أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
منذ أيام صدر عن جمعية حقوق الإنسان
التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تقرير عن أوضاع الإنسان وحقوقه في العالم ، وإنه لمن
المؤسف أن تكون الدول العربية من الدول المتخلفة ، ومن الدول التي لا ينال فيها
الإنسان حقوقه بشكل صحيح . أنا أعلم أن في هذا التقرير تجنياً ، ولكن لا يمكن أن
يكون التقرير كله مزيفاً ، لأننا نعيش في عالمنا العربي ونرى الإنسان ونُحِسُّ
ونشعر بأن الإنسان في عالمنا مهضوم الحقوق إلى حدٍ ما ، مظلوم من قبل نفسه ومن قبل
المسؤولين عنه ومن قبل مَن حوله ، وهذا ما لا يخفى على ذي عينين ولا على ذي عين ولا
على ذي رؤية حتى ولو كانت ضعيفة .
هل نسعى من أجل أن نحسِّن أوضاعنا في المستقبل ؟ إذاً : علينا أن نكون جادّين ، وأن
لا تكتفي بالكلام ، وأن لا نكتفي بعرض عضلاتنا التاريخية ، وإنما علينا أن نُشَمِّر
عن ساعد الجد والسعي حتى نحقق في مستقبلنا القريب ، حتى نحقق ما يمكن أن يعطينا
درجة عالية في تقرير يُكتَب عنا إِنْ من جمعية حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم
المتحدة ، أو من سواها ، ولاسيما وأننا نمتلك مقومات الإصلاح ، ومقومات الإنسان
الصحيح المتوازن الذي ينال حقوقه ويؤدي واجباته .
خطر ببالي - أيها الإخوة - وأنا أقرأ هذا التقرير أن أنبه نفسي وإخواني وبلدي
ودولتي وحكومتي وشعبي أن أنبههم إلى ضرورة النظر بجد إلى المستقبل ، كما أردت أن
أقول لهؤلاء جميعاً ولنفسي : إن ما تمتاز به أمتنا ، وما يمتاز به عالمنا العربي هو
أن يمتلك قدرة شبابية تفوق ما يملكه العالم الغربي ، فسِنُّ الشباب عندنا من حيث
العدد أكثر نسبة وعدداً مما هو عليه في العالم الغربي ، ولذلك يسعى الخبيث في
العالم الغربي إلى شبابنا بالإفساد لأن شبابنا رأسمالنا ، ولا نملك إلا هذا
الرأسمال ، الخبيث في العالم الغربي يسعى لإفساد هذا الرأسمال ، إلى إفساد شبابنا ،
إلى القضاء على أخلاقهم ، على قدراتهم ، على شجاعتهم ، على استعدادهم الإيجابي .
قلت في نفسي وأنا أقرأ هذا التقرير : إذا كنا جادين فعلاً من أجل أن نكون في
المستقبل نماذج يرضى عنا الله ، وترضى عنا شعوبنا ، ويرضى عنا العقلاء فلا بد من أن
نتوجه إلى المستقبل - وأعني بالمستقبل - الأطفال والشباب الذين نمتلكهم ويفوقون في
العدد ما يملكه العالم الغربي ، فأنا أتوجه إلى المسؤولين عن الأطفال ، وإلى
المسؤولين عن الشباب ، وإلى المسؤولين عن الشباب لأقول لهم : إذا كنتم تسعون
لمستقبل مرموق منشود مطلوب جميل متوازن يمتلك مقومات القيادة والريادة في المجال
الإنساني ، هيا فاستشعروا مسؤوليتكم عن أطفالكم ، استشعروا مسؤوليتكم عن أولادكم ،
استشعروا مسؤوليتكم أمام ربكم ، وأمام التاريخ عن هؤلاء ، عن الأطفال الذين نراهم
في الشوارع ، ونراهم في المدارس ، ونراهم في الجوامع ، ونراهم في أماكن مختلفة من
عالمنا ، من بلدنا ، من قطرنا ، استشعروا مسؤوليتكم عنهم ، فأنتم من وُجِّهتم من
قبل رسولكم صلى الله عليه وآله وسلم يوم قال كما جاء في البخاري ومسلم : " كلكم راع
، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الرجل في بيته راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت
زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها " أنتم يا أيها التابعون لهذا النبي الكريم
استشعروا مسؤوليتكم لأن نبيكم يقول كما جاء في سنن النسائي : " إن الله سائل كل راع
عما استرعاه حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " استشعروا هذه المسؤولية ،
واستشعروا مسؤوليتكم حيال ما قاله أيضاً رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم
كما جاء في البخاري : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه
أو يُمَجِّسانه " ومن باب القياس أقول أو يُمَجِّنانه أي يجعلانه في المجون كما
يحدث لأطفالنا ، فأطفالنا يرتطمون بجدر المجون من اليمين إلى الشمال ومن الجنوب إلى
الشمال ومن الشرق إلى الغرب يرتطمون بجدر المجون ، في المسبح ترى المجون ، في أماكن
اللهو ترى المجون ، هنالك على مشارف شارعٍ ما ترى المجون ، في المدارس ترى المجون ،
أو يمجنانه هكذا قلت من باب القياس لأنني أخشى من أن يقول قائل أب : أنا لا أمجِّس
ولا أهوِّد ولا أنصِّر ولدي ، ولكنه من حيث يدري أو لا يدري يُمَجِّن ولده ، لأنه
لا يستشعر مسؤوليته أمام الله تجاه هذا الولد .
أطفالنا بحاجة إلى شعور بالمسؤولية تكون راكزة ومركزة في دواخلنا ، تكون مجذرة في
قلوبنا ، تكون معمقة في إحداثيات تفكيرنا ، في إحداثيات عقلنا ، ولا يكفي أيها
الأستاذ ، أيها الأب ، لأن الأستاذ والمعلم والأب مسؤولون عن الطفل كل في ميدانه ،
الأستاذ في ثانونيته ، والمعلم في مدرسته ، والأب في بيته ، والشيخ في جامعه ،
والجميع في الشارع ، في الطريق ، في السيارة ، في الحافلة ، في كل مكان ، في
المتنزه ، في المصيف حيث السباحة ، في الملعب ، في سماع وسائل الإعلام ، في قراءة
الصحيفة والجريدة .
أيها الإخوة الآباء والأساتذة والمعلمون والمسؤولون : استشعروا مسؤوليتكم تجاه
الأطفال الذين سيشكلون رجال المستقبل ، وستؤخذ العينة منهم فيما إذا كانوا متوازنين
أم لا ، فيما إذا كانوا ضمن دائرة الإنسان الذي يعرف ما له وما عليه أم لا ، لأنهم
سيكونون محل التجربة ، أو محل الاختبار ، أو محل الاعتبار ، أو محل الدراسة ، أو
محل البحث ، ولئن كنا اليوم نستشعر الضياع ، وآثار الضياع رأيناها استعماراً في
بغداد ، رأيناها عدواناً على العراق ، والذي وضعه المعتدون عنواناً لعدوانهم هو
أنهم يريدون أن يخلصوا بعضنا من بعض ، أن يخلصوا المظلوم منا من الظالم فينا ، ألم
تقل أمريكا هذا ، ألم تقل أمريكا إنها تريد دخول العراق من أجل أناس مظلومين ، ومن
أجل أناس ظالمين ، تريد أن تردعهم ، ألم تقل هذا ، حتى ولو كان هذا الكلام عنواناً
، لكن الواقع يمكن أن يجعل من الواقع المدَّعى عنواناً حقيقياً لأننا نمارس الظلم
ضد بعضنا ، لأننا لا نستشعر مسؤوليتنا أمام بعضنا ، الغني يظلم الفقير ، والقوي
يظلم الضعيف ، وصاحب السلطة لا ينظر إلى غيره إلا على أساس من كبرياء وعنف وقهر ،
وكذلك سائر شرائح المجتمع ، وسائر أصنافه ، وسائر قطاعاته ، كل يسعى من أجل أن ينال
حقوقه وأن لا يقدم أي واجب من واجباته .
أيها الأساتيذ والمعلمون والآباء : توجهوا إلى الطفولة ، توجه إلى الطفولة من أجل
أن يكون رجلاً في المستقبل ، ومن أجل أن يكون المستقبل من خلاله مستقبلاً طيباً
يشكل أنموذجاً مقبولاً ويحتذى به ، ورائداً ، وعلى مستوى العالم كله . لخصت وصيتي
لهؤلاء المسؤولين عن الأطفال بأمور :
- لأمر الأول : أقول للآباء : اختاروا الأم الصالحة لهؤلاء الأطفال ، فقد قال نبينا
عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي ابن عساكر بسند حسن : " تخيروا لنطفكم فإن
النساء يلدن أشباه إخوانهن أو أخواتهن " ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في
سنن الدار قطني بسند حسن : " اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة " تخير الأم التي تنجب
ولداً ولا تقتصر مهمتها على الإنجاب ولكنها تتابع التربية ، فلا تهود ولا تنصر ولا
تمجس ولا تمجن .
- بعد ذلك أقول ثانياً : أنفقوا على أطفالكم من مال حلال ، لأن في إنفاقك على الطفل
ثواباً وأجراً كبيراً وهو أعظم الأجر ، فقد قال عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء
في صحيح الإمام مسلم : " أربعة دنانير : دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته
في رقبة - أي في إعتاق رقبة - ، ودينار أنفقته على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك
، وأعظمها دينار أنفقته على أهلك " أنفق على طفلك ولا تبدد إنفاقك في مجالات أخرى
تريد حصد شهرة من ورائها ، أو تريد حصد سمعة عند أولي الأمر أو عند المسؤولين ،
وأنا أعلم كثيراً من رجالاتنا من ينفق الكثيرَ الكثير في سهرات مع مسؤولين حتى ولو
كانت السهرات حلالاً ، لكنه حينما يلتفت إلى ولده تراه ضنيناً ، يقترب من ساحة الشح
والبخل إن لم يكن أحد أبطالها الأشداء ، ينفق من أجل حظوة عند بعض المسؤولين لكنه
لا ينفق على أولاده .
- أيها الآباء ، أيها المعلمون ، أيها الأساتذة : صلوا أولادكم وتلاميذكم بربكم صلة
قوية من خلال التوجيه العلمي والقولي ، علِّموهم الصلة بالله عز وجل على مستوى
العقيدة ، رددوا على مسامعهم ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس كما
يروي الترمذي : " يا غلام احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل
الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم
ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا
بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " صلوهم بربهم وعلموهم الصلة بالله
على مستوى السلوك ، " أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : على حب نبيكم وحب آل بيته
وقراءة القرآن " هكذا روى الطبراني بسند حسن ، وروى أبو داود بسند صحيح أن النبي
عليه وآله الصلاة والسلام : قال " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين " وأنا
أخاطب المدارس والقائمين عليها ، وأخاطب أمكنة التصييف والقائمين عليها ، وأخاطب كل
إنسان مسؤول عن مكانٍ يرتاده الأطفال : اجعل في ذا المكان مسجداً ، حتى ولو لم
يصلّي فيه الأطفال لأن رؤية المسجد كما أشرنا في خطبتنا السالفة عن المساجد : إن
للمساجد أثراً حتى من خلال منظرها فأنا أريد في التجمعات التي يلهو بها الأطفال أن
تكون هناك مساجد فرؤية المسجد تبعث في النفس الراحة وتشد الإنسان إلى فطرته . ألا
ترتاح أيها الإنسان حينما تدخل منتجعاً ؟! ألا ترتاح مهما كان مستوى تدينك ، ألا
ترتاح حينما تدخل منتجعاً فترى فيه مسجداً ، ألا تقول لنفسك بأنك مطمئن إلى هذا
المكان حتى ولو كان هذا المسجد خالياً . إن للمباني آثاراً وإن هنالك لعلاقة جدلية
بين المبنى والمعنى ، يتحسن المبنى فيتحسن المعنى ، ويتحسن المعنى فيتحسن المبنى ،
وهذا أمر يعترف به كل عقلاء العالم الذين يجدُّون في دراسة النفس الإنسانية على
مختلف أوضاعها وتنوع تشكلاتها واتجاهاتها . صلوهم بالله أيها المعلمون .
- رابعاً : خلِّقوهم واجعلوهم متأدبين بآداب الإسلام ، وآداب الإسلام لا تعني
تنفيراً ولا تنعي انزواءً ، ولا تعني ابتعاداً عن اللعب ، ولا تعني أن نقول للطفل :
اترك الدنيا ومباهجها ، لا . من قال هذا ؟! ولكن نريد أن نربيَ الأطفال والطلاب
والتلاميذ على آداب الإسلام . وآداب الإسلام في هذا الميدان تعني صدقاً ، أمانة ،
رعاية ، وفاء ، تعني بسمة ، تعني بشاشة ، تعني حباً ، تعني تقديراً ، تعني عطفاً ،
تعني رحمة ، ليس منا - هكذا قال النبي عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في مسند
أحمد - : " ليس منا من لم يُجلَّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " أدبوا
أولادكم وطلابكم على آداب الإسلام واستهدوا لذلك بشخصية النبي عليه وآله الصلاة
والسلام . داعبوهم ، لا طفوهم . نحن بحاجة إلى لقاء الكبار مع الصغار على أرض من
التواضع ، على أرض من الحب ، على أرض من تبادل القلوب التي تلتقي على البساطة وعدم
التعقيد ، لا تروهم تكلُّفَكم ، فالتكلف ممقوت ، أشعروهم بأنكم قريبون من قلوبهم ،
وبأنكم قريبون منهم . يدخل رجل كما جاء في البخاري على النبي عليه وآله الصلاة
والسلام فيراه يقبل الحسن والحسين فيقول هذا الرجل : يا رسول الله : إن لي عشرة من
الولد ما قبلت واحداً منهم . أجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : " وما
أملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة ! من لا يرحم لا يرحم " .
- قوُّوهم ، علموهم القوة بالعلم ، القوة في الصناعة ، القوة في الزراعة ، نريد
أطفالاً يستشعرون أن الله فرض عليهم تعلم الفيزياء ، وتعلم الهندسة ، وتعلم الطب ،
نريد لمجتمعنا أن يكون مجتمعاً يستغني عن المجتمعات التي تقدم له أشياءها
واختراعاتها مقابل القهر ، ولن يكون ذلك إلا من خلال تعليم أبنائنا العلوم
التجريبية والعلوم الشرعية والعلوم البحتة والعلوم على اختلاف أنواعها ومجالاتها .
قولوا لأبنائكم ، لطلابكم ، لأطفالكم ، لأولادكم : إن الله يرضى عنكم أشد الرضى إذا
كنتم علماء مجدين مجيدين في ميدانكم ، ولا نريد أن نقتصر بالعلم على ميدان الشريعة
، ولكن نريد لطلابنا أن يكونوا لامعين جيدين في سائر ميادين الحياة ، في كل ميدان
من ميادين العلوم .
العلم فريضة ، قووهم ونحن نريد قوة في خدمة السلام ، نريد قوة في خدمة الأمان ،
نريد قوة في خدمة الخير ، ولا نريد قوة في خدمة الحرب ، ولا نريد قوة في خدمة العنف
، ولا في خدمة التزمت ، ولا في خدمة التعصب ، نريد أن نتحقق بالرحمة التي كانها
النبي عليه وآله الصلاة والسلام فالنبي رحمة ، أليس الله قد قال :
﴿
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
﴾
الأنبياء : 107
نريد أن نقوِّي أطفالنا ليكونوا في خدمة السلام ، في خدمة العدالة ، في خدمة الحق ،
في خدمة الحقيقة ، في خدمة الأمان ، في خدمة الصدق ، في خدمة الفضيلة .
- أخيراً : علموا أطفالكم حب الوطن ، علموا أبناءكم حب الأرض ، علموا تلاميذكم خدمة
الوطن ، فالوطن مَحَكٌّ لأولئك الذين يتنادون وينادون إلى المبادئ وبالمبادئ ،
الوطن محك ، أنت تدعي بأنك إنسان صالح ، أَرِني أثر ذلك في الوطن ، لا تعلموهم
التحيُّز ولا التحزب ، علموه الإطلاق ، علموهم الانتساب لله ، فالمنتسب لله كبير ،
علموهم خدمة الوطن إرضاء لربهم من غير ما نفع يريدون الحصول عليه ، ومن غير ما
مقابل يريدون الوصول إليه ، علموهم الإخلاص في خدمة الوطن ، لا تعلموهم أن يكونوا
فئويين ، أن ينتسبوا لهذا أو لهذا ، أريد أن نتخلص من التحيز والتحزب ، نريد أن
نعيش جميعاً تحت قبة الوطن لنرضي ربنا عز وجل ، لقد كررت على هذا المنبر الشريف
أكثر من مرة قلت : نريد وطناً نظيفاً يستظل بدين حنيف ، نريد لجميعنا أن نكون
متسابقين في خدمة هذا البلد ، في خدمة نظافته ، في خدمة طهارته ، في خدمة فضيلته ،
في خدمة صناعته ، في خدمة زراعته ، في خدمة كل ما يعود عليه بالرقي والتطوير ، وإني
لأرفع يديَّ إلى ربي عز وجل داعياً بالخير لمن نادى بالتطوير والتحديث في هذا البلد
، لقائد هذا البلد لأقول له : نحن مع التطوير والتحديث الذي يتوجه لهذا البلد
بأمانة ، بإخلاص ، لنرضي ربنا ، فنحن عباد لله جميعاً ، نحن نريد خدمة الوطن إرضاء
لربنا ومن أجل أن يرضى ربنا علينا ، ولا أكون هذا الكلام من باب المََلَكية أكثر من
الملك ، لكني أقول هذا الكلام لأنني أعني ما أقول ، فمَن يسعى لخدمة الوطن من أجل
إرضاء الله ستكون خدمته للوطن عميقة ومستمرة وشاملة وعامة ، لأن الله مطلق ، ولأن
الله واسع عليم ، ولأن الله حكيم ، ولأن الله عظيم ، ولأن من انتسب للعظيم جاهد في
أن يكون فعله يتعاظم ، ومن انتسب للعليم جاهد في أن يكون قوله وعمله يقترب من ساحة
العلم المحقق والموثق ، ومن انتسب للكريم جاهد في أن يكون فعله لله من غير مقابل :
إنَّما الله والنبي هواهم والأكوان بعد ذلك هباء
لا يتوجه إلا إلى الله .
في النهاية : ثقوا بأنني أشعر أحياناً بملل وأنا أتكلم ، فإلى متى سنبقى نتكلم من
غير أثر ، وإلى متى سنظل نحكي حكاية المثل بالكلمات فحسب ، وإلى متى سنظل نردد
إلقاء الوصايا والواجبات وضرورات ما يجب أن نعمل من غير حركة فاعلة ، إلى متى أيها
الإخوة ! ألم يئن الأوان ؟! ها هو المستعمر وقد دخل بغداد فحاصرنا على بعد
كيلومترات من هذه الدولة ، من هذا القطر ، وهذا هو المستعمر الآخر الخبيث الصهيونية
على بعد كيلومترات أيضاً من القطر ، من الشرق و من الجنوب ، هل ننتظر أن يدخل
المستعمر علينا من جديد لنبقى تحت نيره نناشده أن يكون رءوفا بنا رحيماً وهو يقوم
برعايتنا ظاهراً ليقول للناس : ألا ترون أن الشعب قد تحسن بوجودنا ، وأنه لم يكن
كذلك يوم كنا غائبين عنه ، هل تنتظرون لحظة استعمارية يحل فيها المستعمر في بلادنا
حتى نتحسن ، حتى نعمل ، حتى نسعى حتى نأتلف ، أما كان أولى بالعراقيين على اختلاف
توجهاتهم أن يتحدوا قبل أن تأتي أمريكا ، أما كان الأولى أن يجتمعوا كما اجتمعوا
اليوم تحت الراية الأمريكية ليشكلوا مجلس حكم انتقالي ، لِمَ لمْ يجتمع هؤلاء قبل
أن يأتي المستعمر الأمريكي البغيض ، لِمَ لمْ يجتمع ؟! وأنا أقول : هيا فلنضع
أيدينا بأيدي بعضنا ، ولنضع وجوهنا لترضي ربنا وهي باسمة ، وهي مسرورة بوجوه بعضنا
، هيا - أيها الإخوة - نحمل هم الوطن معاً لنبني هذا الوطن لندافع عنه لتكون دماؤنا
رخيصة من أجل الذود عنه ، من أجل أن لا يحتله محتل ، وكما قلت لكم في الأسبوع
الماضي : لا أريد أن تكون هنا تكتلات تؤدي في النهاية إلى قتال فيما بيننا فأبناء
الوطن محترمون على اختلاف توجهاتهم ، كل أبناء الوطن محترمون ، المواطنة حصانة ،
ولكن الحصانة تزداد إذا عمال أبناء هذا الوطن في سبيل رفعة وطنهم ، وفي سبيل مستقبل
مشرق لهذا الوطن ، أناشد وسائل الإعلام أن تكون في خدمة الفضيلة ، في خدمة الطفل
مشروع الرجل المستقبل ، الطفل مشروع رجل ، أناشد وسائل الإعلام ، أناشد المدرسين ،
المعلمين ، الشيوخ ، الخطباء ، الأئمة ، أناشدهم جميعاً أن يلتفت كل منا إلى
مسؤوليته ليقوم بها خير قيام ، ويا ربنا يا خير مسؤول ، يا خير مأمول : أرفع إليك
يديَّ لأقول : اجعلنا هادين مهديين ، حرباً على أعدائنا ، سلماً على أوليائك
وأوليائنا ، سلماً على وطننا ، حرباً على عدونا ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت
، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات