آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات رمضان

من صفات رمضان

تاريخ الإضافة: 2004/10/21 | عدد المشاهدات: 5135

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون الصائمون :
ما أعظمَ رمضان وما أجملَ رمضان ، وما أحرانا على أن نكون على مستوى رمضان ، على مستوى شهر الصيام ، على مستوى شهر القرآن ، وحين أقول ما أحرانا فمن أجل أن نتحقق بصفات هذا الشهر ، فصفاته كلها رائعة جميلة . شهر رمضان هو شهر المواساة ، شهر الصبر ، شهر الأمان ، شهر الجهاد ، شهر الأخوة ، شهر اغتنام الفرص ، شهر العلم والمعرفة ، شهر كل الفضائل والقيم ، شهر كل المحاسن والآداب والأخلاق الحميدة . لذلك حينما أطالب نفسي وإياكم أن نكون على مستوى شهر رمضان فإننا نتوجه إلى أنفسنا من أجل أن نكون متصفين ولو بالقَدْرِ القليل بهذه الصفات . أدعو نفسي وإياكم إلى أن نقف كل مَغْرِبٍ عند الإفطار لنرى فيما إذا كنا قد تحققنا ببعض هذه الصفات إلى أن ينتهي رمضان ، ففي اليوم الأخير وفي العشر الأواخر علينا أن نقف مع أنفسنا لنرى فيما إذا كنا صابرين ، فيما إذا تحققنا بصفة شهر رمضان التي هي الصبر ، وفيما إذا كنا محسنين ، وفيما إذا كنا متقين ، وفيما إذا كنا مجاهدين ، وفيما إذا كنا إخوةً متضامنين متعاونين متباذلين ، وفيما إذا كنا متعلمين وعالمين وقرأنا وعرفنا وتعلمنا ، فيما إذا كنا من أهل القرآن فعشنا مع القرآن الكريم تلاوةً وقراءةً وتدبراً وهكذا ..
يا أيها الشهر الفضيل : أنت شهر الجهاد لأن بدراً كانت فيك ، وبدر هي يوم الفرقان ، وسأتحدث عنها سرداً في الأسبوع القادم إن شاء الله . يا شهر رمضان أنت شهر الجهاد فيك غزوة الفتح ، وهي أهم غزوة وأهم فتح فيك ، وفيك الفتح التي هي الفتح العظيم
﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا الفتح : 1 فيا إخوتي يا أيها الصائمون : تحققوا بالجهاد ، ولا أريد أن أكرر ما قد قلته سابقاً ، لكنني أقول : " من لم يغزُ " كما جاء في صحيح الإمام مسلم " من لم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " فنحن الآن وإن كنا لا نغزو فعلياً أو عملياً فلا أقلَّ من أن نحث أنفسنا إذا ما نادنا منادِ الجهاد لنكون جاهزين ، نقول لهذا المنادي الذي ينادي باسم الله : يا خيلَ الله اركبي . لبيك يا ربنا إلى جهادٍ نَفِي بوعدنا فيه معك لأنك اشتريت منا يا ربنا : ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة التوبة : 111 فمن لم يغزُ أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق . ولا أقلَّ أيها ألأخ المسلم الصائم من أن تدعو لإخوانك المجاهدين ، من أن تدعو لإخوانك فسيُكتَبُ ذلك تحديث نفسٍ بالغزو ، إذا دعوتَ لإخوانك المجاهدين عند الإفطار وفي السحور وما بينهما فأرجو اللهَ أن تُكتَب عنده من الذين يُحدِّثون أنفسهم بالغزو . أدعو الله أن ينصر إخواننا في فلسطين وأن ينصر إخواننا في العراق وأن يدحر الصهاينة المجرمين والأمريكيين الفاسدين إِنْ في فلسطين أو في غير فلسطين ، إن في القطاع أو القدس أو في بغداد أو في الفلوجة أو في أي مكان . فاللهم نسألك نصراً للمسلمين يا رب العالمين .
رمضان أيضاً شهر الأخوة . خطر ببالي أيها الأحبة الصائمون أن الإسلام جعل للرضاع أخوة ، فإذا ما رضعتَ مع إنسانٍ ما ولو مَصَّة ، ولو قَطرة ، ولو أقلَّ من قطرة كنت أخاً لهذا الذي رضعتَ معه ، وكنت ابناً لهذه الذي رضعتَ منها ، أفلا يجدر بنا أيضاً أن نتحقق بأخوة الصيام ، والصيام رَحِمٌ ، لأنك تشتركُ مع أخيك في الامتناع عن الطعام والشراب والمُفَطِّرات من الفجر وإلى المغرب . هذا أخوك الذي بجانبك يمتنع عن الطعام والشراب كما تمتنع . إذاً فكِّر في أخوته وفكر في بناء جسورٍ بينك وبينه ، وقل بينك وبين نفسك هذا أخي ، عَقَد أخوتي معه الله عز وجل حين قال :
﴿ إنما المؤمنون إخوة الحجرات : 10 هذا أخي ، فاللهم وفق أخي وادعو له كما تدعو لنفسك ، لأن المؤمنين كاليدين تغسل أحداهما الأخرى ، ولأن المؤمنون متضامنون هكذا يحبنا ربنا أن نكون ، ويوم القيامة سينادي ربنا كما جاء في الحديث الصحيح : " أين المتحابون فيَّ ، أين المتزاورون فيّ ، أين المتعاونون فيّ ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " شهر الأخوة . قرأتُ البارحة عبارةً لسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد شكا إليه عامله معاوية بن الحارث شكا إليه بعض المسلمين فأجابه عمر رضي الله عنه فقال له : يا هذا انصح أخاك ، ولكن إياك وكراهيته ، إياك والحقد عليه ، إياك ومعاداته ، فوالله لرجلٌ من المسلمين أحبُّ إليَّ من الروم وما حَوَت . هل تقول هذا لأخيك : لأنتَ يا أخي أحبّ إلي من غير المسلمين وما جمعوا ، أم أنك تذهب تُقطع أوصار الأخوة بينك وبين أخيك على أقل سبب ، وتنسى مشتركاتٍ بينك وبينه ، تنسى أنه صائم كما أنت صائم ، وتنسى أنه يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله كما أنت تقول ، وتنسى يا أخي أنه يقرأ القرآن كما تقرأ القرآن الكريم ، وأنه يصلي وأنه يوحد الله كما تفعل أنت ، ولربما كان في عمله هذا الذي ذكرناه كانَ أفضلَ منك ، ومن يدري يا هذا ؟ شهر رمضان شهر الأخوة تلتقي مع أخيك في صلاة التراويح وتلتقي معه في صلاة الفجر وتشترك معه في الصيام ، وبعد ذلك تعرض عنه وتسيء إليه ، وبعد ذلك تحمل عليه ، وبعد ذلك تؤذيه وبعد ذلك .. وبعد ذلك.. ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال يونس : 32 .
ثالثاً : شهر رمضان شهر الثبات . انظروا كيف يعلمنا رمضان الثبات ، لأنك تصوم ثلاثين أو تسعةً وعشرين يوماً ، تصومُ اليومَ بعدَ اليوم من غير انقطاع ، وهذا ما يعلمنا الثبات على الحق ، فرمضان شهر الثبات على الحق ، على المبدأ السليم . تصوم اليومَ الأول والثاني والثالث ولربما مللتَ ولكن ربك يقول لك صم أياماً معدودات ، صم شهر رمضان حتى تتعلمَ الثبات على الحق ، على محبة الله ، حتى تتقلد خُطَى الثابتين على هذا الدين الحنيف ، خُطَى المُضَحِّين من أجل رفعه كلمة الله التي هي الكلمة القويمة المستقيمة . كلما ذكرتك يا أيها الصحابي يا زيد ، وهذا زيد بن الدَّثِنه كما جاء في السيرة النبوية لابن اسحاق ولابن هشام عندما أَسَرَه المشركون وأرادوا صلبه ، وكلكم يعلم القصة لكنها درسٌ وأعظِم بها من درس في الثبات على الحق ، في الثبات على محبة الله ومحبة رسوله ، يقف أمامه أبو سفيان وقد رفع زيد رضي الله عنه من أجل أن يُصلَب لا لشيءٍ إلا لأنه قال ربي الله ، ورسولي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقف أمامه أبو سفيان وقال : يا زيد - وليتصور كل واحد منا أنه مكانه وأنه على الحال التي كان عليها زيد ، فماذا سيقول ؟ هل سيقول كما قال زيد بن الدثنة هذا - يا زيد : أتحبُّ لو أن محمداً هذا الذي اتبعتَه مكانك يصلب وأنك في بيتك آمن ؟ نظر إليه زيد وقال - وما أروع هذه الكلمة التي رُبِّينا عليها ولكننا لم نتأثر بها كثيراً وأسأل الله أن نتأثر بها وأن تكون دَيْدَناً لنا في حياتنا - نظر إليه زيد وقال : يا هذا ، والله ما أحب لو أني في بيتي آمن ، وأن محمداً يُشاكُ بشوكة في يده . التفت إليه أبو سفيان وقال : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ! فهل ستقول يا أخي مثل هذا الكلام لو أنك كنت مكان زيد ؟ اللهم اجعلنا كذلك يا رب ، اللهم اجعل شبابنا يفتدون إسلامهم بأرواحهم ، بأموالهم ، اللهم اجعل شبابنا ومثقفينا وكلنا يا رب يفتدون دينهم ، يفتدون توحيدهم ، يفتدون قرآنهم بهذا الذي سمعنا عن زيدٍ وعن سواه .
رمضان شهر اغتنام الفرص ، فرصه كثيرة إن فاتتك فرصة فلن تفوتك الفرصة التالية . جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُحضِر له المنبر في رمضان ، فلما ارتقى الدرجة الأولى قال : آمين ، ثم لما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين ، ثم لما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين . ثم خطب ، ثم نزل ققيل له : يا رسول الله كنتَ تُؤَمِّن فمن الذي كان يدعو ؟ فقال : " عَرَضَ لي جبريل فقال يا محمد بَعُدَ مَن أدركَ أبويه أو أحدهما فلم يُغفَر له . قل آمين فقلت آمين . ثم قال يا محمد : بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له قل آمين فقلت آمين . ثم قال يا محمد بَعُدَ من إذا ذكرتَ عنده فلم يصلي عليك قل آمين فقلت آمين . بَعُدَ من أدركَ رمضان فلم يغفر له لأن رمضان فيه فُرصٌ كثيرة الفرصة الأولى جاء في صحيحي البخاري ومسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر ما تقدم من ذنبه " هذه فرصة ، وفرصة ثانية جاء في الصحيحين : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فرصة ثانية ، وفرصة ثالثة : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " فرصة رابعة : " من قام ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب " فرصٌ كثيرة في رمضان فإن فاتتك هناك فرصة فاحرص على أن لا تفوتك فرصة ثانية وثالثة ، ولئن كنت مقصراً في فرصة فاسعَ لأن لا تفوتك الفرصة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة فـ " من أدى فريضةً في رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة فيمن سواه " اغتنموا فرصة رمضان بما ذكرنا ولكن ليس بالطعام والشراب ، لا تغتنم الفرص بالطعام والشراب وضياع الوقت والتيه وقلة المعروف وتضييعٍ لزمن اؤتمنت عليه من قِبَل ربك ، فكلنا مؤتَمنون على زمننا ، على عصرنا ، على عمرنا ، على وقتنا ، وهكذا .. أرأيتم يا إخوة ! حدثتكم عن صفاتٍ لرمضان . ولو وقفتُ أعدد صفاته كلها لطالَ بنا المطال ، ولكننا ذكرنا هذا ليكون الأمر أنموذجاً أو عَيِّنة كما يقال وتابعوا أنتم المسير ، تابعوا أنتم الاطلاع ، فأريدكم أن تتعلموا في رمضان ، فمن تعلم في رمضان مسألة كان له ثواب تعلم سبعين مسألة في غير رمضان ، لأننا كما قلنا وروينا عن سيدنا رسول من أدى فريضة في رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، والعلم فريضة ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، فهل تتعلم يا أخي في رمضان من مائدة القرآن أو من القرآن الكريم من دون أن نسمي القرآن مائدة ، فكفانا حديثا عن موائد ، فهل تتعلم يا أخي شيئاً من القرآن الكريم في كل يوم هل تتعلم من القرآن الكريم آياتٍ تتدبرها كلَّ يوم . أسأل الله ذلك لأنك في تعلمك من القرآن الكريم تقتدي بسيد المرسلين ، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدارسه ، أي يدرس معه ، يدارسه جبريل القرآن في رمضان أكثر منه في غير رمضان في كل يومٍ يدارسه القرآنَ ، مرتين :
﴿ لا تحرك لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه القيامة : 16 فيا أخوتي : لنتعلم في رمضان ولنقرأ السيرة في رمضان ولنقرأ الأحاديث في رمضان ولنشتغل بالدراسة يا أيها الطلاب في رمضان ، فرمضان مبارك ، اللهم بحق رمضان تقبل منا صيامنا واجعلنا من عتقائك من النار ، اجعلنا من عتقاء شهر رمضان وأدخلنا الجنة من باب الريان بسلام ، واحفظ بلادنا وادحر عدونا وأَعِد إلينا مقدساتنا يا رب العالمين يا مجيب السائلين ، حسبي الله ونعم الوكيل ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق