أما بعد ، أيها الإخوة
المؤمنون :
روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " فإذا كان آخر يوم من
رمضان غَفَر الله للصائمين جميعاً " ونحن نسأل ربنا إذ نسمع هذا الحديث الشريف
أن تكون ذنوبنا قد غُفرت ، وعيوبنا قد سُترت ، وردتنا إلى ديننا قد قويت ، وأن
تكون ردتنا عن ديننا قد انتهت . وأن يجعلنا من عتقائه من النار ، وأن يجعلنا من
عتقاء شهر رمضان ، وكما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
: " إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون ، فإذا دخلوه
أغلق " وبناء عليه نقول : وأدخلنا الجنة من باب الريان بسلام .
رمضان : أيها الشهر الراحل ! ساعات وأنت تلملم لترحل عنا ولكنني أقول :
يا رمضان ناجيناك حين أقبلت ، دعونا الله فيك إذ أتيت ، صليَّنا لربنا عز وجل
في أيامك ولياليك إذ حللت ، نناشدك أن يكون الذين استودعناك مقبولاً عند الله .
فيا ربَّ رمضان ، ويا رب شعبان وشوال وسائر الشهور والأعوام والسنين والقرون
والأحقاب ، اغفر ذنوبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، واجعل الجنة مأوانا ، ردَّ
شبابنا إلى دينك رداً جميلاً ، واحفظ علينا أوطاننا .
أيها الإخوة : فليفكر كل منا فيما أودعه في رمضان ، فأيام رمضان قد ولت ، فماذا
أودعتم فيها ؟! هل أودعنا فيها صياماً ؟ وهل كان الصيام على المستوى المطلوب ؟
هل أودعنا فيها قياماً ، وهل كان القيام على المستوى المطلوب ؟ هل أودعنا فيها
أخلاقاً ، وهل كانت الأخلاق وفق شرع الله ؟ هل أودعنا فيها جهاداً ، وإخواننا
في فلسطين يجاهدون ؟ هل أودعنا فيها دعماً لهم إن لم نجاهد معهم ؟ لنكن صرحاء ،
فنحن مقصرون ، الشعوب العربية والحكومات العربية والإسلامية . أما الدليل
فانظروا ما يحدث في فلسطين ، أطفال تقتل ، نساء تُستَحيا ، مدن تخرب ، شيوخ
يُعتدى عليهم ، أطفال يخرجون من تحت الأنقاض ، بنات في عمر الورد يُخرَجن من
تحت التراب . في الأسبوع الفائت قُتل أكثر من عشرة أطفال دون سن العاشرة ،
وهدمت منازل يفوق عددها الخمسين ، ومبانٍ يفوق عددها العشرين ، وماذا يفعل أهل
شهر رمضان ، شهر الجهاد والقتال ، شهر البدر والفتح ؟
لقد اكتفت الشعوب بصلاة التراويح بشكل احتفالي - ليس إلا - ، فصلاة التراويح
غدت مهرجاناً يُبحث فيه عن الجامع الأكبر ، والصوت الأجمل ، ويبحث فيه عن
الإمام الذي يُبَكِّيهم بقصص موهومة لا أصل لها ولا عذر له في رواية هذه القصص
إلا أن الناس تبكي عند سماع مثل هذه القصص الباطلة الموضوعة . قلت لبعض الإخوة
الذين يروون مثل هذه القصص : بدلاً من أن تُحدِّث الناس عن هذه الأشياء الواهية
، لتستجدي عاطفة موهومة ودموعاً لا أثر لها ، حدثهم عن شهيدٍ في فلسطين تراه
بعينك ، حدثهم عن أم ثكلى ، عن طفل خرج من بيته ولم يعد ، حدثهم عن طفل اقتنصه
القناصون الإسرائيليون وهو في حضن أمه ، حدثهم عن بيتٍ هدم ، عن مجموعة تستشهد
وقد وُسِمَت من قبل إسرائيل وأمريكا بالإرهاب ، حدثهم عن واقع . ما لك ولقصة لا
نعرف سببها ؟! هذه قصص إن سمعتموها فلا تقدموا لها عواطفكم ، واحفظوا عواطفكم
لما صح من تاريخنا وواقعنا . فلا تقدموا عواطفكم رخيصة . نحن أمة غدت تعيش
مهرجانات ضعيفة سخيفة لا أصل لها ولا طعم .
ماذا أودعنا في رمضان ؟ سمعتم بالأمس أن أطفالاً قتلوا ، وأن شهداء سقطوا ، وأن
رئيس السلطة الفلسطينية حوصر ، وأن ناشطاً في فتح احتجز أهله ، وأن حماس
والجهاد قال عنهم الأوربيون والأمريكيون بأنهما شبكتا إرهاب يجب تفكيكهما .
أوما سمعتم أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قال : لو كنت محل شارون لفعلت
ما فعل شارون . إنه تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية . لعنك الله أنت
وشارون ، ولعن كل من يقف في صفكم ، ولعن كل من يتطلع إلى مستقبل تكونون فيه
أنتم أصحاب السيادة والقيادة ، فسيادتكم قذرة وقيادتكم حقيرة لأنكم لا تريدون
للإنسانية الخير .
أتوجه إلى الحكومات العربية والإسلامية وأنا لها ناصح : ماذا فعلتِ وأنت
تشاهدين إخوتنا في فلسطين يُضربون عند الإفطار وفي الليل وفي المساجد ، فإلى
متى أيتها الحكومات والشعوب . نحن نتمنى - وهذا رأيي - أتمنى من وسائل إعلامنا
على سبيل المثال في البلاد العربية والإسلامية أن يظهر عليها مسؤولوا الدول
ويقولوا لإخواننا في فلسطين نحن معكم - ولو كلاماً - وبكى هؤلاء المسؤولون ،
أعتقد أن هذا سيخفف من آلام لإخوتنا في فلسطين ، لأن كلام الرئيس رئيس الكلام
كما يقال .
فيا أمتي : ماذا أودعتِ في أيام رمضان ؟ السؤال شاق على الإجابة ، لكن يجب أن
نَسأل ، وإلا فهل تنتظرون معجزة تقع ؟ أنتم تشاهدون كيف يضرب العدو الأطفال
والرجال والنساء ، ويضرب حماساً والجهاد والفصائل الأخرى . ولن يقف عند حماس
والجهاد ، فها هو يضرب فتح وسيضرب والجبهة والديمقراطية وكل الفصائل بتعاون وسخ
مع أمريكا وأوروبا .
اتفق الأوروبيون والأمريكان على وصف حماس والجهاد بأنهما شبكتا تخريب . وما ذنب
حماس والجهاد والجبهة ؟ لقد اعتدي عليهم ، وإذا ما قابلوا ذلك ببعضٍ مما يجب
عليهم وصفوهم بالاعتداء . أما رأيتم أيها الغرب وأمريكان ما فعله الجزار شارون
بأطفال العرب والمسلمين أن أنكم أعينكم عمي عن هذا الجزار اللعين ؟! ألا ساء ما
تحكمون أيها البغاة والطغاة .
أيها الإخوة : إن جمهورية إيران وعلى لسان الخميني رحمه الله قد جعل من الجمعة
الأخير ة من رمضان يوماً للقدس ، وقد هدف من وراء ذلك إلى تعميم ثقافة القدس ،
لأن هذا من ثقافة الأمور الهامة : " ومن أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
" نريد أن نودع رمضان ولكن بشيءٍ من التمحيص والفحص لما وضعناه في رمضان . هل
وضعنا إمساكاً عن الطعام والشراب ، وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما
عند أبي داود يقول فيه : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن
يدع طعامه وشرابه " هل سنضع في رمضان إمساكاً عن طعام و شراب ، أم إمساك عن
ذنوب وآثام ؟ أم إمساك عن تنافر وخصام ؟ وأنا منذ أكثر من سبعة عشر عاماً أخاطب
العالم الإسلامي من أجل أن يتحد ، وأخاطب البلاد العربية والشعوب والرؤساء من
أجل الوحدة . فنحن لا نريد بقعة جغرافية عربية تقوم عليها سبعة دول ، ولا نريد
لبقعة جغرافية لا تتجاوز نصف دولة أوربية تقوم عليها عشرة دول ، ولا نريد لبقعة
جغرافية تقوم عليها دولة واحدة أمريكية ونحن نقيم عليها عشرين دولة . إنه مطلب
مشروع وأيم الحق .
يا رمضان عذراً من أمة عرفتك فقط عند المغرب ، عرفتك مع كأس الماء وبضع تمرات
وربما غيَّرت التمرات إلى حلويات ، عذراً يا رمضان من أمة عرفتك في صلاة
للتراويح كرنفالية ، عذراً يا رمضان من أمة لم تتحدث بعد عن أهم المعارك التي
كانت فيك كبدر والفتح وحطين وعين جالوت ، عذراً يا رمضان من أمة إن رأيتها في
الشارع لم تحكم عليها بأنها من أمة الإسلام لفوضى تعيشها وعداوات فيما بينها ،
عذراً يا رمضان . لا أقول هذا تثبيطاً ولا يأساً فأنا لا أحب اليأس ولا التثبيط
، ولكن من باب التعرية والنقد الذاتي ، فالنقد الذاتي طريق لإصلاح الأحوال
والأوضاع . إلى متى أيها الإخوة .
أسأل الله أن يوفق أمتي لتعيش رمضان على مستوى رمضان على ، مستوى هذا الشهر
الكريم الذي عاشه سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
يا رب نحن ضعفاء ، ولا نقول هذا من أجل الهروب ، ولكننا نقر ونعترف ونعاهدك وإن
كنا سنخلف عهدنا ، لكن نعاهدك على أن نكون الأوفياء لرمضان القرآن ، لرمضان
الجهاد ، لرمضان الخير ، لرمضان بدر والفتح . ندعوك بسر من قبلت صيامه ، وقبلت
قيامه ، أن تنصر المسلمين وأن تحرر القدس من أيدي الصهيونيين . اللهم عليك بهم
فإنهم لا يعجزونك . نعم من يُسأل أنت ونعم النصير أنت .
أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات