أما بعد ، أيها الأخوة الصائمون
القائمون ، يا من يعيشون رحاب العشر الأواخر من رمضان ، يا من يعيشون رحاب عشر
العتق من النار :
حينما يقرأ الواحد منا آيات الصيام الواردة في كتاب الله عز وجل سيقرأ بعد أن
ينهي قوله تعالى : ﴿
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون
﴾
البقرة : 185
سيقرأ : ﴿
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي
وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون
﴾
البقرة : 186
. في نهايات الصيام الله أقرب إلينا
منه في غيرها لذا نتوجه إليه داعين أن يجعلنا من عتقائه من النار ، من عتقاء
شهر رمضان ، نسأله جل وعلا أن يجعلنا ممن يشملهم قول المصطفى صلى الله عليه
وآله وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " كما
جاء في الصحيحين ، أن يجعلنا ممن يشملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " من
قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " كما جاء في الصحيحين
أيضاً . نسأله جل وعلا أن يجعلنا ممن يشملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "
من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وكل هذا وارد في
الصحيحين . نسأله تعالى أن يجعلنا ممن يشملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما
جاء في البيهقي : " فإذا كان آخر يوم من رمضان غفر الله لهم جميعاً " أي
للصائمين ، فاللهم اجعلنا ممن غَفَرت لهم ، ممن أقدَرتَهم على صومٍ وصيام بعد
أن عرفنا أن الصيام امتناع عن المفطرات الحسية والصوم امتناع عن المفطرات
المعنوية . فاللهم تقبل صيامنا امتناعاً عن المفطرات الحسية وثبتنا على الصوم
في رمضان وبعد رمضان لنكون من الممسكين عن المفطرات المعنوية من غيبة ونميمة
وكذب وكلامٍ يحمل فحشاء وشتم وسباب ، فاللهم نسألك بحق أواخر أيام رمضان ، بحق
صيامٍ قبلته ، وبحق قيامٍ قبلته يارب العالمين . نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا ،
وأن تستر لنا عيوبنا ، وأن تجعلنا بأمان واطمئنان , وأن تحفظ بلادنا ، وأن تحفظ
علينا ديننا , وأن تحفظ علينا أرضنا , وأن تردَّ إلينا القدس مُحرَّرة يارب
العالمين , وأن ترد إلينا العراق سالمة آمنة من كل شر ومكروه داخلي وخارجي .
نسألك يا رب بحق أواخر أيام رمضان أن تُعزَّ المسلمين وأن تنصرهم في القدس على
أعداءهم أعداء الدين , اللهم إنا نسألك أن توفقنا حكوماتٍ وشعوباً من أجل أن
يصلي بعضٌ منا في القدس وهي مُحرّرة في رمضان القادم يارب العالمين , يا مجيب
السائلين يا إلهنا يا قابل التوب يا غافر الذنب .
ومن أجل أن نكون في عِداد من يشملهم مثل هذه الأحاديث فلنتب إلى الله ، والتوبة
عهد تقطعه بينك وبين ربك , تقول بينك وبين نفسك : يا رب تبتُ إليك ، عهداً إليك
أن أكون عبداً وفياً لك , أن أكون عبداً أرضيك , أرضي ربي وخالقي ، أن أعبدك ،
أن أتوجه إليك مخلصاً , أن أكون في خدمة الإنسان ، أن أساهم في بناء الأرض
والأوطان , عهداً إليك يا رب أن أكون على الصراط المستقيم . قل يا أخي في مثل
هذه الأيام سيدَ الاستغفار ، وأكثر من الاستغفار بصيغة سيد الاستغفار : " اللهم
أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من
شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت " .
الله قريبٌ منك ، فابسط يدك بالتوبة ، فالله يبسط يده بالمغفرة , إن الله يبسط
بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, تب إلى الله
والتوبة عهدٌ تقطعه بينك وبين نفسك ، تقول : يا رب عدت إليك فلا تطردني ، يارب
كنت عاصياً والآن أريد أن أكون طائعاً فلا تخيبني ولا تردني يارب العالمين ، يا
مجيب السائلين ، يا من تبت على عبادك العاصين , يا من تبتَ على أولئك الذين
آبوا ورجعوا إليك , تب علي يا رب .
في مثل هذه الأيام المباركة أيام التوبة والمغفرة تحضرني تلك القصة التي أوردها
ابن الأثير في كتاب التوابين ولعلي ذكرتها أكثرَ من مرة منذ سنوات , أوجه هذه
القصة إلى أولئك الذين ملئوا ذنوباً وخطايا لأقول لهم : مهما كانت ذنوبكم
وخطاياكم إذا تبتم إلى الله فهو يقبلكم :
ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حالٍ إلى حالِ
يقول ربي في الحديث القدسي : " عبدي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا
تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة على ما كان منك ولا أبالي " ومن تقدم من
الله شبراً بالتوبة تقدم الله منه ذراعاً , ومن تقدم من الله ذراعاً تقدم الله
منه باعاً ، ومن أتى الله تائباً يمشي أتاه الله غافراً هرولة .
يروي ابن الأثير أبو السعادات أن قحطاً أصاب القوم في عهد سيدنا موسى عليه
السلام فهبوا من أجل صلاة الاستسقاء وحلوا بيداء كبيرة , وأرضاً شاسعة واسعة ,
وراح موسى يدعو ربه من أجل أن يسقيهم ربنا جل وعلا , فأوحى الله إلى موسى إن
فيكم رجلاً يبارزني بالمعاصي أربعين سنة , مُرْهُ فليخرج حتى أسقيكم , قال : يا
رب إن الجمع كثير وإن صوتي لا يصل إلى الناس كافة , فقال الله : عليك النداء
وعلينا التبليغ , فنادى موسى : من كان يبارز ربه بالمعاصي أربعين سنة فليخرج من
بيننا حتى نُسقَى . وإذ بالرجل بينه وبين نفسه ، نظر في نفسه إن خرج فسينفضح
أمره بين الناس فقال بينه وبين نفسه : يا رب تبتُ إليك يا رب ، استرني يا رب ،
لا تفضحني أمامَ العباد يا رب ، تبت إليك ، عدت إليك أستغفرك وأتوب إليك , وراح
يتوب بينه وبين نفسه . وإذ بالسماء تتلبد غيوماً وينزل المطر ويُسقَى الناس ,
يقول موسى : يا رب لم يخرج منا أحد فكيف سقيتنا ؟ فأوحى الله إليه يا موسى
سقيتكم بمن منعتكم به , فقال: يا رب دلني عليه . قال : يا موسى سترته وهو
يعصيني أفأفضحه وقد أطاعني ! يا موسى ما كنت نماماً .
أيها الأخوة : فليتب كلٌ منا بينه وبين نفسه ، فالله يقبل التوبة عن عباده
ويعفو عن كثير . هذا شق أول .
أما الشق الثاني : فرمضان يناشدنا قائلاً لنا : أما الصيام فلا تنسوه ، حتى بعد
رمضان ولو أن تصوم في الشهر يوماً ولو في الشهرين يوماً ولو أن تصوم كل ثلاثة
أشهر يوماً , لأن الصيام يُبعدُ الإنسان عن الخطايا والذنوب , الصيام له فائدة
تقوية , أما الصيام فلا تنسوه ، صُم الأيام البيض ، صم الاثنين من كل أسبوع ،
صم الأيام المسنونة . وأما القيام فلاتتركوه ، قم الليل بعد رمضان ولو ركعتين ,
لو ركعتين يا هذا , أما القيام فلا تتركوه . وأما القرآن فلا تهجروه ، واقرأ
على الأقل في كل يوم صفحة ، ففي قراءة القرآن راحةٌ لك أيها الأنسان وإثراء في
ميدان عقلك , سيرطب قلبك بالقرآن الكريم ، على الأقل اقرأ في كل يوم صفحة ,
وأما القرآن فلا تهجروه ، وأما الجهاد فلا تعدلوا عنه من أجل تحرير المقدسات ،
وإن لم تكن أنت في ساحِ الجهاد فلا أقلَّ من أن تُجهز غازياً ، و : " من جهز
غازياً فقد غزا " ولا أقل من أن تدعو للمجاهدين أن ينصرهم الله إن كانوا من
المجاهدين المخلصين , وإن كانوا غير ذلك فادع الله أن يصلحهم وأن يخلص نيتهم
وأن يجعل وسائلهم مشروعة ليكون الجهاد كله خالصاً لله وموافقاً لشرع الله , إذا
لم تكن في ساح الجهاد فلا أقل من أن تدعم المجاهدين ، أن تدعم الفقراء
المقاتلين في فلسطين , والأغنياء المقاتلين ، لأن جميع من في فلسطين من العرب
والمسلمين مقاتلون, هناك أسر يبيتون على الطَّوى جُرفت أراضيهم ، ينتظرون منك
أنت عوناً , فإذا أعنتهم أشركوك بالأجر, وأما الجهاد فلا تعدلوا عنه ، والجهاد
أيضاً من أجل تحسين بلدنا كلٌ في مجاله ، كلٌ في ميدانه ، ينبغي علينا أن نكون
أوفياء لأرضنا ، لشعبنا ، لهذه الأرض التي تعطينا , أن نكون أوفياء لبعضنا ، أن
نؤمن بعضنا بعضاً ، أن يكون كل واحد منا يشعر بالأمان إذ يلتقي أخاه ، إذ يلتقي
مواطنه ، فالمواطَنة حصانه ، فهذا الوطن حصن لمن يقطن فيه , فكلنا أوفياء
لبعضنا ، وهذا كله جهاد , رمضان يقول لنا : وأما الجهاد فلا تعدلوا عنه .
نسأل الله أن نكون عند حسن ظن رمضان في توجيهاته , إذ يقول لنا : أما الصيام
فلا تنسوه ، وأما القيام فلا تتركوه ، وأما القرآن فلا تهجروه ، وأما الجهاد
فلا تعدلوا عنه , نسأل الله أن يحفظنا وأن يجعلنا من عتقائه من النار ، ومن
عتقاء شهر رمضان , وأن يحفظ بلادنا وأرضنا ، وأن يحفظ علينا قيادةً تقوم بحقنا
، وتريد أن تسعى لإسلامٍ خالص ينفع البلاد , اللهم وفق الجميع لما تحب وترضى .
نِعمَ من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول قولي هذا واستغفر الله .
التعليقات