آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
لقاء مع إذاعة حلب حول الهجرة

لقاء مع إذاعة حلب حول الهجرة

تاريخ الإضافة: 2006/01/31 | عدد المشاهدات: 4054

بمناسبة العام الهجري الجديد 1427 التقت إذاعة حلب مع الدكتور الشيخ محمود عكام في حديث خاص، يبغي استلهام معاني الهجرة النبوية الكريمة التي اتخذها المسلمون مبدءاً للتاريخ الإسلامي، لكونها في صدارة المعالم البارزة التي أثرت في قيام الأمة الإسلامية وحددت لها مسارها.

 

إذاعة حلب: ذكرى الهجرة لهذا العام يجب أن نستفيد منها وأن نراجع معها أوراق الهجرة النبوية، فماذا تقول ؟

الدكتور محمود: لا شك أن هذه المناسبة مناسبة عظيمة لأنها تشكل في تاريخ الإنسانية نقطة بارزة، ومتسعاً ضوئياً يفيد الناس منه.

وفي رأيي أن الحديث عن الهجرة يمكن أن يكون حديثاً عن عدة محاور.

يمكن أن نحن نتحدث عن الهجرة توصيفاً، فالهجرة تضحية ، ضحى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيّما تضحية، وكانت هذه التضحية أنه ترك وطنه الذي يحبه، وبلده الذي يعشقه، ولقد قال تلك الكلمة التي تعبر عن التضحية يوم خرج من مكة المكرمة مهاجراً إلى المدينة المنورة. قال وهو يقف على أبواب مكة: "والله إنك لخير أرض الله وأحب بلاد الله إليّ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت".

ضحّى بالوطن المحبوب من أجل المبدأ، بالمقابل – مقابل هذه التضحية - من ضُحِيَ من أجله وهو الله عز وجلّ صاحب المبدأ والدين أكرمه وحماه ورعاه، وكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبعه المشركون المقاتلون من أجل أن يقتلوه، واجتمعوا حتى من قبل أن يخرج من مكة من أجل أن يدبروا له مكيدة، وقد قال القرآن الكريم عن هؤلاء: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

مقابل هذه التضحية فإن الله عز وجلّ - صاحب المبدأ الذي ضحى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوطنه من أجله - أكرمه وحماه، حماه من قتل هؤلاء حين اجتمعوا من أجل قتله، فخرج منهم سليماً وهو يتلو قول الله عز وجلّ: ﴿وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون.

ثم بعد ذلك، لما تبعه المشركون إلى غار ثور حيث اختبأ يريدون أن يقتلوه، وإذ بأبي بكر صاحبه يبكي ويقول: لقد أصبحوا فوقنا، ولو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الواثق من حماية الله له، لأنه خرج من أجل ربه، فربه الذي خرج من أجله سيحميه. قال له: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين، الله ثالثهما؟!". وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا. وفعلاً حماه الله ووصل إلى المدينة المنورة، واستقبل أيّما استقبال بالنشيد المعروف، الذي نردده في مدارسنا وبيوتاتنا:

طلع البدر علينا                  من ثنيات الوداع

إذاعة حلب: هذه الجماعة الصغيرة التي استقرت في المدينة المنورة أرست دعائم دولة إسلامية حديثة وراحت تنشر دعوة الحق.

الدكتور محمود: لا شك أن هذه الدولة يمكن أن نطلق عليها (الدولة الأساس في الإسلام)، هذه الدولة تتمتع بصفتين اثنتين:

الصفة الأولى: العدل وما يستلزمه العدل من شورى، ومن سعيٍ من قبل المسؤولين والقائمين على الدولة إلى لملمة الشتات وجمع الناس على الخير والعمل الصالح وما يصلح الإنسان وما يصلح الأرض وما يصلح الكون.

وأما الصفة الثانية بعد العدل: فقد قامت هذه الدولة على جمع الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم، على ما ندعو إليه اليوم ونسميه بالوحدة الوطنية. جمعتهم على الإسلام بالمعنى الأوسع، والإسلام بالمعنى الأوسع هو المبدأ الذي يتسع لكل الناس على اختلاف أديانهم، حتى ولو كانوا غير مسلمين، فالإسلام يبصمهم ببصمته، ويصفهم بوصفه، فهم مسلمون بالثقافة والانتماء والحضارة.

ولذلك سجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دستور المدينة في المادة الأولى منه: (وأن المسلمين مع مَنْ معهم من غيرهم أمة واحدة على من عداهم).

إذاعة حلب: صحيح. ثم بعد استقرارهم في المدينة وإرساء دعائم الدولة الإسلامية ونشر دعوة الحق. وقفوا أيضاً في مواجهة أكبر قوتين عسكريتين يومها، وهما دولتا الفرس والروم، وتوالت الانتصارات وامتدت الدولة العربية الإسلامية.

الدكتور محمود: نعم. يجب أن تمتد مثل هذه الدولة، وما دامت تحافظ على هذين الأمرين - على الأسين الأساسيين – ستستمر. فاستمرار الدولة - أعني الدولة الصائبة دولة الحق - مرهون بأمرين: بالعدل، ورعاية الإنسان الذي يعيش في محيطها بغضّ النظر عن دينه أو عرقه أو مذهبه أو توجهه، فالدولة الإسلامية التي استمرت كانت تحمل هذين العنصرين، إرساء العدل وجمع الناس تحت راية إرضاء الله عز وجلّ، والله تعالى يرضى حين يرى عباده متعاطفين متعاونين متباذلين متضامنين، لا يظلم بعضهم بعضاً ولا يفجر أحدهم مع أحد. فاستمرار الدولة رهنٌ بهذين الأمرين اللذين تحدثنا عنهما، واللذين أرستهما الدولة الإسلامية في تجليها الأول بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة.

إذاعة حلب: ألا حدثنا عن انتصارات المسلمين التي امتدت ما بين الأطلسي غرباً والصين شرقاً ؟

الدكتور محمود: لا أسمي هذه الانتصارات انتصارات إسلامية بقدر ما أسميها انتصارات إنسانية، لأن الذين كانوا يجاهدون ويقاتلون لم يقاتلوا من أجل منافع، ولا من أجل ماديات، ولا من أجل استعمار كما في عُرفِنا الحديث، ولا من أجل استعباد الناس، بل كانوا يقاتلون من أجل تحرير الإنسان، ولذلك قال أحدهم: "إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).

أناس يحملون مثل هذه الراية ومثل هذه المفاهيم لا شك في أنهم سيصلون إلى هنا وهناك في آخر نقطة من العالم، لأنهم يحملون ما ينفع الإنسان هذا المخلوق الأسمى، يحملون له التكريم والتحرير والتقدير والرعاية والحماية.

أناس يحملون مثل هذه المفاهيم لا بد وأن يستقبلوا، لذلك كانت الانتصارات تتحقق نتيجة تعاون مع أصحاب البلد، الذين رأوا في المسلمين أناساً يقدرون الإنسان ويرعونه، ويريدون له العدل والتكريم والرفعة.

إذاعة حلب: إذن فالسر يكمن في قوة الحق، فلا بد أن يمتلك الحق قوته، من عدالة وصون للإنسان وكرامته وأمنه.

الدكتور محمود: لا شك في أن الحق يجب أن يكون له رجال، فالحق ورجاله هم الذين ينتصرون، والباطل ورجاله هم الذين يخسؤون. الحق يتجلى من خلال رجال، ولا أعني بالرجال الذكورة، بل أعني بهم حملة الحق من ذكور وإناث، فالحق يجلّيه رجاله وهؤلاء الرجال يشكلون القوة، وقوة الحق هي المنتصرة ، وقوة الباطل هي المندحرة. فإذا ما عُري الحق عن قوته وعن رجاله فسيبحث عن رجال يحملونه حتى ينتصر، لأن الحق المجرد لا يمكن أن ينتصر من غير رجال. القضية قضية إنسان يحمل الحق وإنسان يحمل الباطل. والنتيجة ستكون لصالح الإنسان الذي يحمل الحق في مواجهة ذاك الذي يسعى للباطل والفساد.

والحق – طبعاً - عنوان لكل الفضائل: للصدق والأمانة والرعاية والحماية والتكريم والتقدير، والباطل عنوان للفساد وللاستعباد وللتأخر وللتخلف.

ونأمل أن نكون دائماً من أولئك الذين يحملون هذه الرسالة المنوِّرة التي مركزها الحق، ومحيطها وسطحها يحمل هذه القيم التي تحدثنا عنها... قيم العدالة والفضيلة وتكريم الإنسان وتقديره.

وما أدري إن كان هنالك الآن مجال في حديثي هذا من أجل أن أذكر العالم كله بضرورة تقدير هذا النبي صاحب الذكرى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وآمل أن يكفوا في بعض مناطق العالم عما سمعناه البارحة من إساءاتٍ لهذا الرجل العظيم، لأن الإساءة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تقف عند حدّ الإساءة إلى شخصن بل هي إساءة إلى الإنسانية، لأن محمداً كان يمثل الإنسانية، ومن اطلع على سيرته سيجد أن هذا النبي الكريم، هذا الرجل العظيم يمثل الإنسانية بكل أبعادها الخيرة وبكل معطياتها الفاضلة.

إذاعة حلب: برغم النكسات وما تتعرض له أمتنا من ضغوطات وعدوان لا بد من أن يولد من قلب الظلمات وهذه الجراحات فجر النصر والكرامة.

الدكتور محمود: لا شك في أنني أردد بيني وبين نفسي ومع إخوتي وأبناء وطني، أردد هذه الآية التي قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الغار، والمشركون يلاحقونه كما يلاحق القسم السيئ من العالم سورية... لا يسعني إلا أن أقول لأبناء سورية، للعالم العربي والإسلامي: ﴿لا تحزن إن الله معنا لأن الإنسان الذي يحمل بذور الخير، ويحمل مشتقات الخير، والذي يسعى من أجل أن يرسي قواعد هذا الخير لا شك في أن الله سيكون معه، ولكن لابد من أن يتعرض الإنسان لبعض المحن وبعض الاختبارات والابتلاءات، وكما قال ربي عز وجلّ: ﴿أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.

وإن شاء الله ستمر كل هذه التحديات وهذه الفتن بخير، وسينتصر الحق وأهله وقوته، لأننا في النهاية لا نريد الظلم لأحد، ولا نريد الحرب على أحد، ولا نريد أن نقف في مواجهة أحد، وإنما نريد إنساناً مكرماً يتمتع بأمن واستقرار في الميدان الاقتصادي والزراعي والصناعي والأمني والحياتي.

نريد في النهاية أن تتعايش الإنسانية على أساس من احترام وعلى أساس من تعارف: ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.

التعليقات

شاركنا بتعليق