آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المجتمع المنشود: التكافل والتسامح

من صفات المجتمع المنشود: التكافل والتسامح

تاريخ الإضافة: 2007/07/27 | عدد المشاهدات: 4079

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ما زلنا نتابع حديثنا عن سمات المجتمع المسلم المنشود، وقد قلنا إن هذه السمات اثنتا عشرة سمة وهي من باب التذكير أي الصفات التي يجب أن يتصف بها المجتمع الإسلامي المنشود:

مجتمع العبودية لله، مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجتمع الحرية، مجتمع الشورى، مجتمع العدل والمساواة، مجتمع التكافل والرخاء، مجتمع التسامح، مجتمع الاقتصاد المتوازن، مجتمع العلم والمعرفة، مجتمع الأخلاق والقيم، مجتمع القوة والجهاد، مجتمع التقدم والتطور.

تحدثنا في خطبتين سابقتين عن مجتمع العبودية، وعن مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن مجتمع الحرية، وعن مجتمع الشورى، وعن مجتمع العدل والمساواة، واليوم نبغي الحديث عن مجتمع التكافل والرخاء، وعن مجتمع التسامح.

المجتمع الإسلامي هو مجتمع التكافل والرخاء، ومما يجب أن يُتَكلم به أولاً: هو أن الإسلام يرفض الفقر، ولا يريد لأتباعه أن يكونوا فقراء ولا سيما إذا كان الفقر نتيجة كسل أو نتيجة جورٍ من الدولة أو من القائمين على الأمر، فالفقر مرفوض، وبالتالي فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعاذ منه كما جاء في الحديث الصحيح، حيث كان النبي عليه وآله الصلاة والسلام يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر). وقد روي أيضاً عن سيدنا الإمام علي رضي الله عنه كما في نهج البلاغة أنه قال: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". هذا أولاً.

ثانياً: جاء الإسلام لينادي أتباعه وليحضَّهم على مواجهة هذا الفقر، من خلال مخاطبة الأغنياء بالإنفاق، فيا أغنياء أنفقوا، من خلال حضِّ الأغنياء على الإنفاق أولاً. ثانياً: من خلال البحث عن الفقير الذي لا يَسأل الناس إلحافاًَ. فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم أنه قال: (ليس المسكين الذي يطوف على الناس تردُّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس).

عليكم أيها الأغنياء إذاً في مواجهة الفقر أن تنفقوا وأن تبحثوا عن ذاك الفقير الذي لا يسأل الناس إلحافاً.

ثالثاً: ليكن إنفاقكم بأناقة وتلطف فلا تتبعوا إنفاقكم مناً ولا أذى، والله عز وجل قال: ﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مَنَّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾.

هذه أمور من أجل أن تقضوا على الفقر: أنفقوا أولاً وبقوة، ابحثوا عن الفقير الذي لا تردُّه اللقمة واللقمتان، والذي لا يطوف على الناس، وعليكم أن تنفقوا بأناقة وتلطف بغير مَنٍّ ومن غير أذى، فإذا ما أنفقت بمَنٍّ وأذىً فما عليك إلا أن تُمسك وأن تستبدل بالإنفاق مع المَنّ والأذى القول المعروف، لأن الله قال: ﴿قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى﴾.

ويتابع الإسلام دعوته من أجل بناء مجتمع متكافل فيقول: تعاونوا يا هؤلاء فيما بينكم على البر والتقوى، تبادلوا، تضامنوا، تباذلوا، تعاضدوا، وليكن الأمر أولاً فيما بينكم وبين أقربائكم فالأقرباء أولى بالمعروف: ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ لتتعاون أنت مع قريبك، مع أبيك وأمك، مع عمك وخالك، مع عماتك وخالتك...  لأن التعاون مع الأقرباء آكد في فرضيته وفي مطلوبيته منك من التعاون مع سائر المسلمين، فيا أيها الأغنياء واجهوا الفقر والتخلف الاقتصادي متعاونين فيما بينكم، تعاونوا مع الفقراء، تعاونوا مع الأقرباء وليكن التعاون مع الأقرباء أولاً، ثم بعد ذلك دعوة للتعاون فيما بين الجيران، وها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: (والله ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره إلى جانبه جائع) وفي رواية (وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم). ثم بعد ذلك عليكم أن تتعاونوا على مستوى المسلمين جميعاً، على مستوى المواطنين، بين المسلمين والمسلمين، وبين المسلمين وغير المسلمين في وطنٍ يضمنا، في وطن يجمعنا، في وطن يؤلف بيننا لنكوِّن أمة، لأنني قلت وأكرر بأن المواطنة حصانة، كل ذلك إذ يتم هذا التعاون بين الأقرباء وبين الجيران وبين المسلمين وبين المواطنين يتم كل ذلك برعاية من الدولة، فقد جاء في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسه، من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك دَيْناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ). على الدولة أن تكون حاضنةً للتعاون والتكامل فيما بين المسلمين، فيما بين المواطنين، فيما بين الجيران، فيما بين الأقرباء. فيا أيتها الدولة أنت مسؤولة لأنك يجب أن تكوني راعية، وأن تكوني حاضنة، فلا يمكن للتعاون المؤدّي إلى التكافل إلا أن يتم عبر احتضان الدولة لهذا التعاون، ولا يمكن أبداً للتعاون على مستوى الجماعة أن يكون صفة للمجتمع وسِمة للمجتمع إلا إذا رعته الدولة، ولذلك نتمنى على الدولة أن تقوم برعاية التكافل الذي هو فرض على المسلمين إذ يكون بين الأقرباء وبين الجيران وبين المسلمين جميعهم وبين المواطنين، واعلمي أيتها الدولة أن هذا فرض عليك ولا يمكن أن يستقيم عود التعاون والتكافل إلا برعاية جادة رحيمة منك، لا أريد أن أسترسل أكثر من هذا فيما يخص هذه السمة للمجتمع الذي وصفناه بصفة المجتمع المنشود، ومن جملة هذه الصفات صفة التكافل والرخاء. قرأت عبارةً لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول وأتمنى على مسؤولي الدول الإسلامية والعربية أن ينتحلوا مثل هذه الأقوال، لأن القضية أمانة وليست القضية إفادة أو استفادة شخصية، كان عمر رضي الله عنه يقول: "والله ما أحدٌ أحق بهذا المال من أحد" اسمعوا أيها المسؤولون عن أموال الأمة "وما أنا أحقّ به من أحد، ووالله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا نصيب، ووالله لئن بقيت لهم لأعطين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه" إذا غاب لطارئ أو لأمر ما فماله محفوظ، المهم أن للمسلمين جميعاً من غير استثناء حق في المال العام. هذه سمة التكافل والرخاء في المجتمع المنشود، والآن انتقل إلى سمة التسامح باختصار أيضاً.

ما الذي نريده من التسامح ؟ بكل بساطة نحن عندما نتحدث عن التسامح مصطلحاً يجب أن يسود في مجتمعنا نتحدث عن حسن علاقة وعن ضرورة حسن تعامل فيما بين المسلمين وغير المسلمين، علينا أن نكون في تعاملنا مع غير المسلمين أخلاقيين، نتبع الإحسان، نتبع السبل الكفيلة من أجل أن تلتقي القلوب قبل العقول، وقد أسس الإسلام هذه الصفة على أسس قوية، من جملة هذه الأسس أنه قال كما في القرآن الكريم: ﴿لا إكراه في الدين﴾ ومن جملة هذه الأسس أيضاً قول الله عز وجل، وأرجو من إخوتنا المسلمين في بلادنا على اتساعها في محافظاتها في مدنها أن يذكروا هذه الآية ويعمموها وأن تكون لهم ورقة عمل وهم يتعاملون مع غير المسلمين المواطنين الساكنين معنا في بلادنا، ربنا عز وجل يقول: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ وهذا ينتج عنه ما يلي: فبعد أن أسس على هاتين الآيتين: ﴿لا إكراه في الدين﴾ و﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم...﴾ يترتب على هذين المنطلقين ما يلي:

أولاً: لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن هكذا قال ربنا عز وجل: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا و إلهكم واحد و نحن له مسلمون﴾.

ثانياً: ما يترتب على ذلك، التعايش بأريحية وتبادل الزيارات. تعايشوا معهم بأريحية واحترام وتبادلوا معهم الزيارات، لذلك قال ربي جلت قدرته: ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب﴾ ولا يتناول الطعام إلا من خلال الزيارات واللقاءات القائمة على الاحترام وعلى الوعي وعلى الدعوة إلى الخير، وعلى تطلع لبناء مستقبل إنساني موحّد، مما ينتج عن ذلك أن لغير المسلمين هؤلاء الذين نتحدث عنهم أن لهم ما لنا  وعليهم ما علينا ولذلك قال النبي عليه وآله الصلاة والسلام كما في الطبراني بسند حسن : (من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل)، ويقول الرسول عليه وآله الصلاة والسلام أيضاً كما يروي الخطيب بسند حسن: (من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته).

جاء في البخاري أن جنازةً مُرَّ بها أمام النبي عليه وآله الصلاة والسلام فقام واقفاً فقال بعض الصحابة إنها يهودي، فأجاب النبي بلسان حاله نعم أعلم، أوَليست نفساً ؟

أسس على آيتين اثنتين: ﴿لا إكراه في الدين﴾ و﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم...﴾ ثم رتب على هذا نتائج واقعية في حياتنا، فالمجادلة بالتي هي أحسن والمعايشة بالأريحية وبعد ذلك لهم ما لنا وعليهم ما علينا باحترام وتقدير، وهذا ما بيناه عبر نصوص وأفكار مستلهمة من ديننا الحنيف ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نسعى بعملٍ جاد ورؤية جلية واضحة لبناء مجتمعنا المنشود من خلال تطبيق وتحقيق هذه السِّمات للمجتمع المنشود من عبودية وأمر بالمعروف وحرية وشورى وعدل وتكافل وتسامح، وسنتابع في قادم الأيام الحديث عن مجتمع الأخوة والتطور والتقدم ...إلى آخر تلك السمات، فيا ربنا وفقنا من أجل أن نكون على مستوى الإسلام الذي ارتضيته لنا، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت. أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 27/7/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق