هل كل من يقول إني أحببت فهو محب ؟ هل كل من يدعي العشق عاشق ؟ لا، يا إخوتي، هذا هو الواجب الثاني الحب.
الواجب الثالث: نتيجة حتمية للواجبين السابقين، الاتباع: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) أن تتبع النبي هذا واجبٌ عليك، أولست تعتقد بأن اتباعه يجعلك سعيداً في الدنيا وفالحاً في الآخرة، من فمك أدينك، أنا لا أكلم من لا يقول عن نفسه هذا، أنا أكلمك أنت من خلال ما تكلمت به ومن خلال ما أعلنت، أين اتباعك للنبي في بيعك وشرائك، في تجارتك، في تلمذتك، في خطبتك، في درسك، في طبك، في قضائك، أين اتباعك للنبي والله قد قال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾، بعد الاستشعار تذكر، تذكر واجبك، والتذكر أن تتذكر واجبك نحوه، وأن تتذكر أيضاً حقك عليه، لأنه ربما قال لي قائل: تذكرت واجبي فما واجب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نحوي ؟ على الرسول واجبات نحونا، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بهذه الواجبات خير قيام، أما واجبات النبي نحونا فتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، بلَّغ الرسالة القولية وأدَّى الأمانة العملية، وشهد على ذلك الأنبياء السابقون والصحابة الحاضرون، يوم وقف في حجة الوداع في مثل هذه الأيام أمام مئة ألف على الأقل وقال لهم: (ألا هل بلّغت ؟ قالوا: بلى يا سول الله ؟ فقال: اللهم فاشهد). بلغت الرسالة القولية وأدَّيت الأمانة العملية، كان خُلقه القرآن، ونصح الأمة، قام بواجبه خير قيام، ووعد بإتمام الواجب، ووعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق، والواجب الثاني على النبي بعد تبليغ الرسالة وأداء الأمانة: الشفاعة، وسيشفع، ولقد قال أحاديث كثيرة أذكر منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (خُيّرتُ بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة) أترونها للطائعين، لا إنها للخطائين المذنبين الذين يحبون النبي حباً صادقاً والذين لا يريدون أن ينحازوا عن خطه وسيرته ومساره. وهذا الحديث ذكره البيهقي. والحديث الثاني الذي أذكره رواه مسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة دعاها لقومه في حياته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً) سيشفع لنا ولكن أتريدون أن تتذكروا واجباته نحونا وأن تنسوا واجباتكم نحوه، ما هكذا تورد يا سعد الإبل، تذكروا واجباتكم وأنكم يجب أن تقوموا بها وتذكر واجباته وأنه قام بها صلى الله عليه وآله وسلم، استشعار وتذكر.
في النهاية أيها الزائر أريدك منك أمراً وأريده منكم أنتم، أريد منكم معاهدة، أيها الزائر عاهد النبي وبايعه، عاهده على أن يكون لك أسوة لا شرقية ولا غربية، ولكن محمدية ونبوية، عاهده على أن يكون لك قدوة، عاهده على أن تسير على سنته، عاهده على أن تصلي عليه، لماذا يا شباب وأخاطب المثقفين بشكل خاص لأن المثقفين ربما نظروا إلى أولئك الذين يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنهم أشبه ما يكون بحال الجذب أو بحال الدروشة، أنت مثقف هل تصلي على النبي ؟ والصلاة على النبي تعني استنهاضاً من أجل أن تسير على سنته على سيرته، هل لك وِرد ؟ وقد ذكرت على هذا المنبر أحاديث تصبُّ في مصب ضرورة الصلاة عليه من أجلك أنت فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، ومن أحبَّ شخصاً أكثر من ذكره، والصلاة على النبي برهان محبة، أنا أحب النبي فها أنا ذا أذكره بالصلاة عليه، أتريدون أن يفرّج عنكم ؟ أكثروا من الصلاة عليه، أتريدون أن يكون لسانكم يحمل القوة والجرأة بالحق ؟ أكثروا من الصلاة على النبي، أين وِردك أيها الشاب وخاصة المثقف هل تصلي على النبي بالله عليك أم أنك بشعارات تحفظها إن كانت هنا أو هناك أنت تفكر بشعارات أكثر من أن تفكر بالصلاة على النبي فبئسما تفعل، خذها مني، عليك أن تصلي على النبي ليلاً نهاراً ولم لا ؟ وهل هناك شخص أجدر بالذكر على لسانك ؟ قل في مكتبك، قل في عيادتك، قل في ثكنتك، قل أيها الضابط، قل أيها الجندي، قل أيها الحاكم، أيها الوزير، أيها المدير، أيها التاجر، قل حيث كنت: اللهم صل على محمد وآل محمد، لم لا تقول وأنت تقول بلسانك بأن محمداً أعظم الشخصيات التي تعرفت عليها وتؤمن به رسولاً نبياً أرسله الله رحمة وهادياً وبشيراً، عاهد أيها الزائر، وعاهدوا أنتم النبي على أن تسيروا خلفه وأن تتذكروا واجباتكم نحوه وأن تعايشوه وأن تتبعوه و: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾. عهداً إليك يا سيدي يا رسول الله يا أيها المزور الأعظم، أن نكون الأوفياء لك وحدك رغم أنف كل من لا يريد ذلك، عهداً يا سيدي يا رسول الله أن نمشي خلفك رضي الناس هنا وهناك أم لم يرضوا، عهداً يا رسول الله أن نحبك وأن نسأل الله عز وجل أن نموت ونحيا على محبتك، وورب الكعبة ما خاب عبدٌ صلى على محمد وآل محمد، ما خاب قلبٌ، ما خاب لسان، وما خاب عقل، ولا خاب فكر تمتع بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا محمد أنت حجتنا وأنت رسولنا وأنت هادينا وأنت بشيرنا، عليك الصلاة والسلام، يا محمد إني توسلت بك إلى ربي في حاجاتنا لتقضى اللهم فشفعه فينا بجاهه عندك، وحاجاتنا يا رب كثيرة، شبابنا ضائع، مثقفونا تائهون، مربونا لم يسلكوا الطريق السليم في التربية، أشياء كثيرة حاجات كثيرة، غلت الأسعار، كثر الاحتكار من الدولة والتجار، نسألك يا رب بسرِّ هذا النبي الكريم، بسرِّ هذا السيد السند العظيم أن تقضي حاجاتنا بما يرضيك عنا يا ربنا يا إلهنا يا رجانا، نعترف بأننا في نعمة كبرى، ولكننا لا نرعى هذه النعمة يا رب، باعترافنا بتقصيرنا وباعترافنا بأن نبينا أعظم الناس وبأن نبينا أفضل الناس، أجب دعوتنا، وأعطِنا سؤلنا، وامنحنا فضلاً لا نحتاج معه إلى فضل من ذي فضل سواك يا رب العباد، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ 11/11/2011
التعليقات