آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة

تاريخ الإضافة: 2005/12/16 | عدد المشاهدات: 4316
أما بعد ، أيها الأخوة المسلمون : لا شك في أنكم سمعتم دعوة رئيس البلاد لصلاة الاستستقاء ، وهذا أمر جيد وجميل ، ونشكر من دعا وإن كنا نأمل أيضاً أن يكون الجميع في صلاة الاستسقاء ، وألا تكون صلاة الاستسقاء خاصة بمن يسمون المشايخ أو بالوزارة المسؤولة عن المشايخ ، ولكنني وأنا أسمع الدعوة إلى صلاة الاستسقاء وقد استحسنت هذا قلت في نفسي : ماذا يعني الاستسقاء ؟ الاستستقاء طلب السقيا من الله عز وجل بعد أن تتخذ الأسباب فتزرع الأرض وتقوم بعملية البذر ، وبعد أن تحضر ما يجب أن تحضره ، فإذا ما انقطع المطر عن الأرض فترة تجاوزت الحد المعتاد دعيت إلى صلاة الاستسقاء ، اتخذت السبب وحلّت بك الشدة فما عليك إلا أن تدعو ربك وأن تستسقي ربك من أجل أن يسقيك . قلت في نفسي : هل نحن بحاجة فقط إلى ماء ؟ لا شك في أن حاجتنا للماء حاجة مسيسة وشديدة ، ولكننا أيضاً بحاجة إلى إعانة من الله عز وجل لأننا نعيش ضنكاً على مستوى الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني فلماذا لا نُدعى إلى صلاة الحاجة ولماذا لا ندعى إلى صلاة التوبة ، وإذا ما أعطينا أمراً ما من قبل ربنا عز وجل فلماذا لا ندعى إلى صلاة الشكر ولماذا لا ندعى إلى صلواتٍ سماها فقهاؤنا الصلوات الخاصة ، أطرح هذا السؤال على أنفسنا ولا أعني به واحداً معينا ، صحيح كما قلت بأننا بحاجة ماسة ومسيسة للماء والمطر ، لكننا أيضاً بحاجة وقد لفّ البلاد ما لفها من تحديات وضغوط وتهديدات وتقارير وكل ما يمكن أن يطلق عليه من محاولات للقضاء على شيء اسمه الإسلام الصحيح الحق المتنور هنا في سورية وفي كل مكان من العالم ، لذلك وقد فكرت في هذا الذي فكرت به قلت : سأدعو إخواني الذين في المسجد هنا ، وسيقرأ إن شاء الله هذه الخطبة من يدخل على الموقع في الشبكة العالمية ، سأدعو السامعين والقارئين إلى الصلاة ، وإلى الصلوات الخاصة بشكل خاص ، وإلى الصلوات المفروضة بشكل عام ، فالصلاة المفروضة هي تتمة لعملية التوكل . أولسنا نتوجه نصحاً لإنسان وقف يدعو ربه عز وجل في المسجد من غير أن يتخذ السبب الذي يدعو ربه عز وجل من أجل أن يفكّ أمره أو أن يحل أمره ، إذا ما رأينا إنساناً في المسجد يدعو ربه ويقول : اللهم ارزقني ، فإننا نتوجه إليه قائلين : اعقلها وتوكل ، أي اتخذ السبب وتوكل على الله عز وجل وها أنا ذا أقول لإخواننا ولأنفسنا ولبلادنا ولأمتنا : اعقلوها في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والحربي وكل ما يمكن أن تعرفوه من مجالات ، اعقلوها وتوكلوا ، أي وادعوا ربكم ، أي وصلوا . أيها الطالب : أدعوك للدراسة وهي العَقل ، أي الربط ، وهو اتخاذ السبب ، وإلى التوكل ، وإلى الصلاة ، لئن كنا قد دُعينا إلى صلاة تدخل تحت عنوان الصلوات الخاصة ، فأنا أدعو شباب أمتنا وحكومتنا ودولتنا ورجالنا ونساءنا إلى الصلوات المفروضة ، إلى الصلوات الخمس ، من أجل أن يؤدوها وهم في أشد حالة الوعي ، من أجل أن يؤدوها وهم يشعرون بالاضطرار إلى الله عز وجل ، من أجل أن يؤدوها ليعقدوا الصلة مع رب العزة جلت قدرته ، من أجل أن يؤدوها وهم يبتغون من وراء ذلك ربطاً مع الله وعلاقة طيبة مع العلي الكريم الرحمن الرحيم المنتقم المبدئ المعيد وهكذا ، فسؤالي إليكم في هذا الوطن ولا تظنوا بأني أسألكم سؤالاً تقليدياً ، لكنني أريده سؤالاً يندرج في إطار التوكل بعد التعقل إن كنا نعقل ، بعد العقل أتوجه إليكم قائلاً : يا شبابنا يا مثقفينا ، أيها الجميع : هل تصلون ، هل تؤدون صلواتكم ، والصلاة صلة ، والصلاة اعتماد على الله عز وجل ، ولعلي ذكرت منذ أكثر من عشر سنوات هنا على هذا المنبر قلت : نحن نعتمد السبب