آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


محـــــــاضرات

   
التجديد مفهوماً إسلامياً/ الدورة التدريبية لمدرسي التربية الإسلامية

التجديد مفهوماً إسلامياً/ الدورة التدريبية لمدرسي التربية الإسلامية

تاريخ الإضافة: 2015/03/14 | عدد المشاهدات: 2847
حول فقه الأزمة ومشروع فضيلة والطرائق الحديثة في تدريس المناهج المطورة لمادة التربية الدينية الإسلامية تقيم مديرية التربية في حلب بالتنسيق مع مديرية الأوقاف الدورة التدريبية لمدرسي التربية الدينية الإسلامية وإدارات مدارس التعليم الشرعي في حلب ولمدة ثلاثة أيام. وقد استكملت الدورة التدريبة يومها الثاني بتاريخ السبت 14/3/2015 بمحاضرة للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان (التجديد مفهوماً إسلامياً) فيما يلي نصها: التجديد مفهوماً إسلامياً 1- التجديد مفهوماً إسلامياً، التأصيل والمجال: نستهل بحثنا باستعراض رواياتِ الحديث الشريف محضِن مصطلح التجديد، إذ لولا هذا الحديث الشريف لكان لنا موقف آخر مع المصطلح موضوع البحث، ولولا الحديث الشريف أيضاً لانتفت الإسلامية عن ذيّاك المفهوم. والروايات هي: 1- روى أبو داود في كتاب الملاحم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدِّد لها دينها). 2- روى الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدِّد لها دينها). 3- روى الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها). 4- روى الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها). 5- أخرج ابن ماجه في سننه أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله تعالى يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدّد لهذه الأمة أمر دينها). ولعلَّ كلمة (أمر) مضافة إلى الدين في الرواية الأخيرة تساعدنا على توضيح وبيان (الدّين) المراد تجديده (1). فكلمة (الأمر) تعني التشريع، وهو ما أريد من نفس الكلمة في قول الله عز وجل: (ألا له الخلق والأمر) الأعراف: ٥٤، أي له وحدَه الخلق والتشريع، فمن خلق هو الأجدر بأن يُشرِّع لأنه أعلم بما خلق وبمن خلق: (ألا له الخلق والأمر) الأعراف: ٥٤. وكذلك في قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء) آل عمران: ١٢٨. أي ليس لك ولا إليك التشريع وإصدار الأحكام، فأنت مبلِّغ أمين وناقل وَفيّ: (ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) الحاقة: ٤٤ - ٤٦. وبناءً على ما سبق: فالمجدَّد هو التشريع في مقابل العقيدة التي لا تتحمل تجديداً ومعها الأخلاق التي لا يتحدث عن تجديد فيها أيضاً. فكلا العقيدة والأخلاق هما على ما هما عليه لا يعتريهما إرادة تطوير أو سعيٌ لتجديد ما دامت الأولى – أي العقيدة – إخباراً أو أخباراً، وما دامت الثانية قِيماً ثابتة لا تختلف من زمان إلى زمان، ولا من مكان إلى مكان. 2- التجديد والاجتهاد: إذا كان التشريع هو المجال الذي يتناوله التجديد، وهو الميدان الذي يجول فيه المجدِّد، فلنبحث عن وسيلة التجديد التي هي – في النهاية – الاجتهاد، وبهذا يكون المجدِّد هو المجتهد والمجتهد هو المجدد. فإذا أوقفنا الاجتهاد وأوصدنا بابه فقد قطعنا دابر التجديد من أن يكون مستمراً سمةً طيبة لهذا الدين الحنيف. بَيْدَ أننا نبغي توصيف موقف المجتهد المجدد مع النص التشريعي الذي لن يكون إلا أحد ثلاثة أنواع من حيث المعاني والدلالات الكامنة فيه: قطعي، ظني، معلل. فأما القطعي فهو الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً ودلالة واحدة واضحة جليّة، وقد أطلق عليه الأصوليون: قطعي الدلالة. وأما الظني فهو الذي يحمل أكثر من دلالة على أكثر من حكم، ولا يمكن حصره ألبتة بواحدة منها. وأما المعلَّل فهو النص الدال على حكم مقرون بعلة مؤثِّرة يدور معها وجوداً وعدماً (2). حين نفصل ما أجملنا نقول: النص التشريعي القطعي لا يبذل المجتهد فيه جهداً في استنباط الحكم ومعرفته، بل يجتهد في كيفية تطبيقه بما يحقق المقصد العام للشريعة وهو العدل وإزاحة الظلم. وعلى ضوء ما ذكرنا في القطعي نذكر تجديد عمر بن الخطاب المتجلي في اجتهاده وهو يسعى إلى تحقيق العدل في تطبيق النص القطعي (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله) المائدة: ٣٨، إذْ لم يقطع يدَ مَنْ سرق عام المجاعة مؤكداً أن هذا السارق لا تتناوله الآية المذكورة ولا يطاله حكمها المستنبط منها، وهو (القطع) حتى وإن تبدى لآخرين غير هذا (3). وأما النص التشريعي الظني فالمجتهد المجدِّد تجاهه يبذل الجهد لاستنباط أكثر من معنى وحكم، وهو في نفس الوقت يجتهد في تطبيق هذا الحكم أو ذاك بما يحقق المقصد العام (العدل)، ولن يكتفي المجتهد المجدد بسرد ما قد تم إنتاجه من دلالات من هذا النص إذا كان هذا الإنتاج في تطبيقه على عصر ومكان المجتهد لا يحقق العدل، بل عليه أن يجد ويسعى بما أوتي من آلية معرفية اجتهادية (4) فيستنبط الحكم (والدلالة) المحتمل الانبثاق عن النص والمناسب للزمان والمكان الراهنين. وهنا نشير إلى آلاف الأمثلة ما سلف منها واشتغل عليها السابقون، وما جدّ منها واختلف فيها وعليها اللاحقون. وثمة مساحات حياتية كاملة مع وقف التنفيذ تنتظر مجتهداً مجدداً قادراً ومقدّراً يشمر عن ساعد الإخلاص مع العمل ليلحقها – أعني المساحات الشاغرة من الحكم – بالمسموح أو بالممنوع، بَيْدَ أننا – وللأسف – عنها لاهون، وفي تعميق الفجوات بيننا ماضون، وفي السياسة الفارغة والمناصب الواهمة مشتغلون ومتفانون، وعن عقد العزم في إنتاج الفقه العملي الواقعي المؤطِّر للمستجدات من الوقائع معرضون، وقد غدونا للحكّام مبرِّرين، وجنّدنا طاقاتنا لإعلان صوابهم في كل آرائهم وتصرفاتهم حتى فيما تأكد لدينا أنهم فيها خاطئون مخطئون، وإلا فأخبروني: أين فتاواكم المطمئنة فيما عنه تُسألون حولَ: المرأة وأحوالها، والفن ومساربه، والاقتصاد وشعبه، وآمل أن لا أحتاج هنا إلى ذكر ما يثير الاشمئزاز من مواقف نتخذها وأحكام نُبرمها تتلق بالمجالات التي ذكرتها. وأما النص التشريعي المعلَّل، وقد وَضَحَت علة الحكم المؤثِّرة في إنتاجه وبانت وذلك: إما بالنص عليها، أو بالإشارة إليها، أو باستنباطها مِنْ قِبل أهل الاختصاص (5)، فالمجتهد المجدّد في هذه الحال يسعى إلى أن يثبت الحكم حيث العلة، وينفيه حيث تنتفي. ولا أدل على تجديد من هذا النوع من ذاك الاجتهاد الذي رفع حكم (الحرمة) عن التصوير والرسم هذه الأيام، بالرغم من توافر عشرين حديثاً صحيحاً تحرم ذلك، لكننا بعد الدراسة والتمحيص أيقنَّا أن حرمة التصوير مرتبطة بالتقديس المقارب للعبادة للمصوَّر، فلما انتفت العلة انتفى الحكم، وها نحن أولاء نصوِّر ونرسم من غير حرج شرعي، وستبقى الأحاديث الشريفة المحرِّمة نافذة غير معطّلة، ولكنها تطبق إذ العلة قائمة... ونؤكد هنا على ضرورة الاتصاف بأهلية الاجتهاد لمن يرفع لواء التجديد، وإلا فالتجديد ادّعاء وهراء، وخدمة للرغبة والهوى والجموح: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع ومما سبق يمكننا استخلاص توصيف التجديد الاجتهادي والاجتهاد التجديدي: ((فهو سبر النص بآلية اللغة، وفهم روح الشريعة، وتمثّل مقاصدها، ومعرفة الظروف الزمانية والمكانية التي حفَّت بالنص إذ نزل وبتلك التي تحف بالمجتهد المجدِّد وهو يمخُر عباب النص ليستخرج منه ما ينفع الناس ويحقِّقهم بدينهم المرتضى لهم)). 3- ثالثاً: وأما التجديد في البعد الفكري (6): فهو – في رأيي – إعادة المباشرة مع النص واقتحامُه كله قطعيَّة وظنيّة لتثبيت الثابت واستخراج المناسب من متعدد الدلالات بحسب ظرف المجدِّد الزماني والمكاني. فلا نريد – في النهاية – أن نقيل عقولنا بحجة أن عقل من سبقنا قد اشتغل لنا وأنتج ما يكفينا، بل علينا أن نفعِّل عقولنا لتقوم بنفس دور السابقين المجدِّدين وعلى هذا نقبل الثابت ثابتاً بعقل وفهم وننتج من النص حمَّال الأوجه ما يناسبنا زماناً ومكاناً، واللاتجديد يعني الفصل بيننا وبين نصنا بفهومٍ سابقة تحل محل النص الأصلي، فالنص الأصلي – يا ناس – نبّاع وثري، أما الفهم المُستقى منه سالفاً فليس أكثر من منتوج استهلك في الزمان والمكان اللذين أُنتج فيهما. التجديد عَكْسٌ آنيٌّ راهن للقرآن الكريم، وذلك بأن ترى القرآن في عصرك وأن ترى عصرك في القرآن(7)، وأحب أن أؤكد على أن هناك فرقاً بين مجدِّد من الأمة ومجدِّد من خارج الأمة. فالأول هو المطلوب وهو الذي ينكفئ على نص الأمة المسلمة مؤمناً به دستوراً ربانياً صالحاً. والثاني هو ذيَّاك التائه الذي لا يفرق في الاعتبار بين النص وبين ما يفرزه النص، أو بين النص وبين تفسيراته. كما أن المجدِّد المنشود هو ذاك لا يتجاوز عقله إلى نزواته وهواه إن في الآلية المعرفية الاستنباطية أو في التسليم عندما يقف أمام القطعي ليعلن بقوة (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) البقرة: ١٨٧. والمجدِّد في زمنٍ ما هو مَنْ لا يُلغي المجدِّدين السابقين، بل يتكامل معهم ليشكل في سجلِّهم وسجله الصفحة التالية، ولا نريده صفحة مكررة، كما نأبى أن يكون صفحة منفردة في السجل. ولعلَّ القاسم المشترك بين المجدِّدين جميعاً هو: النصّ والإيمان به واعتبار الظروف المتبدلة المتغيرة. وفي النهاية: سيبقى نصّنا غضّاً طرياً تُلامس مخزوناته الدلالية كل العصور وكل البقاع، فافتحوه يا مسلمون ولا تغلقوه والفيصل صحة في نسبة ما تستنبطونه من النص إلى النص ودلالاته، وإيمان بحاكمية ومرجعية هذا النص لأنه من العزيز الحميد (ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) البقرة: ١ - ٣. فاللهم اجعلنا منهم واجعلنا من الذين قال عنهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلَف عدولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى آمين. حلب المحمية: 14/3/2015 د. محمود عكام الهوامش: (1) وإذا لم نأخذ برواية (أمر دينها) واقتصرنا على روايات ((يجدد لها دينها)) قلنا الدين دينان: دين مُنزَّل ودين مُمَارَس. والذي يلحقه التجديد منهما هو الثاني أي الدين الممارس. فيبتعد عن الدِّين المنزل ويفترق عنه بفعل العادات التي تضاف إلى الممارسات على أنها دين وما هي بذلك... وتبتعد الشقة وتزداد إلى أن يأتي المجدِّد ليزيل عن الدين الممارَس ما قد أضيف إليه وهو ما ليس منه، وليزيد عليه ما قد نقص منه وهو منه، ويجعله أقرب إلى الدين المنزَّل، ويقرب مسافة الافتراق بينهما، ويجهد في جعلهما متطابقين... وهكذا يتتابع المجدِّدون على رأس كل مئة سنة فيصلحون ما أفسد الناس ويطابقون بين الممارسات وبين التنزيل، ينفون عنه أي عن الدين الممارَس: تحريف الغَالِين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وهم في عملهم موثوقون عدول. (2) والأنواع الثلاثة محكومة كلها في تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع بالمقصد العام للشريعة والدين وتحققه وهو العدل وإزاحة الظلم قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد: ٢٥. (3) هناك قاعدة أصولية تقول: لا اجتهاد في مورد النص، والمقصود بها: لا اجتهاد فيما يخص معرفة الحكم عندما يكون النص قطعياً، أما الاجتهاد في التطبيق فوارد حِيال كل أنواع النصوص. ومثالنا المذكور أعلاه يوضح رأينا. (4) الآلية: هي علوم اللغة وعلم المقاصد وعلم الرواية. وعلم الأصول وما جدَّ من علوم كاللسانيات والبنيوية وسواها. انظر كتابنا: من مقولات الفكر الإسلامي: مبحث: قواعد قراءة النص. (5) وهو ما يعرف عند الأصوليين بتنقيح المناط. (6) يمكننا أن نطلق على الفقرة الأولى: البعد النصي للتجديد. وعلى الثانية: البعد الأصولي، وها نحن أولاء نطلق على الفقرة الثالثة: البعد الفكري. لأن الفكر هو حركة العقل حول مقولات الدين ونصوصه، وما ينتج عن هذه الحركة من تصورات ومواقف. فهو الحركة والإنتاج معاً. (7) فالقرآن هو النص الأساس: وهو كالنسخة الأصلية التي لا تهمل في الصدور عنها. ولا يصار إلى الصورة لتكون مكانها ويؤخذ عنها. وإلا فسينتهي الأمر بضعف الصورة وعدم وضوحها وحينها فالاختلاف المقيت سيحل علاقة قائمة بين قارئيها ومفسريها، وهكذا.

التعليقات

شاركنا بتعليق