أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون:
قلنا فيما سبق بأن واجباتنا نحو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمور ثلاثة: هي المحبة والتعرف والإتباع، وإذ أردنا أن نفصّل في التعرف فعلينا أن نتناول الآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا النبي الكريم وأن نقرأ أيضاً بإمعان تلك الأحاديث النبوية التي تتحدث أيضاً عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيرة وسلوكاً ووصفاً وحالاً، وحينما قرأنا من هذه الآيات الآية التي نستشهد بها كثيراً وهي: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ القلم: 4 حينما يقرأ الواحد منا هذه الآية يزداد إعجاباً، بل يزداد حباً بهذا النبي الكريم، ولكنه في نفس الوقت يريد أن يتعرف على خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكل عام وبشكل خاص، كما أنه في نفس الوقت أيضاً يتمنى لو أنه يدخل في رحاب هذه الفضيلة العظيمة فضيلة الخلق الحسن، فهل أنتم على استعداد من أجل أن تقرؤوا تفاصيل خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى لا يكون هذا الاطلاع حجة عليكم، بل نأمل أن يكون الاطلاع على خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة لنا من خلال سعينا الجاد والدؤوب بالتخلق فيما يمكن أن ينسب - لا أقول بالتخلق بأخلاق النبي فذلك بيننا وبينه بون شاسع أقول بالتخلق - بما ينسب إلى أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إن النسبة ضعيفة أو ضئيلة، المهم أن نمشي في طريق اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأقواله وسيرته كلها.
فيما يخص خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الرسول عليه وآله الصلاة والسلام دعا إلى التحلي بالخلق الحسن، دعا وكان صادقاً في دعوته هذا ولم يكتفِ عليه وآله الصلاة والسلام بما نكتفي به اليوم، لم يكتفِ بالدعوة، بل دعا دعوة بصدق وأمانة ومع الدعوة كان منفذاً ومطبقاً هذا الذي دعا إليه، وكان الأنموذج الأكمل فيما دعا إليه من التحلي بالخلق الحسن، فيا أمة محمد عليه الصلاة والسلام: اقرؤوا دعوة النبي أصحابه وأمته إلى الخلق الحسن، وها هو يقول لكم كما جاء في سنن الترمذي: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" أتريدون أن يكمل إيمانكم ؟! إذاً حسنوا أخلاقكم حتى يتحسن إيمانكم، فهناك علاقة بين الخلق والإيمان، فمن كانت أخلاقه حسنه كان إيمانه حسناً ومن كان إيمانه حسناً يجب أن يكون خلقه حسناً وإلا فالقضية مشكوك فيها.
يقول سيدي رسول الله في حديث نكرره وهو يدعو أمته ويدعو البشرية كلها إلى الخلق الحسن كما جاء في سنن الترمذي: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" ويتابع رسول الله دعوته الأمة إلى الخلق الحسن كما جاء في صحيح مسلم: "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" تواضع أيها الولد لوالدك ولوالدتك، تواضع أيها التلميذ لمعلمك، تواضع أيها الطالب لمدرِّسك، تواضع أيها العامل للمسؤول عنك، تواضع أيها الإنسان للإنسان الآخر، فالتواضع لبعضنا أمرٌ أمرنا بتحقيقه وتنفيذه، تواضع أيها المسؤول للمحكومين، تواضع أيها الرئيس لشعبك، تواضع أيها القائد في ثكنتك للعسكري وللجنود حولك، وإياك والتكبر، هذه دعوة النبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام ونحن قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى الخلق الحسن فكان الداعي الصادق، لكنه لم يكتف بالدعوة بل نفذ هذا الذي دعا إليه فكان خُلُقه القرآن، كان مطبِّقاً هذا الذي دعا إليه تطبيقاً كاملاً تاماً يمكن أن نقول عن هذا التطبيق حسابياً بأنه كان مئة بالمئة.