آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

تاريخ الإضافة: 2007/09/14 | عدد المشاهدات: 10956

﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

﴿كُتب﴾: والسؤال: لماذا قال الله عز وجل﴿كُتب عليكم الصيام﴾ ولم يقل: (فرض) ؟ وهل ثمة فرق بين كلمة (كتب) وبين كلمة (فرض) ؟

الجواب: إن الله عز وجل أخذ العهد على ذاته أنه عندما يتحدث عن فريضةٍ ثقيلةٍ على النفس، أن يجعل الفرض فيها بصيغة (كتب)، كقوله تعالى: ﴿كتب عليكم القتال وهو كُرهٌ لكم﴾، لأن الله عز وجل لو قال: (فرض عليكم القتال) أو قال: (فرض عليكم الصيام)، لكان وقع أمر وإلزام الفريضة أقل من كلمة (كتب)، وهذا من باب الاسئناس والحِكم، لأن كلمة (كتب) تحمل معنى فرض وزيادة، وهذه الزيادة هي: أن هذا الأمر قد فرضه الله عليك وسجّله عنده.

ولنضرب على ذلك مثالاً: أنا أقدم لك قرضاً، ثم أسجل عليك هذا القرض، وأجعلك توقع عليه. فأنت تشعر بأن هذا الدين صار آكد في ذمتك مما لو اقترضتَ ولم يُكتب عليك سند. لذلك كلمة (كتب) تحمل معنى فُرض وزيادة، والزيادة هي: التوثيق، والإنسان يلتزم بالأمر ويلتزم بتوثيق الأمر بالأمر أكثر، يعني: يلتزم بالأمر إذ يوثّق أكثر، لأن الإنسان يريد أن تكون رقبته محررة، فعندما تقول له: آمرك بكذا. فأنت تمسك رقبته، لكنك عندما تسجل وتكتب هذا الأمر عليه، تمسك رقبته أكثر، ومن هنا قال الله عز وجل: ﴿كتب عليكم الصيام﴾.

﴿ كتب عليكم الصيام﴾: لا أريد أن أعيد شرح الفرق بين الصيام والصوم، فهذا شرحته بشكل مستوفى في السنوات الماضية، وفي كتابي الذي سمّيته (مسيرة صائم)، ولو عدتم إلى الكتاب أو إلى أرشيف السنة الماضية، فستجدون أني قد ذكرت ذلك بتفصيل شديد وقوي وموسع.

﴿كما كتب على الذين من قبلكم﴾: لأن الإنسانية متساوية من حيث الشعور، ومن حيث العلاقة مع الأمر، فالله عز وجل قال: ﴿كما كتب على الذين من قبلكم﴾ ولم يقل: (كما فرض على الذين من قبلكم)، لأن هذا يعني: أنكم أنتم وهم سواء، من حيث ضرورة التوثيق، ولأنكم تستشعرون الأمر، والالتزام بالأمر، أكثر عندما يوثّق، فأنتم وإياهم سواء في هذه القضية. ولكن ما الذي كُتب على الذين من قبلنا ؟ هل كُتب صيام رمضان، أم كُتب مطلق الصيام، أم كتب الإمساك ؟ والإمساك هو دلالة الصيام. هنالك ثلاثة احتمالات. أما الذي أراه وأرجحه: أن الذي كُتب على الذين من قبلنا هو صيام شهر رمضان، فيصبح معنى الآية:﴿ كما كتب على الذين من قبلكم﴾ أي كما كتب الصيام في رمضان على من كان قبلكم. يعني أن الله عز وجل كان قد فرض الصيام في رمضان على من كان قبلنا.

قد يسألني أحدكم: لِمَ اخترت هذا الجواب ؟ وما مرجحات اختيار هذا الجواب ؟ أقول: بأن مرجحات فريضة الصيام، هو أن صيام شهر رمضان يجب أن يمرّ به الإنسان في سائر فصول السنة، حتى يجرّب الصيام في الشتاء والصيف والربيع والخريف، فإذا كان الصيام في رمضان، فإنه سيدور في كل فصول السنة، أما إذا كان الصيام، كما يفعل المسيحيون اليوم، في الأشهر الشمسية، فلن يدور الصيام في كل فصول السنة، وبهذا لا يؤدّي الصيام غرضه، بينما إذا كان الصيام يدور في كل فصول السنة، فإنه سيؤدي غرضه أكثر، من خلال تعويد الإنسان على الإمساك عن الطعام والشراب، ومن خلال التغلب على شهوته.

هذه الناحية، بالنسبة لي، ترجّح أن الصيام كان على من قبلنا في شهر رمضان، أي في شهر قمري وليس في شهر شمسي. وقد قرأنا في التاريخ، وهذا الذي قرأناه قد يكون صحيحاً وقد يكون مبالغاً فيه، هو:

أن شهر رمضان كان مفروض الصيام على من كان قبلنا، لكن هؤلاء وجدوا شدة ومشقة في ذلك، فطلبوا من كهنتهم أن يخففوا عنهم، والدين آنذاك قد تغير وتبدل وأصبح بأيدي الناس بدلاً من أن يكون بيد الله عز وجل، طلبوا من كهنتهم أن يُخففوا عنهم، فاستجابوا لهم وجعلوا الصيام في فترة شتوية، وهذا ما نراه عند المواطنين المسيحيين المساكنين معنا، والذين نحترمهم ونقدِّرهم على أنهم مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

جعل الكهنة الصيام بدلاً من أن يدور في كل السنة، جعلوه في فترة شتوية محددة، في نيسان أوفي كانون على ما أعرف. ثم بعد ذلك وجد هؤلاء أيضاً شدة و مشقة، فطلبوا من الكهنة أن يكون الإمساك عن بعض الطعام، مقابل أن يصوموا أربعين يوماً بدلاً من ثلاثين. ثم بعد ذلك طلبوا التخفيف أكثر مقابل إضافة سبعة أيام، فجعلوه لهم سبعة وأربعين يوماً، ثم بعد ذلك صار خمسين يوماً، ثم بعد ذلك أُضيف عشرة أيام قبلها وعشرة بعدها... وكثر الصيام، لكن هذا الصيام أصبح كما يقال: (صيام الإنسان على كيفه).

وللأسف أيضاً يا إخوتي، أن صيامنا اليوم هو جيد من حيث الشكل، لكن دخله هِنات وهنات من حيث الحقيقة والواقع والمضمون. فالفوضى اليوم ضاربة أطنابها، والعلاقة بين الناس الصائمين غير جيدة، والصلاة عبارة عن (إكسبريس) كما يقال في التعبير الأجنبي: أي سريعة جداً، وصلاة التراويح عبارة عن (كرنفال ومهرجان)، وهذا يخرج في صلاة التراويح ليلقي كلمة الهدى... ولقد قلت البارحة لبعض الإخوة: إن إلقاء هذه الكلمة أثناء صلاة التراويح، ستقلص من قراءة القرآن في صلاة التراويح، وكل يوم إلقاء كلمة وكلمة... وهذا كثير، وكان بإمكاني أن أمنع هذه الكلمة، من خلال رفع اقتراح للوزير، لكني ومن باب النصيحة أقول لإخوتنا الشيوخ: توقفوا عن إلقاء هذه الكلمة أثناء صلاة التراويح، أو اجعلوها ثلاثَ مرات في كل الشهر، وإلا فستكون على حساب القرآن الكريم. لذلك صارت صلاة التراويح كرنفال، والناس تنام وتكسل في رمضان، مع أن أهم غزوتين في تاريخنا حدثتا في رمضان، في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ غزوة الفتح وغزوة بدر. لأن رمضان يقوي الإرادة، فدعونا نعيش مع رمضان بطعامه وشرابه المتواضع، وبإنفاقه الكبير. فقد كان سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس في رمضان، وكان أجود من الريح المرسلة، وأجود ما يكون في رمضان، أي كان يضاعف الجود والعطاء.

﴿لعلكم تتقون﴾: ولها ثلاثة تفسيرات( دلالات):

1-    إما أن يكون المعنى﴿لعلكم تتقون﴾: أي لعلكم تتقون عقاب ربكم من خلال الالتزام بأمر الصيام، أي إذا صمتم جعلتم وقاية بينكم وبين عقاب الله عز وجل... وهذا معنى عام.

2-    إما أن يكون المعنى﴿لعلكم تتقون﴾: أي تتقون المحرمات من خلال القضاء على أسبابها، ومن خلال تضعيف أسبابها المؤدية إليها، فالإنسان اليوم في رمضان، عندما لا يأكل ولا يشرب، فإنه سوف تضعف شهوته على الحرام، وسوف تضعف رغبته في ارتكاب المعاصي والمحرمات. لأن النفس تطلب الحاجة الحالَّة (الطعام والشراب) قبل الحاجة الغير حالَّة (المعاصي والشهوات) فالنفس في رمضان تكون صافية بعيدة عن الحرام، من خلال قلة الطعام والشراب، وأنا أنصحكم أن تخففوا من الطعام أيضاً عند الإفطار، وأن تعتمدوا على نوع واحد من الطعام، من أجل أن يأخذ الصيام مجراه، وأن يفعل فينا الفعلة الطيبة الحسنة، وأن يأخذ إنتاجه ويعطي ثمرته في هذا الشهر المبارك. وآمُل أن نكون كذلك.    

3-    إما أن يكون المعنى﴿لعلكم تتقون﴾:أي لعلكم تعيشون حالة التقوى، والتقوى تعني: إخلاصاً، أي لعلكم تعيشون الإخلاص في دواخلكم، لعلكم تكونون مخلصين وأنتم تقومون بكل أعمالكم، لأن الصيام يعلم الإخلاص، كما قلنا فيما سبق: الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) لماذا قال:(لي) ؟ لأن الصوم لا يُرى، بينما الصلاة مرئية، والزكاة مرئية، والحج مرئي، والشهادة مرئية. أما الصوم فغير مرئي. مَن الذي يعلم بصيامك ؟ إنه الله عز وجل. فالمعنى الثالث﴿لعلكم تتقون﴾: أي لعلكم تتدربون على الإخلاص، من خلال ممارسة عبادة الصيام، التي هي عبادة سرية لا يعلمها إلا الله عز وجل.

أنت الآن لا تأكل، وتقول عن نفسك بأنك صائم، لكن يمكن أن لا تأكل أمامي، وتأكل بينك وبين نفسك وتقول لي بأنك صائم وأنا سأصدقك، لكن عندما أجلس معك طوال النهار ثم تقول لي بعد ذلك: أنا أصلي فلن أصدقك، لأن الصلاة مرئية ويجب أن تكون أمامي، فالصيام فعلاً هو عبادة سرية. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا ويجعلنا من أهل الصيام والقيام.

ألقيت بتاريخ :14/9/ 2007

التعليقات

اسيا

تاريخ :2011/08/03

سلام الله عليكم و رحمته و تعالى, سالتني ابنتي و ما عرفت الاجابة! و اسفت لي نفسي و لابنتي على جهلي لديني. كان سؤالها : كيف كتب الصيام و رمضان على البشرية, اي من سبق امة محمد "صلى الله عليه وسلم" لهما؟ افيدونا افادكم الله, جزاكم عنا كل خير, و شكرا

شاركنا بتعليق