ونعتمد على الله عز وجل ، فاعتمدوا الأسباب واعتمدوا على الله ، ولا يجوز الفصل بين الأمرين فلا اعتمادَ سبب من غير اعتماد على الله ، ولا اعتماد على الله من غير اعتماد سبب ، ومن جملة الاعتماد على الله عز وجل أن تصلوا ، أو أن تؤدوا فريضة ربكم فيما يتعلق بالصلاة ، وإني لأرى تهاوناً في هذه الفريضة ، أصاحب من أصاحب ويتكلم هذا الذي أصاحب كلاماً جميلاً عن الوطن يحب الوطن ، لكنني أقول له : أنت الذي تدعو ربك من أجل السُّقيا وتصلي الاستسقاء هل دعوت ربك وصليت له من أجل الوطن أيضاً وحمايته ، أصاحب من أصاحب وإذ بي أرى أنه يمتلك عاطفة وعقلاً وتفكيراً بيد أنه ينقصه أن يتوجه إلى ربه مصلياً داعياً . صلوا يا إخوتي ، يا أبناء أمتي ، يا جنودنا صلوا ، أيها القضاة صلوا ، أيها الوزراء صلوا ، أيها المديرون صلوا ، يا أيها المثقفون فالصلاة تحقق الشق الآخر من قضية التوكل ، لأن التوكل عقل ودعاء ، عقل واعتماد على الله ، أعني بالعقل الربط واتخاذ الأسباب التي شرعها ربي عز وجل ، يا طلاب الجامعة صلوا فقد تسرب إليكم أمور لا نحبها ، وتسرب إليكم أيها الطلاب أمور في مدارسنا وثانوياتنا أمور مؤذية ضارة لا نحبها ، التجؤوا إلى الله عز وجل وأدوا فريضة الصلاة وها أنا أقول لكم ما قاله سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الأمر سيدي رسول الله قال كما جاء في الحديث الصحيح : " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد " وعموده الصلاة ، فإنك إن فاتك العمود فقد انهار البنيان الذي تريد بناءه . وقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله " ونريد بالصلاة أن تكون واعية يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لتنقضن عُرى الإسلام عروة عروة ، فكلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولها الحكم وآخرها نقضاً الصلاة " كما جاء في ابن حبان فأولها الحكم أي القضاء بين الناس على اختلاف مستويات القاضي وعلى اختلاف تخصصات القاضي ، فأولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم في آخر كلمة توجه بها إلى أمته ، قال لها : " الصلاةَ – أي حافظوا على الصلاة – وما ملكت أيمانكم " ويروي الإمام مسلم أيضاً أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " القضية محسومة ولا هوادة فيها قلت لولدي منذ أيام : أرأيت يا ولدي لو دخلت إلى البيت – من باب التشبيه والتمثيل – بعد سفر فتحت باب البيت ودخلت ورحت تسلم عليَّ من غير أن تصافحني أو تعانقني أو تقبل يدي وقفتَ من بعيد ووقفتُ من بعيد تسلم عليَّ وترتسم على وجهك كل علامات المحبة غير أنك لم تقترب مني مصافحاً ولا معانقاً ولم أقترب منك مصافحاً ولا معانقاً ، أرأيت إلى هذه الصورة كم ستكون باهتة ، ستشك فيَّ وأشك فيك لمَ لم تقترب ؟ أأنت مريض مرضاً معدياً ؟ أم بك ما بك ؟ قال لي : فعلاً إن هذه الصورة باهتة ولا يمكن أن يقبلها الإنسان من غير عذر . قلت له : إن الصلاة – ولله المثل الأعلى – إن الصلاة كالمصافحة والمعانقة بين المتحابين ، بين الوالد وولده ، وبين البنت وأمها ، والصديق وصديقه ، والأخ وأخيه ، لقاء من غير مصافحة ومعانقة بعد غياب لقاء باهت ، وكذلك علاقة بربك من غير صلاة علاقة باهتة ، فالصلاة صلة والصلاة تواصل ، أغتنمها فرصة ونحن ندعى لصلاة الاستسقاء من أجل أن أنبه نفسي ومن أجل أن أنصح نفسي وأن أنصحكم بالصلاة لأنها تتمم التوكل إن كنا قد قمنا بقسيمه وشطره وهو العقل أعني الربط وأعني اتخاذ الأسباب ، فالصلاةَ يا أمتي ، صلوا صلاة الحاجة فنحن في شدة . أولسنا مهددين ، أولسنا مُعرَّضين لعقوبات تنتظرنا بين الفينة والأخرى ، بين الليلة وأختها ، أولسنا معرضين لضغوطات !! وهذا ما نقرأه على صفحات الجرائد والمجلات والصحف أليس هذا صحيحاً ؟! بلى . إذاً اعقدوها صلة مع الله عز وجل وصلوا صلاة الحاجة وقولوا : اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، يا محمد إنا توجهنا بك إلى ربنا في حاجاتنا لتقضى – وسمِّ حاجاتك – اللهم فشفعه فينا بجاهه عندك . وما أكثر حاجاتنا في الدنيا والآخرة ، هيا إلى الصلاة فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ويروي الإمام أحمد والطبراني وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيّ بن خلف " فهل تريد أن تكون مع هؤلاء وأمثالهم وأضرابهم أم تريد أن تكون في الدنيا منسوباً لمثل سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي الآخرة كذلك من أجل أن تكون في معيّته ، أولست تدعو لمن مات من أقربائك : اللهم ألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، أولست تبغي أن يُدعى لك بعد وفاتك بهذا الدعاء ؟ إذاً فما عليك إلا أن تحافظ على صلاتك فمن أدّاها وحافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف . في آخر المطاف لا يعدو الأمر أن يكون نصيحة والنصيحة هل تعلمون منطلقها ؟ منطلق النصيحة : إرادة خيرٍ من الناصح ، وتكبر إرادة الخير لتصل إلى الحب ، فأنا والله لم أرد بنصحي تقريعاً ولا توبيخاً ، وأنّى لمثلي أن يقرع أو يوبخ ! وإنما أردت بالنصح إعلان إرادة للخير يصل هذا الإعلان إلى حد الحب ، ولهذا فنحن في هذا الوطن ناصحون ومنصوحون نحمل إرادة الخير لبعضنا ، ولئن توجهت في حديثٍ من أحاديثي وفي كلام من كلامي لرئيس الدولة أو الحكومة أو فئات الشعب فلأني أريد الخير لنفسي وأريد الخير لهم ولست في هذا المقام – وحاشا- مُقرّعاً ولا مُوبّخاً ولا مُعارضاً ، وأربَأ بمنبر سيدي رسول الله أن يكون منبر معارضة سياسية ، وإنما المنبر منبر نصح للأمة ، منبر إعلان إرادة الخير للأمة ، لأفراد الأمة ، للحاكم والمحكوم ، للمسؤول والمسؤول عنه ، لكل أفراد الأمة . فإذا ما ماتت النصيحة أو ضعفت بين أفراد الأمة بين المنبر هذا وبين الناس عند ذلك سيتحول المجتمع إلى أحد مجتمعين : إما إلى مجتمعٍ متناقض متقاتل متعالٍ ، وإما إلى مجتمع منافق ممالق متملق ، وكلا المجتمعين مرفوضان ، المجتمع المتعادي المتقاتل المتنابذ مرفوض ، والمجتمع المنافق الممالق المتملق مرفوض أيضاً ، وأما المجتمع المقبول فمجتمع النصح والحب ، قلت لكم في مرة سابقة : الأُخوة التي عقدها ربي بيننا تقوم على ركنين أساسيين ، أما الأول : فالنصح ، وأما الثاني : فالحب . النصح برفق والحب بتضحية والحب بفداء والحب بخدمة والحب بعطاء ، نريد هذين الأمرين لُحمَة بيننا . أكرر ما بدأت أو ما أردت أن يكون موضوع الخطبة : أتوجه إلى أمتي وأنا أدعوها إلى الصلاة ، فسيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النهاية وهو معلم الإنسانية وهو الرجل الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، أتدرون إذا ما أهمه أمر ماذا كان يفعل ؟ أتدرون يا شبابنا إذا ما أهم سيد الكائنات أمر أو شدة ماذا كان يفعل ؟ كان يلجأ إلى الصلاة ، كان يفزع إلى الصلاة ، يصلي ويدعو ربه ويتوجه إليه ويناجيه ويناديه ويقول له : يا رب ، يا إلهي ، أنت الذي سجد لك سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوي الماء ونور القمر ، اللهم يا مؤنس كل وحيد ويا صاحب كل فريد ويا قريباً غير بعيد ، اللهم أنت أحقّ من عُبد وأجود من سئل وأكرم من أَعطى ، كل شيء هالك إلا وجهك ، حِلتَ دون النفوس وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار ونسخت الآجال ، القلوب لك مفضية والسر عندك علانية الحلال ما حللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم آمين . نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق