آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مكونات المجتمع - واجبات وحقوق الآباء والأبناء

مكونات المجتمع - واجبات وحقوق الآباء والأبناء

تاريخ الإضافة: 2003/12/26 | عدد المشاهدات: 15603
 

 

أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
وإذ نطلب وننشد مجتمعاً سليماً قويماً نُحسُّ بضرورة تفقد مكوناته ومفرداته ، ومفردات المجتمع ومكوناته : فرد ، وأسرة ، وجماعة تتجلى بشكل دائرة أو ومديرية ومؤسسة . كنا قد تكلمنا في الأسبوع الماضي عن مكون للمجتمع أو عن خلية هامة جداً هي الأسرة ، وقلنا ونحن الذين نفتخر بأننا في مجتمعاتنا الشرقية نمتلك مكونات أسرة ناجحة ، إلا أنه وللأسف الشديد نجد أن خلايا المجتمع التي هي الأسر اقتحمها الخراب والدمار ، وكما قلنا في الأسبوع الماضي تكاد نسب الطلاق ترتفع شيئاً فشيئاً ، وتكاد العلاقات ضمن الأسرة الواحدة تتفكك وتصاب بشلل ، ولعل ذلك كان نتيجة غياب شعور الإنسان الفرد الذي يكوِّن طرف الأسرة بعدم المسؤولية عن هده الأسرة . بعبارة أخرى نسي أفراد الأسرة واجباتهم وراحوا يطالبوا بحقوقهم من غير أن يعرفوها ، ولئن سألتهم عن الحقوق التي يريدون الحصول عليها أجابوك بأنهم لا يمتون إلى مصدر علمنا ، إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة بِصِلَة .
تحدثنا عن واجبات الزوج من أجل أن يسعى للقيام بها تجاه زوجته ، وعن واجبات الزوجة من أجل أن تسعى للقيام بها تجاه زوجها ، واليوم وبإجمال ننتقل للحديث عن واجبات الأبناء نحو آبائهم ، أعني واجبات الأولاد من ذكور وإناث نحو آبائهم وأمهاتهم ، فإن قلنا واجبات الأبناء فإنما ذلك من باب التغليب ونعني به واجبات الأبناء والبنات نحو الآباء أيضاً من باب التغليب ونعني به نحو الآباء والأمهات .
إذا ما تحدثنا عن واجبات الأبناء نحو الآباء ، فسنتحدث عن واجبات الآباء نحو الأبناء ، وآمل أن يكون ذلك بداية تعرف جاد ليُتبَع بممارسة جادة من أجل أن نتلافى هدا الذي أصاب أُسَرَنا من تفكك وتشرذم وضياع وتَلاشٍ ، حتى تعود لأسرنا ألقها ووضعها الصحيح ، ومن ثم يمكننا أن نتحدث عن مجتمع وصَفه النبي عليه وآله الصلاة والسلام بالجسم الواحد : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " .
واجبك نحو آبائك - أي نحو أمك وأبيك - واضح في كتاب الله عز وجل ومختصر بكلمة واحدة البر ، والبر اسم جامع لكل صنوف الخير ، وإذا فَصَّلنا بعض الشيء من أجل ذكر عناوين تبقى في الذاكرة متوناً أي كمتون قلنا : إن واجباتك نحو أبيك وأمك هي :
طاعتهما ، مصاحبتهما بالمعروف إن كانا غير مؤمنين ، الدعاء لهما حَيَّين كانا أم ميتين ، التذلل لهما . قال ربنا عز وجل ونحن نقرأ هذه الآيات
﴿ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً الإسراء : 23-24 جمعت هذه الآية كل صنوف البر من طاعة ومصاحبة بالمعروف ودعاء وتذلل ، قال ربنا عز وجل أيضاً : ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير . وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليَّ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون لقمان : 14-15 ولئن كنا نحتفل أو يحتفل المسيحيون بميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، فإن سيدنا عيس النبي الرسول قال فيما يخص بره بوالدته : ﴿ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً . وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً مريم : 31-32 وأنا ألفت عناية المواطنين المسيحيين قائلاً لهم : نحن مشتركون في أن عيسى رسول الله ونبي الله ، ولئن تفردتم في تصور آخر فآمل أن يكون هذا التصور الذي لا نقره موضع حوار متفاهم بيننا وبينكم ﴿ وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً . والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً مريم : 31-32 ويقول عليه وآله الصلاة والسلام ، وتذكروا يا أيها الأبناء ذكوراً وإناث واجباتكم تجاه آبائكم وأمهاتكم : طاعة ، مصاحبة بالمعروف ، دعاء ، تذلل . قال عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في البخاري وقد سأله ابن مسعود : يا رسول الله : أيُّ العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة على وقتها " وأغتنمها فرصة لأنادي شبابنا بالصلاة والحفاظ عليها ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أيّ ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " بعد بر الوالدين . ويروى أن جاهِمة ، وجاهمة صحابي ، جاء - كما في مسند الإمام أحمد - جاء إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقال يا رسول الله : أريد أن أستشيرك في الجهاد معك - أريد الجهاد معك - قال له : " هل أحد من أبويك حي ؟ " وفي رواية - ورسول الله كأنه علم بتعليم الله – " ألك أم " : قال : نعم . قال : " فالزم رجلها فإن الجنة تحت قدميها " يا أبناءنا مهما كانت أعماركم : أين التذلل مع الآباء والأمهات لقد أضحينا نرى الولد نداً لأبيه ، لهجته كلهجته ، يناديه الوالد يا فلان باسمه ، فيجيبه الولد أيضاً باسمه نعم يا فلان أو بكنيته أحيانا ً، ويظن أنه يريد أن يكون أَرْيَحِيَاً مع والده أو والدته . أريد أن أركز على التذلل . أين التذلل حينما يقف الولد أمام والده أو والدته يكلمه ، والرائي لهما لا يقول هذا كلام والد لولده ، والناظر إليهما لا يقول هذا كلام ولد لوالده لما يحتوي عليه هذا الكلام من تكبرٍ لا طعمَ له ، من كلام لا يدل على قلبٍ منكسر أمام قلب الوالد والوالدة . أنا أسمع أولاداً ينادون آباءهم بالحجي تعال يا حجي ، كيف حالك يا حجي ... وهكذا ، إن لم يناده أيضاً يا أبا فلان وكأن هذا الولد يشعر - وقد أضحى في سن متقدمة – وكأنه قد كبر عن أن يقول لوالده يا أبت ، أو يا بابا ، كأنه أضحى كبيراً على هذه الكلمة ، أهو صغير حتى يقول لوالده يا أبتِ ! ولا سيما وأن هذا الولد درس وتعلم وحمل شهادة الطب أو الصيدلة أو الحقوق وأن والده لا يحمل شيئاً ، أيقول له يا أبت ، أيقول له يا بابا ، أيقول له يا روحي ! هذه كلمات للصغار ، أما الكبير فهو ند لوالده . لا يا هؤلاء ، بر الوالدين سر النجاح ، وأغتنمها فرصة لأقول : إن من بر الوالدين أن تبر وطنك ، أن تبر أرضك ، لأن الأرض بالمعنى المجازي أم ، فالأرض أم ، والذين يخونون أوطانهم بفجور وفسوق هؤلاء ليسوا بارين بآبائهم ولا أمهاتهم ، الذين يخونون أوطانهم بابتعادهم عن خير آتٍ من الله هؤلاء ليسوا بارين بآبائهم ولا أمهاتهم ، البر بالوطن من البر بالوالدين لأن الوطن أم ، أولسنا نقول حسب التعبير المجازي : الأرض أمنا ، أين برنا بأرضنا ، أين عملنا ، أين تطويرنا زراعتنا وصناعتنا ، أين شغلنا ، أين حرصنا ، أين تآخينا ، أين توادنا ، أين تراحمنا ، أين رعايتنا ، أين رعاية المسؤول لأفراد الناس ، ونحن مع الأرض نشكل أماً لكل فرد فينا ، كلنا أم لكلنا ، هكذا يجب أن نفهم بشكل أو بآخر .
أما واجبات الآباء والأمهات نحو الأولاد ، ولعل أيضا ًبعض الآباء والأمهات في تناسٍ لهذه الواجبات ، ينتظرون حقوقهم تعطى من قبل أولادهم ، وينسون واجباتٍ تصدر عنهم نحو أولادهم ، وأول هذه الواجبات الرحمة ، وثانيها الإنفاق ، والرحمة ، والإنفاق ، والتأديب ، والعدل ، والدعاء . خمسة واجبات .
الرحمة : جاء في البخاري أن رجلاً يسمى الأقرع بن حابس جاء إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام فوجده يقبل الحسين ، وفي رواية يقبل الحسن . قال هذا الرجل : يا رسول الله : إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم ! فالتفت إليه النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقال : " أَوَأملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة " إن كانت الرحمة قد نزعت من قلبك ، " أَوَأَملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة ، من لا يرحم لا يرحم " .
الواجب الثاني الإنفاق : ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول " وفي رواية " أن يضيع من يقوت " يأتيني بعض الأبناء يقولون إن آباءهم أغنياء ، إلا أنهم لا يشعرون بعطاء وإنفاق واجب على الآباء نحو الأبناء ، لا ينفق عليه ، يقول الأب أو الوالد : أولادي أعدائي ، لا أريد أن أعطيهم ، لا أريد أن أنفق عليهم . لا يا أخي ، لا أيها الأب ، لا أيتها الأم .
الواجب الثالث التأديب : التأديب الذي هو إنفاق معنوي ، انتبه إلى أدب ولدك ، يروي البيهقي أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " ما نَحَل والد من نُحْلٍ أفضل من أدب حسن " ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما في سنن ابن ماجه : " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " أحسنوا أدبهم ، نحن نرى - كما كان يقول لي بعض شيوخنا - نرى في الشارع أولاداً عليهم سِمَة – اعذروني إن قلت هذا – عليهم سِمَة قلة الأدب ، نقول : وهل هؤلاء إلا أولاد هؤلاء ، الذين يأتون إلى المسجد ، والذين يأتون إلى الجامع ، والذين يحضرون الدرس . عندما نقول للدولة : إن هؤلاء الموظفين يسيئون . أوليس الموظفون أبناء الدولة فأين عمل الدولة نحوهم ، وأين عمل الآباء وتأديب الآباء نحو أولادهم ، هؤلاء الذين نراهم في الشارع يَتَسَّكعون إن هم إلا أولادنا ، إن هم إلا أولادكم ، يتسكعون هنا وهناك أمام كل محفل فاسد ، من هم ؟ إن هم إلا أولادنا ، ما الذي جرهم إلى تلك الأماكن ؟ غياب الشعور بالمسؤولية عن تأديبهم من قبل الآباء " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " .
الواجب الرابع العدل : يروي الترمذي أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام كان مع أصحابه ، وكان من بين هؤلاء رجل فدخل عليه ولده الذكر ، ابنه ، فقبله ووضعه في حجره ، ودخلت عليه ابنته الأنثى ، الصغيرة ، فأجلسها بجانبه ولم يقبلها ولم يضعها في حجره ، فالتفت إليه النبي غاضباً وقال : " ما عدلت بينهما " العدل بين الأولاد ، نريد أن يتجَسَّد العدل عند الآباء ، إذا كنا نطالب الدولة بالعدل فيجب أن نتدرج في تطبيقه في أسرنا ، في دوائرنا ، في معاملنا ، يا رب العمل كن عادلاً مع عمالك ، يا أيها الأب ، يا أيتها الأم ، ... وهكذا دواليك .
الواجب الخامس الدعاء : ادع لأولادك
﴿ ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً الفرقان : 74 ادع لأولادك صباح مساء في صلواتك النافلة وعقب صلواتك الفريضة ، قل : اللهم ردهم إلى دينك رداً جميلاً ، اللهم أحسن أدبهم ، اللهم اجعلهم مواطنين صالحين ، قل هذا في صلواتك في كل لحظاتك ، لأن الدعاء من الوالد لولده مقبول عند الله ومجاب . هيا فادع لأبنائك وذريتك ، ليس فقط لأبنائك الصلبيين ، ولكن لكل ذريتك : ﴿ ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً الفرقان : 74 .
أسأل الله عز وجل أن يوفق أُسَرَنا من أجل أن تكون خلايا متينة ليتكون منها مجتمع متين ، أسأل الله أن يوفقنا لتعامل إسلامي بَنَّاء في علاقاتنا ، في أُسَرِنا ، ولنلتفت إلى ذلك بجد ونشاط لأننا إن لم نَعِ التغيير نحو الأفضل ، فسينتابنا التغيير نحو الأسوأ وسيعلو في الأرض المفسدون ، إن لم نكن مسابقين ومسارعين إلى الخير . لنا لقاء مع الأسرة أيضاً في منحى آخر حتى نعي هذه الخلية عناية ووعياً تاماً ، أو وعياً قريباً من التمام ، ونسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نحوِّل ما نسمع ، ما نقرؤه ، ما نعرفه ، ما نعلمه إلى واقع ، اللهم وفقنا لذلك ، نعم من يسال أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
 

التعليقات

douae

تاريخ :-1/11/30

جزاكم الله خيرا

فاروق ابو حسان

تاريخ :2007/11/11

احسنتم وجازاكم الله خيرا

ألاء السيد

تاريخ :2007/11/30

جميل جازاكم الله خيرا لكن اتمنى ان تجلبوا شيئا اكثر اختصارا

عبير

تاريخ :2008/03/18

جميل ((جازاكم الله خيراً))

نورالسلام

تاريخ :2008/05/23

اعجبتني هذه الخطبة

شاركنا بتعليق