ألم يأنِ لنا أن نعود إلى فرائضَ هامة لنعيد النظر في حكمها وفي إمكانية تنفيذها وتطبيقها ؟! ولعل أهم هذه الفرائض " الوحدة " المستوحاة من قول الله عز وجل : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) ومن قوله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) ومن قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، ومن قوله ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) فهل من مُدَّكرٍ واع ؟!
لقد وقعنا في فخ الفرقة والتشتت أزماناً وأزماناً ، فما حصدنا إلا الدماء التي سَحَّت منا علينا فأعمت عيوناً لدينا وغلَّفت قلوباً في صدورنا ، وها نحن سادِرون في غيّ وهم تمحيص معتقداتنا التي نريد لها في النهاية تفريقاً لصفوفنا وتمزيقاً لجمعنا .
وهذا يعني أننا حملنا المعتقد سيفاً يقطع صِلاتِنا ببعضنا ، ويبعد الأخ بتبرير القرآن عن أخيه ، فيا ويحَ ذَيَّاكَ المُعتَقدِ ويا بُؤسَه ، فإنه إن كان كذلك فليس هو – ورب الكعبة – بمعتقد ، ولا يَصِحُّ أن يكون منسوباً إلى الخالقِ الحكيمِ الرحيم ، ليكون واجباً نظرياً مفروضاً على عقولنا وأفئدتنا .
بئست المعتقدات المُفَرِّقة لمن جَمَعَهم الأيمان بالله رباً وبالقرآن كتاباً و بالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً ، وخَسِئت اعتقاداتٌ تدفع من ضَوَاهم القرآن تحت رايته وقنطرته إلى إسالة دماء بعضهم حقداً وغِلاً وشحناءَ وبُغضاً .
لسنا في مقولتنا هذه بمُلفِّقين ، ولكننا ذَوو تأصيلٍ قرآني ونبوي ، فلا والله لا يرضى القرآن أن تكون
" الشيعية " عنصر نُفرةٍ قلبية وفكرية وعقلية عند السنِّي ، ولا يقبل كتاب ربنا أن تكون " السنية " حجر عَثَرةٍ في إقامة فريضة الأخوة مع من يتصف بها ، وهيهات أن يلقانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسروراً منا وبنا ونحن نُدَمِّر أَواصِر اللقاء على الإسلام والأيمان بقذائف السياسات العَفِنة المؤذية التي نسجتها أيادٍ غادرةٌ آثمةٌ لم يُرِق لذويها دينٌ يتماسك أفراده كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائره بالسهر والحمى .
في النهاية ، هما خياران :
فإما إعلانُ البراءةِ جهاراً من السنة يتولاها الشيعة ، أو من الشيعة يتولاها السنة ، ومفاصلةٌ على أساس من التغاير المطلق المؤدِّي إلى مقاتلة وجهاد ، وإما رَأبُ الصدع ، ولَمُّ الشَّمل ، وجمعُ الصف ، على أُسُسٍ من آيات قرآنية قطعية محكمة ، وأحاديثَ نبوية صحيحة ثابتة .
ولنسرع في اتخاذ واحدٍ منهما . فما عاد الوضعُ يتحمَّلُ تمديداً أكثرَ ما هو عليه ، وما عادت الأجيال تتقبل انتظار الحسم زيادة على ما مر عليها ، وكفانا تَقَلُّباً ولعباً على أكثر من حبل ، فقد تحولنا أمام ناظريها إلى سَحَرةٍ لا يتقنون فن السحر ، ومهرِّجين لا يستحقون ضحكةً خفيفة ، ورحم الله إقبالَ حين قال :فإلى متى صمتي كأنِّي زهرةٌ خرساءَ لم تُرزَق براعةَ منشدِ
قيثارتي مُلِئت بأَنَّاتِ الجَوى لا بدَّ للمكبوتِ من فيضانِ
صَعَدت إلى شفتي خواطرُ مهجتي ليَبين عنها منطقي ولساني
أنا ما تعدَّيتُ القناعة والرضا لكنما هي قصة الأشجانِ
الدكتور محمود عكام
30 آذار 2004
التعليقات