أما بعد ، أيها الإخوة
المسلمون :
قال لي أخ صديق بالأمس عمَّ سنتكلم في خطبة الجمعة غداً , والأخ هذا أيضاً يقوم
بخطبة جمعة في مسجد من مساجد حلب ، قلت له عن ماذا تريد أن نتكلم ؟ قال لي : هل
نتكلم عن ترشيح مجلس الشعب ؟ قلت له : الأمر في رأيي أو الموضوع يجب أن يكون
أكبر من هذا . قال لي : هل نتحدث عن ضرب العراق ؟ قلت له أيضاً القضية أهم من
هذا . قال لي عمَّ تريد إذاً أن تتحدث ؟ قلت له : أريد أن أتحدث عن نفسي ،
ولعلك أيضاً تتحدث عن نفسك . قال لي وهل نحن أهمُّ من هذا ؟ قلت له : إذا التفت
الإنسان إلى نفسه يقوِّي إيمانه , يوسِّع مداركه , يُنَمِّي عقله , يسعى من أجل
أن يحقق رسالته , إذا التفت كلٌّ منا إلى نفسه أعتقد أننا وأنا لا أقول أن
التفت أنا بمفردي إلى نفسي ، وأن تلتفت أنت بمفردك إلى نفسك ، لكنني أريد من
كلِ واحدٍ منا أن يلتفت إلى نفسه وأن ينظر نفسه وأن يسعى من أجل أن يكون موجهاً
ومدرباً وأستاذاً ومعلماً وناصحاً ومربياً لنفسه , فإننا أهملنا أنفسنا وكما
قال المثل الذي روي في الأثر : " من كان لنفسه مضيِّعاً كان لغيره أكثر تضييعاً
" من ضيَّع نفسه ضَيَّع غيره ، ومن كان مع نفسه مهملاً فهو مع الآخرين أكثر
إهمالاً .
لعلكم تسألون ماذا نريد من أنفسنا ؟ والجواب : نريد أن نلتجئ إلى الله عز وجل ،
كل منا بطريقته ، وحينما أقول بطريقته لا أعني كيفيات بعيدة عن الإسلام وعن أسس
الإسلام ، ولكن أقول لكل منا وجهة ، لكن الوجهات تدخل تحت دائرة الإسلام
والشريعة الإسلامية ، نريد أن نلتجئ إلى الله ، نريد أن نصدق في التجائنا إلى
الله ، أريد من المُرَشَّحين ، أريد من أهل العراق ، أريد من أهل سوريا ، أريد
من المسؤولين ، أريد من الحكام ، أريد من الشعوب أن تصدق في التجائها إلى الله
عز وجل ، وتذكرت وأنا أقول لأخي وصديقي هذه الكلمة ، تذكرت قصة وردت في السيرة
النبوية يوم جاء أبرهة الحبشي من أجل هدم الكعبة ، وكان ذلك قبل ولادة النبي
محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى جاء هذا الرجل الغاشم والذي يشبه إلى حدٍ
ما يسمى بالصهيونية الأمريكية ، أو الأمريكية الصهيونية ، جاء من أجل هدم
الكعبة ، ولما أن وصل مشارف مكة سأل عن سيد القوم ، فقيل له : إنه عبد المطلب .
فاستدعى عبد المطلب وقال له : إني أريد هدم الكعبة ، فماذا تريد ؟ قال له عبد
المطلب : إنكم أخذتم عنوةً وغصباً إبلاً لي رواحل . فقال له أبرهة : أقول لك
جئتُ من أجل هدم الكعبة وأنت تسأل عن إبلك ! فقال عبد المطلب : أنا رب الإبل
والرواحل ، وللبيت رب يحميه . أنا مسؤول عن إبلي لذلك أطالبك بإبلي . عقلي يقول
لي : كن صادقاً عما أنت مسؤول عنه وسترى بعد ذلك نتيجة طيبة . أنا رب الإبل
وللبيت رب يحميه . وترك عبد المطلب أبرهة وعاد إلى الكعبة ، وتعلق بأستارها
وراح يقول :
لاهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
ويقول صاحب السيرة النبوية
المؤرخ ابن اسحاق : وكان مما قال عبد المطلب لربه : لا ملجأ منك إلا إليك ،
وضعت نفسي في بابك .
نحن مكلفون ومأمورون إذا ما أوينا إلى فراشنا لننام أن نقول : باسمك ربي وضعت
جنبي وبك أرفعه ، اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ
به عبادك الصالحين ، أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وجعلت اعتمادي عليك ،
لا ملجأ منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت . هل نقول
هذا ؟ وأنا أخاطب نفسي وغيري والمرشحين والمسؤولين وأهل العراق وكل العالم
الإسلامي والعربي , هل نلتجئ ْإلى الله وهذا من مقتضيات الواقع الذي نعيش .
يقتضي واقعنا أن نلتجئ إلى الله أولاً . ثانياً : يقتضي واقعنا أن نتَّحد ،
واسمحوا لي إن كررت بين الفينة والأخرى دعوتي لكم من أجل وحدة تبتدئ بوحدة بينك
وبين من يصلي بجانبك ، بينك وبين جارك ، بينك وبين أولادك ، بينك وبين زوجك .
لقد ضربت الفرقة أطنابها بيننا ، فالواحد مفترق عن جاره ومبتعد عن زوجه وبعيد
عن ولده ، ومختلف إلى حد العداوة مع مع ذلك المسلم الآخر ، يقتضي الواقع الراهن
الوحدة ، يقتضي الواقع الراهن أن نرى أنفسنا وأن نفحصها حيال قوله تعالى : (
واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وأنا أتمنى على القمة العربية التي
ستعقد ، وربما نشبت الفرقة فلم تعقد ، فإن عقدت فأتمنى على الجميع ، على القمة
العربية وعلى القمة الإسلامية التي ستنظمها – هكذا سمعنا – منظمة المؤتمر
الإسلامي ، أتمنى على القمتين أو على القمم أن تبحث في الوحدة ، في سبلها ، في
آلياتها ، في طرق تحقيقها ، أن لا تبحث في الأمر الطارئ من أجل بعض الاحترازات
أو بعض التطبيقات ، أتمنى على القمة أن تضع أمام أعينها ( واعتصموا ) على أنه
أمر إلهي ( واعتصموا بحبل الله ) بالقرآن الكريم ، لا مفر لنا منه إن أردنا
نجاحاً وإن أردنا فلاحاً ، وليسمع العالم العربي والإسلامي برؤسائه ، بحكامه ،
بملوكه ، بأمرائه ، بشعوبه ، بمثقفيه ، ليعلم الجميع أن الخلاص في كتاب الله .
كلمة مجملة ، ولعل بعضنا ينكر علينا إجمالها أحياناً ، لكننا سنكررها مجملة ،
وسنفصل أحياناً وسنترك التفصيل للتطبيق من قبلكم أيها المثقفون ، أيها
المسؤولون ، أيها العلماء ، أيها التجار ، أيها العاملون على مختلف توجهاتكم ،
على مختلف تخصصاتكم ، فالوحدة يقتضيها واقعنا الراهن ، ومن غير وحدة تبتدئ بين
أصغر خلية وتنتهي بين كل جغرافيا العالم الإسلامي وبين كل جغرافيا العالم
العربي وبين كل آمال العالم الإسلامي وآمال العالم العربي ، وآلام العالم
الإسلامي وآلام العالم العربي ، وحدِّث عن المشتركات ولا حرج ، فالمشتركات جد
كثيرة ، الدينُ إسلام ، اللغةُ عربية ، لا تعصب لعرق ولكن انتماء لتبني الإسلام
، لهذه اللغة ، اللغة عربية ، الهوية إسلامية ، الرسالة إنسانية ، الخير هو
المراد ، المنطلق إرضاء الله عز وجل . هذه قواعد وأسس وشعارات يجب أن نعيشها في
مؤتمراتنا على مستوى الأسرة ، وفي مؤتمراتنا على مستوى القمة ، وفي مؤتمراتنا
على مستوى المدرسة والجامعة والروضة والجامع على كل المستويات . يقتضي واقعنا
التجاء إلى الله ، يقتضي واقعنا وحدة بين المسلمين كافة ، يقتضي واقعنا ثالثاً
: مقومات لعالمية . وإن شئتم قولوا لعولمة خيِّرة . نحن نسمع بعولمة أمريكا
بعولمة الشر ، يقتضي واقعنا أن نقدم للناس مقومات عولمة خيّرة ، ومقومات
العولمة الخيرة : العلم الذي ابتعدنا عنه ، فأمتنا وعالمنا لا يمكن أن يصنف في
سجلات الأمم المتعلمة . مقومات العولمة الخيرة ثلاثة : المقوم الأول : العلم "
طلب العلم فريضة على كل مسلم " هكذا قال عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في
سنن ابن ماجه ، والله عز وجل يقول : ( وقل ربي زدني علماً ) والله عز وجل يقول
: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) . المقوم الثاني : العدل .
والعدل أساس الملك ، فلا يمكن أن يقوم أو يكون نظام إنساني إلا بالعدل ، ولذلك
أنادي نفسي وإخواني إلى تطبيق العدل بدءً من عدلك مع نفسك ، وعدلك مع أسرتك ،
وعدلك مع موظفيك ، وعدلك مع عمالك ، وعدلك مع شعبك ، وعدلك مع أمتك ، العدل –
ونحن إذ نذكر العولمة الشريرة – نذكر فيها العلم ، لكننا لا نذكر فيها العدل ،
فهي ظالمة تكيل بآلاف المكاييل ، إذا ما أردنا مواجهة عولمة الشر فلتكن
المواجهة بالعلم والعدل ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ونحن نريد أن نكون عادلين ،
نريد أن نتبنى العدل في كل حياتنا ، نريد أن نعيش العدل صفة ملازمة لنا على
مستوى الأفراد ومستوى الجماعات والمؤسسات ، نريد أن نعيش العدل غيمة تمدنا بمطر
العطاء النافع ، نريد أن نعيش العدل ساحة تزدهر فيها كل صفات الفضيلة ، لأن
العدل وراء كل فضيلة ، ولأن الظلم وراء كل رذيلة . اعدلوا أيها المسؤولون ،
اعدلوا أيها العلماء ، اعدلوا أيها الحكام ، اعدلوا أيها الملوك ، اعدلوا فإن :
" عدل ساعة خير من عبادة ستين عاماً " هكذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
.
وأما المقوم الثالث فهو الرحمة : نريد أن نكون رحماء ، نريد أن نعطي الرحمة من
تصرفاتنا ، من ألسنتنا ، من واقعنا ، من حياتنا : " ارحموا من في الأرض يرحمكم
من في السماء " وكما قلت لكم من على هذا المنبر : الرواية التي أَتَبَنَّاها هي
" يرحمُكم " ليس على الجزم وإنما على الرفع ، لأن الله يرحمكم باستمرار ،
تعلموا الرحمة من الرحمن الرحيم . إن عولمة الشر لا تعرف الرحمة ، إنهم يصرحون
بالقسوة ، بالبغضاء ، إن أمريكا التي تمثل عولمة الشر لا تعرف الرحمة ، وإن
عرفتها فمن أجل مصلحة ، تعرفها مع الظالم ، وهذا ينفي الحكمة والرحمة ، أن تكون
رحيماً مع الظالم فتلك ليست برحمة ، ولكن الرحمة تكون مع العدل ، ارحموا ،
ونريد أن نخاطب المسلمين من أجل عولمة خيِّرة . الرحمةَ الرحمة يا مسلمون .
الرحمة فيما بينكم ، الرحمة حيال إخوانكم ، الرحمة يا مسؤولون حيال شعوبكم ،
الرحمة أيها التجار حيال فقرائنا ، الرحمة أيها الآباء حيال الأولاد ، الرحمة
أيها الشيوخ حيال الناس وأنتم تحدثونهم ، ولا أريد أن يغدو الشيخ على المنبر
عامل رعب وعامل تخويف ، ولكن أريد أن يتجسد فيه قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم : " يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا " لقد قلت في مقالة كتبتها منذ
سنتين : إن المواطن في العالم العربي والإسلامي تلاحقه ثلاث سلطات ترعبه :
السلطة السياسية ترفع صوتها فوقه ، والسلطة الاقتصادية تهدده بالفقر صباح مساء
، والسلطة الدينية تهدده بالكفر والفسوق وتدخله جهنم قبل أن يدخلها ، وتُنَصِّب
نفسها على باب جهنم ، تضع فيها من تهوى وتُخرج منها من تهوى ، والمواطن الضعيف
العادي تلاحقه هذه السلطات وهو في حيرة ، أيلجأ إلى هؤلاء ! فالسوط مسلط عليه ،
أم يلجأ إلى هؤلاء ! فالفقر يهدده ، أم يلجأ إلى هؤلاء ! فالكفر والفسق سيغدو
عنوانه ، والنار تنتظره ، وجهنم فتحت ذراعيها لتستقبله ، ويبقى المواطن في حيرة
إلى من يلجأ ! أقول لهؤلاء ، لتلك السلطات الثلاث : اتقي الله وكوني عادلة
عالمة رحيمة ، العلم والعدل والرحمة مقومات لعولمة خيِّرة .
يا أخي ! يا من سألتني عمَّ سأتكلم ؟ أسأل الله أن لا يجعل كلامنا من غير
أعمالنا . أسأل الله أن يجعل كلامنا من أعمالنا . أسأل الله أن يجعل ألسنتنا
مسدودة ، وقلوبنا سليمة . أسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا .
وأخيراً : لما خرج حُصَين من عند رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام قال يا
رسول الله – وقد أسلم – إن ورائي قوماً فماذا أقول ؟ قال : يا حصين ! قل – وأنا
أقول لنا ولكم وللمرشحين ولأهل العراق وللعالم الإسلامي شعوباً وحكومات - ،
أدعو الله بالدعاء الذي علّمه النبي عليه وآله الصلاة والسلام حصين ، قال : يا
حصين ! قل : " اللهم إني أستهديك لأَرشدِ أمري ، وأسألك علماً ينفعني " فاللهم
إنا نستهديك لأرشد أمرنا ، ونسألك علماً ينفعنا ، نعم من يسأل أنت ، ونعم
النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات