نقد الواقع السياسي العربي
في التداعيات التي أصدرها
الدكتور محمود عكام في كتابه ( من ذاكرة التمرد ) صفحات من التفكير في الممنوع
والمرغوب وفيها يشرع في رصد إرهاصات الذات ونزوعها نحو التحرر من ربقة وعسف وجور
الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي . يكتب عما يجوس في قلبه وفي عقله ،
ليس كمتصوف ولا حتى كزاهد ، بل كمثقف لا يملك من السلاح سوى قلمه الذي أرهبه وأرعبه
البطش الذي يروع أمته العربية ، يروع إنسانها . بطش من الداخل ، وبطش من الخارج ،
فأين يذهب الرجل سوى إلى العدل ؟
الدكتور محمود عكام في كثير من مواضع الكتاب يعرف أن العدل هو صفة من صفات الله ،
وأن الظلم الذي يرتكب بحق عباد الله ، فيه تطرف وتفريط بأوطانهم وبحقوقهم ، لذا
نراه يتشدد في التمسك بوطنيته وبقوميته وبعدائه لإسرائيل ، فهو يرى أن قوميتنا
العربية طبيعية وحقيقة راهنة ، وواقعية استوت على فكرة الإنسان ترعاه السماء ، ولها
أهداف هي سعادة الإنسان في الدنيا المرئية والآخرة اللامرئية ، ولها حقوق هي حقوق
الإنسان كما هو . وقد رأت في ذاتها قدرة التعبير والإعراب عن هذه الحقوق فهي
والبيان صنوان ، وهي والفصاحة عشيقان ، بل إنه في علاقة القومية العربية / العروبة
بالإسلام لا يفصل أبداً بينهما . فبرأيه أن قضية العروبة لم تكن مشكلة في يوم من
الأيام ، لكنها أضحت كذلك حين جد الانفصاليون في التاريخ - وإلى أيامنا الآن - في
فصل الروح عن الجسد وإشاعة العداوة بينهما ، وفصل الهوية عن الشخصية ، وإذاعة
الشائعات المعادية بينهما ، فنبه هذا بدوره ذوي الوسطية ورأوا في الاستعمار
الأوروبي المشروع بتبشير ديني وفي ضعف الدولة العثمانية وعدم قدرتها على حماية
الدول والشعوب العربية ، وفي خيانة الاتحاد والترقي لعهوده التي قطعها مع العرب ما
دفعهم إلى يقظة بعد نوم ، وإلى تجديد الوعي بعد ضياعه ، فتنادوا إلى سلاح الإسلام
والعروبة قرينين لا ينفكان ، وزوجين لا طلاق بينهما .
الدكتور عكام يطلق لعقله العقال في تكسير وتهديم قلاع الممنوع في الحكي والفعل ،
الذي يكبح من جماح الفارس العربي في التمرد على المستبدين به وفي صنع استقلاله وذلك
كمثقف عربي يقرأ نصوصه ( التراثية ) قراءة علمية ، مستفيداً من كل ما أبدعه العقل
الإنساني من فكر معرفي فلسفي حتى ولو اختلف هذا الفكر مع عقيدته الدينية الإسلامية
.
فالدكتور العكام لا يلغي الآخر لأنه يختلف معه ، بل يحاوره حتى لا يعوق تقدمه ، لا
يحد من قوة العقل وسلطانه في البرهان على وجوده ، لكنه يفعل كل هذا بتعبير تجريده
للذات عن طبيعتها وهي تدخل ، تفتح باب الألوهية بروحها موحدة حيث تصدر موسيقى تعبر
عن ذاتها وهي تشكو ألم الروح حين قال لها الرب ( كن ) فكانت ، لكن لا لتشتغل أجيرة
أو مومسة عند زعماء الظلم وأعوانه في الدول المؤيدة لإسرائيل الذين باعوا ضمائرهم
واسترخصوا ذاتهم كما يقول الدكتور العكام ، وباعوا نبالتهم بثمن بخس ، فلا وربك لا
تسوية ولا سلام لا في العام 1997 ولا في كل الأعوام المقبلة ما دامت معادلة الحق
والواجب والأخذ والعطاء خاضعة لترهات الظلم . وليفعل من استرخص ضميره من العرب ما
شاء ، ولتفعل الباغية إسرائيل ما شاءت .
وهذا الرأي الذي يتحمس له الدكتور محمود عكام يعبر عن موقف جمهرة كبيرة من العرب
والمسلمين من الصراع العربي الإسرائيلي .... موقف ليس فيه تأمل أو اجتهاد لأنه ينبع
من ( عقيدة ) لا تساوم ولا تفرط في بدهيات أو مسلمات هي ألف باء اليقين العقلي .
ومن هنا سمى كتابه : " صفحات من التفكير في الممنوع والمرغوب " لأنها قضايا ( نتائج
) لا تحتاج إلى بحث أو فلسفة لأنها امتداد للكيان .
أنور محمد
التعليقات