آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
المسجد: مركز إعلامي إنساني نبيل2/2

المسجد: مركز إعلامي إنساني نبيل2/2

تاريخ الإضافة: 2012/02/22 | عدد المشاهدات: 3145

نشرت جريدة "بلدنا" الصادرة في دمشق بتاريخ الأربعاء 22 شباط 2012 وضمن صفحة (رأي) مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان: "المسجد: مركز مركز إعلامي إنساني نبيل 2/2"، وفيما يلي نص المقال:

المسجد: مركز إعلامي إنساني نبيل2/2

 

3- المسجد: مركز إعلامي إنساني نبيل:

نعم، لقد غدا للإعلام - في عصرنا - دوره الفعّال وتأثيره الأكيد، وأضحت وسائله متعددة، وتجلياته متنوعة: فمن صحيفة إلى قناة إلى موقع إلى...، وكلها اتخذت في مساحة الاهتمام والتعاطي الجادّ أمكنة مرموقة، إلا أن المسجد - وسائر أمكنة العبادة - يبقى المنبر الإعلامي الأسبق، والوسيلة الإعلامية الأصدق لأنه يتصف بالصدقية والمسؤولية. أما الصدقية: فلأنه يتكلم باسم الله الصدوق الرحمن الرحيم. وأما المسؤولية: فلأن من يتكلم فيه سيُسأل من قبل ربه يوم يقف بين يديه ومن قبل الأجيال الراهنة واللاحقة عن كل كلمة ماذا أراد بها، وهل تحقق منها وتوثّق ؟ وعن غايته القابعة وراءها، وهل كانت غايتة خيّرة تصبُّ في مصبِّ خدمة الإنسان وإرضاء الديّان وبناء البلدان والأوطان، أم كانت لدنيا يصيبها أو فتنة يُشعلها ويوقدها ؟!.

قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يخطب خطبة إلا الله عز و جل سائله عنها ما أراد بها) البيهقي في شعب الإيمان 2/287. 

وإذ نفصّل في هذه القضية فإننا نؤكد على ضرورة الغاية النبيلة للإعلام المسجدي، والغاية النبيلة تعني: تحقيق الأمن والأمان بين الناس عبر دعوتهم إلى الإيمان، وتعني أيضاً: حث الناس على زيادة المشتركات الإيجابية بينهم من معتقدات وسلوكات، حتى يُفضي هذا إلى التعاون على البر والتقوى وما يفيد الإنسان في وجوده كله مبنىً ومعنىً، كما تعني - ثالثاً - احترام كل الآخرين من الناس، وبغضِّ النظر عن لونهم ومعتقدهم وجنسهم ولغتهم وعرقهم ما لم يكونوا ظالمين مجاهرين معتدين، وحينها يُردعون حتى يؤوبوا ويفيئوا؛ فإن اقتصر الأمر بين الناس على الاختلاف دون الاعتداء، فالسبيل مع المختلفين - حينئذٍ - الحوار  الواعي البنّاء القائم على تحديد المصطلحات، ووضوح الغاية، وتساوي الأطراف من حيث الاعتبار، والإنصاف، وإلا فلن يكون الحوار الفاقد بعض هذه الأركان حواراً، وإنما هو جدالٌ عقيم، ومساجلة شرسة،يؤديان - في النهاية - إلى العنف المرفوض، وما هكذا تورد يا سعد الإبل...

وأخيراً:

هو نداء في طياته استغاثة نوجهه للقائمين على المساجد والمعابد، راجين منهم وآملين أن يعيدوا لهذه الأماكن المقدّسة دورها الإعلامي الإيجابي، وبعدَها الإرشادي نحو الاعتدال والتسامح والمحبة والتعاون والتآزر والتضامن.

وها أنذا أختم هذه المداخلة بما كنت قد قلته في مستهل فصل "المساجد" من كتابي "سبيل المعروف" يُلخص رؤيتي للمسجد ومهامه ودوره وطبيعته:

المسجد: إنَّه المكان الذي يُلخِّص موقف المسلم مع ربه، وما السجود الذي اشتق منه "المسجد" إلا تعبيرٌ عن حالٍ منشودة للإنسان مع خالقه، والحالُ هذه تكليفٌ أولٌ كُلِّف به العاقل، فقد قال تعالى للملائكة: ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ الحجر: ٢٩. والسجود هنا لله، وليس لآدم، وما آدم إلا ميعادٌ وميقاتٌ ومحراب.

وقال تعالى أيضاً: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ البقرة: ٣٤. والمعنى: اسجدوا إذ يَتكوّن آدم، ويتحقق وجوداه: المادي بالتسوية، والمعنوي بنفخ روحٍ من الله فيه.

ونعود للمسجد لنحكي حكاية الراحة والاطمئنان، واللقاء الماتع المريح، حكاية الموقف الثابتِ للعبد تجاه خالقه، حكاية الإشعاع والعطاء، حكاية الأمان والهوى، حكاية الانطلاقة الخيِّرة المخلصة، حكاية التأليف والجمع بين الناس من أجل خيرهم وسعادتهم وبرِّهم.

فو الذي برأ النسَمة، إنه - أي المسجد - في أصله كذلك، ولكن ما ذنبه إن أخذَ الناس اليوم بدفَّته ليحوِّلوها غير التي حكيناها.

يا إخوتي:

المسجد مركز دائرة المجتمع، وقطبُ رحاه، ومحور دورته، وله رسالةٌ هي العلم والإيمان والمحبة والتعاون والوفاء، فلا تقصِّروا في وعيها والتحقق بها والدعوة إليها، وانشروها وبلِّغوها وقدِّموا عبر الواقع تطبيقاً لكل آداب الإسلام فيه، أي في المسجد.

هو للصلاة فعلاً، ولكنه ليس لها حصراً، بل هو لكل شيء تقرؤه باسم الله، وتستعين بتنفيذه بقدرة الله.

هو بيت الله الكريم الجواد، ليستقبلَ الرحمن فيه ضيوفه، وهو مأوى الملائكة، يرفعون منه تقاريرهم لله.

أُمرنا ببنائه خلافةً عن الله، وطُلبت منا عمارتُه تكليفاً من الله، والبناء والعمارة أمران متَّفقان مختلفان، فكلاهما تطويرٌ وإيجاد، لكن الأول ينصبُّ على المحسّ والملموس، والثاني يتوجَّه إلى الشعور وما استقر في ثنيات الدماغ وأسجاف القلوب، فابنوها يا قوم وعمِّروها.

وليكن أول ما نفكر به حين نبنيها ونعمرها التقوى، والله قال: ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه﴾ التوبة: ١٠٨.

بقلم

الدكتور محمود عكام

مفتي حلب- مفكر إسلامي

التعليقات

شاركنا بتعليق