آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المجتمع الإسلامي المنشود -1

من صفات المجتمع الإسلامي المنشود -1

تاريخ الإضافة: 2011/09/09 | عدد المشاهدات: 3470

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، يا أيها المواطنون:

رحم الله شهداءنا وأمَّننا في أوطاننا.

أيها الإخوة:

طُلب مني أن أتحدث عن مجتمعٍ إسلامي منشود عبر إذاعة دولية، فهم يريدون أن يتعرفوا على صفات المجتمع الذي يصنعه الإسلام، وعلى صفات المجتمع الذي يفرزه القرآن.

أجبتهم بأن ما أراه في هذا الشأن هو:

الإسلام يريد مجتمعاً لا أقول مثالياً، لكنه يريد مجتمعاً يتصف بشكل عام بكل الصفات الحميدة التي ينشدها الإنسان أينما كان.

أنت أيها الإنسان الذي تعيش في الغرب أو في الشرق ما أعتقد أنك تختلف عندما تنطلق من ذاتك مع الإنسان الآخر في توصيف القيم الخيرة وفي توصيف ما يسمى بالصفات السلبية، لا أريد أن أطيل عليكم في هذا التقديم لكنني سأدخل في الحديث مباشرة عن سِمات ما نريد نحن في المجتمع من خلال القرآن ومن خلال السنة الشريفة.

أولاً: هذا المجتمع فيه رقابة الله فاعلة، وإذا خلا أي مجتمع من رقابة الله فلا تسمِّ هذا المجتمع مجتمعاً إسلامياً، نريد مجتمعاً يتصف برقابة الله، يتصف بالوازع الديني، يتصف بأن الفرد فيه أو أن الإنسان فيه أو أن المواطن فيه يخاف الله عندما يخلو بينه وبين نفسه، يخاف الله في سره وإعلانه، يراقب الله عز وجل في كل حركاته وسكناته: ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه﴾ نريد مجتمعاً فيه محكمة الضمير فاعلة ومفعَّلة، نريد مجتمعاً يعنون بهذا الكلام العظيم الذي قاله سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم والبخاري: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) نريد مجتمعاً يتصف بالتقوى، والتقوى إخلاص: (التقوى ههنا، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره) توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ذر رضي الله عنه فقال: يا أبا ذر، عليك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله) وتقوى الله أن تراقب نفسك لتكون في السر كما أنت في العلن، هذا الفِصام هو الذي نرفضه، أتريدون مجتمعاً إسلامياً ؟ على هذا المجتمع أن تخيِّم فيه رقابة الله عز وجل، أن يكون الإنسان بينه وبين نفسه كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - كما في الحديث الصحيح -: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، نريد مجتمعاً أفراده يراقبون الله، نريد مجتمعاً أفراده يخشون الله في سرهم وإعلانهم، اليوم تكاد تكون هذه الصفة معدومة، فنحن نفعل في العَلَن مالا نفعل في السر، ونفعل في السر ما لا نفعل في العلن، صلاتنا أمام الناس تفوق صلاتنا أمام أنفسنا نوعية وشكلية وإتقاناً وإحساناً، كلامنا مع مَن أمامنا يختلف عندما يكون هنالك جمهور يختلف مع كلامنا الذي نتكلم به مع مَن أمامنا عندما لا يكون ثمة جمهور، الواحد منا في غرفته والواحد منا في شارعه، وانظروا شوارعنا إذ يغيب الرقيب البشري نتمادى في الفوضى، وانظروا شوارعنا، وانظروا بائعينا، وانظروا أولئك الذين ينشطون، سيقومون ببناء ما يسمى بالبناء المخالف، نخاف من الرقيب البشري، أما الرقيب الإلهي، أما الله فلم نعُدْ نحسب له حساباً، أفيجوز هذا يا إخوتي ؟ أفيجوز هذا يا شباب ؟ أين تقوى الله وأنت في السر. إن لم يكن في المجتمع محكمة الضمير تفتح أبوابها 24 ساعة فلن يكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً، المحاكم تفتح أبوابها حتى الساعة الثالثة، لكن محكمة الضمير مفتوحة الأبواب في الليل والنهار، فهل أنت تنصت إلى ضميرك ؟ وقد قلت لكم سابقاً بأن الضمير هو صوت الله فيك، فهل أنت كذلك ؟

رضي الله عن عبد الله بن عمر، وقد حدّثنا هذا الرجل عن غلام يرعى أغناماً لسيد له، اقترب منه عبد الله بن عمر فقال له: يا غلام لمن هذه الأغنام ؟ قال لسيدي وأنا أرعاها له ، قال له يا غلام أعطنا شاة فنحن جياع. فقال لست موكلاً بذلك. قال إذن نعطيك ثمنها. قال لست موكلاً أيضاً بالبيع ولا بالهبة. فقال: أعطنا شاة وخذ ثمنها وإذا جاء سيدك فقل لسيدك أكلها الذئب – يمتحنه - أوَلا يصدقك ؟ قال نعم يصدقني ولكن أين الله ! فهل تقول أنت أيها التاجر، أنت أيها الموظف، أنت أيها العامل، أنت أيها المسؤول مهما كان حجم مسؤوليتك: هل تقول ولكن أين الله ؟ سُرّ سيدنا عبد الله بن عمر بهذا، ونحن سررنا بأننا ننتمي لمثل هذا الغلام، ولكن هل وضع شبابنا أمام أعينهم مثل هذا الشاب ليكون لهم قدوة في الكلام ؟ نسمع هنا كلاماً بذيئاً، وهناك كلاماً بذيئاً، وأسمع لهواً ولغواً، وأسمع إزعاجاً من هنا وهناك، وكأن هذا المجتمع الذي نعيش فيه لا ينتسب لهذا الذي قال صلى الله عليه وآله وسلم: (التقوى ههنا)، و: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). الصفة الأولى لمجتمع منشود رقابة الله. وإلا قلا قيمة لكم لأننا ندّعى في الظاهر بأننا نعبد الله فإذا ما جاء أمر البرهان والتثبيت والتدليل لم نكن كذلك.

الصفة الثانية لمجتمع منشود: كرامة الفرد وحفظ حقوقه: هل قرأتم القرآن في رمضان ؟ قرأتم القرآن في رمضان، فهل مررتم على الآيات التي ترعى الإنسان أينما كان هذا الإنسان، أولم تقرؤوا في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾، وهل أنت ممن يبخس الناس أشياءهم وحقوقهم أم لا ؟ إني لأراك باخساً وتبخس شئت أم أبيت، أنت الذي تريد أن تقول لمن تحب أحسنت، ولمن لم تحب لم تحسن حتى وإن أحسن، ما هكذا تورد يا سعد الإبل، نحن أُمرنا ألا نبخس الناس أشياءهم، كرامة الفرد وحفظ حقوقه مَن كان وما كان، هذا هو الإسلام يا ناس، أما إن صدَرَت عبارة رائعة عن إنسان لا تحبه فإنك ستخفيها، وسيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حديثٍ حسَّنه بعضهم: (اللهم إني أعوذ بك من جار سوء، إن رأى حسنة كتمها، وإن رأى سيئة نشرها) ونحن كذلك، مَن نحب نؤلّه، ومن لا نحب نشتم ونسب ونرفض، حتى وإن كان له حق، حتى وإن قال عبارة جيدة، فنحن ممن يبخس الإنسان أشياءه، القرآن يقول: ﴿وقولوا للناس حسناً﴾ وقد عاهدنا أنفسنا على أن نخالف القرآن، لن نقول للناس حسناً، سنقول لمن يكون مع هوانا حسناً، أما من خالف هوانا لن نقول له حسناً، ولا تحلم أيها الإنسان الذي خالفت هوانا أن نقول لك أحسنت. كرامة الفرد وحفظ حقوقه، يا ناس يا أمة الإسلام: (المسلم أخو المسلم) في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم، مَن المسلم ؟ الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، هلا شققتَ على قلبه، (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.... كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) يقول سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لمسلمٍ أن يُروِّع مسلماً) كما في سنن أبي داود، وأنت تروعني يا أخي ويشهد الله، أنا أروعك وأنت تروعني، أصبح الواحد منا يخاف عندما يأتي المسجد، ويخاف إذ يكبِّر الإنسان، أصبحنا نخاف من بعضنا شئنا أم أبينا، ولقد قال لي أكثر من واحد بأنه لم يعد يريد أن يصلي الجمعة لأنه يخاف: (لا يحل لمسلمٍ أن يروع مسلماً) اتقوا الله يا ناس، اتقوا ربكم الذي تؤمنون به، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الطبراني: (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة).

يأتيني سائل يسألني لكنه من خلال نظراته يريد - كما يقال - أن يأكلني، يكلمني بنظراتٍ مرعبة، وأكلمه بنظرات مرعبة، يسألني وكأنه من خلال نظراته يهددني، أسأله ولكني من خلال نظراتي أهدده، أصبح التهديد بالنظرات والإشارات بيننا أمراً معهوداً معلوماً مستفيضاً معروفاً كثيراً وفيراً: (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة). حيَّ الله نظرة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان ينظر إلى الناس وكانت النظرات منه تشعُّ أماناً واطمئناناً، حتى للجمادات، ألم تسمعوا بأن الجذع بكى لما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا في الحديث الصحيح، بكى الجذع حينما ارتفعت عنه يد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، نحن الآن الجذع يستعيذ منا ويقول ويسأل ربه أن نتركه وأن يتركنا، يقول جرير بن عبد الله البجلي كما في الترمذي وكان طفلاً صغيراً يتحدث عن نفسه ويقول: والله ما رآني رسول الله إلا تبسم لي. (كل المسلم على المسلم حرام)، ألم تقرؤوا قوله تعالى: ﴿لا يسخر قوم من قوم﴾ ألم تقرؤوا في القرآن: ﴿ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه﴾، قرأنا يا إخوتي لكننا لم ندرك ولم نعِي ولم نطبّق، لله أنتِ يا أمتي تقولين وتتحدثين مع الناس كلاماً رائعاً إذ تتحدثين عن سيدي رسول الله، لكن مما يؤسف له أن واقعك يخالف هذا الذي تدَّعين وانظري الحال هنا في المسجد، في الشارع، في المدرسة، في الجامعة، في المتجر، في السوق... انظروا أسواقنا هل هي هذه الأسواق التي ننشدها، ما أظن.

الصفة الأولى رقابة الله، والصفة الثانية كرامة الفرد وحفظ حقوقه. وثمة صفات أخرى لن أستعرضها هذا الأسبوع، سأرجئها إلى الأسبوع القادم، وآمل أن نعيش مع هذه الصفات، أن يعيش كل منا مع هذه الصفات عيشاً ملؤه المحاولات للتطبيق على نفسه، وأركِّز على هاتين الصفتين ليكون الحديث في الأسبوع القادم عن صفاتٍ أخرى لمجتمع منشود طالما تسعون أنتم لمجتمع قادم حضاري متقدم، وهذا الذي آتي به هو من قرآنكم الذي تؤمنون به، ومن كلام سيدكم وسيدنا وسيد البشرية الذي تعظمونه وتقدرونه، فأين أنتم من كتابكم وكتابنا العظيم، وأين أنتم وأين نحن من رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم إني أسألك أن توفقنا يا ربنا لإنسانٍ سويّ أراده القرآن، لإنسان صالح أراده القرآن، وأراده سيد ولد آدم محمد العدنان صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم اغفر لنا ما نقول، ووفقنا لفعلٍ صالح ترضاه، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 9/9/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق