آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
مداخل ترشيد الشباب

مداخل ترشيد الشباب

تاريخ الإضافة: 2006/06/23 | عدد المشاهدات: 4624

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

قال لي أحدهم: حدثنا عن ترشيد الشباب وكيف يمكن أن يكون الشاب من ذَكَر أو أنثى راشداً أو راشدة ؟ قلت لهم ما قلت لكنني أردت اليوم أن أعرض عليكم ثلاثة أمور إن سلكها هذا الشاب كان راشداً، أو بالأحرى هي كما أسميتها مداخل رشد من دخلها دخل الرشد أو طرق بابه بصدق، ومن عَدَل عنها سيبقى في تيهٍ يضيعه.

قلت لهذا الذي سألني أتريد أن ترشد وأن نرشد وأن يرشد من يبتغي الرشد ؟

عليك وعلينا وعليه أولاً أن نعمق مسؤوليتنا عن أنفسنا وعمن حولنا وعما حولنا فإذا عمقنا مسؤلياتنا رشدن، تعميق المسؤولية يوصلك إلى الرشد، هل أنت مسؤول أيها الشاب، هل تشعر بمسؤوليتك عن عقلك، هل تشعر بمسؤوليتك عن فكرك، هل تشعر بمسؤوليتك عن قلبك، هل تشعر بمسؤوليتك عن جسدك ؟! إذا شعرت بهذا فعمّقه، فإذا عمقت مسؤوليتك وشعورك بمسؤوليتك عن عقلك وفكرك وقلبك وجسدك فأنت راشد أو أنت مشروع راشد، شئنا أم أبينا، عمق المسؤولية عن نفسك.

لعلك تقول لي أمام من سأكون مسؤولاً عن نفسي وقلبي وعقلي ؟ أقول لك بكل اختصار: أنت مسؤول عن نفسك وعقلك وفكرك وقلبك و.. أمام نفسك أولاً لأن شعورك بمسؤوليتك عن نفسك أمام نفسك طريق رشد، وطريق تقويم، وطريق بناء لهذا الذي تريد أن تبنيه، ثانياً: أن تستشعر مسؤوليتك عن نفسك أمام الأجيال القادمة: ستكون مسؤولاً أمام الأجيال القادمة لذلك نخاطب الناس قائلين: ستسألون من قبل مَن سيأتي بعدكم، سيسألكم أيها الآباء أبناؤكم، سيسألكم أيها الأجداد أحفادكم، سيسألكم أيها المعلمون طلابكم، سيسألكم أيها الحكام شعوبكم الراهنة والقادمة، سيسألكم الناس جميعاً، ستسألون أمام أنفسكم وأمام الأجيال اللاحقة، أمام أولئك الذين سيقفون مواقفكم التي تقفونها اليوم. ثالثاً: ستكونون مسؤولين أمام ربكم: (مامنكم من أحد إلا سيخلو به ربه – كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما جاء في سنن الترمذي – ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة). تعميق المسؤولية طريق الرشد أتريدون أن تكونوا راشدين أيها الآباء، أيها الأبناء، أيها المعلمون، أيها الحكام، أيها المسؤولون، أيها الضباط، أيها الأطباء، أيها التجار، أيها الشيوخ، أيها العاملون في كل حقل من حقول المجتمع: أتريدون أن تكونوا قد خطوتم الخطوة الأولى في طريق الرشد ! إذاً عمقوا مسؤوليتكم عن فكركم، عن عقلكم، عن جسدكم، عمن حولكم، عما حولكم، أمام أنفسكم وأمام الأجيال القادمة وأمام ربكم.

المدخل الثاني الذي إن وعيته ستكون راشداً تعرف على الحق والباطل. أنت تسمع بشيء اسمه الحق وبشيء اسمه الباطل، أفلا يجدر بك أن تتعرف على ماهية الحق وماهية الباطل، فإذا كنت مع الحق كنت راشداً، ولكن كيف تكون مع الحق وأنت لا تعرفه ؟! وكيف تجتنب الباطل وأنت لا تعرفه ؟! الحق إثبات، الحق إيجاد، الحق شيء قائم، الحق واقع، الحق موجود، لكن الباطل نفي، لكن الباطل نكران، لكن الباطل لا شيء، الحق ماء والباطل سراب، الحق وجود والباطل لا أقول إنه عدم لكن الباطل إذ يأتي الحق فلا شيء، كونوا على يقين بأن الحق إثبات ووجود وشيء قائم بذاته وواقع راهن ملموس مُحَس، أما الباطل فلا شيء، فهباء، فجفاء، أما الباطل فنكران وسراب، حتى إذا أتيته فلن تجده شيئاً وستجد الله عنده وسيوفيك حسابك.

تعرف على الحق والباطل، ميز بينهما فالباطل لا شيء والحق شيء، روى ابن خزيمة بإسناده، أنّ قريشاً جاءت إلى الحصين والد عمران – وكان شيخاً معروفاً بحكمته آنذاك ولم يكن قد أسلم - وكانوا يعظّمونه، فقالوا له: كلّمْ هذا الرجل - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فإنه يذكر آلهتنا – أي إنه يتكلم عن آلهتنا، فهلا كلمته من أجل أن يكف عن الكلام عن آلهتنا. فقام حصين إلى رسول الله - فجاؤوا معه حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: - فاستقبله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن حصين كان كبيراً في قومه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (أوسعوا للشيخ). وعمران وأصحابه متوافرون. فقال حصين: ما هذا الذي بلغني عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم ؟!

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا حصين. كم تعبد من إله ؟).

فقال حصين: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فإذا أصابك الضرّ من تدعو ؟).- يا حصين ميز بين الحق والباطل إله السماء هو الحق وآلهة الأرض باطل لا شيء، والدليل على أنها لا شيء إذا أصابك ضر من الذي تدعو ؟

فقال حصين: الذي في السماء. لأن الآلهة التي في الأرض هي لا شيء، هي باطل، هي سراب، هي صورة من غير حقيقة، ولا يمكن أن تتساوى الصورة مع الحقيقة.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فيستجيب لك وحده وتشركه معهم. أرضيته في الشكر، أم تخاف أن يُغلب عليك ؟!).

فقال حصين: ولا واحدة من هاتين. قال: وعلمتُ أني لم أكلّم مثله.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا حصين أسلمْ تسلمْ).

فقال حصين: إني لي قوماً وعشيرة فماذا أقول ؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قل: اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وأسألك علماً ينفعني). يا شبابنا قولوا: اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا إن دخلتم الجامعة أو الجامع أو البيت أو المتجر أو الإدارة أو مكان الحكم أو مكان الوزارة أو أي مكان، قولوا: اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وأسألك علماً ينفعني ونحن نبحث عن طريق يوصلنا إلى الرشد.

فقالها حصين، فلم يقم حتى أسلم، فقام إليه ابنه عمران فقبّل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بكى.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا، ونسألك علماً ينفعنا، أتريد الوصول إلى الرشد تعرف على الحق والباطل وستعرف بعد أن تتعرف أن الحق شيء وأن الباطل لا شيء، بأن الحق إثبات وأن الباطل نكران، أن الحق إيجاد وأن الباطل إبطال ونفي ولا يعني شيئاً على الإطلاق.

المدخل الثالث من أجل أن تصل إلى الرشد: إقرأ التاريخ. قلت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً على هذا المنبر قلت: التاريخ للاختيار. انظروا حروف التاريخ إن حروف التاريخ هي نفسها حروف الاختيار، انظروا التاريخ، تعرّفوا على التاريخ للاختيار من أجل أن تختاروا، وسألت مرة رجلاً غير مسلم قلت له: أتريد أن تلحق حينما تمدح بفرعون أم بموسى قال: بل بموسى. قلت له أتريد أن تلحق بعيسى أم بمن صلب عيسى على حد رأيك واعتقادك ؟! قال: بل بعيسى، بيسوع. قلت أتريد أن تلحق بأولئك الذين اندرجوا تحت عنوان الإصلاح أم الذين قاوموا وقاتلوا وقتلوا أولئك المصلحين ؟! فقال: بل تحت راية أولئك الذين سُمّوا بالمصلحين والإصلاحيين. قلت له: إذاً اتفقنا.

فلندرس التاريخ من أجل أن نختار، وفي النهاية سنختار المسار الذي يتزعمه آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو حنيفة والشافعي، وسنهجر بلا شك ذلك المسار في التاريخ الذي تزعمه الشيطان ونمرود وفرعون وقارون وأولئك الذين يسيرون على سيرهم، والطغاة سابقاً ولاحقاً، وما أظنك تريد اللحاق بهذا المسار، بهذا الخط الذي يتزعمه أولئك الذين ذكرناهم. التاريخ للاختيار ادرس التاريخ بإمعان فإنك واصل إلى الرشد من خلال تمحيص التاريخ وفحص ودراسة التاريخ فالتاريخ سيقول لك قولته الفاصلة: من أراد الخير والحق فليسلك طريق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان قبله على طريقه، أما الذي يريد أن يجانب الحق فهو الذي سيسلك طريق أبي جهل ومن سار على طريق أبي جهل قبل أبي جهل وبعد أبي جهل، فالحياة بكل اختصار حق وباطل والحق أبلج والباطل واضح وإذا وضح الحق وضح الباطل وبالأحرى زهق الباطل.

فيا شباب أمتي: هي أمور ثلاثة من أجل أن نكون راشدين: عمق مسؤوليتك عن نفسك، أمام نفسك وأمام الأجيال وأمام ربك، تعرف على الحق والباطل، وادرس أبعاد الحق والباطل، وتعرف على حقيقة الحق والباطل، وإذ أقول لك تعرف على حقيقة الباطل فمن باب المشاكلة، وإلا فالباطل لا حقيقة له. الأمر الثالث ادرس التاريخ فالتاريخ للاختيار.

إن المسلمين اليوم مقصرون في تعميق مسؤولياتهم فإني ناظر إليهم ولم أجدهم يعمقون مسؤوليتهم عن فكرهم وعقلهم وجسدهم بل كل واحد منهم غدا منعتقاً من أن يستشعر مسؤوليته عن نفسه، عن فكره، عن عقله، فكم من أيام قضاها ولم يعطِ عقله حقه، هل قرأت فيما مضى من الأيام السابقة غذاء لعقلك، هل أعطيت عقلك غذاءه، هل أعطيت قلبك غذاءه، أعطيت جسمك غذاءه حتى حينما أعطيت جسمك غذاءه لم تعطه من باب الشعور بالمسؤولية لأنك ربما أعطيت جسمك غذاءه فأضررت بجسمك، جسمك على سبيل المثال لا يحتمل أن تعطيه الأكل الكثير فأكلت كثيراً، وحينها لم تقم بمسؤوليتك عن جسمك، لكننا حينما نتحدث عن مسؤوليتنا عن عقلنا فإننا واجدون أنفسنا منعتقين من هذه المسؤولية.

يا شبابنا قفوا أمام أنفسكم واسترجعوا ضرورة مسؤوليتكم عن عقلكم وفكركم وبلدكم وأمتكم ودينكم، أنا مسؤول إذاً أنا موجود، وأنا منعتق من المسؤولية إذاً أنا غير موجود، هذه هي المعادلة التي أريد أن تكون جاثمة في أذهان شبابنا جميعاً وفي أذهان مدرسينا وفي أذهان معلمينا وفي أذهان شيوخنا وفي أذهان حكامنا وفي أذهان كل أولئك الذين يوجِّهون ويوجَّهون في هذا المجتمع الذي نعيش فيه.

اللهم إنا نسألك من أجل أن نعمق مسؤوليتنا ومن أجل أن نتعرف على الحق والباطل وأن توفقنا من أجل أن ندرس التاريخ وأن نتعمق في دراسته وأن نخلص إلى اختيار يرضيك يا رب العالمين، وإذ نختارك بعد دراسة التاريخ فقد رشدنا ووصلنا إلى الحق والفضيلة وإلى ما يرضي ربنا والعقلاء والشرفاء وأصحاب الفطرة السليمة في كل العالم الذي نعيش فيه، اللهم آمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

التعليقات

شاركنا بتعليق