آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح المجتمع السوري المنشود

ملامح المجتمع السوري المنشود

تاريخ الإضافة: 2004/07/16 | عدد المشاهدات: 4374

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون ، أيها الإخوة المسلمون ، أيها الإخوة المواطنون :
وأقول المواطنون لسؤال طرح عليّ . هذا السؤال يقول : ما الذي تطلبه من مجتمعك في سورية ؟ ما الذي تريده من المجتمع السوري ككل ؟ ما الذي تبغيه ؟ ما ملامح المجتمع السوري المنشود ؟
أيها الإخوة سُئلت هذا السؤال ! فأجبت . وأحببت أن أعرض الجواب عليكم وأعتقد أن جُلكم سيوافق على جلّ جوابي ، أناشد المواطنين في سورية جميعاً وأقول : تعالوا أتلو عليكم أسسَ مجتمع منشود مطلوب في بلدنا الغالي وقطرنا المحبوب :
أولاً : تأمين أفراد المجتمع بعضهم بعضاً على أموالهم وأعراضهم ودمائهم فالدماء والأعراض والأموال علينا حرام ، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم ، فلا إرهاب منّا علينا ولا تخويف ، بل كلنا آمِنٌ مِن كلنا وذمتنا جميعاً واحدة يُجير علينا أدنانا .
ثانياً : صيانة اللسان عن كل ما يؤذي الآخرين من طعن ولعن وفحش وبذاءة وغيبة ونميمة وتنابز بالألقاب وسب الذين يدعون من دون الله ، فالمؤمن والعاقل لا يطعن ولا يلعن ولا يفحش ولا يغتاب ولا يسب ولا يشتم .
ثالثاً : نشر وتعميم العفة والفضيلة والحشمة في مرافق مجتمعنا ، لنضمن أجيالَنا واعيةً صادقة ، ومستقبلاً مشرقاً إنسانياً جاداً .
رابعاً : ممارسة النصيحة فيما بيننا ، وتقديمها أنيقة خالصة منبثقة من إرادة خير بنا كلنا نحن الذين نكوّن هذا المجتمع ، بغض النظر عن العرق والدين والمذهب والحزب والفصيلة والعائلة ، ومجانبة التهويل والتشهير المنبثق عن حقد وغيّ ، والذي لا يؤدي إلا إلى التفكك والتشرذم والضياع ، فالنصيحة من مشتقات الرحمة ، والتشهير وإشاعة الفساد والإفساد من مكونات العذاب والبأس فيما بيننا .
خامساً : إتقان كلّ منّا عملَه حيث كان ، وأياً كانت وظيفته أو منصبه بدءاً من رأس الدولة ومروراً بكل الأطياف والشرائح والتخصصات ، وانتهاء بأدنى من يعمل نوعاً وكمّاً ، فيا عمال ويا موظفون ويا جنود ويا ضباط ويا زرّاع ويا ذوي المهن الحرة من صناع وتجار وأطباء وصيادلة ومحامين : أتقنوا عملكم وراقبوا ربكم ، أو ضميركم حسب تعبيركم ، فستنالون أملكم .
سادساً : محاربة الفساد والمفسدين والسوء والسيئين والشر والأشرار والظلم والظالمين ، بنصحهم وإنذارهم أولا ، ثم بمعاقبتهم وعزلهم وحبسهم وإسقاط كل اعتبار آخر يؤدي إلى مراعاتهم ، فـ " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " لا قريب تراعى قرابته إذا كان مفسداً ، ولا صديق تراعى صداقته إذا كان ظالماً ، بل الكل سواء تحت نظرة القانون وتحت نظرة المحاكمة الجادة . وتكريم الصلاح والمصلحين والصادقين والجادين والجيدين ومنحهم كل استحقاقاتهم المادية والمعنوية وتقديرهم وإكبارهم.
ثامناً : تحديد عدونا الذي نجاهده ونقاتله والذي هو الصهيونية الآثمة المعتدية والمسيحيون اليمينون الغربيون المتصهينون المعتدون ، وأيضاً عدونا كل من يعتدي جهاراً عياناً علينا ويبغي إذلالنا وقهرنا ودحرنا وتشريدنا ، مهما كانت هويته أو انتمائه أو وجهته ، وكذلك الخائنون الغادرون للقيم الرفيعة والمثل العالية وللوطن .
تاسعاً : نشر ثقافة الحوار وتعميمها فيما بيننا لتكون عنوان مجتمعنا عامة ، ولتكون عنوان كل دوائرنا الاجتماعية ضمن المجتمع بشكل خاص ، والحوار جسر نمده أو يمده كل منا مع أبناء وطنه كلهم ، وهو منهج إنساني رفيع يقوم على الاحترام والتعارف والإنصاف والعدل والصدق في إرادة الوصول إلى الحق.
عاشراً : العمل المشترك الموحد بين أبناء الوطن على حماية الوطن من كل مكروه وفساد وعدوان وتخلف وتأخر ، وكذلك على رعاية الوطن بالتطوير والتحسين لكل مرافقه من زراعة وصناعة وعلوم ومهن حره وسواها ، واعتبار كل ذلك مسؤولية المسؤوليات وهمَّ الهموم ورأس التوجهات .
حادي عشر : التعاون البناء بين أبناء الوطن على تنقية أجوائه من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء والرذيلة والاعتداء والعهر والمعاصي والأذى والضلال ، وفي المقابل التوجه لإشاعة الأمان والعدل والفضيلة والسلام والغيرة ، وعلينا أن ننبذ المستهترين والمقصرين والعابثين ، والذين لا يرعون لقيمنا إلاً ولا ذمة .
ثاني عشر : الحض على التراحم بين أبناء الوطن ، بإكرام الكبار والعطف على الصغار وتقدير العلماء ومواساة الفقراء وإغاثة الملهوفين ومعالجة المرضى وكفاية المحتاجين وإيواء المشردين ولجم المسرفين والمبذرين وتفقد الأرامل والمقطوعين ، ونأمل من الدولة أن تكون في هذا الشأن أول المبادرين .
ثالث عشر : دعم الكفاءات العلمية وتفعيلها وتهيئة المناخات الصالحة لتنشيطها ، فأملنا كبير أن نأكل مما نزرع ، وأن نلبس مما نصنع ، وأن ندافع عن أنفسنا بما نخترع وننتج ، وأن نُكفَى المستغلين والطامعين من الدول أو من الأفراد ، الذين لا يبغون إلا إذلالنا وجعلنا حقلاً لكل صادراتهم من دون أن نتطور .
رابع عشر : الإفادة من كل هاتيك المجتمعات التي تطورت وتحسنت ضمن خط العلم والخلق والمعرفة والقيم ، ولا سيما تلك الدول التي تعد في نظر الغرب جزءاً من العالم الثالث ، لكنها استطاعت أن تتحرر وأن تتطور وتتعايش وتبرمج الحياة وفق معطيات خيريّ الدنيا والآخرة ، ولعلي هنا أخص بالذكر ماليزيا ، ويمكنكم أن تقيسوا عليها من يماثلها ومن يقاربها .
خامس عشر : ها نحن أولاء – أخيراً – نرجوا من الدولة الكريمة ناصحين : يا أمتي نحن أمة النصح ، نحن مجتمع النصح ، نحن إذ ننصح لا نحقد ، نحن إذ ننصح ليس في داخلنا غل ، نحن إذ ننصح نبغي خيراً لمجتمعنا للمنصوح ، ها نحن أولاء – أخيرا – نرجو من الدولة الكريمة ناصحين أن ترعى أبناءها رعاية رحيمة ، أو رعاية رحمة وعطف وحسن ظن واحتضان وعفو ومسامحة ومراعاة ، وعلى الدولة ألا تفرق بين أولئك ، بين أبناءها الذين هم في داخل القطر أو الذين حكمت عليهم الأقدار فكانوا خارج القطر ، فسورية بخيراتها ليست لفئة دون أخرى ، وإنما سورية بخيراتها لكل أبناءها البررة لا نفرق بين أحد منهم ، وأبناؤها لها يخدمونها ويرعونها ويبرونها .
أخيرا : اللهم تقبلنا عندك عباداً أوفياء لك صادقين في إرضائك ، وهذا أيها الإخوة دعاء نرفعه باسم جميعنا ، فالله - شئنا أم أبينا - هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو الذي يُعتَمد عليه شئنا أم أبينا ، وهو ملاذنا وهو مرجعنا وهو موئلنا ولا نستغني عنه أبدا ، بل إن الاستغناءَ عنه فقرٌ والفقرَ إليه غنى ، وأما أنت يا سيدي يا رسول الله يا ابن عبد الله فهنيئاً لنا إن اتخذناك أسوة وقدوة وملاذاً إنسانياً فاستحقاقاتك أكبر من هذا بكثير ، لأنك من الناس أول ، ولأنك في الخير بين الناس أول ، ولأنك في العطاء بين الناس أول ، ولأنك هادٍ بين الناس أول ، ولأنك رحيم بالناس بين الناس أول ، لا أقول هذا لأني تابع من أتباعك لكنني أقول هذا لأني عاقل قبل أن أكون تابعاً ، ومن كان عاقلاً قال هذا الكلام في هذه الشخصية العظيمة شخصية سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وأنتم يا أبناء الوطن على اختلاف أعراقكم وألوانكم ومذاهبكم وأديانكم : عودوا وتوبوا إلى فطرتكم ، إلى الفطرة توبوا ، إلى عقولكم وقلوبكم ، وستجدون أنفسكم وجهاً لوجه مع ربكم إذ يقول لكم في قرآن كريم لا ريب فيه :
﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون .
هذا الذي قلت هو ما أنشده في مجتمعنا ، هذه مساهمتي وأعتقد أن كثيراً منكم يوافق على جلّ هذه المساهمة ، فإلى مجتمع يتظلل تحت ظل العبودية لله ، تحت ظلال الفضيلة والعفة والعدل والأمان ، إلى مجتمع تنتشر فيه القيم والمثل وتُمحى فيه الرذيلة والعهر .
يا أبناءنا يا من تضيعون فضائلكم وقيمكم عودوا إلى رحاب الخير والفضيلة ، يا بناتنا أيتها السافرات المتبرجات إني لكم ناصح ، وأنتم تشكلون جزءاً هاماً من وطني ، عودوا إلى الخير الذي ينبثق من قلوب تبغي وتريد الخير لوطني .
لا نريد لشبابنا أن تخرج من شفاههم كلمة فحش ورذيلة طعن سب شتم ، ولا نريد من بعضنا أن يكون على أخيه متجاسراً بالفساد ، ولا نريد أن تكون الشراسة فيما بيننا قائمة ، ولا نريد للاعتداء أن ينطلق من جار على جاره ، ومن ابن الوطن على ابن الوطن الآخر للوطن ، نريد هذا الذي ذكرت وارجوا الله وادعوا الله يا إخوتي في صلواتكم أن يجعل بلادنا كما ذكرنا . قولوا : اللهم أعلي شأن هذا البلد بما يرضيك عنه يا رب العالمين .
قولوا أيها الإخوة : اللهم اجعل هذا البلد يُكفَى من اعتداء المعتدين ومن عبث العابثين ومن قهر القاهرين ، اجعله يا رب في حماية وصيانة من كل ما يريد ومن يريد به السوء والشر والضرر والفساد ، وطننا غالٍ وعلينا أن نحافظ عليه ، وديننا نقدم من أجله أرواحنا لأنه نفع لنا ولأنه خير لنا ، فيا إخوتي جسدوا إسلامكم في وطنكم ، جسدوا أفكاركم الخيرّة في وطنكم ، ومن كانت له دعوة صالحة - كما يقول الإمام مالك رضي الله عنهى : " من كانت له دعوة صالحة فليجعلها في سره للسلطان " . . . للوطن . . . للبلد . . . فليجعلها في سره ، فإنه إن جعلها في جهره ربما كان ذلك مؤدياً به إلى منافقة أو ممالأة ، فليجعلها في سره للسلطان ، للقائم بالأمر ، لصاحب الشأن ، ولا أعني به فرداً ، ففي كل شأن مسؤول ، وفي كل مساحة من يدير ويرعى ، وهكذا دواليك . . . في صلواتكم وفي خلواتكم قولوا : اللهم أمنّا وآمنا في أوطاننا واحفظ بلادنا وديننا وأعراضنا وشبابنا وبناتنا ونساءنا ، لأنني - أيها الإخوة - في النهاية أرى - وأنتم ترون - أرى تصرفات تصدر عن أبناء من وطني لا ترضي ضميراً ولا عقلاً ولا ديناً ولا ربّاً ، أرى منهم تصرفات تدعى نشازاً وتدعى مرفوضة في عالم العقل وتدعى رذيلة أحياناً ، فاللهم بحق نبيك المصطفى احفظ شبابنا وبناتنا وأولادنا وأرضنا وبلاد المسلمين ورد فلسطين إلينا إلى أصحابها محررة وجنوب لبنان ما بقي من جنوبه والجولان واجعل العراق بأيدٍ سليمة مؤمنة تقية مخلصة تخافك وتطبق شرعك يا رب العالمين ، وتسعى لبناء الإنسان وفق معطيات الديان ، اللهم آمين . نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق