أيها الإخوة المؤمنون :
حينما ينظر المرء منا خارطة العالم اليوم يجد الناس أصنافاً - وهذا رأيي -
أصنافاً أربعة ، هنالك ما أسميتهم بالأعداء الشرسين المجرمين ، هنالك أعداء
مجرمون شرسون آثمون وأعني بالأعداء أي أعداءً للحق ، للخير ، للفضيلة ،
للإنسانية ، هنالك أعداء مجرمون آثمون . وهناك عملاء لهؤلاء الأعداء عملاء
متحكمون معذِّبون قاهرون فيهم من الإجرام ما في الأعداء , وفيهم من الإذعان
للأعداء ما فيهم من الأجرام .
والصنف الثالث دخلاء فاسدون مُكَفِّرون , وأما القسم الرابع فهم الضحايا ,
أسميهم ضحايا ويمكن أن أطلق عليهم بأنهم مستضعفون لكنهم ينظرون الحق يرغبونه ,
يسعون من أجل إحقاقه , يريدونه , ينشدونه , لا يفترون لكنهم ضحايا عداوة
المعتدي , ضحايا إجرام العميل القاهر المتحكم ، ضحايا الدخيل الفاسد المكفر ،
هؤلاء الضحايا في زمن الطوفان ، في زمن الهرج ، في زمن الفتن ، وزماننا يمكن أن
يندرج تحت عنوان هذا الزمن الذي ذكرناه ، يمكن أن يندرج تحت عنوان الهرج
والطوفان والفتن ، هؤلاء الضحايا الذين هم الصنف الرابع ، يُكَفَّرون من الدخيل
، يُخَوِّنون من العميل ، يُعتدى عليهم ويُقتلون من قبل العدو الشرس ، وهم بهذا
يدفعون الثمن ، لكن مقولتهم عنوانها ما قاله سيدهم وعظيمهم ، ورئيسهم وقائدهم
عليه ألف صلاة وألف سلام حينما خرج من الطائف وقد هاجر إليها عَلَّه يجد النصير
هناك ، وإذ به من قبل الأعداء يُعتدى عليه ، ومن قبل العملاء يُعذَّب ، ومن قبل
الدخلاء يدعى بأنه الصابئ الكافر الخارج عن دينهم الذي لا حق فيه ولا أصل له ،
مقولة هؤلاء الضحايا ما قاله سيد الكائنات : إلى من تكلني ؟! إلى عدو
يَتَجَهَّمني ، أم إلى قريبٍ ملكته أمري ! إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي .
مقولتهم يرددونها باستمرار هذه المقولة : إلى من تكلنا ؟! إلى عدو يتجهمنا ، أم
إلى عميل ملكته أمرنا ، أم إلى دخيل ملكته أمرنا ، فيما يخص ديننا ، لكننا نقول
: إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي ، لكن عافيتك أوسع لنا . هذه مقولتهم ،
وأما أملهم فقوله تعالى : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم
نصرنا فنُجِّيَ من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) حتى إذا استيأس
الرسل هذا أملهم ، أملهم في قوله تعالى : ( جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد
بأسنا عن القوم المجرمين ) أملهم أيضاً : ( أَمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء ) أملهم ( ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) أملهم بأن الله ناصرهم وأنهم
سيحقون الحق بفضل الله وسيبطلون الباطل بفضل الله ، ولكن لا بد من ثمن ، وأرجو
أن لا أحتاج إلى تشخيص ، وأرجو أن أعتمد على فهمكم في تشخيص من ذكرت من الأعداء
الشرسين الذين يوقعون الضحايا شهداء نراهم في غزة ، في الضفة ، في فلسطين ، في
كل مكان ، أرجو أن أعتمد على فهمكم في تشخيص الأعداء الشرسين الذين يغتالون
ويقتلون ، وفي تشخيص العملاء الذين يتحكمون والذين يعذبون ، وفي تشخيص الدخلاء
الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً لكنهم في الغي سادرون ، أعتمد على فهمكم في
تشخيص هؤلاء ، والحُرُّ – وأنتم أحرار – والحر تكفيه الإشارة ، وأعتمد على
فهمكم في تشخيص الضحايا ، المستضعفين المعذبين المقهورين ، لكنهم وإن كانوا
ضحايا اليوم إلا أنهم أصحاب ريادة الغد ، أصحاب أمجاد المستقبل ، إن كانوا
المكَفَّرين اليوم فهم أصحاب الكلمة الفصل في إيمان من آمن وفي كفر من كفر ،
إنهم سيشكلون بفضل الله المرجعية الواعية لهذا الدين الحنيف الذي سيكون بفضل
الله ، بنقائه ، بطهره ، بجماله دين المستقبل ، شاء من شاء وأبى من أبى ، سيكون
هذا الدين الحنيف دين المستقبل بعد أن يقدم هؤلاء الضحايا ، المعذبون ،
المقهورون ، بعد أن يقدموا الثمن الذي يحدده ربنا كَمَّاً وقد حدده كيفاً وذلك
بالثبات ، ثمن الضحايا لكي يكونوا سادة المستقبل ورواد الخير في غد مشرق ، ثبات
على الإيمان لا تزعزعه عواصف ، ثبات عنوانه ما قاله سيد الكائنات وما نردده
ناقلين هذه الكلمات عن سيد الكائنات : " والله يا عم ، لو وضعوا الشمس في يميني
والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهللك
دونه " الثمن ثبات على الإيمان بالله ، الثمن أيضاً صبر على عمل الخير من أجل
الله ، ثبات على الإيمان ، صبر على عمل الخير ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله ) صبر على عمل الخير لا تزعزعه رعود ولا وعود معزولة ، صبر على عمل الخير
وإن كان ذلك سيجعلهم يدفعون الثمن من رزقهم ، أو من مالهم ، أو من جسمهم ( أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) صبر على عمل الخير (
ولنبلوَنَّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين ) الثمن ثبات على الإيمان بالله لا يتزعزع ، صبر على عمل الخير لا
ينتابه أي زيغ أو رجحان نحو اليمين أو الشمال بل هم في عملهم الخيِّر الصالح
صابرون ، ماشون ، سائرون ، لا يعرفون الهوى المضل ولا الهوان ، ولا يعرفون
الَنَصَب ولا التعب ، شعارهم في عمل الخير أيضاً : ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك
فارغب ) . الثمن ثالثاً : مصابرة فيما بينهم ، أنت تُصَبِّرني وأنا أصبرك ،
وكذلك تصابرني وأنا أصابرك ، على ماذا ؟ على الإيمان بالله وعلى عمل الصالح ،
والله عز وجل قال في محكم آياته في سورة نكررها كل أسبوع : ( والعصر . إن
الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر ) إلا الذين آمنوا وثبتوا على الإيمان وقدموا من أجل ذلك الثمن تلو
الثمن ، وصبروا على عمل الصالحات في مقابل مال ضحوا به ، في مقابل جاهٍ ضَحَّوا
به ، في مقابل دنيا قالوا لها ما قال لها الإمام علي : " يا دنيا غُرِّي غيري ،
إليك عني ، بَتَتُك ثلاثاً " ، بتتك لا رجعة لك لي ، ولا رجعة لي إليك . (
وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) الثمن ثبات على الإيمان ، صبر
على العمل الصالح ، مصابرة وتواصٍ بين أولئك المؤمنين ، أولئك العاملين ، هذا
هو مجمل الثمن ، وفَصِّلوا أنتم في هذا الثمن ما تريدون .
هذه ملامح الأشخاص أو الناس في خارطة العالم اليوم ، وعلينا أن نختار هل نكون
مع الأعداء الشرسين الذين يقتلون بغير حق ؟ هل نكون مع العملاء المتحكمين
المعذبين ؟ هل نكون مع الدخلاء الفاسدين الذين يقولون ادعاءً بأنهم أوصياء على
الحق ، لكنهم لا يعرفون الحق ، ويتكلمون باسم الحق من غير معرفة ، ويهددون إن
لم يكن الآخر معهم سيكون قتيلهم ، وسيقتل ويكفر وينازع في أمره ومعتقده .
أدعو الله عز وجل أن يجعلنا مع المستضعفين ، لا حباً في الضعف ولكن حباً في أمل
وفي غد يشرق ، حتى نكون طليعة أولئك الذين صبروا وصدقوا فنصرهم الله ، أدعو
الله أن يجعلنا من أولئك الذين سينقلبون إلى خير في الدنيا والآخرة ، أدعو الله
عز وجل أن نكون كما قال سيد الكائنات عليه وآله الصلاة والسلام حينما أوصى
أصحابه الكرام : " كن عبدَ الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل " لأنك وإن
قهرت إلا أنك ستُقهَر على باب المشاكلة ، ستقهر بالحق والحق لا يقهر ، وإنما
الحق حينما تتبناه سيعطي لكل ذي حق حقه ، ستملك أيها المستضعف الناصية ولكن بعد
ثمن ، ستسمعون من الذين يعتدون أذى كثيراً ، ستسمعون من الذين يتعاملون بعمالة
فاضحة أذى كثيراً ، ستسمعون من الدخلاء على الدين أذى كثيراً ، ولكن اصبروا
وصابروا وقدموا الثمن ولا تلتفتوا إلا إلى ربكم ، فنصرُ الله آتٍ إن شاء الله .
لا يسعني في النهاية إلا أن أُشَخِّص الصنف الأول أو بعض الصنف الأول لأقول
لإسرائيل ولأمريكا : ستخسرين بعون الله ، ستُخذَلين بعون الله ، ستُسَائين بعون
الله . نصر الله آتٍ لهؤلاء الضحايا ، للشهداء في أرضنا المحتلة ، وأما الأصناف
الأخرى أتركهم لكم ، واسألوا الله عز وجل في كل صباح ، قولوا له : اللهم أرني
الحق حقاً وارزقني اتباعه وحببني فيه ، وأرني الباطل باطلاً وألهمني اجتنابه
وكرهني فيه . ورضي الله عن سيدي وقرة عيني الإمام الحسين حينما قال يتحدث عن
العملاء والدخلاء : " الناس عبيد الدنيا ، والدين لعقٌ على ألسنتهم أو لغو على
ألسنتهم ، يحوطون ما درَّه به معايشهم ، فإذا ما محصوا بالابتلاء قل الديانون "
. اللهم إنا نشهدك أننا لا نريد أن نكون من هؤلاء ، اللهم اجعلنا على خط الحسين
الذي خرج لله ، والذي سار لله ، والذي كان يقول كجده المصطفى عليه وآله الصلاة
والسلام : " إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي " أكرمنا يا رب بالالتجاء إليك ،
بالاعتماد عليك ، ارحم شهداءنا في فلسطين ، أنت ولينا فنعم الولي ولينا ، أقول
هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات