آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
المسؤولية وأنواعها

المسؤولية وأنواعها

تاريخ الإضافة: 2004/02/13 | عدد المشاهدات: 3912

أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :

سئل أكثر من شخص في عملية إحصائية لأعظم وأخطر الكلمات ، فكان جواب الكثيرين في عصرنا الراهن وفي بلدنا ، كان جواب الأكثرية بأن أثقل الكلمات وأعظم الكلمات هي كلمة المسؤولية . عندما عَرَض علي هذا الدارس تلك النتيجة أكَّدت له ما ذكر لي وقلت له فعلاً : إن كلمة المسؤولية إن لم تكن أعظم الكلمات وأثقل الكلمات وأصعب الكلمات فهي من أعظم الكلمات وأثقل الكلمات وأصعب الكلمات . أن تشعر بأنك مسؤول . قلت مرة : أنا أشعر بالمسؤولية إذاً أنا إنسان ، حين تشعر بالمسؤولية فكأنك تدلل على إنسانيتك ، وحينما ينعتق ذاك الذي يُدعَى إنساناً من مسؤوليته ولا يشعر بها أظن بل أعتقد بأنه في نفس الوقت الذي ينعتق فيه من مسؤوليته ومن الإحساس بها ينعتق من إنسانيته . هنالك أسئلة تتعلق بالمسؤولية من أجل تفصيلٍ لها :
السؤال الأول : أنت مسؤولٌ أمام من ؟ وأنت مسؤولٌ عن أي شيء ؟
أما الجواب على السؤال الأول أنت مسؤولٌ أمام من ؟ فأنت مسؤول أمام نفسك
﴿ بل الإنسان على نفسه بصيرة . ولو ألقى معاذيره القيامة : 14- 15 أنت مسؤول أمام نفسك ، قلت مرة إن أفلاطون قال : قد يكون الإنسان المُتَمَكِّن قادراً على خداع الآخرين ، لكنه لا يستطيع أبداً أن يخدع نفسه . أنت مسؤول أمام نفسك " استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك " أنت مسؤول أمام نفسك لأنك أعلم الناس بنفسك ، والإنسان أدرى بنفسه من غيره . ذكرت قصةً منذ أكثر من خمسة عشر عاماً عن مسيلمة الكذاب كما ذكر صاحب العقد الفريد ، هذا الرجل الذي ادَّعى النبوة ، وكان عمرو بن العاص أحد روَّاده قبل أن يسلم ، جاءه مرة ( أي عمرو بن العاص جاء مسيلمة ) وقال له : هل من جديد ؟ قال له مسيلمة : نعم . لقد نزلت علي الليلة آية . هاتِها يا مسيلمة . قال : يا وَبَرُ يا وبر ، إن أنت إلا أذنان وصدر وسائرك حَفْرٌ نقر . ما رأيك يا عمرو بهذه الآية ؟ - وعمرو كما تعلمون داهية - نظر عمرو وقال : أما والله إنك تعلم بأنا نعلم بأنك تكذب . أنت مسؤول أمام نفسك وحسبنا أن نلفتك إلى نفسك لترى عظمة المسؤولية أمام هذا الكيان .
أنت مسؤول ثانياً أمام الأجيال : ستموت ، ولكن الأجيال سيذكرون مواقفك فما الذي خلَّفته ؟ هل كنت منسجماً مع أقوالك ؟ هل كنت منسجماً مع أفعالك ؟ هل كنت إنساناً صادقاً ؟ سيذكرك مَن بعدك ، وستُذكَر بحسب ما كنت عليه من دون ظلم لأن الله لا يظلم مثقال حبة ، ستُذكَر ولكن بعد رحيلك ، لن تذكر بصدق في وجودك لوجود المنافقة ، لوجود المداهنة ، لكن بعد الوفاة سيذكرك الأجيال ، فأنت مسؤول أمام الأجيال القادمة .
ثالثاً : أنت مسؤول أولاً وأخيراً أمام الله عز وجل
﴿ وقفوهم إنهم مسؤولون الصافات : 24 ﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون الحجر : 92 ﴿ فلنسألَنَّ الذين أرسل إليهم ولنسأَلَنَّ المرسلين الأعراف : 6 هؤلاء الذين ستسأل أمامهم .
عَمَّ تُسأل ؟ ستسأل عن أمور خمسة هكذا لخصتها ، ستسأل عن اعتقادك ، هل اعتقدت الصحيح ؟ هل كانت لك عقيدة صحيحة ، والعقيدة الصحيحة جاء بها الإسلام ، هل آمنت بالله رباً ، هل آمنت برسله ، بكتبه ، بملائكته ، بقدره ، باليوم الآخر ، ستسأل عن اعتقادك . جاء في السنن : " ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان ، فيقول الله : عبدي : ما غرك بي " لماذا لم تؤمن بي ؟ لماذا لم تُحَكِّمني ؟ لماذا لم تتخذني وكيلاً ؟ لماذا لم تتخذني حاكماً ؟ لماذا لم تتخذني مُشَرِّعاً ؟ سأسأل كل أولئك الذين يتخذون غير الله حاكماً ، مشرعاً : ما غركم بالله عز وجل ، والله يقول لكم : هذه كتبي ، وهذه أنبيائي ، أتتكم بتشريعي الذي يناسبكم ، فأنا أعلم بكم من غيركم مهما كان .
ستسأل عن العمل . أنت في عمل دائم من صباحك إلى مسائك ، هل كان عملك صالحاً ؟ وصلاح العمل يعني موافقته لشرع الله عز وجل
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات البقرة : 277 هل كان عملك صالحاً موافقاً لأمر الله ، وهل ابتغيت بعملك وجه الله ؟ ستسأل عن عملك أمام نفسك وأمام الأجيال وأمام الله ، هل كان عملك صالحاً ، هل كان عملك مخلصاً ، ورسول الله يقول كما في الصحيح : " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " .
ستسأل ثالثاً عن القول ، هل كان قولك سديداً ؟ هل كان كلامك صائباً ، واجتهدتَ في أن يكون كذلك ، أم أنك تتكلم وتجتهد في مجانبة الصواب ، أو أنك تتكلم وتهمل الاجتهاد في أن يكون كلامك صائباً ، جاء في البخاري : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " انتبهوا لكلامكم ، ولننتبه لكلامنا
﴿ اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم الأحزاب : 70- 71 ﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ق : 18 انظر كلامَك ، هل كلامك يوافق شرع الله ؟ هل كلامك يوافق العقل ؟ هل فكرت حين تكلمت ليكون كلامك حجة لك ، أم إنك غير مبالٍ فيما تتكلم ، وبالتالي – لا سمح الله – يمكن أن تدخل تحت أولئك الذين أشار إليهم الحديث الذي ذكرناه : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " .
رابعاً : مسؤول عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقه ، عن مصدره ، وعن مكان إنفاقه ، جاء في الترمذي ، والحديث حسن صحيح : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعما عمل فيما علم " فلننتبه أيها التجار ، ولننتبه أيها المسؤولون ، ولننتبه أيها القضاة ، ولننتبه أيها الموظفون ، ولننتبه أيها الشيوخ ، ولننتبه أيها الحكام ، فأنتم مسؤولون عن المال الذي تكسبون ، ومسؤولون عن المال الذي تنفقون ، ولا نريد أن نتحدث عن المصادر الخبيثة ، وعن أمكنة الإنفاق المرفوضة ، فذاك أمر تحدثنا عنه بتفصيلات كثيرة ، وربما يأتي الحديث عنه بتفصيلات أخرى .
خامساً : ستسأل عَمَّن تعول ، عن رعيتك ، إن كنت حاكماً عن شعبك ، إن كنت رب أسرة عن أسرتك ، إن كنت معلماً عن تلاميذك ، إن كنت قاضياً عن خصومك ، عن الخصوم الذين يمثلون أمامك ، إن كنت محامياً عن موكلك ، إن كنت طبيباً عن مريضك ، إن كنت ضابطاً عن جنودك ، إن كنت شيخاً عن هؤلاء الذين يسمعون لك ، إن كنت إماماً عن مقتديك ، ستُسأَل . جاء في صحيح ابن حبان : " إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع " وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّع من يعول " وفي رواية " أن يضيع من يقوت " انتبهوا أيها الرجال ، أيها الآباء ، أيتها النساء ، فـ : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " وانتبهوا أيها الحكام ، أيها الوزراء ، أيها المديرون ، أيها الضباط ، يا من تمسكون بزمام قطاع أو قطاعات من المجتمع ، أنتم مسؤولون " إن الله سائل كلَّ راع عما استرعاه حفظ أم ضيع " هذه أمور خمسة سنسأل عنها أمام الأجيال ، أمام أنفسنا ، أمام الله عز وجل ، سنسأل عن الاعتقاد وهل كان صحيحاً ، سنسأل عن العمل وهل كان صالحاً ومخلصاً ، سنسأل عن القول وهل كان سديداً ، سنسأل عن المال من أين جنيناه وفيما أنفقناه ، سنسأل عن الرعية كيف سُسْنَاها وكيف قُدنَاها وكيف رعيناها ، سنُسأَل أمام ربنا عز وجل ، اللهم – هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - : " اللهم من وَلِيَ من أمر المسلمين فَرَفَقَ بهم فارفق به ، ومن وَلِيَ شيئاً من أمر المسلمين فَشَقَّ عليهم فاشقُق عليه " انتبه أيها المسؤول مهما كان حجم مسؤوليتك ، سنسأل عن الاعتقاد والعمل والقول والمال والرعية ، واسمحوا لي أن أقول في هذا اليوم نداءً إلى إخواننا الذين يقاومون في العراق : ستُسأَلون عن عملكم هذا ، فأنا أرى نتائج لا أحكم عليها بأنها غير صحيحة ولكنها تَفرِضُ عليَّ أحياناً ، في أن أحكم عليها ، أو في أن أشرع ، أو أن أقدم مشروع حكم عليها بأنها تجانب العمل الصحيح الخالص ، وإلا ما ذنب أولئك الذين قتلوا من إخواننا من الشعب العراقي في حادثتين يوم أمس وقبل أمس ، ما ذنبهم ؟ نحن معكم في مقاومة المحتل الغاشم الأمريكي الفاسد ومن حالفه ، لكن أولئك الذين يتكلمون لغتنا ويدينون بديننا ، ما ذنبهم ، ما جريرتهم ، أنا لا أحكم وأقطع بالحكم ، لكنني أنصح مستدركاً ، حتى لا تكونوا ولا نكون من أولئك الذين قال عنهم سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " من حمل السلاح علينا فليس منا " دم المسلم غالٍ يجب أن لا نفرط فيه ، وأن لا نستهتر فيه ، وأن لا نتركه هكذا ، إنها مجرد نصيحة انطبعت في داخلي وأنا أسمع الخبر وأقولها أيضاً من باب المشاورة مع أناس مسلمين ، وأرجو الله أن يسدد أقوالنا ، وأن يصلح أعمالنا ، وأن يجعلها خالصة ، اللهم إني أتوجه إليك في أن ترد المسلمين إلى رعاية وإلى الإحساس بمسؤولياتهم رداً جميلاً ، يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق