آخر تحديث: السبت 09 تشرين الثاني 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
معيار الصِّدق

معيار الصِّدق

تاريخ الإضافة: 2024/02/07 | عدد المشاهدات: 302

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

سُئل حَكيمٌ عن فضيلة الفضائل فقال: الصِّدق، وعن رذيلة الرذائل فقال: الكذب. ومن أجل هذا طَلبَ اللهُ عَزَّ وجَل من المتقين من أجل أن تبقى تَقواهم تَقوى طَلبَ منهم أن يُسَيِّجوها بالصِّدق، فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصَّادقين) إن كنتم أيها المتقون مع الصَّادقين وسَيَّجتُم التقوى بالصِّدق حَفظتموها، وإلا لا تقوى مع الكذب، مع الكاذبين، والصِّدق نوعان: صِدقٌ في القول، وصِدقٌ في الفعل. أما الصِّدق في القول فنوعان أيضاً: صِدقٌ في مُطابقة القول لما تعتقد، أن يُطابقَ قَولُك ما تعتقده، تقول لإنسانٍ ما: "أحبك"، فإن كان هذا الكلامُ مُطابقاً لما تعتقد ولما في داخلك فأنت صادق، وإن لم يكن كذلك فلستَ بصادق، موافقة القولِ لما تعتقد، والنوع الثاني من الصدق في القول: صدقٌ في الخبر الذي تنقُله في القول، صِدقُ المتكلِّم وصِدقُ الخَبر، هذا هو صِدقُ القول فانظر نفسَك إن تكلَّمتَ عما تعتقد فهل أنت تصدق ? أنت تقول: أنا أحبُّ اللهَ ورسولَه، فهل هذا الكلام الذي تقوله أنت صادقٌ فيه ومطابق لما تعتقده في داخلك أم أنَّ هذا الكلامَ يخرجُ من لسانك ولا يُطابق الذي تعتقده، انتبه إلى الصدق، فكثيراً ما تعتقدُ نفسَك صادقاً، لكنَّ الواقع يُغاير ذلك، هل أنتَ في داخِلك تُحبُّ اللهَ ورسولَه عندما تقول: أحبُّ اللهَ ورسولَه ?! انظروا أنفسكم، وانظروا تعابيركم، حتى تلك التي تُواجهون بها النَّاس، لأنَّ المجاملةَ اليوم طغت على أحاديثنا وعلى أقوالنا وعلى كلامنا، ولطالما سمعتُ مِن بعضهم، وسمعتم أنتم مَن يقولُ لجاره: أنتَ حَبيُبنا، فهل هذا الكلام يُطابقُ الذي تعتقده في داخلك ? انتبه، فإنك تكذب من حيث تدري أو لا تدري، انتبه يا أخي، أنت تقول أحياناً لزوجتك، وتقول لولدك: يا بُنيَّ أنا أُضحِّي من أجلك، فهل هذا القولَ يُطابقُ الذي تعتقده ? انتبه إلى كلامك، وأريدُك صادقاً في القول، صَادقاً في أن يكونَ كلامُك مُوافِقاً لما تعتقد، هذا يُسمَّى صِدق المتكلم، وأن يكون مُوافقاً لما تَنقُل من خَبَر، وكم نَقَلتُم أخباراً، ونحن كم نَقَلنا أخباراً وكان هذا النقلُ مخالفاً للواقع الذي نقلناه، كانت هُنالك فجوة بين الواقع وبين النَّقل، بين القولِ الذي نقلنا عَبرَه هذا الذي وقع، انظروا وحاسبوا أنفسكم من الصَّباح إلى المساء، فكم تنقلون من أخبار وأنتم لستم متأكِّدين منها، :(إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة) هكذا قالَ الرسولُ الأعظم عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يَتبيَّنُ منها يَهوي بها في جَهنَّم أبعدَ ما بين المشرق والمغرب) كم نكذب ولا نشعر أو نشعر بأننا نكذب، هذا صدقُ القول.

وأما صدقُ الفعل: فأن تُترجِمَ هذا الذي قُلتَه بلسانك وكنتَ صادقاً إلى عمل، (من المؤمنين رجالٌ صَدَقُوا) هنا الصِّدقُ في الفعل، (صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قَضى نَحْبَه ومنهم مَن يَنتظر) صِدقُ الفعل أن تُحوِّل صِدقَ اللسانِ إلى صِدق العمل، إلى صِدق الفعل، (صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه) عاهدوا الله وكانوا صادقين ونفَّذوا هذا العَهد، فكانوا صادقين في الفِعل، انظروا قولَه تَعالى: (لِيسألَ الصَّادقين عن صِدقهم) أي ليسألَ مَن صَدَقَ بلسانه عَن صِدْقِ فِعله، أنتَ تقول بأنك تُحبُّ رسولَ الله، أنت صادقٌ في القول، صادقٌ في التَّعبير عما تعتقد، لكن هل أنت صَادقٌ في الفعل ? هل أنتَ تُترجِمُ هذا الصِّدق باللسان، وهو صِدقٌ بلا شك، هل تُترجِمه إلى عَمل وفعل، هل إذا رُئِيتَ وأنتَ تفعل يُرَى من فِعلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ? (لقد صَدَقَ اللهُ رَسولَه الرُّؤيا بالحق) أي حَقَّقَ لَه رُؤياه، صَدَقه أي حَوَّلَ الرُّؤيا من فعلٍ صادقٍ في حَيِّز النَّظر إلى حقيقةٍ واقعية، (لقد صَدَق اللهُ رسولَه الرؤيا) حَوَّل رُؤياه إلى حقيقةٍ وواقع، هذا الصِّدق بالفعل، فهل أنت صادقٌ بالقول، وصادق بالفعل ؟ انظُر نفسَك وحاسِب نفسَك، فها أنذا قَد قَدَّمتُ لك المعيار، وعليك أن تَنظُرَ وأن تُحاسِب وأن تتطلَّع وأن تتأكَّد من نفسك فيما إذا كنتَ صادقَ القول أولاً، وإذا كُنتَ صادق الفعل ثانياً، حَوَّلت العَهد إلى واقع.

أعتقد أننا حين نتحدَّث عن هذا، نتذكَّرُ تلكَ القَضيَّة التي هي قضيتنا، قضية العالم الشَّريف، قضية فلسطين، (من المؤمنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليهم) عاهدوا الله، باعوه أنفسَهم وأموالهم، وها هم يُحوِّلون هذا العَهد، هذا الصدقَ باللسان يُحوِّلونه إلى صدقٍ بالفعل، يُجاهدون في اللهِ حَقَّ جِهاده، أنت تقولُ بلسانك، ولعلَّك صادق، بأنَّ قضيَّتك هي قضيةُ فلسطين، لكن هل أنت تُصَدِّقُ بالفعل، وتَصْدُقُ بالفعل ? هل إذا دُعيتَ إلى جهادٍ بالمال، وإلى جهادٍ بالنَّفس تستجيب، أم أنك تقف، في أحسن أحوالك، عند حُدود الصّدقِ بالقول ؟ ولا صِدقَ بالقولِ إن لم يكن هُنالك صِدقٌ في الفعل، دَليلُ الصِّدق في القول هو أن تكون صَادقاً في الفعل، (مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ) مَن هؤلاء ? (يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ). هذا هو الصِّدق الفعلي العَملي، لذلك يا إخوتي: الصَّدقَ الصِّدق، ولطالما تحدَّثَ الصَّحابةُ الكِرام، ولطالما تحدَّث التَّابعون عن الصِّدق بإسهاب، لأنَّ النبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام تحقَّق، وهو الأسوة القدوة، تحقَّقَ بالصِّدق فكان الصادقَ الأمين قولاً وفِعلاً وواقعاً وحَقيقة. فيا أتباعَ محمد: كُونوا صَادقين مثل محمد، أو على طريقِ محمد عليه الصَّلاة والسلام، كُونوا صَادقين، فإنَّ الصِّدقَ، في النهاية، سيُؤدِّي إلى نتائجَ إيجابية، لعلَّنا نُكمِلُ هذه النَّتائج في الأسبوع القادم، ما آثار الصِّدقُ على مُستوى الدُّنيا وعلى مستوى الآخرة، اللهمَّ اجعلنا من الصادقين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 2/2/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/pYz_oCF3G5/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق