أما بعد ، أيها الإخوة
المسلمون المؤمنون إن شاء الله :
قالوا لي حَدِّد الأولويات ، فقلت : الوحدة أولاً . قالوا لي : بِمَ تحبذ أن
يشتغل الفقهاء ؟ قلت بفقه الوحدة أولاً . قالوا لي : ما أهم مقومات طلب النصر
من الله ؟ قلت لهم : الوحدة بين المسلمين في مواجهة عدوهم أهم مقومات طلب النصر
، ولم أقل أهم مقومات النصر لأن النصر من عند الله ، وعلينا أن نطلب النصر
بأسبابه المشروعة . ومن أجل أن نحصل على الوحدة لا بد من إصلاح ذات البين . إن
لم نصلح ذات بيننا ، فلا يمكن أن تتحقق وحدتنا ، لأن الوحدة في النهاية حصيلة
لأناس أصلحوا فيما بينهم ، لأن الوحدة في النتيجة نتيجة لأناس كانت علاقتهم
فيما بينهم طيبة صالحة قائمة على محبة ونصيحة ( لا خير في كثير من نجواهم إلا
من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) الله عز وجل قال : ( فاتقوا الله
وأصلحوا ذات بينكم ) إنه أمر ، والله عز وجل قال : ( إنما المؤمنون إخوة
فأصلحوا بين أخويكم ) أصلحوا فيما بينكم ، أزيلوا البغضاء من قلوبكم نحو بعضكم
، أزيلوا الشحناء التي تراكمت في صدوركم نحو بعضكم فذاك أهم ما يشكل أساساً
لوحدة منشودة مطلوبة بين المسلمين . أولا تريد أيها الإنسان أن تقوم بالصدقات
الواجبة عليك ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم : " كل
سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة ، -
وفي رواية - تصلح بين الاثنين صدقة " أصلح فيما بينك وبين الآخرين فهذا صدقة ،
وهذه الصدقة واجبة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : عليه أي يجب عليه
أن يتصدق ، حتى الكذب ( الرذيلة ) تباح من أجل إصلاح ذات البين ، يقول صلى الله
عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم : " ليس الكذاب الذي يصلح بين اثنين ،
فينمي خيراً أو يقول خيراً " هذا ليس بكذاب الذي يأتي ذاك وهذا فيقول للأول :
إن فلاناً يقول عنك خيراً حتى ولو لم يقل الثاني عنه خيراً فلست بكذاب . ويقول
صلى الله عليه وآله وسلم - والكلام دعوة للنصر والمناصرة ولإصلاح ذات البين
والاجتماع - كما في البخاري : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً . قالوا : ننصره
مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ؟! قال : تحجزه عن ظلمه " .
الوحدة وفقه الوحدة أولاً أهم مقومات طلب النصر ، ونصل إليها بطلب إصلاح البين
الذي هو صدقة ، وأبيح من أجله الكذب ، وعكس ذلك منهي عنه وحرام ، هكذا يقول سيد
الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : " لا تحاسدوا ولا
تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ، ولا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث
- وفي روايات كثيرة - ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " ، وقد جاء في صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأرجو أن ننتبه إلى أحاديث تشكل في
نظري منطلقات لفقه الوحدة ، وأخص بالمناداة طلاب العلم والمثقفين والساعين لفقه
الوحدة ولتأصيل الوحدة ، فإننا نريد من المجامع الفقهية ومن المراكز الثقافية ،
ولجان البحوث والشؤون العلمية أن يدرسوا الوحدة وأن يقدموا المشاريع فيما يخص
وحدة المسلمين وكيف تتحقق الوحدة وأركانها ، وأن يقدموا للعالم كيف يوحد
الإسلام أتباعه ، لأن العالم اليوم ينشد فيما ينشد مبدأً يوحد جماعته وأتباعه
ولا يريد مبدأً يجعل أتباعه مختلفين ، ولئن قلتَ لي : إن الإسلام يوحد أتباعه .
أقول لك : لا يكفي الكلام ، بل لا بد من تقديم واقع يدعم هذا الكلام . ستقول
لغربي يبحث عن مبدأٍ يوحد أتباعه : إن الإسلام يوحد أتباعه وهذا هو القرآن يقول
: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) وهذا النبي يقول : " وكونوا عباد الله إخواناً
" لكنه يقول لك : وأين الواقع الذي يدعم هذا ؟! ستسكت أنت لأن الواقع لا يُسعفك
ولا يدعمك ، لأننا مختلفون متعادون متفرقون ، يعادي الواحد منا الآخر ، ويعيش
الواحد منا على عداوة الآخر ، وتعيش الدولة على حساب عداوتها للدولة الأخرى
التي هي عربية كما هي ، وهي مسلمة كما هي ، ولكن بالرغم من العروبة والإسلام
لكننا نرى العداوة بين الدول العربية المسلمة مستحكمة ، هل أصبح من المحظور
علينا أن نفكر بوحدة عربية تكون نواة لوحدة إسلامية ؟! لماذا نعيش في وطن عربي
ولكنه قسم إلى اثنتين وعشرين دولة ، هنالك دولة لا يتجاوز عدد أفرادها النصف
مليون وتسمى مملكة ، وهنالك دولة أخرى لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة أرباع
المليون وربما كانت تشجع مباراة ما عدد المشجعين في هذه المباراة كعدد أفراد
هذه الدولة ، وهي إمارة ودولة ولها سفارات في كل العالم ، وهنالك دولة ثالثة
ورابعة ، ولعلك إذا جمعت ثماني دول لم يتجاوز عدد هذه الدول الخمسة ملايين ،
وأمامنا أمريكا التي نسميها الولايات المتحدة الأمريكية عدد سكان الولايات
المتحدة الأمريكية بلغ حتى اليوم ثلاثمائة مليون ونحن مبعثرون ، لذلك أقول :
انظروا هذه الأحاديث بعد الآيات من أجل منطلقات لدراسة الوحدة مشروعاً يجب أن
يطبق وينفذ . ونحن نناشد رؤساء الدول العربية والإسلامية أن يشكلوا لجاناً -
وهذا ما يؤمنون به - أن يشكلوا لجاناً علمية وفقهية وثقافية لوضع مشاريع فقهية
ثقافية لوضع مشاريع للوحدة ، لوحدة المسلمين ، لوحدة العروبة ، لوحدة العروبة
التي تشكل نواة لوحدة المسلمين ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح
مسلم : " تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل لمن شاء إلا
من أشرك ، إلا رجل ( إلا ليست هنا استثناء وإنما أداة توقيت ) إلا رجل بينه
وبين أخيه شحناء " هذا لا يغفر الله ، ولكن لا يعني أنه لا يغفر الله له ، يعني
يلعنه الله ، ولكن فأمره موقوف " إلا رجل يقول الله عز وجل : " أنظروا هذين حتى
يصطلحا " ويكررها المصطفى ثلاث مرات .
أوليست هنالك شحناء فيما بيننا ؟ إذا نحن من المنظرين أمام مغفرة الله حتى
نصطلح ، فاصطلحوا يا عرب ، اصطلحوا يا مسلمون لأن المغفرة لا تطالكم ، ولأن
أبواب الجنة لن تستقبلكم متفرقين ، ولأنكم لستم في عداد المغفور لهم ، ويقول
صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : " إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون
في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريش فيما بينهم " ولا يزال يعمل بها ويستجيب
من في الجزيرة العربية ، وفي بلاد الشام من يستجيب لذلك أيضاً ، في أقدس
الأماكن في العالم ، اكتفى بالتحريش ، أن تستجيب للشيطان حينما يحرشك بأخيك ،
يكفي الشيطان ذلك لأنه سيفرق بينكم حتى ولو كنتم صالحين ، لكنكم إذا كنتم
صالحين متفرقين فلا قيمة لكم ، القيمة في الصلاح والاجتماع ، القيمة في الإخلاص
واللقاء ، في العبودية لله والأخوة مع الإنسان ، هذه هي القيم وإلا : هنالك
هَمٌّ أساس : أن نتحد ونجتمع ونصلح ذات بيننا ، ونتنادى على كل المستويات لوحدة
، لاجتماع ، وإذا سألتم على أي شيء نجتمع ؟ الجواب : نعرفه وتعرفونه : نجتمع
على الله ، على حبل الله ، على صراط الله المستقيم ، نجتمع على دين حنيف في وطن
نظيف ، نجتمع على خير من السماء ولا نجتمع على يسار ولا يمين ، اجتمعوا على
كلمة الله ( تعالوا إلى كلمة سواء ) يا أمة العالم نجتمع على الخالق الحكيم
العليم الخبير ، نجتمع على الله ، ونتلاقى في ساحة إرضاء الله ، نلتقي تحت قبة
رعاية الله ، القضية معروفة وواضحة وليسن بذات لبس أو غموض .
أيها الإخوة : دعوني أختم الحديث بشيء أريد الإشارة إليه ، نريد الوحدة ونريد
فقه الوحدة ، ونحن نعيش هذه الأيام انتفاضة أهلنا في الأرض المحتلة ، أقول
وأناشد طلاب العلم من فلسطينيين وغيرهم أن يدرسوا فقه الانتفاضة ، نحن مع
الانتفاضة ونتابع الانتفاضة ، ونريد لها أن تستمر ، ولكنني أريد انتفاضة رشيدة
مدروسة مؤصلة على دين الله ، نريد فقه الانتفاضة لأن أي أمر استجد ذهبت المجامع
فدرسته ، حدث الاستنساخ فتوجهت المجامع الفقهية وأعطت حكمها ، حدث ما يسمى
بأطفال الأنابيب ، قامت المجامع الفقهية فدرست هذا الأمر ، واليوم أين
الانتفاضة في المجامع الفقهية ، أين الانتفاضة في فقهنا المعاصر ، الانتفاضة
تعريفها وتحديدها ، متى تتوقف ولا تقف ، متى يكون أهلها قادرين على أن يكونوا
أكبر منها ، فالانتفاضة تابعة والمسلم هو المتبوع ، نريد أن نحكم الانتفاضة لا
أن تحكمنا ، نريد أن تكون الانتفاضة فعلة صادرة عنا بإرادة لا أن نكون منفذين
بانفعال ، مضى على الانتفاضة قرابة سنتين ، إذاً هي حالة أعتقد بناء على
الدراسات الاجتماعية ستستمر ، لأن أمراً استمر قرابة السنتين لا يمكن أن يقف ،
لكننا نريد أن تُدرس ، ودراستها تزيد من استمرارها ، وإذا لم ندرسها فهذا يعني
أننا نساهم في إيقافها ، إذا قصرت المجامع الفقهية فيجب على طلابنا في الدراسات
العليا على سبيل المثال أن يتناول بعضهم الانتفاضة ليقدمها أطروحة للماجيستير
أو للدكتوراه ، نريد أن نقول للآخرين لسنا أمة انفعالية لكننا أمة ذات فعل
وإرادة ، وانتفاضتنا هذه ليست عشوائية أو قضية تابعة لعاطفة محضة ، لكنها
مدروسة ومؤصلة ، الانتفاضة تَجَلٍّ من تجليات فريضة الجهاد ونحن كما قلت سابقاً
قصرنا في دراسة الجهاد ووضعنا الجهاد في ساحة العاطفة ، فأي إنسان نادانا إليه
ذهبنا خائفين منه ولم ندرس الجهاد وكيف ومتى يكون الجهاد ، ومتى يكون فرضاً على
كل واحد منا . أنا أريد للانتفاضة أن تُدرس تحت عنوان فقه الانتفاضة ، حتى نقول
للناس لقد غدت الانتفاضة مصطلحاً لا يمكن أن يمحى أو يزول ، وغدت قضية في عمق
فكرنا وعاطفتنا وأذهاننا ووعينا واجتماعنا ، وأناشد الفلسطينيين أولاً أن
يتحدوا جميعاً ، أن تتحد السلطة مع حماس ، وحماس مع الجهاد ، والجهاد مع الجبهة
، والجبهة مع الجبهة ، والجميع مع المستقلين ، وأن يمعنوا النظر في دراسة هذه
الظاهرة ، وليعلم الجميع أن طريق النصر من خلال الانتفاضة ، ولكن الانتفاضة
المدروسة المفقهة القائمة على وعي علمي عظيم وقوي . نريد للجميع أن يتبنى
الانتفاضة .
أيها الإخوة : في النهاية لا يسعني إلا أن أقول : يجب أن لا ندرس الانتفاضة على
أساس من تهديدات إسرائيل ، بمعنى يجب أن لا نوقف الانتفاضة لأن إسرائيل تطلب
ذلك ، إسرائيل لا ينظر إليها في اتخاذ قرار سوى أن إسرائيل معتدية ، والقرار هو
أن تقاتل إسرائيل ، ولا نتخذ قراراً يخص الانتفاضة بناء على موقف أمريكا
فإسرائيل وأمريكا لا تُؤمَنَان ، قد تقول إسرائيل أوقفوا العمليات الاستشهادية
حتى أتوقف عن الاعتداء . كلامها غير صحيح ، ( ومن جَرَّب المجَرَّب فعقله مخرب
، أمة كذابة ، جماعة دجالون لا يرقبون في إنسان إلا ولا ذماً ، والرئيس
الأمريكي أيضاً أكذب منهم وألعن ، وبالتالي أرجو وهنا احتراز أن لا تكون
دراستنا للانتفاضة بناء على ردات فعل على المواقف الإسرائيلية أو الأمريكية ،
فهؤلاء لا يؤمنون ، إن أوقفنا الانتفاضة أو توقفنا بناء على طلب إسرائيل أو
أمريكا فالأمر غير صحيح ، وإنما نريد أن ندرس الانتفاضة وفقهها بمعزل عن هؤلاء
حتى نقول لهؤلاء أنتم لا تريدوا إلا إذلال أهل فلسطين ، وتريدون أن تبقى
إسرائيل الأثيمة معتدية ومحتلة للقدس والأقصى ، هذا لا يمنع أن أتوجه إلى
إخواننا وأكرر : علينا أن ندرس فقه الانتفاضة ، وأسأل الله أن يوفقنا لذلك ،
دعاؤنا إلى الله دائماً : اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه ،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه ، أقول هذا القول وأستغفر الله
.
التعليقات