آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
فقه الوحدة

فقه الوحدة

تاريخ الإضافة: 2002/06/21 | عدد المشاهدات: 3181

أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله : 
قالوا لي حَدِّد الأولويات ، فقلت : الوحدة أولاً . قالوا لي : بِمَ تحبذ أن يشتغل الفقهاء ؟ قلت بفقه الوحدة أولاً . قالوا لي : ما أهم مقومات طلب النصر من الله ؟ قلت لهم : الوحدة بين المسلمين في مواجهة عدوهم أهم مقومات طلب النصر ، ولم أقل أهم مقومات النصر لأن النصر من عند الله ، وعلينا أن نطلب النصر بأسبابه المشروعة . ومن أجل أن نحصل على الوحدة لا بد من إصلاح ذات البين . إن لم نصلح ذات بيننا ، فلا يمكن أن تتحقق وحدتنا ، لأن الوحدة في النهاية حصيلة لأناس أصلحوا فيما بينهم ، لأن الوحدة في النتيجة نتيجة لأناس كانت علاقتهم فيما بينهم طيبة صالحة قائمة على محبة ونصيحة ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) الله عز وجل قال : ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) إنه أمر ، والله عز وجل قال : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) أصلحوا فيما بينكم ، أزيلوا البغضاء من قلوبكم نحو بعضكم ، أزيلوا الشحناء التي تراكمت في صدوركم نحو بعضكم فذاك أهم ما يشكل أساساً لوحدة منشودة مطلوبة بين المسلمين . أولا تريد أيها الإنسان أن تقوم بالصدقات الواجبة عليك ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم : " كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة ، - وفي رواية - تصلح بين الاثنين صدقة " أصلح فيما بينك وبين الآخرين فهذا صدقة ، وهذه الصدقة واجبة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : عليه أي يجب عليه أن يتصدق ، حتى الكذب ( الرذيلة ) تباح من أجل إصلاح ذات البين ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم : " ليس الكذاب الذي يصلح بين اثنين ، فينمي خيراً أو يقول خيراً " هذا ليس بكذاب الذي يأتي ذاك وهذا فيقول للأول : إن فلاناً يقول عنك خيراً حتى ولو لم يقل الثاني عنه خيراً فلست بكذاب . ويقول صلى الله عليه وآله وسلم - والكلام دعوة للنصر والمناصرة ولإصلاح ذات البين والاجتماع - كما في البخاري : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً . قالوا : ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ؟! قال : تحجزه عن ظلمه " . 
الوحدة وفقه الوحدة أولاً أهم مقومات طلب النصر ، ونصل إليها بطلب إصلاح البين الذي هو صدقة ، وأبيح من أجله الكذب ، وعكس ذلك منهي عنه وحرام ، هكذا يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : " لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ، ولا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث - وفي روايات كثيرة - ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " ، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأرجو أن ننتبه إلى أحاديث تشكل في نظري منطلقات لفقه الوحدة ، وأخص بالمناداة طلاب العلم والمثقفين والساعين لفقه الوحدة ولتأصيل الوحدة ، فإننا نريد من المجامع الفقهية ومن المراكز الثقافية ، ولجان البحوث والشؤون العلمية أن يدرسوا الوحدة وأن يقدموا المشاريع فيما يخص وحدة المسلمين وكيف تتحقق الوحدة وأركانها ، وأن يقدموا للعالم كيف يوحد الإسلام أتباعه ، لأن العالم اليوم ينشد فيما ينشد مبدأً يوحد جماعته وأتباعه ولا يريد مبدأً يجعل أتباعه مختلفين ، ولئن قلتَ لي : إن الإسلام يوحد أتباعه . أقول لك : لا يكفي الكلام ، بل لا بد من تقديم واقع يدعم هذا الكلام . ستقول لغربي يبحث عن مبدأٍ يوحد أتباعه : إن الإسلام يوحد أتباعه وهذا هو القرآن يقول : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) وهذا النبي يقول : " وكونوا عباد الله إخواناً " لكنه يقول لك : وأين الواقع الذي يدعم هذا ؟! ستسكت أنت لأن الواقع لا يُسعفك ولا يدعمك ، لأننا مختلفون متعادون متفرقون ، يعادي الواحد منا الآخر ، ويعيش الواحد منا على عداوة الآخر ، وتعيش الدولة على حساب عداوتها للدولة الأخرى التي هي عربية كما هي ، وهي مسلمة كما هي ، ولكن بالرغم من العروبة والإسلام لكننا نرى العداوة بين الدول العربية المسلمة مستحكمة ، هل أصبح من المحظور علينا أن نفكر بوحدة عربية تكون نواة لوحدة إسلامية ؟! لماذا نعيش في وطن عربي ولكنه قسم إلى اثنتين وعشرين دولة ، هنالك دولة لا يتجاوز عدد أفرادها النصف مليون وتسمى مملكة ، وهنالك دولة أخرى لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة أرباع المليون وربما كانت تشجع مباراة ما عدد المشجعين في هذه المباراة كعدد أفراد هذه الدولة ، وهي إمارة ودولة ولها سفارات في كل العالم ، وهنالك دولة ثالثة ورابعة ، ولعلك إذا جمعت ثماني دول لم يتجاوز عدد هذه الدول الخمسة ملايين ، وأمامنا أمريكا التي نسميها الولايات المتحدة الأمريكية عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية بلغ حتى اليوم ثلاثمائة مليون ونحن مبعثرون ، لذلك أقول : انظروا هذه الأحاديث بعد الآيات من أجل منطلقات لدراسة الوحدة مشروعاً يجب أن يطبق وينفذ . ونحن نناشد رؤساء الدول العربية والإسلامية أن يشكلوا لجاناً - وهذا ما يؤمنون به - أن يشكلوا لجاناً علمية وفقهية وثقافية لوضع مشاريع فقهية ثقافية لوضع مشاريع للوحدة ، لوحدة المسلمين ، لوحدة العروبة ، لوحدة العروبة التي تشكل نواة لوحدة المسلمين ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم : " تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل لمن شاء إلا من أشرك ، إلا رجل ( إلا ليست هنا استثناء وإنما أداة توقيت ) إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء " هذا لا يغفر الله ، ولكن لا يعني أنه لا يغفر الله له ، يعني يلعنه الله ، ولكن فأمره موقوف " إلا رجل يقول الله عز وجل : " أنظروا هذين حتى يصطلحا " ويكررها المصطفى ثلاث مرات . 
أوليست هنالك شحناء فيما بيننا ؟ إذا نحن من المنظرين أمام مغفرة الله حتى نصطلح ، فاصطلحوا يا عرب ، اصطلحوا يا مسلمون لأن المغفرة لا تطالكم ، ولأن أبواب الجنة لن تستقبلكم متفرقين ، ولأنكم لستم في عداد المغفور لهم ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : " إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريش فيما بينهم " ولا يزال يعمل بها ويستجيب من في الجزيرة العربية ، وفي بلاد الشام من يستجيب لذلك أيضاً ، في أقدس الأماكن في العالم ، اكتفى بالتحريش ، أن تستجيب للشيطان حينما يحرشك بأخيك ، يكفي الشيطان ذلك لأنه سيفرق بينكم حتى ولو كنتم صالحين ، لكنكم إذا كنتم صالحين متفرقين فلا قيمة لكم ، القيمة في الصلاح والاجتماع ، القيمة في الإخلاص واللقاء ، في العبودية لله والأخوة مع الإنسان ، هذه هي القيم وإلا : هنالك هَمٌّ أساس : أن نتحد ونجتمع ونصلح ذات بيننا ، ونتنادى على كل المستويات لوحدة ، لاجتماع ، وإذا سألتم على أي شيء نجتمع ؟ الجواب : نعرفه وتعرفونه : نجتمع على الله ، على حبل الله ، على صراط الله المستقيم ، نجتمع على دين حنيف في وطن نظيف ، نجتمع على خير من السماء ولا نجتمع على يسار ولا يمين ، اجتمعوا على كلمة الله ( تعالوا إلى كلمة سواء ) يا أمة العالم نجتمع على الخالق الحكيم العليم الخبير ، نجتمع على الله ، ونتلاقى في ساحة إرضاء الله ، نلتقي تحت قبة رعاية الله ، القضية معروفة وواضحة وليسن بذات لبس أو غموض . 
أيها الإخوة : دعوني أختم الحديث بشيء أريد الإشارة إليه ، نريد الوحدة ونريد فقه الوحدة ، ونحن نعيش هذه الأيام انتفاضة أهلنا في الأرض المحتلة ، أقول وأناشد طلاب العلم من فلسطينيين وغيرهم أن يدرسوا فقه الانتفاضة ، نحن مع الانتفاضة ونتابع الانتفاضة ، ونريد لها أن تستمر ، ولكنني أريد انتفاضة رشيدة مدروسة مؤصلة على دين الله ، نريد فقه الانتفاضة لأن أي أمر استجد ذهبت المجامع فدرسته ، حدث الاستنساخ فتوجهت المجامع الفقهية وأعطت حكمها ، حدث ما يسمى بأطفال الأنابيب ، قامت المجامع الفقهية فدرست هذا الأمر ، واليوم أين الانتفاضة في المجامع الفقهية ، أين الانتفاضة في فقهنا المعاصر ، الانتفاضة تعريفها وتحديدها ، متى تتوقف ولا تقف ، متى يكون أهلها قادرين على أن يكونوا أكبر منها ، فالانتفاضة تابعة والمسلم هو المتبوع ، نريد أن نحكم الانتفاضة لا أن تحكمنا ، نريد أن تكون الانتفاضة فعلة صادرة عنا بإرادة لا أن نكون منفذين بانفعال ، مضى على الانتفاضة قرابة سنتين ، إذاً هي حالة أعتقد بناء على الدراسات الاجتماعية ستستمر ، لأن أمراً استمر قرابة السنتين لا يمكن أن يقف ، لكننا نريد أن تُدرس ، ودراستها تزيد من استمرارها ، وإذا لم ندرسها فهذا يعني أننا نساهم في إيقافها ، إذا قصرت المجامع الفقهية فيجب على طلابنا في الدراسات العليا على سبيل المثال أن يتناول بعضهم الانتفاضة ليقدمها أطروحة للماجيستير أو للدكتوراه ، نريد أن نقول للآخرين لسنا أمة انفعالية لكننا أمة ذات فعل وإرادة ، وانتفاضتنا هذه ليست عشوائية أو قضية تابعة لعاطفة محضة ، لكنها مدروسة ومؤصلة ، الانتفاضة تَجَلٍّ من تجليات فريضة الجهاد ونحن كما قلت سابقاً قصرنا في دراسة الجهاد ووضعنا الجهاد في ساحة العاطفة ، فأي إنسان نادانا إليه ذهبنا خائفين منه ولم ندرس الجهاد وكيف ومتى يكون الجهاد ، ومتى يكون فرضاً على كل واحد منا . أنا أريد للانتفاضة أن تُدرس تحت عنوان فقه الانتفاضة ، حتى نقول للناس لقد غدت الانتفاضة مصطلحاً لا يمكن أن يمحى أو يزول ، وغدت قضية في عمق فكرنا وعاطفتنا وأذهاننا ووعينا واجتماعنا ، وأناشد الفلسطينيين أولاً أن يتحدوا جميعاً ، أن تتحد السلطة مع حماس ، وحماس مع الجهاد ، والجهاد مع الجبهة ، والجبهة مع الجبهة ، والجميع مع المستقلين ، وأن يمعنوا النظر في دراسة هذه الظاهرة ، وليعلم الجميع أن طريق النصر من خلال الانتفاضة ، ولكن الانتفاضة المدروسة المفقهة القائمة على وعي علمي عظيم وقوي . نريد للجميع أن يتبنى الانتفاضة . 
أيها الإخوة : في النهاية لا يسعني إلا أن أقول : يجب أن لا ندرس الانتفاضة على أساس من تهديدات إسرائيل ، بمعنى يجب أن لا نوقف الانتفاضة لأن إسرائيل تطلب ذلك ، إسرائيل لا ينظر إليها في اتخاذ قرار سوى أن إسرائيل معتدية ، والقرار هو أن تقاتل إسرائيل ، ولا نتخذ قراراً يخص الانتفاضة بناء على موقف أمريكا فإسرائيل وأمريكا لا تُؤمَنَان ، قد تقول إسرائيل أوقفوا العمليات الاستشهادية حتى أتوقف عن الاعتداء . كلامها غير صحيح ، ( ومن جَرَّب المجَرَّب فعقله مخرب ، أمة كذابة ، جماعة دجالون لا يرقبون في إنسان إلا ولا ذماً ، والرئيس الأمريكي أيضاً أكذب منهم وألعن ، وبالتالي أرجو وهنا احتراز أن لا تكون دراستنا للانتفاضة بناء على ردات فعل على المواقف الإسرائيلية أو الأمريكية ، فهؤلاء لا يؤمنون ، إن أوقفنا الانتفاضة أو توقفنا بناء على طلب إسرائيل أو أمريكا فالأمر غير صحيح ، وإنما نريد أن ندرس الانتفاضة وفقهها بمعزل عن هؤلاء حتى نقول لهؤلاء أنتم لا تريدوا إلا إذلال أهل فلسطين ، وتريدون أن تبقى إسرائيل الأثيمة معتدية ومحتلة للقدس والأقصى ، هذا لا يمنع أن أتوجه إلى إخواننا وأكرر : علينا أن ندرس فقه الانتفاضة ، وأسأل الله أن يوفقنا لذلك ، دعاؤنا إلى الله دائماً : اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه ، أقول هذا القول وأستغفر الله . 

التعليقات

شاركنا بتعليق