آخر تحديث: الجمعة 04 أكتوبر 2024      
تابعنا على :  

كتب و مؤلفات

   
لوحات: صفحات من الإيمان و التجربة و الوجدان

لوحات: صفحات من الإيمان و التجربة و الوجدان

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 5502

يتألف هذا الكتاب من اثنتين و أربعين مقالة قصيرة كتبها الأستاذ الشيخ محمود عكام عبر مسيرة سنوات طويلة و كانت انعكاساً لتجربته و معاناته ووجدانه في نواحي شتى مما يمكن أن يجد إنساننا المعاصر العربي و الإسلامي خاصة نفسه فيها.
و لعلنا ندرك الغاية مما كتب إذ تقرأ ما سجله في لوحة المقدمة إذ يقول:
" أيها الإنسان : هاتِ من تجربتك و معاناتك ووجدانك لوحات رسمتها أنامل الحياة في صفحة الإيمان، أو شكَّلها الإيمان بما يملكه من أدوات في رقعة الحياة شريطة ألا تتجاوز - هنا و هناك - ذاتك و ألا تجهل حقيقة ما أنت فيه من يقين أمرك و إلا فاللوحة سراب و الأرض يباب و هذه إذاً مشكلة من كبرى المشكلات، وَهْمُ غيرنا فينا و نحن غائبون عنا و الحديث منا عن غيرنا الذي لا نعرف و حديث غيرنا الذي نعرف لا يصل إلينا ". 
كما ندرك سعة المساحة التي يخاطبها الكتاب إذ نقرأ الإهداء :
"إلى الإنسان اللوحة الأسمى في معرض الكون دعوة إلى حمل الأمانة و الأمان و السلام و الإسلام "
إنها لوحات من كلمات رسمتها ريشة فكر مبدع لتتحول اللحظات العابرة و المواقف المنسية إلى مشاهد و صور، ومن عناوين تلك اللوحات:

- لا يا عرب 
- ربعك الناقص 
- صداقة الرجال 
- لنلتق دون ألقاب
- يا من شكى فبكى 
- رؤى في زنزانة الحرية 
- نفحة من ذكرى القدس 
- معيار الفطرة عبر الطفولة
- لعبة السياسة في العالم الثالث 
- إلى الشريعة و المتشرِّعين و السياسة و المتسيِّسين 
و قد كتب الأستاذ محمد عبد الواسع شويحنة عن هذا الكتاب فقال:
في زمن المشروعات الفكرية المتميزة التي تنزع إلى التحويل و تطرح الأسئلة الكبرى و تخوض غمار الإجابات المتعددة المشروعة تتنوع التجارب و تتوسع دائرة الحوار و تتكاثر أشكال الخطاب الشامل خطاب الكليات أمر تقود إليه وسائل عديدة ربما كان على رأسها البدء بمهمة أساسية تبحث في الأركان و في التأسيس تجزئ الخطاب من أجل الوصول إلى الكلية و الشمول .
هذا ما سعت إليه (لوحات) المفكر الإسلامي الدكتور الشيخ محمود عكام، فهي صفحات من الإيمان و التجربة و الوجدان إذ تنطلق من الذات إلى ذوات الآخرين فالذات نموذج بقدر ما فيه من خصوصية بقدر ما هو صالح للتعميم. إن ذات الكاتب تبدو في اللوحات جميعها الناظم المحوري منها ينطلق و إليها يعود لكن من خلال مرجعيات فكرية عقيدية ثابتة راسخة مفتوحة الآفاق واعية.
إن اعتماد شكل اللوحة لمجمل الموضوعات التي عرضها الكاتب يتواءم مع طبيعة التوجه الفكري للكاتب فالقضايا والهموم متعددة إشكالية والنفثات الحرَّى التي بثتها العناوين وقفت على جانب من الإثارة ، الإثارة الحارة اللاذعة المريرة الصادقة الإثارة الفاعلة المرتكزة على التجربة الوجدانية المنطلقة من الإيمان و الحكمة إيمان العارف الصابر و حكمة العاقل المتدبر .
في كل ما عرضته لوحات الكتاب ينهض المضمون الإنساني عبر ثنائية الواقع و التمني، ما هو كائن وما يجب أن يكون وصولاً إلى المرتجى و المؤمل. وتحمل صفحة الإهداء الإشارة و الدلالة إلى: " الإنسان اللوحة الأسمى في معرض الكون دعوة إلى حمل الأمانة والأمان والسلام والإسلام "، هذه الأنسنة الرحيمة الشفيفة تضم إليها مختلف القضايا والمشكلات المتناولة تلك التي تتوزع على عدد من المحاور الأساسية فمن لوحات في الفكر و العقيدة و الإيمان، إلى لوحات في السياسة والوطنية والانتماء ، إلى أخرى في السفر والتجارب والأخلاق والتربية الإسلامية، إلى نفحات وجدانية و نجاوى و ابتهالات … تتنوع الموضوعات وتتشكل في أطر كثيرة مما يعطي لوحات الكتاب جواً من الحيوية و التشويق، يشد القارئ إلى واحة من التجارب الإنسانية الحميمة والصميمة. وفي ذلك يظهر الإنسان في إنسانيته و في شرط وجوده أو في وجوده المشروط:
" إنسان في حياة وحياة لا تنفك ولا تنفصل عن إيمان قد يخطئ وهذا قدره الجميل وقد يصيب فذاك سعيه النبيل وبين القدر والسعي صلة ما بين الخلق و الأمر و الإيجاد و التكليف " 
تستفيد بعض اللوحات من تجارب السفر إلى عواصم وحواضر عالمية مختلفة مثل باريس وأمريكا وألمانيا وأبو ظبي وفرانكفورت وفيها يتم إظهار المفارقات الكبرى الحادة و المؤلمة في مشكلات العروبة القائمة في الحدود والسدود والبناء والتنظيم والانتماء والانسلاخ والإرسال و الاستقبال. ومن ذلك يظهر الصراع في أوجه، ولكن دونما تكافؤ بين الإسلام في راهنه والاتجاه المعادي الماثل في الاقتلاع وصراع الطغيان، إنه واقع مؤلم يتلمسه الكاتب بكثير من الحساسية والغيرية وربما الحسرات، حتى ليظهر عنوان إحدى اللوحات منسجماً مع المآل الطبيعي لحالة اللاجدوى والضياع والقهر التي يعيشها عالم العروبة والإسلام (مللت الحب و استيقظت للكراهية) .
إنها دعوة لأن نكره ما هو كريه في حياتنا، فكما نحب يجب أن نكره، وتأسيساً على سلوك الكراهية يكون المضي إلى ما هو أجمل وأبقى في حياتنا .
في لوحات الفكر والعقيدة وخطاب إسلامي منفتح مترامي الأبعاد لا يضيق بالمذاهب والديانات، يناهض التكفير والنظرة الضيقة إلى الآخر، والحكم على الظاهر، وفي معرض الموضوع السياسي دعوة لاقتران السياسة بجوهر الدين الإسلامي لينعدم الفاصل بينهما فلا دين بلا سياسة، ولا سياسة بلا دين، فالسياسة حركة شاملة للمبدأ ومنهج متكامل جاء به الإسلام ليقدمه للبشرية قاطبة، بل السياسة بحسب المفهوم الإسلامي كما يراه الكاتب عمل وجهد لا يعرف الشعارات والكلام فحسب " السياسة إدارة والإدارة علم والعلم شامل والشمول يغطي الأرض والعلم والوطن والبلد والأسرة والفرد "، وهو يرفض حسب هذا المفهوم السياسة القائمة على التواكل والضعف وشهوة الاعتلاء وتبريرات الظلم ونزوات السيطرة .
وعلى هذا الأساس تنهض الدعوة إلى إسلام يوحد شمل الأمة وينبذ الاختلاف والخلاف والتفرقة، لمواجهة العدو المشترك، إنها دعوة الانفتاح والرؤية الشاملة، والارتفاع فوق الخلاف القاتل و ليس خلاف الرحمة المشروع، وعليه فالكاتب يميز جيداً ما بين الإسلام الحق والإسلام المفرق وفق معايير سياسية، وفي رأيه يرتكز العمل الإسلامي الصحيح على أمور أربعة : المعرفة الشاملة، وتقويم الاعوجاج، وممارسة الدعوة، وواجب الوضوح في الأمور كلها. 
والإيمان وما يستدعيه من سلوك يغطي مساحة كبيرة من لوحات الكتاب، فالعمل الإسلامي واجب، والدعوة إلى المبدأ جزء من الإيمان به، وما لم تكن الدعوة قائمة على بصيرة هادفة إلى إرضاء الله عز وجل، فإنها ستبقى بمنأى عن الإسلام والاصطباغ بصبغته. 
وفي العمق الفكري يتجلى الصفاء الروحي، ينسجمان ومعاً، ويتواشجان في لوحات النجوى الملونة بالسحر والعذوبة، لوحات يتنوع فيها التوجه وتتعدد الأغراض، فمن النَّجاوى الإلهية إلى مناجاة الزهراء، القدوة الأمثل، إلى مناجاة الذات، إلى مناجاة الوطن، إلى مناجاة الأمة، إلى مناجاة القدس السليبة، إلى مناجاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وروضته والقبة الخضراء وعرفات، وصولاً إلى مناجاة الحرية، وفي كل هذه الأنحاء والتوجهات يتعزز المنطلق وتتوهج بؤرة الأهداف والمقاصد خالصة نقية سامية، نجاوى تزخر بالصدق، وتشعّ من جوانبها قوة الإيمان وصلابة الموقف وعزيمة القصد، وإذا كان هذا التوجه يتعزز بقسط حميم من الحميمية والثبات على المبدأ والصدق، فإنه ينهض معادلاً موضوعياً يُراد له أن يحقق حالة التوازن في مجتمع بات على الإنسان فيه أن يبحث عن تحقيق هذه المعادلة في كل سعيه وفي أولويات مراميه، وإن لم يتحقق الوصول فالحكم على اللوحة الإنسانية جميعاً بالويل والثبور: " فاللوحة سراب، والأرض يباب، وهذه إذاً مشكلة من كبرى المشكلات"، وكلنا يسعى ويجب أن يسعى إلى حل معادلة ( الربع الناقص ).
والصفاء حالة من الصدق تُطلب في أرباب الصدق من الرجال، والصدق أجمل ما يتصف به الإنسان، ففي مناجاة النفس في لوحة (صداقة الرجال) نقرأ : "مع الرجال كوني يا نفسي، فلا سبيل لشيءٍ من الاطمئنان أو الاستقرار المنشودين في عالم الحق إلا بصداقة الرجال" وفي البحث عن الصفاء يقدم الكاتب ( معيار الفطرة عبر الطفولة ) ، والفطرة كما يراها مطابقة للإسلام الحنيف، وما حسُنت نهاية لم تُؤدُّ إلى البداية، بداية الفطرة والصفاء والوفاء، والفطرة صبغة ( ومن أحسن من الله صبغة؟! ).
والضيق والتبرم ينشآن من صدام متواصل بعالم غياب الحقيقة، وتردي الناس في وهاد الوهم، بل تحويل الوهم إلى حقيقة على كل الصُعُد الفردية والجماعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه اللوحات تشكّل وثائق تاريخية تحكي سيرة عصر وهي وثائق متعددة، عن حالة وطن وحالة أمة وحالة إسلام وحالة مسلم، وثائق عن السياسة والسياسيين، عن الشريعة والمتشرعين، وعن الحقيقة والوهم، وثائق تدمغ وتدين، تعارض وتحتج، ترفض وتواجه، بل تعمل على رسم الطريق، وتحديد الهدف، وإقامة الصور من خلال مرجعيات شديدة الثبات والوضوح، وفكر وقّاد لماح، وواقعية في النظرة لا تتجاهل العاطفة والوجدان والفطرة وبوح الروح. 
وتمضي لغة اللوحات تتناغم مع طبيعة الموضوع في عبارات مكثفة دالة، وفي صور تنبض بالإيحاء واللمح، فلا تسقط في الترهل البلاغي والتشتيت والإنشائي، بل تسعى مع الفكرة بحسب طبيعة الخطاب، بأسلوبية مميزة، تستند إلى المنطق والتجربة والرؤى الصادقة والواقع في تفصيله وتنوع معاناته. 
هذه الأسلوبية الخاصة بالكاتب تخطُّ لنفسها جدولاً ينفرد بعذوبته وسلسه، في وقت لم تستطع الكتابات الإسلامية أن تصنع لغتها المعاصرة وترتقي إلى خطاب حضاري يقف للمهمات الصعبة ويدخل قلوب الناس من أيسر السبل فيحقق الغاية المنشودة.

التعليقات

علي حسن شويحنة

تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}

التباين في مقدرة العقل البشري الحكم علي الظواهر والاختلاف في السلوكيات الناتجة عن اختلاف في الفكر والتفكير بالاضافة الى التضاد بين المحسوسات والملموسات والانعكاسات التي تخلفها في النفس..اخذين في الاعتبار خصائص النفس المطمئنة وعلوها وما تنطوي عليه النفس اللوامة وتأرجحها بين المطمئنة والأمارة بالسوء, نجدنا نسافر مع مفاهيمنا الى عالم الايمان المطلق لولا أن ابن ادم خطاء في المسلك والمفهوم واسقاطاتهما..

شاركنا بتعليق