آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مظاهر الخَواء الروحي -2-

مظاهر الخَواء الروحي -2-

تاريخ الإضافة: 2021/08/31 | عدد المشاهدات: 897

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

قلنا في الأسبوع الفائت بأنَّ الإنسان جسم وروح، ولطالما علَّمنا أطفالنا وأولادنا أن الإنسانَ بروحه لا بجسمه، ولطالما ردَّدنا على مسامعهم جميعاً:

أقبِلْ على النَّفسِ واستكمِل فضائلها         فأنتَ بالرُّوحِ لا بالجسمِ إنسانُ

إلا أنَّنا نرى اليومَ أنَّ مُجتمعنا أضحى مجتمعَ جسم وابتعدَ عن الروح، مجتمعنا اليوم مجتمع يأنس فيه الجسد وتستوحش فيه الروح، مجتمعنا اليوم يُرفِّه الجسد، ويقدِّم للجسد ما يحتاج، بل ما يزيد عن حاجته، أما الروح فمُهمَلة ولا اعتبارَ لها، وإن كنَّا سنهتمُّ بها فالحديثُ فقط دونَ أي عمل أو حركة فعلية تجاهها، لذلك قلنا إن مجتمعنا بشكلٍ عام أصبحَ يُسمَّى بمجتمع الخَواء الروحي. قال لي سائلي وما مظاهر هذا الخواء الوحي ؟ أجبته: نعبدُ من غير حُب، ونتعلَّمُ من غير إحسان، هذا ما شرحتُه في الأسبوع الماضي، وأقول هذا الأسبوع زيادة على ما قلت:

نِّعلمُ من غير تزكية: فيا أيها المدرسون والآباء والمعلمون والموجهون: لا شك في أنكم مسلمون وتقرؤون القرآن الكريم، والله عز وجل قال في سورتي البقرة وآل عمران: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) فالتزكية قبل التعليم، وهناك آية أخرى: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) التزكية قبلاً، والتزكية بعداً، قبل أن تعلم عليك أن تزكِّي، والتزكية تعني التطهير، عليك أن تطهر عقل هذا الذي يستقبل منك العلم، تطهره من الريب والوهم والشك والتكبر، وأن تطهر قلبه من الغل والحقد. العقل والقلب وعاءان لاستقبال العلم، والعلم بالمطلق شريف، فما عليك إلا أن تنظِّف قبل أن تُودِعَ العلم الشَّريف أن تنظِّف الأوعية العقل والقلب، وأن تهيِّئ الوعاءين للاستقبال بحيث يكونان نظيفين، ولن يكونا كذلك إلا إذا كان تعليمك نابعاً أيضاً من عقل رشيد ومن قلب سديد.

أيها المعلم وبعد أن تُعلِّم تأتي الآية الأخرى: (يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) تزكيهم بعد ذلك، قبلاً تطهِّر العقل والقلب، وبعداً تطهر العقل والقلب من شيءٍ اسمه النفاق، فلا يستخدمنَّ هذا الطالب الذي تلقى علمه من أجل ترويج نفاق ومن أجل ترويج فساد وباطل ومن أجل أن يكون العلم بأساً بيننا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من طلبَ العلم ليُجاري به العلماء أو ليُماري به السفهاء أو يضرب به وجوه الناس به أدخله الله النار) ليجاري العلماء: من أجل أن يُقال له بأنَّه عالمٌ بين العلماء وفي صفِّهم، هكذا يبتغي وهكذا ينوي، أو ليُماري به السفهاء: ليجادل به السفهاء وهو يعلم أن نتيجة الجدال صفر، وأن لا نتيجة إيجابية من هذا، أو ليصرف وجوه الناس ومن أجل أن يُقال بأنَّ فلان عالم، من فعلَ ذلك أدخله الله النار. نعلِّم من غير تزكية: ضعوا هذا المعيار في مساجدنا ومدارسنا وفي كل تلك الأماكن التي يكون فيها معلم ومتعلم حتى في الأسرة.

نلتقي من غير استشعار العلاقة التي بيننا: تلتقيني في المسجد وألتقيك، نلتقي في الشارع وفي وسيلة النقل وفي المتجر وفي المصنع ولكن إذ نلتقي فما الذي تشعره تجاهي، من أنا بالنسبة إليك، ومن أنت بالنسبة إلي، هناك رابطة وضعها الله عز وجل وقال عنها إنها رابطة الأخوة: (إنما المؤمنون إخوة) فهل أنت تستشعر إذ تلتقي المؤمنين هذه الرابطة ؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم) هكذا نقدِّم أنفسنا للعالم، فهل أنت أخو الذي بجانبك، فتقول لي نعم. أقول لك: هاتِ الدليل، (إن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة ما تقول ؟) وما الدليل ؟ أقول: هنالك أثر. أنت تقول هذا أخي في النَّسب وبالتالي يتحمل أحدكما نفَقة الآخر، تقول هذا أخي في الدين هنالك آثار تتلخص في كلمتين اثنتين: الصِّيانة والإعانة. الصيانة وتعني أن دمي مَصون من قِبَلك وأن دَمك مَصون من قبلي، عرضي وعرضك مَصون ومُحترم وكذلك المال. أرأيتم إلى وضعنا الراهن هل نصون عِرض ودم إخوتنا، سُفِكَ الدمُ سفكاً لا يكاد يُسفَك حتى بين الإنسان وعدوه، وانتُهكت الأعراض أكثر مما انتهكها عدو الإنسان الأكبر. دمك مَصون وعرضك مصون ومالك مصون، لكننا هل يصون أحدنا دم ومال وعرض ودينَ أخيه، (المسلم أخو المسلم) هكذا قال معلمنا وقائدنا وحبيبنا وحبيبكم صلى الله عليه وسلم: (لا يظلمه) كم يظلمُ بعضنا (ولا يخذُله ولا يحقِره، بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وليسَ عليك حسابهم أنت، نحن نحاسب بعضنا بعضاً، نقول لبعضنا هذا لا يصلي وبالتالي لا يستحقُّ مني السلام، لا يا أخي، هذا يقول لا إله إلا الله وأصبح دمه وماله وعرضه في حفظ وصيانة وأمانة، وإلا فأنتَ غير مسلم شئت أم أبيت وهكذا دواليك. الصيانة أو (الحصانة) والإعانة أن تعين أخاك مادَّة ومعنى، (والله في عون العبدِ ما كان العبد في عون أخيه) أصبح الواحد منا لا يُفكِّر إلا في نفسه، وأصبح الكلام الزائد مفادُه: لا تعتمد على أحد ولا تفكِّر في عون أحد، لا تفكِّر في أن تُعين أو تُعان، هكذا يربي الوالد ولده والأستاذ تلميذه، الإعانة أن تعين أخاك مادة ومعنى، ثقوا أيها الإخوة لو أننا أعطينا الأخوة حقَّها لَطَعامُ الواحد كفى الاثنين، لما وقعنا في أزمات نحن الآن نعيش آثارها السلبية، لو تفقَّد الغني الفقير، وتفقَّد القوي الضعيف، وتفقَّد الأخ أخاه بناء على توجيهات ووصية الرسول الأعظم لما حصَلَ هذا الذي حصَل، لكنَّنا نحتَكِر، لكننا نبتعد ونجافي ونحسد ونحقد ونشعر تجاه الآخرين بأنهم أعداء وهكذا نسميهم لأولادنا وأبنائنا.

أختم حديثي بصورةٍ لا أروعَ ولا أجمل رسمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أجلِ أن نكون متحققين بها ومن أجل أن نُشكِّلها معاً ولطالما كانت هذه الصورة موضعَ إعجاب من الذين لم يُسلموا من أهل الشرق والغرب، فكَّروا كثيراً فقالوا ما أروع هذه الصوة من حيث البلاغة، ومن حيث المعاني والتطبيق. هذه الصورة وانظروا بعد سماعها وأثناء سماعها أنفسكم وافحصوا أحوالكم كم نسبة التحقق بهذه الصورة: (مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) انظروا إلى أنفسكم ومجتمعكم وانظروا بيوتاتكم كم نسبة النحقق بهذه الصورة العظيمة التي دعانا إليها أرأف الناس بنا الرسول الرحيم الرؤوف بنا الحريص علينا، اللهم رُدَّنا إلى أن نتعلَّم بإحسان وأن نعلِّم بتزكية وأن نلتقي على أساس الأخوة التي جعلتها رابطةً فيما بيننا يا ربَّ العالمين، نِعمَ من يُسأل أنت ونِعمَ النَّصير أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتارخ 27/8/2021

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/7FLErroxrZ /

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق