آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وداعاً يا رمضان .

وداعاً يا رمضان .

تاريخ الإضافة: 2001/12/14 | عدد المشاهدات: 3987

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون : 
روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " فإذا كان آخر يوم من رمضان غَفَر الله للصائمين جميعاً " ونحن نسأل ربنا إذ نسمع هذا الحديث الشريف أن تكون ذنوبنا قد غُفرت ، وعيوبنا قد سُترت ، وردتنا إلى ديننا قد قويت ، وأن تكون ردتنا عن ديننا قد انتهت . وأن يجعلنا من عتقائه من النار ، وأن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان ، وكما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون ، فإذا دخلوه أغلق " وبناء عليه نقول : وأدخلنا الجنة من باب الريان بسلام . 
رمضان : أيها الشهر الراحل ! ساعات وأنت تلملم لترحل عنا ولكنني أقول : 
يا رمضان ناجيناك حين أقبلت ، دعونا الله فيك إذ أتيت ، صليَّنا لربنا عز وجل في أيامك ولياليك إذ حللت ، نناشدك أن يكون الذين استودعناك مقبولاً عند الله . فيا ربَّ رمضان ، ويا رب شعبان وشوال وسائر الشهور والأعوام والسنين والقرون والأحقاب ، اغفر ذنوبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، واجعل الجنة مأوانا ، ردَّ شبابنا إلى دينك رداً جميلاً ، واحفظ علينا أوطاننا . 
أيها الإخوة : فليفكر كل منا فيما أودعه في رمضان ، فأيام رمضان قد ولت ، فماذا أودعتم فيها ؟! هل أودعنا فيها صياماً ؟ وهل كان الصيام على المستوى المطلوب ؟ هل أودعنا فيها قياماً ، وهل كان القيام على المستوى المطلوب ؟ هل أودعنا فيها أخلاقاً ، وهل كانت الأخلاق وفق شرع الله ؟ هل أودعنا فيها جهاداً ، وإخواننا في فلسطين يجاهدون ؟ هل أودعنا فيها دعماً لهم إن لم نجاهد معهم ؟ لنكن صرحاء ، فنحن مقصرون ، الشعوب العربية والحكومات العربية والإسلامية . أما الدليل فانظروا ما يحدث في فلسطين ، أطفال تقتل ، نساء تُستَحيا ، مدن تخرب ، شيوخ يُعتدى عليهم ، أطفال يخرجون من تحت الأنقاض ، بنات في عمر الورد يُخرَجن من تحت التراب . في الأسبوع الفائت قُتل أكثر من عشرة أطفال دون سن العاشرة ، وهدمت منازل يفوق عددها الخمسين ، ومبانٍ يفوق عددها العشرين ، وماذا يفعل أهل شهر رمضان ، شهر الجهاد والقتال ، شهر البدر والفتح ؟ 
لقد اكتفت الشعوب بصلاة التراويح بشكل احتفالي - ليس إلا - ، فصلاة التراويح غدت مهرجاناً يُبحث فيه عن الجامع الأكبر ، والصوت الأجمل ، ويبحث فيه عن الإمام الذي يُبَكِّيهم بقصص موهومة لا أصل لها ولا عذر له في رواية هذه القصص إلا أن الناس تبكي عند سماع مثل هذه القصص الباطلة الموضوعة . قلت لبعض الإخوة الذين يروون مثل هذه القصص : بدلاً من أن تُحدِّث الناس عن هذه الأشياء الواهية ، لتستجدي عاطفة موهومة ودموعاً لا أثر لها ، حدثهم عن شهيدٍ في فلسطين تراه بعينك ، حدثهم عن أم ثكلى ، عن طفل خرج من بيته ولم يعد ، حدثهم عن طفل اقتنصه القناصون الإسرائيليون وهو في حضن أمه ، حدثهم عن بيتٍ هدم ، عن مجموعة تستشهد وقد وُسِمَت من قبل إسرائيل وأمريكا بالإرهاب ، حدثهم عن واقع . ما لك ولقصة لا نعرف سببها ؟! هذه قصص إن سمعتموها فلا تقدموا لها عواطفكم ، واحفظوا عواطفكم لما صح من تاريخنا وواقعنا . فلا تقدموا عواطفكم رخيصة . نحن أمة غدت تعيش مهرجانات ضعيفة سخيفة لا أصل لها ولا طعم . 
ماذا أودعنا في رمضان ؟ سمعتم بالأمس أن أطفالاً قتلوا ، وأن شهداء سقطوا ، وأن رئيس السلطة الفلسطينية حوصر ، وأن ناشطاً في فتح احتجز أهله ، وأن حماس والجهاد قال عنهم الأوربيون والأمريكيون بأنهما شبكتا إرهاب يجب تفكيكهما . 
أوما سمعتم أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قال : لو كنت محل شارون لفعلت ما فعل شارون . إنه تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية . لعنك الله أنت وشارون ، ولعن كل من يقف في صفكم ، ولعن كل من يتطلع إلى مستقبل تكونون فيه أنتم أصحاب السيادة والقيادة ، فسيادتكم قذرة وقيادتكم حقيرة لأنكم لا تريدون للإنسانية الخير . 
أتوجه إلى الحكومات العربية والإسلامية وأنا لها ناصح : ماذا فعلتِ وأنت تشاهدين إخوتنا في فلسطين يُضربون عند الإفطار وفي الليل وفي المساجد ، فإلى متى أيتها الحكومات والشعوب . نحن نتمنى - وهذا رأيي - أتمنى من وسائل إعلامنا على سبيل المثال في البلاد العربية والإسلامية أن يظهر عليها مسؤولوا الدول ويقولوا لإخواننا في فلسطين نحن معكم - ولو كلاماً - وبكى هؤلاء المسؤولون ، أعتقد أن هذا سيخفف من آلام لإخوتنا في فلسطين ، لأن كلام الرئيس رئيس الكلام كما يقال . 
فيا أمتي : ماذا أودعتِ في أيام رمضان ؟ السؤال شاق على الإجابة ، لكن يجب أن نَسأل ، وإلا فهل تنتظرون معجزة تقع ؟ أنتم تشاهدون كيف يضرب العدو الأطفال والرجال والنساء ، ويضرب حماساً والجهاد والفصائل الأخرى . ولن يقف عند حماس والجهاد ، فها هو يضرب فتح وسيضرب والجبهة والديمقراطية وكل الفصائل بتعاون وسخ مع أمريكا وأوروبا . 
اتفق الأوروبيون والأمريكان على وصف حماس والجهاد بأنهما شبكتا تخريب . وما ذنب حماس والجهاد والجبهة ؟ لقد اعتدي عليهم ، وإذا ما قابلوا ذلك ببعضٍ مما يجب عليهم وصفوهم بالاعتداء . أما رأيتم أيها الغرب وأمريكان ما فعله الجزار شارون بأطفال العرب والمسلمين أن أنكم أعينكم عمي عن هذا الجزار اللعين ؟! ألا ساء ما تحكمون أيها البغاة والطغاة . 
أيها الإخوة : إن جمهورية إيران وعلى لسان الخميني رحمه الله قد جعل من الجمعة الأخير ة من رمضان يوماً للقدس ، وقد هدف من وراء ذلك إلى تعميم ثقافة القدس ، لأن هذا من ثقافة الأمور الهامة : " ومن أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " نريد أن نودع رمضان ولكن بشيءٍ من التمحيص والفحص لما وضعناه في رمضان . هل وضعنا إمساكاً عن الطعام والشراب ، وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما عند أبي داود يقول فيه : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " هل سنضع في رمضان إمساكاً عن طعام و شراب ، أم إمساك عن ذنوب وآثام ؟ أم إمساك عن تنافر وخصام ؟ وأنا منذ أكثر من سبعة عشر عاماً أخاطب العالم الإسلامي من أجل أن يتحد ، وأخاطب البلاد العربية والشعوب والرؤساء من أجل الوحدة . فنحن لا نريد بقعة جغرافية عربية تقوم عليها سبعة دول ، ولا نريد لبقعة جغرافية لا تتجاوز نصف دولة أوربية تقوم عليها عشرة دول ، ولا نريد لبقعة جغرافية تقوم عليها دولة واحدة أمريكية ونحن نقيم عليها عشرين دولة . إنه مطلب مشروع وأيم الحق . 
يا رمضان عذراً من أمة عرفتك فقط عند المغرب ، عرفتك مع كأس الماء وبضع تمرات وربما غيَّرت التمرات إلى حلويات ، عذراً يا رمضان من أمة عرفتك في صلاة للتراويح كرنفالية ، عذراً يا رمضان من أمة لم تتحدث بعد عن أهم المعارك التي كانت فيك كبدر والفتح وحطين وعين جالوت ، عذراً يا رمضان من أمة إن رأيتها في الشارع لم تحكم عليها بأنها من أمة الإسلام لفوضى تعيشها وعداوات فيما بينها ، عذراً يا رمضان . لا أقول هذا تثبيطاً ولا يأساً فأنا لا أحب اليأس ولا التثبيط ، ولكن من باب التعرية والنقد الذاتي ، فالنقد الذاتي طريق لإصلاح الأحوال والأوضاع . إلى متى أيها الإخوة . 
أسأل الله أن يوفق أمتي لتعيش رمضان على مستوى رمضان على ، مستوى هذا الشهر الكريم الذي عاشه سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم . 
يا رب نحن ضعفاء ، ولا نقول هذا من أجل الهروب ، ولكننا نقر ونعترف ونعاهدك وإن كنا سنخلف عهدنا ، لكن نعاهدك على أن نكون الأوفياء لرمضان القرآن ، لرمضان الجهاد ، لرمضان الخير ، لرمضان بدر والفتح . ندعوك بسر من قبلت صيامه ، وقبلت قيامه ، أن تنصر المسلمين وأن تحرر القدس من أيدي الصهيونيين . اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك . نعم من يُسأل أنت ونعم النصير أنت . 
أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق