آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح المجتمع المنشود

ملامح المجتمع المنشود

تاريخ الإضافة: 2001/01/05 | عدد المشاهدات: 5084

أما بعد : أيها الإخوة المؤمنون 
يسألني بعض الناس عما أنشده وأطلبه من مجتمعي ، أو بمعنى آخر : ما المجتمع المنشود بالنسبة لك ؟ ما ملامحه؟ ما سماته؟ ما صفاته؟ ما هو الأنموذج المحتذى للمجتمع المطلوب؟ 
أيها الإخوة : وأنا أجيب على مثل هذا السؤال لا بد أن أؤكد دائماً على أن ملاذنا في الإجابة ومرجعنا في الجواب هو الإسلام هو القرآن الكريم هو السنة الشريف هو هذا الدين بمصادره ومراجعه. ومن خلال نظرة فاحصة في الإسلام ومراجعه ومصادره أذكر ملامح المجتمع المنشود بالنسبة لي لكم ، وأظننا على وفاق في ملامح مجتمع منشود . 
نحن نريد للمجتمع ما يلي : 
أولاً : أن يكون مجتمعنا إنسانياً . أي أن يراقب الله عز وجل ويستشعر رقابة الله عليه ، نريد لمجتمعنا أن يتحلّى بقول المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما قال كما يروي الإمام مسلم وسواه : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " نريد لمجتمعنا أن يعيش رقابة الله عز وجل ، ولعلي قلت على هذا المنبر منذ أكثر من عشر سنوات : مراقبة الله تعني أن تراقب رقابة الله عليك، أن تستشعر بأن الله يراقبك . والمجتمع الذي يراقب مراقبة الله عليه مجتمع يتحلى بملمحٍ وبصفةٍ وسمةٍ أُولى من صفات مجتمع مطلوب ومنشود . بمعنى آخر : اتق الله أيها المجتمع ، راقب الله ، خف من الله ، ليكن ربك على بالك دائماً وأبداً . وليكن لسان حالك ترداد قول من قال : " الله شاهدي ، الله ناظري ، الله معي " هكذا فلتقل . وتصوروا معي أيها الإخوة لو أن المجتمع بأفراده يراقب الله سينتفي - وبلا شك – الغش ، سينتفي النفاق، سينتفي الحقد ، سينتفي الظلم، ستنتفي النميمة، ستنتفي الغيبة، سينتفي كل ما يؤذي مجتمعنا . أول صفة لمجتمع منشود هي : مراقبة الله . 
ثانياً : كرامة الفرد وحفظ حقوقه . نحن نريد مجتمعاً يشعر الفرد فيه بأنه كريم " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟! " نريد مجتمعاً : الفرد فيه مصونةٌ حقوقه، مرعيةٌ كرامته. " كل المسلم على المسلم حرام . دمه وماله وعرضه " نريد مجتمعاً تصان فيه حقوق الفرد ، ليس فيه اعتداء وليس فيه تحقير وليس فيه انتزاع وليس فيه سخرية ، وليس فيه تنابز بالألقاب : ( لا يسخر قوم من قوم) ( ولا تنابزوا بالألقاب ) ( ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ) . ولا نريد مجتمعاً فيه مَن يُقتل بغير حق ، وفيه من يُشتم ، وفيه من يُسب . نريد مجتمعاً تُصان فيه حقوق الفرد . وهل يبحث الفرد إلا عن حقوقٍ مصونة ؟ وهل يبحث الفرد إلا عن كرامةٍ مرعية؟ وهل يبحث الفرد إلا عن واجباتٍ تُؤدّى؟ إلا من خلال هذه الحقوق؟ 
نريد أيها الإخوة كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : " وكونوا عباد الله إخواناً . المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره . كل المسلم على المسلم حرام . دمه وماله وعرضه " هذه صفة ثانية لمجتمع منشود . 
ثالثاً : نريد مجتمعاً يرفض التفرقة العنصرية . لا نريد لمجتمعنا أن يكون عنصرياً ، لا نريد تفرقة على أساس العنصر . وإنما نبغي مجتمعاً عنوانه ما قال ربي سبحانه وتعالى " ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) لا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ولا لمسؤول على سائل أو مسؤول عنه. ولا نريد أن يكون مجتمعنا طبقيا بحسب الألوان ، بحسب الأعراق ، وإنما نريد أن يكون مجتمعنا متفاوتاً على أساس التقوى والعمل الصالح. بقدر ما تعمل بقدر ما تُقَدَّر شريطة أن يكون العمل صالحاً ، وأن تكون النية خالصة . 
هذا مجتمع نسعى إليه ، لقد روى الخمسة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" نريد مجتمعاً ينبذ التفرقة العنصرية . وهذه سمة ثالثة . 
رابعاً : التعاون المتبادل. نريد لمجتمعنا أن يكون متعاوناً أفراده ، متعاونين على البر والتقوى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) نريد لمجتمعنا أن يعيش توقاناً لحالة رسمها المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم حين قال كما يروي الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " لا نريد لمجتمعنا أن يخيف أفراده بعضهم بعضاً : "فمن أخاف مسلماً أخافه الله يوم القيامة " 
هكذا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كما يروي الإمام مسلم ، ويروي الطبراني في معجمه الكبير أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " من نظر إلى مسلم نظرةً يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة " ويقول عليه الصلاة والسلام كما يروي أبو داود في سننه : " لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلماً " . نريد مجتمعاً متعاوناً ، متكاتفاً متناصراً ، فلقد ورد في صحيح مسلم أيضاً أن الله عز وجل يقول يوم القيامة : " أين المتحابون فيَّ أين المتباذلون فيَّ أين المتناصرون فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " نريد مجتمعاً متعاوناً . 
أيها الإخوة : هذه ملامح المجتمع المنشود : رقابة الله ، نبذ التفرقة العنصرية ، كرامة الفرد وحفظ حقوقه ، التعاون المتبادل . 
نريد لمجتمعنا أن يكتب هذه الملامح بحاله ، أن تكون مستخلصة من واقعه ، أن تكون مقروءة بشمسه وغيومه بليله ونهاره ، نريد لمجتمعنا هذه السمات . 
حينما نتحدث عن هذا المجتمع وسماته ، نذكر اليوم مجتمعاً واسعاً ولا نعني بالمجتمع مجتمع سورية فحسب ، وإنما نعي مجتمعاً عربياً وإسلامياً بدائرته الأوسع ، نعني وحدة كلية ، نعني تضامناً عربياً ، تضامناً إسلامياً ، نعني تعاوناً متبادلاً بين العرب كافة ، بين المسلمين كافة . وهاهي اليوم حاجة التعاون تبرز جليَّةً . فإخواننا في فلسطين في جهادٍ ماضٍ مع عدوهم ، فلنتعاون معهم . فهاهم إخوتنا في فلسطين يقدمون الشهيد تلو الشهيد ، والأسير تلو الأسير فأين تعاوننا معهم ؟! 
إن المجتمع الدولي اليوم يطرح قضية . هذه القضية تُرى هل هي من التعاون في الشكل الذي يطرحه المجتمع الدولي - وأعني بالقضية توطين اللاجئين - هناك لاجئون فلسطينيون في لبنان ، وهنالك لاجئون فلسطينيون في سورية ، في الأردن ، في عدة أماكن من العالم العربي . يريد المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه قوة الاستكبار قوة البغي والطغيان ، يريدون لهؤلاء اللاجئين أن يُوَطَّنوا حيث هم . مَن كان في لبنان فليوطَّن في لبنان. ومن كان في سورية فليوطّن في سورية . ومن كان في سوى ذلك فليوطن حيث هو . وتعهد المجتمع -هذا - أن يوطن لاجئين فلسطينيين في أمريكا وفي فرنسا وفي إنكلترا وفي ألمانيا من أجل أن لا يثقل على الصهيونيين المجرمين بعودة هؤلاء الفلسطينيين إلى بلادهم . يريد هذا المجتمع المستكبر هذه المقولة لكن ماذا نريد نحن ؟ 
يريد المجتمع بمقولته تلك حرمان اللاجئين من حق العودة إلى فلسطين ، وعندما يقولون هذا يعني أنه لم تّعُد فلسطين موطناً ووطناً لهؤلاء الذين وطنوا في دول أخرى . لكننا نقول : إن حق العودة بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين لا يسقط ولا يجوز أن يسقط ، ولا يجوز أن يُحرم منه الفلسطيني الذي يعيش في سورية أو في لبنان أو في الأردن أو في الغرب أو في الشرق . 
إننا وبكل صراحة نناشد المجتمع الدولي والوضع العالمي أن لا يحرم هؤلاء من حق العودة ، ونقول لإخواننا وهم مؤمنون بما نقول : ما أظنكم تقبلون بهذا الاقتراح ، فحق العودة قائم ولا يلغيه أي دستور أو أي قانون أو أي توصية عالمية ، أو مجتمع الأمن الدولي . 
وبالتالي لا يجوز لفلسطيني - أن يقبل مقابل مال الدنيا - أن يقبل بيع حق العودة ، أو أن يتنازل عن حق العودة إلى فلسطين مقابل مال الدنيا كله ومقابل كل ما يمكن أن يقدمه الآخرون . 
إن حق العودة أيها الإخوة حق عام ، حق لله لا يُسقطه إنسان ولا مخلوق ، والله عز وجل لا يمنع الإنسان ولا يريد للإنسان ولا يرضى عن الإنسان إذا ما أراد أن يُسقط حقاً عاماً لأن هذا ليس من صلاحيته . لذلك أقول : 
إن من التعاون المتبادل أن نرحب بإخوتنا الفلسطينيين في بلادنا ، إن واجبنا أن نقول لهم مرحباً بكم هنا إخوةً تُعِدون أنفسكم ، ونُعِد أنفسنا معكم لتحرير أرضكم فهنا محل استراحة الإعداد وليس محل التوطين ، ولا نريد من خلال التوطين أن تسقط الحقوق . إن حقكم في فلسطين حق قديم جديد ، مستقبلي حاضر ، ماضٍ آت ، لا تنازل عنه . 
مرحباً بكم ، وليس هذا منة منا ، وإنما هو اجب . مرحباً بكم هنا في لبنان في الأردن في مصر في كل مكان . لكن هذا لا يعني استجابة لنداء المجتمع الغربي المستكبر . نحن نتعاون وهذا واجب علينا ، نتعاون من أجل عودة القدس ، من أجل عودتكم إلى أرضكم إلى أرضنا ، هي أرضنا ، هي أرضكم ، وهنا أرضنا وأرضكم ، وإنما نفينا التوطين لأنه بديل عن حق الرجوع ، ولا نريد بديلاً عن حق الرجوع فحق الرجوع إلى أوطانكم هو واجب علينا ، واجب علينا تنفيذه بالجهاد ، بمتابعة الجهاد ، بالدعم للانتفاضة ، بمناشدة العالم من أجل أن يدرك حقيقة هذه الشرذمة المجرمة الآثمة المعتدية . 
أيها الإخوة : سنبقى مع الانتفاضة لنتابع المسير ، ونرفض إيقافها . هذا رأيُنا حتى ولو لم ينفذ رأينا لكننا مصرون على هذا الرأي . نحن نرفض أن تقف أو أن توقف الانتفاضة ، ونريد أن تبقى الحالة الجهادية مستمرة دائمة ، فبعد الصبر نصر ، وبعد الجهاد علو بالحق وبعد المتابعة والاستمرار نتيجة طيبة . ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله ) لا نريد لانتفاضتنا أن تقف ، ولا نريد لإخواننا الفلسطينيين أن يبيعوا حق الرجوع أو أن يتنازلوا عنه - لا نريد ذلك - نريد متابعة الانتفاضة ، دعم الانتفاضة ، استمرار الانتفاضة ، استمرار الجهاد ، استمرار الإعداد ، نريد كل ذلك. 
عندها أيها الإخوة نحقق بعض ملامح المجتمع المنشود من خلال التعاون المتبادل . 
اللهم إنا نسألك مجتمعاً فيه رقابة الله ، فيه كرامة الفرد وحفظ حقوقه ، فيه نبذ التفرقة العنصرية ، فيه تعاون متبادل بين أفراده . 
اللهم وفقنا لذلك ، نِعمَ مَن يُسأل أنت ونعم النصير أنت .
أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

السعوديه

تاريخ :2013/03/01

جزاك الله خير وجعل ماقدمت في موازين حسناتك

شاركنا بتعليق