آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المنافقين -1

من صفات المنافقين -1

تاريخ الإضافة: 2010/10/15 | عدد المشاهدات: 2945

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

قال لي قائل: حدثتنا عن المؤمنين والكافرين ونحن نعلم أن ثمة فريقاً آخر يُدعى المنافقين، فهلا أكملت الحديث عن هؤلاء حتى نجمع في ذهننا وفي خلدنا المعلومات التي جمعناها عن المؤمنين والكافرين ليكون نصيب المنافقين من العلم بهم كما كان للمؤمنين وللكافرين.

أيها الإخوة: وفعلاً هذا الذي قال لي ما قال كنت سأبادره قبل أن يقول، لكنه سأل وها أنذا أجيب، وكلامي ليس من باب الجواب فقط وإنما كان من باب المتابعة.

المنافق في الأصل هو ذاك الذي يُظهر غير الذي يُضمر، ثم إذا ما أردنا أن نعرّف المنافق تعريفاً إسلامياً، قلنا: المنافق هو ذاك الذي يُظهر الإسلام ويبطن نقيضه. ولذلك قال الله عز وجل عن المنافقين في سورة البقرة: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذابٌ أليم﴾.

وأنا إذ أتحدث عن المنافقين وربما استغرق الحديث عنهم أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، آمل آلا تكون هذه المعلومات من أجل أن نمتحن بها الآخرين، وإنما أريد من هذه المعلومات التي تتجمع في ذهنكم أن يمتحن من خلالها كلٌ منا نفسه، المشكلة أن الواحد منا سريعٌ في امتحانِ سِواه، لكنه بطيءٌ وكسولٌ، وربما لن يصل إلى مرحلة يمتحن بها نفسه. هذه المعلومات سواءٌ أكانت عن المؤمنين أم الكافرين أم المنافقين، وقلت لكم ذلك إشارةً في الأسابيع التي سلفت والآن أُصرّح بذلك عبارة أقول: هذه المعلومات من أجل أن تكون وسيلة لتمتحن نفسك ولتمتحن ذاتك وإياك أن تضعها في ذهنك من أجل أن تقول عن هذا بأنه منافق، وعن هذا بأنه كافر، وعن هذا إنه مؤمن، هذا زادٌ لك، لنفسك، لذاتك.

أصل النفاق في تاريخ إسلامنا انبثق من أعرابٍ حول المدينة وفي المدينة، الله عز وجل قال: ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق﴾ أي أمعنوا في النفاق ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين﴾ لكفرهم مرة، ولخداعهم مرة أخرى ﴿ثم يردون إلى عذابٍ عظيم﴾. هؤلاء معذبون من قبل الله مرتين لكفرهم ولخداعهم، لأن المنافق باختصار كافرٌ مخادع، أما الكافر فكافر، وأما المنافق فكافرٌ مخادع، لذلك: ﴿إن المنافقين في الدَّرك الأسفل من النار﴾ سبقوا الكافرين فأضافوا على الكفر خداعاً، ازدادوا بعد الكفر خداعاً، فليتنبه كلٌ منا لنفسه، وكان زعيم هؤلاء المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول الخزرجي، وكان يتطلع قبل أن يصل رسول الله مهاجراً من مكة إلى المدينة لرياسة المدينة، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً من مكة إلى المدينة لم يعد لهذا الرجل دور، فأظهر الإسلام علَّه إذا انتصر محمد فسيضعه رئيساً أو والياً، وإذا - لا سمح الله - لم ينتصر محمد صلى الله عليه وسلم فسيُظهر هذا الذي في داخله وهو الكفر ليقول للكافرين: ﴿وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن﴾. هذا أصل المنافقين، ضررهم أكبر من ضرر الكافرين لأنهم مخادعون ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾، ﴿إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً﴾، وقدّم المنافقين على الكافرين لأنهم أشد ضرراً من الكافرين لأنهم مخادعون، والخديعة قضية فظيعة جداً، فلننتبه إليها لأننا سنتكلم عن صفات المنافقين، وإن أفظع صفة يتصف بها المنافقون هي الخداع، فتنبهوا لصفة يمكن - لا سمح الله - أن تتسرَّب إلينا وهي الخداع، والخداع لا يمكن أن يكون خلقاً إنسانياً وإنما هو خلق إذا ما اتصف به الإنسان انسلخ من إنسانيته.

أوصاف المنافقين، أو علامات المنافقين، أو دلائل المنافقين، وها أنذا أكرر عليكم هذه العلامات من أجل أن يمتحن من خلالها كلٌ نفسَه، وليس من أجل أن تمتحن هذا الذي تراه على التلفاز ولا تعرفه، أو هذا الذي تسمعه يتكلم من مكان بعيد، أو هذا الذي يسكن بجانبك، أو هذا الذي يدخل عليك مدرساً، أو هذا الذي تدخل عليه طالباً أو... عليك أن تأخذ هذه الأوصاف والسِّمات والدلائل والعلامات لتنظر من خلالها إلى نفسك أأنت - لا سمح الله - منافق ؟ إن كنت كذلك فتب إلى الله عز وجل، وإن لم تكن كذلك فاشكر الله عز وجل وتكلم بالإيمان وتكلم بالحسن وتكلم بكل شيء ينفع الناس أمام الناس وأمامك وأمام نفسك.

من علامات المنافق: المكر والخداع، ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم﴾ وتبتدئ الخديعة من أشياء صغيرة قبل أن تخدع الله بشكل علني وجهاراً، ربما اتصفت بالخداع من حيث لا تدري، فإذا ما قوي الخداع لديك وتراكمت هذه الصفة من خلال تطبيقاتها مرة بعد مرة وصلت إلى درجة النفاق المثلى العليا فخادعت الله. نضرب أمثلة على ذلك وكيف أن هذا الخداع ربما تسرب إليك من حيث تدري أو لا تدري، لذلك عليك أن تفحص نفسك فيما إذا كنت مخادعاً حتى ولو في عملٍ بسيط، لتنتهي بعد ذلك سليماً معافىً من كل آثار هذه الصفة اللعينة، تخدع من أمامك على أنه صاحبك، تقول لمن أمامك السلام عليك، وهو حينما يسمعك تسلم عليه وإذ بك بعد أن تتركه تقوم لتطعنه، أنت تخدعه عندما تقول له السلام عليك، تخدع صاحبك على أنه صاحبك، لكنك تتصرف في غيبته على أنه عدوك، تتكلم عليه. تأتي إلى هذا الذي تجلس عنده تقول له السلام عليك، ويرد عليك: وعليك السلام، تقول له أنت رجلٌ جيد وممتاز، وما ثمة شيء يحوجك إلى هذا، وما ثمة شيء تضطر من خلاله إلى أن تقول هذا، تُسلّم وتمجّد وتعظّم ثم بعد ذلك تتحدث عنه وتتكلم عليه وتطعنه وتذمه، وما هكذا تورد يا سعد الإبل، يبتدئ الخداع بأشياء بسيطة لا ننتبه إليها ثم بعد ذلك يكبر ويعظم إلى أن يصل هذا المخادع إلى مرحلة يخادع الله، وهذا ما نفعله.

من صور الخداع: إنسانٌ تسأله عن حكم أمر ما، فيقول لك حرام، وهو غير متبين، غير متأكد، ينسب إلى الله ما لا يجوز له أن ينسبه، شيخٌ يتحدث، يقول هذا هو حكم الإسلام مع أنه لم يتبين ولم يتأكد ولم يتوثق ولم يتحقق، فقد خدع هذا الذي سأله، أجابه بغير علم وبغير توثيق وبغير تحقيق، خدعه، أجابه بغير الحقيقة التي يبحث عنها هذا السائل فهو مخادع شئنا أم أبينا، وما أكثر من يخادع بهذه الطريقة في هذه الأيام، إن عن سلامة قلب أو عن خبث، وأنا هنا لا تعني لي السلامة شيئاً، وإنما الذي يعني لي أن تكون سليماً أميناً في كلامك وفي سلامك وفي إجابتك. أنت لا تعرف بالسياسة وهذا ما قلته لأخٍ لي قبل أن أصعد المنبر، تُسأل وإذ بك تقول الرأي يصدر عنك بكل قوة، فأنت تخدع هذا الذي أمامك لأنك تقدم له الأمر غير مدروس وغير متحقق منه وغير موثق، فأنت تخدعه، وما المانع إذا سُئلت عن أمرٍ وأنت الشيخ، وكنت غير متأكد منه بالمئة مئة، أن تقول لا أدري ؟ وما المانع أن تقول لمن يسألك عن زيارة الرئيس الفلاني أو عن الشيخ الفلاني أو عما يجري في لبنان وفي فلسطين وفي القدس وفي المكان الفلاني إذا كنت غير متوثق وغير متأكد كما على الشمس، أن تقول لا أدري ؟ ما الذي يمنع أن تكون إنساناً يحترم ذاته وإنساناً ينظر إلى ذاته نظرة تقدير ونظرة إكبار ؟ الخديعة تتسرب فيك من غير أن تشعر، انظر تصرفاتك، أريدك هذا المساء حتى نكون عمليين أن تمتحن يومك من الصباح إلى المساء، كم مرة كنت مُخادعاً في سلوكك وفي إجاباتك وفي كلامك ومع زوجتك ؟ كم مرة خدعت من أمامك إن بعلم أو بغير علم، إن بإصرار أو بغير إصرار ؟ انظر نفسك وضع علامة لنفسك، فسترى أننا نخدع كثيراً في يومنا، ولذلك علينا أن يحذر كلٌ منا نفسه من أن يكون مخادعاً، لأن الخداع طريق النفاق، ولأن الخداع عين النفاق، ولأن الخداع علامة النفاق، ولأنك إذا خدعتني فستخدع الله، ولأنك إذا تخدع الله ستخدعني، ولأنك إن كذبت عليَّ كذبت على الله، ولأنك إن كذبت على الله فستكذب علي. العلامة الأولى المكر والخديعة.

العلامة الثانية: التثاقل عن الطاعة، لذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) روى ذلك البخاري، وهنا لا يقتصر الأمر على الصلاة، لا يظنن من يصلي منكم الفجر أنه نجا من التثاقل عن الطاعة لأن الطاعة لا تُحصَر بالصلاة، إذا تساهلتَ عن إغاثة الملهوف فأنت في طريقك إلى النفاق، لأن إغاثة الملهوف طاعة، بل تكاد تفوق طاعة الصلاة حين وجود الملهوف، إذا تثاقلتَ عن دعم جارك، عن نصرة جارك، فأنت في طريقك إلى النفاق، قلت هذا لأن ثمة أناساً يصلون الفجر بنشاط، ويصلون العشاء بنشاط، ومع الإمام وفي المسجد، وبالتالي ربما إذا سمعوا ذلك قالوا نحن بمنجىً عن أن نكون في طريقنا إلى النفاق، لا، لستم بمبعدين عن هذا الاحتمال، انظروا تثاقلكم عن الطاعة في أشياء أخرى فيما يتعلق بإعانة الناس، وفيما يتعلق بتنفيس الكرب عن الناس، وفيما يتعلق بتربية الأولاد، فيما يتعلق برعاية الحرمات، فيما يتعلق برعاية الحلال والحرام في التجارة والصناعة، فيما يتعلق بالكلمة التي تقولونها والتي ربما تفسد بالناس أكثر مما يفسد ترك الصلاة، فانتبهوا يا هؤلاء، العلامة الثانية التثاقل عن الطاعة، والطاعة ليس لها صورة واحدة وإنما هي صورٌ كثيرة متنوعة كتنوع الحياة، فانظروها ولينظر كلٌ منا نفسه.

ذكرت علامتين أو صفتين أو سِمتين للمنافقين، لكنني أعدكم إن شاء الله أن أكمل السِّمات، وأؤكد للمرة الثالثة هذه الصفات من أجلنا، من أجل كل واحدٍ على نفسه وعلى ذاته وليس من أجل أن تأخذها علامة أو إشارة أو بصمة تنظر الآخرين، هل أضع هذه على هذا أو ذاك، لا، وإنما هذا من أجلك أنت لك أنت ومن أجلك عليك.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نكون مؤمنين طائعين وأن يجنبنا كل مزالق الكفر والنفاق، وأن يجعلنا دائماً على مثل الشمس نشهد، وأن يوفقنا من أجل أن نرعى حرمات بعضنا وأن يجعلنا من الراشدين، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 15/10/2010

التعليقات

شاركنا بتعليق