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وها نحن ندرس وقائع تطبيقية لما دعا إليه النبي عليه وآله الصلاة والسلام فاسمع مني أيها المسلم وحاول أن تخاطب نفسك لتكون على هذا الطريق فقد جاء في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع صوت عمار بن ياسر من بعيد، وإذ به يقوم لعمار ويقول له: "مرحباً بالطيب المطيب". كن ذا خلق حسن مع أصحابك وعاملهم مقتدياً بخلق رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه. يروي البخاري ومسلم أن ابنته فاطمة تدخل عليه كأن مشيتها مشيته فيقوم لها، – من منكم يقوم لابنته عندما تدخل عليه وأنتم في عصرٍ يُقال فيه بأن المرأة مكرمة- ويجلسها بجانبه ويقول: "مرحباً بابنتي" من منا يفعل هذا مع ابنته لا سيما إذا كانت متزوجة ودخلت عليه بعد غياب طويل وكان زوجها ممن لا يرضى عنه والد البنت من منا يفعل هذا على سبيل المثال.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذا خلق حسن حتى مع الغلمان، مع العبيد، مع الأرقاء، ولا ننسى قصة ذاك الصحابي زاهر كما روى صاحب مجمع الزوائد بسند مقبول أن زاهراً كان يأتي المدينة المنورة وكان يبيع ما تنتجه أرضه لأنه كان يسكن بادية المدينة، وكان سيدي رسول الله كلما رأى هذا الغلام قال له مداعباً مؤانساً: "زاهر باديتنا ونحن حاضروه" وحدث مرة أن زاهراً كان يبيع ما تنتجه أرضه وإذ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي من خلف زاهر ويضع يديه على عيني زاهر مداعباً ليقول له زاهر: من أنت ؟ أرسلني، اتركني. ولكن زاهر أحسَّ بأن من وضع يديه على عينه هو رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام فلما أحس بذلك راح يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله ويقول: "من يشتري هذا العبد مني ؟" يجيب زاهر: إذاً تجدني كاسداً، لا أحد يشتري، فيقول نبي الله كلمة ملؤها الحب والحنان واللطف: "لا يا زاهر، لست كاسداً، أنت عند الله غالٍ ".
رسول الله كان ذا خلق حسن حتى مع الأطفال ولطالما كررنا حديثاً يرويه البخاري: "إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز لما أعلم من وجد أمه عليه".
وكان ذا خلق حسن مع غير المسلمين الذين هم ليسوا أعداءً، يوم جاء وفد النجاشي إلى رسول الله فقام رسول الله وخدمهم بنفسه فقال له أصحابه: يا رسول الله نكفيك هذا قال: "لا، أريد أن أخدمهم بنفسي لأنهم كانوا لأصحابنا مكرمين" يوم ذهب أصحاب النبي إلى النجاشي وأكرموا عند النجاشي فالنبي عليه وآله الصلاة والسلام خدم هذا الوفد الذي جاء من الحبشة من عند النجاشي أكرمهم بنفسه.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذا خلق حسن مع الشهداء: يروى صاحب كتاب الإصابة أن عثمان بن مظعون يوم استشهد إذ بالنبي عليه وآله الصلاة والسلام يأتي عثمان وقد أصبح شهيداً فيقعد بجانبه ويضع رأس عثمان بحجره – يقول من روى هذا الحديث فو الله إنا وجدنا دموع رسول الله تسيل على خد عثمان بن مظعون.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا خلق حسن حتى مع الحيوان: يروي الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله خلفه وإذ بجمل. فلما رأى الجملُ النبيَ صلى الله عليه وآله وسلم زرفت عيناه وأقبل نحو النبي ورأيت النبي يمسح شفراه – مواطن الدمع من عيني الجمل -.
كان ذا خلق حسن حتى مع الحيوان، فرسول الله دعا إلى الخلق الحسن وطبق الخلق الحسن ولأن رسول الله فعل ذلك وقال ذلك شهد الله هذه الشهادة العظيمة: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ القلم: 4 لأن رسول الله كان صادقاً في دعوته إلى الخلق الحسن ولأن رسول الله طبق فكان الأنموذج الأمثل في تطبيق الخلق الحسن خاطبه الله: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ القلم: 4 .
وها هو سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوسع الناس صدراً – أيها الضائقة صدورهم على إخوانهم – وأصدقهم لهجة، وأكرمهم عشرة، وألينهم عريكة. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله أبر الناس، أكرم الناس.
فيا أمة النبي ذا الخلق الحسن: حسنوا أخلاقكم مع بعضكم، مع البنات، مع الغلمان، مع
الجماد، مع الحيوان، مع الإنسان، مع المسلمين، حسنوا أخلاقكم فعاونوا إخوتكم في
فلسطين وقد حوصروا، واتبعت معهم سياسة التجويع كما سمعتم لأنهم قالوا ربنا الله. هل
تسمعون بأن العالم الغربي اتفق جله على أن يُجوع إخوانكم في فلسطين، فمن الخلق
الحسن أن تكونوا مع إخوتكم في فلسطين تساندونهم، تعاونونهم، تكرمونهم، تساعدونهم
على ألا يتنازلوا عن مقاومتهم، عن فلسطينهم، تعاونوهم على ألا يهادنوا، عاونوا
إخوانكم في العراق من أجل أن يزيلوا من بينهم النعرات الطائفية التي أودت بهم،
وعدوهم فرح بما يحصل هناك سواءٌ أقتل الشيعي، أم السني، أم الكردي، أم العربي. إن
قلوب الأعداء من أمريكيين وبريطانيين وصهيونيين لَتزغرد فرحاً عندما ترى العراقي
يقتل العراقي، هي لا تفرح ولا تحزن عندما يُقتل الكردي دون العربي ولكنها تفرح أكثر
وتشمت أكثر عندما يقتل الشيعي والكردي والعربي والسني. يا أبناء العراق افهموا أن
الوطن غالٍ عليكم، وأن اللعبة تدور عليكم، وأنه مُخَطط لكم في أن يقتل بعضكم بعضاً
إن بدافع الطائفية المذهبية أو بدافع الطائفية العرقية أو بدافع الطائفية
الجغرافية. ليس هذا من خلق المسلم ولا من خلق العربي.
إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذا خلق حسن مع الحيوان والجماد فأين أخلاقكم
مع بعضكم، مع مواطنيكم، وليس ثمة تبرير في رأيي على الإطلاق حين يقتل عراقي عراقياً
من كان. هناك أناسٌ أولى بالقتل من هؤلاء العراقيين من كانوا. هنالك الأمريكيون
المعتدون الغاشمون، هنالك الصهيونيون الذين يَسرحون ويمرحون، يؤججون العداوة فيما
بينكم ياعراقيون، ويغتنمون فرصة انشغالكم ببعضكم ليقوموا باستلام زمام الاقتصاد
والبترول عندكم، وزمام السياسة عندكم. فلا ورب الكعبة لا أعتقد ثمة مسوغاً من أجل
أن يقتل عراقي عراقياً مهما كان ومَن كان. هل استرخصنا الدماء ؟! فمن الخلق الحسن
أن نحقن دماءنا: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" ما دام المسلم يقول
لا إله إلا الله محمد رسول الله فاحقنوا دماءكم فهذا من الخلق الحسن .
أيها المسلمون في كل بقاع الدنيا من الخلق الحسن أن نرعى أوطاننا، أن نحمي أوطاننا،
أن نجعل أوطاننا مستقلةً عن مال الغرب واقتصاد الغرب وسياسة الغرب المعتدي الآثم،
كونوا مستقلين فذكرى الجلاء قادمة بعد يومين ونحن نريد - ليس ذكرى فحسب - بل نريد
أن نعيش الجلاء ذكرى وحركة وسلوكاً من خلال أن نأكل ما نزرع، وأن نلبس ما نصنع، وأن
نحول كما قلت البارحة لأختٍ راسلتني من مكان بعيد قلت لها: ينبغي أن نكون كالبنيان
المرصوص، لا كالبنيان المعصوص فكونوا كذلك.
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك أن تجعلنا ممن يتحلى بالخلق الحسن، يا ربنا يا إلهنا
يا رجاءنا اجعل أخلاقنا على طريق أخلاق نبيك المصطفى وحبيبك المجتبى، يا رب وفقنا
من أجل أن نكون من أقرب الناس يوم القيامة للنبي عليه وآله الصلاة والسلام، ومن أجل
أن نكون من أولئك الذين يمدحهم نبي الله يوم القيامة "إن أقربكم مني مجلساً يوم
القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤن أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا
يألف ولا يؤلف" اللهم آمين، نعم من يسأل ربنا ونعم الحسيب إلهنا أقول هذا القول
واستغفر الله.زاهر
تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}
زاهر بابريك
تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}
شاركنا بتعليق
التعليقات