آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
موقفنا حيال الزمن: (الماضي)

موقفنا حيال الزمن: (الماضي)

تاريخ الإضافة: 2022/06/25 | عدد المشاهدات: 384

أمَّا بعد، فيا أيُّها لإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

بَّينا وقُلنا ووضَّحنا بأن الإسلام يدعوك إلى استثمار وقتك فيما يعود عليك بالنفع في دنياك وأخراك. الإسلام يدعوك إلى اغتنام الوقت وكسبه وملئه بما ينفع البلاد والعباد، وإياك ثم إياك أن تضيع هذا العمر لأنك ستُسأل عنهُ يوم القيامة كيف قَضيته وكيف أفنيته وكيف أبليته، وقلنا أيضاً: إن الأزمنة ثلاثة: ماضٍ وحاضر ومستقبل، فما الذي يجب أن نقوم به وأن نفعله حيال الماضي وحيال الحاضر وحيال المستقبل ؟ أنت خَلَّفت وراءك زمناً يُدعى بالماضي، ويكتنفك زمنٌ يُدعى بالحاضر، وستسقبل زمناً يُدعى بالمستقبل.

أما الموقف الواجب اتخاذه حيال الماضي فالعِظة أو العبرة أو الاعتبار: (فاعتبروا يا أولي الأبصار) انظر ما مضى من زمنك وما مضى من زمن غيرك: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الأباب)، (فاعتبروا يا أولي الأبصار)، انظروا هؤلاء الذين لَفَّهم الماضي، انظروا كيف استثمروا أوقاتهم، انظروا إليهم كيف أضاعوا أوقاتهم، كيف استمرَّ عيش من استثمر وقته، فليسَ الميِّتُ مَن بَلِيَ جسمه إنما الميت من لم يترك أثراً يُتذَكَّرُ من خلاله، ولذلك قالت العرب قديماً: "كَم من مَائتٍ عائش، وكم مِن عائشٍ مَائت" أنت تعيش من حيث المادة والكتلة الجسمية والبدنية، ولكن إذا كنت تُضيِّع وقتك فأنت في عداد الأموات لأن الوقت لم يُخلق للضياع ولا للابتذال وإنما خلق ليملأ من الأشياء النافعة للإنسانية وللإنسان نفسِه في الدنيا والآخرة. موقفك نحو الماضي العبرة والاعتبار. يقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: "إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا التي خَلَّفها بعين الاعتبار، وإنما يَقتاتُ من الدُّنيا التي يعيشها ببطن الاضطرار" فهل أنت أيها الإنسان يا من تتبع علياً وقبل علي تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم هل تنظر إلى الدنيا معتبراً، وهل تقتاتُ بما يدفع عنك الضر والهلاك: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه). عبرة واعتبار وليس ندماً ولا تبكيتاً، نحن لا نريد ممن قصر في الماضي ويريد أن يتوب الآن أن يَتطلَّع إلى الماضي بعينِ التبكيت والندم الذي يجعله يضيع الحاضر. هنالك من يندب حظه لكنه ببكائه يضيع واجباته الراهنة وهذا غير مقبول، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استعِن بالله ولا تعجِز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) هنالك من قصر في الماضي ويريد أن يتوب الآن، يذهب ليُؤنِّب نفسه ويكون نادماً على حَدِّ زعمه وبالتالي بين التأنيب وبين الندم وهذان أمران لا يفيدانه وإنما على حساب واجباته الراهنة الحاضرة يندم ويبكت نفسه. فعلتَ في الماضي ما فعلت قُل: أستغفر الله، وهيا إلى النهوض بحالك، إن فاتتك صلاة العصر على سبيل المثال فلا تضيِّع المغرب ندماً على صلاة العصر، قل يا رب تبتُ إليك ولا تقُل لو أني لم أضيع صلاة العصر وبكيت وبكيت حتى أضعت صلاة المغرب، لذلك كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا) نحن أمة عملية (ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) أصابنا ما أصابنا في هذا البلد قل قدر الله وما شاء فعل، ولا نريد أن نضيع الوقت في التغني بما كنا عليه فليس هذا الموقف بموقف إسلامي أو مسلم. أما الآن فهيا فانهضوا واعملوا وسيروا نحو بناء ما هو بين يديكم وما تريدون أن يبنى، لا تلتفتوا إلى الماضي مضيعين بالتمني الحاضر. الواجب عليكم أن تقوموا به في هذا الحاضر.

قلتُ مرة لبعض المشتغلين بالصحافة في بلد أجنبي: من أين تستلهمون أفكاركم، أو كيف تختبرون أفكاركم ومواقفكم إن كنتم لا تؤمنون بالله، أو بدين صحيح ؟ أجاب واحد: بعقلي، والآخر بتجارب غيري. قلت لهم وبعد حديث طويل: انظروا التاريخ للاختيار والاعتبار، وحروف التاريخ هي نفسها حروف الاختيار. أتريد أن تختار الفكر الذي يناسب إنسانيتك انظر التاريخ من أجل أن تختار. قلت لهم مختصراً: التاريخ نقرأ فيه خطين: الخط الأول يقوم عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام على سبيل المثال، والخط الثاني يقوم عليه النمرود، الخط الأول يقوم عليه موسى عليه الصلاة والسلام، والخط الثاني يقوم عليه فرعون، الخط الأول يقوم عليه آدم عليه الصلاة والسلام والخط الثاني يقوم عليه إبليس الذي رفض السجود لآدم ورفض أمر الله بالسجود لآدم، الخط الأول يقوم عليه محمد صلى الله عليه وسلم والخط الثاني يقوم عليه أبو جهل، وهكذا دواليك... وتابعوا مسيرة الخط الأول ومسيرة الخط الثاني، أتختارون الذين قاموا على الخط الأول أم تختارون الذين قاموا على الخط الثاني، وأنتم تعرفون وتدرسون من قام على الخط الأول فإبراهيم مُبجَّل عندكم وموسى مبجل وعيسى مبجل إن لم يكن على سبيل الدين والتدين فعلى سبيل العطاء. أجاب الجميع: نعم. أرأيتم إلى التاريخ للاختيار بعد الاعتبار. هل تختار أصحاب الخط الأول وهم كلهم متصالحون فيما بينهم يرث بعضهم عن بعض، فإبراهيم ورث محمداً ومحمد يرث عن إبراهيم وهكذا دواليك.

أرأيتم إلى التاريخ، نحن مقصرون في معرفة التاريخ ومقصرون في معرفة تاريخنا

تاريخنا من رسول الله مبدؤه .......... ومن دونه لا عز لنا ولا شانُ.

أخيراً: بالنسبة للماضي وللتاريخ وللاعتبار وللاختيار: اقرؤوا سير بعض من استثمر الوقت في منفعة الناس وفي مرضاة الله وفي تحقيق مآرب حضارية وفي تحقيق ما عاد على الإنسانية بالرفعة والمجد، ويكفي أن أقول اليوم مثالاً واحداً، أتدرون بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما ابتُعث أسلم على يديه في أول الأمر شاب يدعى علياً رضي الله عنه وأرضاه ورجل يدعى أبا بكر عليه رضوان الله وامرأة تدعى خديجة رضي الله عنها، بدأ المسيرة بثلاثة أشخاص وبعد فترة من الزمن لا تتجاوز الربع قَرن وقف في عرفات في حجة الوداع عبر ثلاث وعشرين سنة ابتدأ بثلاثة أشخاص ليقف بعد ثلاث وعشرين سنة أمام مئة ألف من الصحابة ليقول لهم: ألا هل بلغت ؟ وإذ بهم يجيبون جميعاً، بلغت، وهو يقول اللهم اشهد. بلغتَ الرسالة وأديتَ الأمانة ونصحتَ الأمة. أنت انظر نفسَك قبل عشرين سنة وانظر الآن: ما الإنتاجُ الذي حققته على مستوى نفع البلاد والعباد ونفع من حولك ثم بعد ذلك: 

على نفسه فليبكِ من ضاع عمره .......... وليس له فيها نصيب ولا ولا سهمُ

اللهم اجعلنا ممن يستخدم الوقت ويستثمره بكل ما أوتي من قوة فيما يعود عليه وعلى الناس بالنفع وفيما يعود عليه بمرضاة ربنا جلت قدرته، نِعْمَ مَن يُسألُ ربنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 24/6/2022

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/dRSRyi1sCI/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر برنامج الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل الإعجاب والمتابعة.

https://fb/akkamorg

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق